80 % من النازحين السوريين في لبنان يريدون العودة إلى بلدهم

مفوضية اللاجئين أعادت توطين 52 ألفاً في بلدان أخرى

TT

80 % من النازحين السوريين في لبنان يريدون العودة إلى بلدهم

تتابع هناء (44 عاما)، وهي نازحة سوريا تركت وعائلتها المؤلفة من 3 أولاد مدينتها حلب منذ عام 2012 لتستقر في أحد أحياء الضاحية الجنوبية في بيروت، من كثب، كل ما يتم تداوله عن خطط جديدة للحكومة اللبنانية للتعامل مع ملف النازحين السوريين بهدف تسريع عودتهم إلى بلدهم. هناء التي تقدمت لدى مفوضية اللاجئين قبل نحو عامين بطلب للانتقال للعيش في بلد ثالث، تبدو قلقة من أي إجراءات تتخذ قريبا لدفعها وعائلتها للعودة إلى حلب، لأنها تعتبر أن ذلك سيضع حدا لحلمها بالانتقال إلى كندا أو أستراليا لبدء حياة جديدة بعيدا عن المشقات التي تؤكد أنها ستنتظرها وعائلتها في سوريا.
هناء واحدة من آلاف السوريين الذين يعيشون في لبنان والذين يحلمون بالمغادرة إلى بلد آخر بعد تقدمهم بطلبات لمفوضية اللاجئين التي ساهمت بانتقال 52.045 نازحا سوريا من لبنان إلى دول أخرى منذ عام 2011. وبحسب الناطقة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد، تختلف المدة بين قبول طلب «إعادة توطين» اللاجئ ومغادرته، وفقا لمكان وجوده، ومتطلبات ما قبل المغادرة في دولة «إعادة التوطين»، وقد تبلغ عاما أو أكثر. ورغم الحماسة الكبيرة التي يبديها قسم كبير من النازحين السوريين في لبنان للمغادرة إلى بلد ثالث، تؤكد أبو خالد أن أكثر من 80 في المائة من النازحين في لبنان يريدون العودة إلى بلدهم.
وتقول أبو خالد إن المفوضية تقدمت بطلبات لإعادة توطين 86.500 لاجئ موجودين في لبنان بينهم 74.664 نازحا سوريا في 22 دولة منذ 8 سنوات، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن 62.500 منهم، بينهم 52.045 سوريا غادروا بالفعل.
وفي عام 2018، قدمت المفوضية ملفات أكثر من 81.300 لاجئ في العالم كله، لتنظر فيها بلدان «إعادة التوطين»، ونتج عنها مغادرة 55.600 شخص. وبحسب الجنسية، فإن المستفيدين الرئيسيين من برامج «إعادة التوطين» خلال العام الماضي كانوا لاجئين سوريين، حيث بلغ عددهم 28.200 شخص، 9800 منهم غادروا لبنان.
وتعني «إعادة التوطين» إرسال اللاجئ إلى بلد ثالث، غير بلده الأصلي وغير البلد الذي وصل إليه لأول مرة. وهذا ينطبق فقط على من يتم الاعتراف بهم كلاجئين من قبل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ويشارك 35 بلداً في برنامج إعادة التوطين التابع للمفوضية، بعد أن كان عدد البلدان المشاركة 27 دولة في عام 2008. وتأتي الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة على رأس قائمة الدول التي استضافت لاجئين، تليها كندا وأستراليا وبلدان شمال أوروبا.
وينقسم اللاجئون الذين تعمل المفوضية على ملفاتهم ضمن برنامج «إعادة التوطين» إلى أكثر من فئة، ومنها: احتياجات الحماية القانونية أو المادية، وعدم وجود حلول بديلة في المدى المنظور، وناج من عنف أو تعذيب، ونساء وفتيات معرضات للخطر، واحتياجات طبية، وأطفال وفتيان معرضون للخطر، ولم شمل الأسر.
وقد حذرت المفوضية في يونيو (حزيران) الماضي من اتساع الفجوة بين عدد اللاجئين المحتاجين إلى إعادة التوطين وفرص إعادة التوطين التي توفرها الحكومات في أنحاء العالم. وفي تقريرها حول توقعات احتياجات إعادة التوطين العالمية لعام 2019 الذي تم تقديمه في منتداها السنوي حول هذا الموضوع في جنيف، أفادت المفوضية بأن عدد اللاجئين الذين يحتاجون إلى حل في بلدان ثلاثة ارتفع إلى ما يُقدر بـ1.4 مليون في عام 2019.
في حين كان عدد فرص إعادة التوطين قد انخفض عالمياً إلى 75.000 فقط في عام 2017. واستناداً لهذه الأرقام، فسوف يستغرق الأمر 18 عاماً لإعادة توطين اللاجئين من الفئات الأشد ضعفاً في العالم.
ويشير التقرير إلى أن لاجئين من 36 جنسية بحاجة إلى إعادة توطين من بين 65 عملية تجري في بلدان حول العالم. وقد شكل اللاجئون من سوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ثلثي اللاجئين الذين تقدمت المفوضية بطلبات لإعادة توطينهم في عام 2017.
ولا ينتظر كثير من النازحين السوريين، وبخاصة غير المسجلين لدى مفوضية اللاجئين، التدابير والإجراءات الرسمية التي قد تسمح بمغادرتهم إلى بلد ثالث، لذلك نشطت في السنوات الماضية الهجرة غير الشرعية عبر البحر ما أدى إلى موت عدد كبير منهم غرقا.



«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
TT

«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)

تثير تحركات تشكيل «حكومة موازية» في السودان، مخاوف مصرية من تفكك البلاد، التي تعاني من حرب داخلية اندلعت قبل نحو عام ونصف العام، وشردت الملايين. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن «بلاده مع استقرار السودان ومع بسط سيادته على كل الأراضي السودانية»، مشيراً إلى أن «هذا أمر ثابت في السياسة الخارجية المصرية ولا يمكن أن تتزحزح عنه».

واعتبر وزير الخارجية، في مؤتمر صحافي مشترك، مع المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط دوبرافكا سويتشا، «تشكيل أي أطر موازية قد تؤدي إلى تفكك الدولة السودانية خطاً أحمر بالنسبة لمصر ومرفوضاً تماماً»، مضيفاً: «ندعم الشرعية. ندعم مؤسسات الدولة السودانية، وندعم الدولة، لا ندعم أشخاصاً بأعينهم».

ويرى خبراء ومراقبون، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن الموقف السياسي المصري الداعم بقوة لمؤسسات الدولة، والرافض لتشكيل أي أطر موازية، هدفه حماية السودان من التمزق، لكنه يظل رهن تباينات إقليمية تعقد حل الأزمة.

ويمهد توقيع «قوات الدعم السريع» وحركات مسلحة وقوى سياسية ومدنية متحالفة معها بنيروبي، الأسبوع الماضي، على «الميثاق التأسيسي»، الطريق لإعلان حكومة أخرى موازية في السودان، في مواجهة الحكومة التي يقودها رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» من القاهرة، قبل أيام، عدَّ وزير الخارجية السوداني، علي يوسف الشريف، أن تحرك تشكيل «حكومة موازية» في مناطق سيطرة قوات «الدعم السريع» لا يحظى باعتراف دولي، مشيراً إلى أن «دولاً إقليمية ودولية تدعم موقف بلاده في هذه القضية».

وجددت مصر، الأحد، رفضها مساعي تشكيل «حكومة موازية» بالسودان، ووصفت الخارجية المصرية، في بيان رسمي، الأحد، ذلك، بأنه «محاولة تهدد وحدة وسيادة وسلامة أراضي السودان».

وأضاف البيان أن تشكيل حكومة سودانية موازية «يُعقد المشهد في السودان، ويعوق الجهود الجارية لتوحيد الرؤى بين القوى السودانية، ويفاقم الأوضاع الإنسانية»، فيما طالبت كافة القوى السودانية بتغليب المصلحة الوطنية العليا للبلاد والانخراط في إطلاق عملية سياسية شاملة دون إقصاء أو تدخلات خارجية.

وحسب الوزير المصري عبد العاطي، فإن «مصر على تواصل مع كل الأطراف المعنية لنقل وجهه نظرها وموقفها الواضح والثابت»، وأضاف: «بالتأكيد نحن مع السودان كدولة، ومع السودان كمؤسسات، ومع السودان بطبيعة الحال لفرض سيادته وسيطرته على كل الأراضي السودانية».

وتستهدف مصر من رفض مسار الحكومة الموازية «دعم المؤسسات الوطنية في السودان، حفاظاً على وحدته واستقراره، وسلامته الإقليمية»، وفق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تعمل على حشد الدعم الدولي والإقليمي لوقف الحرب ونفاذ المساعدات الإنسانية، ووضع خطط لإعادة الإعمار».

وتنظر القاهرة لحكومة بورتسودان باعتبارها الممثل الشرعي للسودان، والمعترف بها دولياً، وفق حليمة، ودلل على ذلك بـ«دعوة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، للأمم المتحدة، وزيارة دول مختلفة، كممثل شرعي عن بلاده».

وترأس البرهان وفد السودان، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويعتقد حليمة أن إجهاض مساعي «الحكومة الموازية» لن يتحقق سوى بـ«التوافق على مسار سياسي، من خلال حوار سوداني - سوداني، تشارك فيه كل الأطراف، ويفضي لتشكيل حكومة مدنية مستقلة لفترة انتقالية»، وطالب بالبناء على مبادرة مصر باستضافة مؤتمر للقوى السياسية السودانية العام الماضي.

وجمعت القاهرة، في شهر يوليو (تموز) الماضي، لأول مرة، الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية السودانية، في مؤتمر عُقد تحت شعار «معاً لوقف الحرب»، وناقش ثلاث ملفات لإنهاء الأزمة السودانية، تضمنت «وقف الحرب، والإغاثة الإنسانية، والرؤية السياسية ما بعد الحرب».

في المقابل، يرى المحلل السياسي السوداني، عبد المنعم أبو إدريس، أن «التحركات المصرية تواجه تحديات معقدة، بسبب دعم دول إقليمية مؤثرة للقوى الساعية لتشكيل حكومة موازية، في مقدمتها (الدعم السريع)»، مشيراً إلى أن «الموقف المصري مرهون بقدرتها على تجاوز الرفض الدبلوماسي، وقيادة تحركات مع الفرقاء السودانيين وحلفائها في الإقليم».

ويعتقد أبو إدريس، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن اختراق القاهرة لأزمة «الحكومة الموازية»، «لن يكون سهلاً، في ضوء تأثير الجهات الدولية والأطراف الداعمة للقوى السودانية التي تقف خلف هذه الحكومة»، وقال إن «مصر تخشى أن تقود تلك التحركات إلى انفصال جديد في السودان، ما يمثل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية».

ورغم هذه الصعوبات، يرى القيادي بالكتلة الديمقراطية السودانية، مبارك أردول، أن الموقف المصري مهم في مواجهة الأطراف الإقليمية الداعمة لمسار الحكومة الموازية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رفض القاهرة يؤكد أن السودان لا يقف وحده في هذه الأزمة»، وأن «هناك أطرافاً إقليمية داعمة لوحدة واستقرار السودان».

وتعتقد مديرة وحدة أفريقيا في «مركز الأهرام للدراسات السياسية»، أماني الطويل، أن «المواقف الرافضة لهذه الحكومة، التي صدرت من مصر والأمم المتحدة ودول أخرى، يمكن أن تُضعف من الاعتراف الدولي والإقليمي للحكومة الموازية، دون أن تلغيها».

وباعتقاد الطويل، «سيستمر مسار الحكومة الموازية بسبب رغبة شركات عالمية في الاستفادة من موارد السودان، ولن يتحقق لها ذلك إلا في وجود سلطة هشّة في السودان»، وقالت: «الإجهاض الحقيقي لتلك التحركات يعتمد على التفاعلات الداخلية بالسودان، أكثر من الموقف الدولي، خصوصاً قدرة الجيش السوداني على استعادة كامل الأراضي التي تسيطر عليها (الدعم السريع) وخصوصاً دارفور».