إقرار «لائحة جزاءات» إعلامية في مصر يفجر انتقادات ودعوات لإسقاطها

«الأعلى للإعلام» امتلك بموجبها سلطة حظر نشر دائمة

TT

إقرار «لائحة جزاءات» إعلامية في مصر يفجر انتقادات ودعوات لإسقاطها

أثار إصدار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، لائحة «جزاءات» تتعلق بوسائل الإعلام الصحافية والتلفزيونية، ردود أفعال رافضة في أوساط نقابية وحقوقية، خصوصاً في ما يتعلق بفرض «عقوبات بناءً على توصيفات فضفاضة»، على ما رأى مناوئون للائحة، وفي مقابل ذلك دافع مؤيدون لها بالقول إنها تتعلق بضرورة «استتاب الأمن والاستقرار».
ونشرت جريدة «الوقائع المصرية» (الرسمية المخصصة لنشر القرارات)، أول من أمس، قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 16 لسنة 2019، بشأن «إصدار لائحة الجزاءات والتدابير التي يجوز توقيعها على الجهات الخاضعة لأحكام قانون تنظيم الإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام».
وفور نشر بنود اللائحة البالغة 29 مادة، انفجرت تعليقات منتقدة من صحافيين وإعلاميين، فيما أعلن آخرون ومن بينهم أعضاء بمجلس نقابة الصحافيين، سعيهم لتحرك قانوني لإسقاطها عبر الطعن عليها أمام مجلس الدولة.
وقبيل إصدار اللائحة المثيرة للجدل، كانت نقابة الصحافيين، ونظيرتها للإعلاميين، قد أبدتا في يناير (كانون الثاني) الماضي، ملاحظات واعتراضات على بنود اللائحة وأبلغتها للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
ومن بين أبرز المواد التي يستند إليها رافضو اللائحة في موقفهم، ما يتعلق بمنح «الأعلى للإعلام» سلطة «حجب المواقع الإلكترونية، وإصدار قرارات حظر نشر مؤقتة ودائمة في بعض الأحيان».
بدوره عدّ ضياء رشوان نقيب الصحافيين المصريين، الذي انتُخب قبل أقل من أسبوع، أن «بعض مواد اللائحة أثارت بعض اللغط والاعتراض على نطاق واسع في أوساط الجماعة الصحافية المصرية عموماً وأعضاء نقابة الصحافيين خصوصاً».
ونوّه في بيان رسمي، أمس، إلى أن النقابة «ستقارن اللائحة التي تم إصدارها بالملاحظات السابقة للنقابة، والتي وافق عليها مجلس نقابة الصحافيين بإجماع الحاضرين، وما تم الأخذ به منها وما تم تجاهله».
وشدد رشوان على أن رأي النقابة النهائي في اللائحة، سيكون في ضوء مواد الدستور وقانون النقابة وما «تضمنته جميعها من حقوق ثابتة ومستقرة للصحافيين وللنقابة دون غيرها في مساءلة أعضائها عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني».
وانتهى إلى أن «نقابة الصحافيين ستسلك السبل القانونية كافة لتأكيد هذه الحقوق الدستورية والقانونية المقررة لها، ومنع أي جهة من الافتئات عليها أو منازعتها فيها، مع فتح أبوابها لأي حوار جاد وبنّاء».
من جهته قال عضو مجلس نقابة الصحافيين، محمد سعد عبد الحفيظ، لـ«الشرق الأوسط»، إن «اللائحة منحت الشرعية لأوضاع سائدة تتعلق بحجب مواقع إلكترونية إخبارية، وحظر نشر مواد أخرى، وكان ذلك يجري خارج إطار القانون، غير أنه وبصدور هذه اللائحة باتت الجهة التي أصدرتها رقيباً مسبقاً على الإعلام، رغم أن الدستور يحظر ذلك إلا في حالة الحرب، وكذلك بات من حقه (الأعلى للإعلام) التدخل لمنع شخصيات بعينها من الظهور على وسائل الإعلام، وفق تقدير المجلس وتصوره لأثر ذلك على الأمن القومي للبلاد».
ونشبت معركة على مشروعية قرار بـ«حظر النشر» بين النيابة المصرية والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في يوليو (تموز) الماضي، على خلفية أمر أصدره الأخير لوسائل الإعلام المختلفة بوقف النشر بشأن مخالفات لمستشفى لعلاج سرطان الأطفال، كانت تواجه اتهامات بـ«إساءة استخدام أموال التبرعات». ووصف النائب العام المصري نبيل صادق، قرار «الأعلى للإعلام» بشأن حظر النشر في الواقعة بأنه «يمثل تعدياً على اختصاصات السلطات القضائية والتنفيذية المنوط بها وحدها حماية الشأن العام للدولة».
وربط عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حاتم زكريا، بين إقرار لائحة الجزاءات، وما وصفه بـ«سعي الدولة إلى أن يكون الأمن مستتباً، وتنظيم الساحة الإعلامية».
ورفض زكرياً في حديث إلى «الشرق الأوسط» تفسير البعض للائحة بأنها تتضمن «تضييقاً على حرية الصحافة»، وقال: «العقوبات تدريجية، وتم وضعها كردع في مواجهة التجاوزات المهنية والأخلاقية التي تحدث من جانب البعض».
وبشأن مدى مخالفة منح المجلس لنفسه سلطة حجب المواقع وحظر النشر، للدستور القائم في البلاد، رأى زكرياً أن «تلك الجزاءات لا تتعلق بالمواقع المهنية المصرية، التي تمارس العمل والنقد البناء، بل تستهدف مروجي الأخبار المغلوطة وغير الصحيحة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم