تركيا ترفع الضرائب على الودائع بالعملات الأجنبية إلى 18 %

نبهت «موديز» إلى زيادة تعرّض تركيا للمخاطر الخارجية بسبب الاحتياجات المتزايدة للتمويل الخارجي وارتفاع عجز الحساب الجاري (رويترز)
نبهت «موديز» إلى زيادة تعرّض تركيا للمخاطر الخارجية بسبب الاحتياجات المتزايدة للتمويل الخارجي وارتفاع عجز الحساب الجاري (رويترز)
TT

تركيا ترفع الضرائب على الودائع بالعملات الأجنبية إلى 18 %

نبهت «موديز» إلى زيادة تعرّض تركيا للمخاطر الخارجية بسبب الاحتياجات المتزايدة للتمويل الخارجي وارتفاع عجز الحساب الجاري (رويترز)
نبهت «موديز» إلى زيادة تعرّض تركيا للمخاطر الخارجية بسبب الاحتياجات المتزايدة للتمويل الخارجي وارتفاع عجز الحساب الجاري (رويترز)

قررت الحكومة التركية زيادة الضريبة على فوائد الودائع بالعملات الأجنبية التي تزيد مدتها على عام واحد من 13 إلى 18 في المائة. وبحسب قرار نشر في الجريدة الرسمية التركية أمس (الخميس)، فإن الفائدة على ودائع العملات الأجنبية التي تزيد على عام ستكون 20 في المائة.
وتعاني تركيا منذ العام الماضي من أزمة مالية شديدة مع نقص في موارد النقد الأجنبي، ما أدى إلى تراجع حاد في سعر الليرة التركية أمام الدولار ودفع السلطات المالية والنقدية في البلاد إلى اتخاذ الكثير من الإجراءات الرامية إلى تشجيع الناس على تحويل مدخراتهم بالعملة الأجنبية إلى العملة المحلية.
وفي غضون ذلك، تراجعت بورصة إسطنبول بنحو 1.5 في المائة في ختام تعاملات أول من أمس (الأربعاء)، وسط تخوفات المستثمرين من ظهور بيانات اقتصادية سلبية تعكس الحالة التي تعيشها السوق التركية، استمرارا لبيانات سلبية سابقة، آخرها الأسبوع الجاري.
وبحسب البيانات، التي نشرت على موقع بورصة إسطنبول أمس (الخميس)، تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بنسبة 1.49 في المائة، أو قرابة 1551.4 نقطة، لتستقر قراءة المؤشر عند 103.310 ألف نقطة. وكانت قراءة المؤشر الرئيسي للبورصة، قد أغلقت، الثلاثاء، عند 104.861 ألف نقطة.
وتراجع إنتاج قطاع الصناعات التحويلية في تركيا بنسبة 7.3 في المائة على أساس سنوي في يناير (كانون الثاني) الماضي، للشهر الخامس على التوالي مع انزلاق الاقتصاد إلى الركود.
ونتيجة لبيانات قطاع الصناعات التحويلية، تذبذب مؤشر الصناعة في تركيا خلال تعاملات الأسبوع الجاري، وسط حالة من عدم اليقين السياسي والمالي الذي تشهده البلاد. وأظهر تقرير لوزارة الخزانة الأميركية، صدر منذ أيام، أن استثمارات تركيا في السندات وأذون الخزانة الأميركية تراجعت لأدنى مستوى في أكثر من 12 عاما، إلى 3.173 مليار دولار حتى نهاية يناير الماضي، مقارنة مع 7.44 مليار دولار بنسبة 57.3 في المائة، حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2018.
وفي 16 أغسطس (آب) الماضي، وعلى خلفية التوتر بين واشنطن وأنقرة بسبب محاكمة القس الأميركي أندرو برانسون في تركيا بتهم تتعلق بدعم الإرهاب، هبط مؤشر بورصة إسطنبول الرئيسي إلى 87.1 ألف نقطة، وهو أدنى مستوى منذ بداية تعاملات فبراير (شباط) 2017 البالغ حينها 86.8 ألف نقطة.
وفي سياق متصل، نبهت وكالة «موديز» الدولية للتصنيف الائتماني إلى زيادة تعرّض تركيا للمخاطر الخارجية، بسبب احتياجات الحكومة المتزايدة للتمويل الخارجي من جهة وارتفاع عجز الحساب الجاري من جهة أخرى. وأظهر رصيد الحساب الجاري التركي عجزاً بلغ 813 مليون دولار في يناير الماضي، بعد تسجيل فوائض طفيفة العام الماضي، في ظل ارتفاع تكلفة الواردات بسبب انهيار العملة وضعف الطلب المحلي. وتوقعت الوكالة أن يكون للتدهور الحاد في الطلب المحلي وظروف التمويل، تأثير جوهري على آفاق النمو في تركيا. وكانت «موديز» خفضت التصنيف الائتماني السيادي لتركيا إلى «بي إيه 3» مع نظرة مستقبلية سلبية في أغسطس الماضي.
وفي الوقت ذاته، ذكر تقرير لوكالة « بلومبرغ» الأميركية أن الانهيارات الاقتصادية التي تشهدها تركيا تهدد استمرار تفوق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزبه (العدالة والتنمية الحاكم) على الانتخابات المحلية التي تشهدها البلاد في 31 مارس (آذار) الجاري.
وقال التقرير إن إردوغان كثف زياراته وحملات حزبه في أكبر مدينتين تركيتين (إسطنبول وأنقرة)، اللتين شهدتا أكبر الضرر نتيجة التراجعات الاقتصادية الحادة والمتزايدة خلال الشهور الماضية.
وبحسب التقرير، يشهد الاقتصاد التركي، منذ أغسطس الماضي، موجة انهيار كبيرة في أسواق الصرف أثرت بشكل سلبي على سعر الليرة التركية مقابل الدولار، من 4.7 ليرة للدولار في يوليو (تموز) 2018 إلى 5.47 ليرة حاليا. وأثرت أزمة أسواق الصرف في تركيا، على مختلف القطاعات الاقتصادية، إذ صعدت نسب التضخم خلال الشهور الماضية لأعلى مستوياتها في 15 عاما، وتخارجت استثمارات أجنبية ومحلية، وتراجعت وفرة النقد الأجنبي في السوق المحلية. ولفت التقرير إلى قول الرئيس إردوغان في كلمة في تجمع انتخابي الأسبوع الماضي إن «انتخابات 31 مارس الجاري تعتبر مسألة حياة أو موت... لن ننتخب رؤساء البلديات فحسب، لكننا سنقوم بالتصويت لصالح مستقبلنا».
وقالت الوكالة إن الخلفية الاقتصادية لتركيا مظلمة جدا، بينما يستعد الأتراك للتصويت، حيث بلغت البطالة في 2018 أعلى مستوى في 9 سنوات.
في المقابل، أجبر التضخم المتفشي الحكومة التركية على فتح أكشاك بيع سلع مخفضة لعزل الفقراء عن تأثير انهيار العملة في العام الماضي.
ونتيجة لأزمة أسواق النقد التركية، استنزفت تركيا استثماراتها الخارجية في السندات وأذون الخزانة الأميركية، التي تراجعت لأدنى مستوى في 12 عاما، بحسب التقرير.
على صعيد آخر، قال اتحاد أصحاب الأعمال التركي إن سعر البنزين سيزيد مرة أخرى بواقع 13 سنتا. ونقلت وسائل إعلام تركية عن الاتحاد أن سعر لتر البنزين سيصبح 6.68 ليرة (نحو 1.5 دولار) للتر الواحد بدلاً عن 6.55 ليرة في مدينة إسطنبول، مشيرا إلى أن سعر لتر البنزين في أنقرة سيصبح 6.72 ليرة بدلا عن 6.66 ليرة، فيما سيصبح في إزمير 6.72 بدلا من 6.26 ليرة. ولفت الاتحاد إلى أن الأسعار التي تحددها شركات التوزيع قد تختلف اختلافاً طفيفاً عن الشركات والمدن نظراً لقدرتها التنافسية وحريتها.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.