تضاربت روايات الأطراف الفاعلة في قضاء سنجار حول الأحداث الأمنية التي وقعت مساء أول من أمس، بين قوات الجيش و«قوات حماية سنجار» شمال القضاء، وأدت إلى مقتل جنديين وإصابة خمسة من عناصر القوات.
يظهر التضارب في التصريحات بين الأطراف المتنافسة في القضاء، سواء تلك المرتبطة بالحكومة الاتحادية، كالجيش و«الحشد الشعبي»، أو المرتبطة بـ«حزب العمال الكردستاني» والقوى الإيزيدية المتحالفة والمتنافسة معه، حجم الصراع بين مجموع تلك القوى للسيطرة على القضاء الذي احتله «داعش» في أغسطس (آب) 2014، وقام بقتل مئات الإيزيديين وسبي نسائهم. كما يظهر الأهمية «الجيوسياسية» لقضاء سنجار وجبله الشهير، وتشابك مصالح القوى الإقليمية والدولية فيه، التي غالباً ما أدت إلى تعقيد الأمور في هذه المنطقة الحساسة من العراق.
«خلية الإعلام الأمني» المرتبطة برئيس الوزراء وقيادة العمليات، أعلنت، مساء أول من أمس، أن قوة من «حزب العمال الكردستاني» اعتدت على سيطرة أمنية تابعة للفوج الأول لواء 72 التابع لقيادة عمليات نينوى، بعد أن طالب أحد الجنود عناصر القوة بـ«استحصال الموافقات الأمنية بغية السماح لها باجتياز السيطرة». وأضافت أن تلك القوة قامت بدهس الجندي والاعتداء على السيطرة، ما أدى إلى اندلاع اشتباك بين الطرفين أسفر عن مقتل جنديين من قوات الفوج الأول وإصابة خمسة من القوة.
وعادت الخلية، أمس، وعدلت روايتها لتقول إن «الاعتداء على نقطة تفتيش في قرية حصاويك بسنجار، جاء بعد تسلل مجموعة من أربعة أشخاص من الأراضي السورية باتجاه الأراضي العراقية»، مبينةً أنه «تم تطويقهم من قبل كمين من الفرقة 15 في قرية حصاويك، وأثناء تطويق الكمين حضرت قوة من (حماية سنجار) لمساعدة الأشخاص».
وفيما يتهم «مجلس الإدارة الذاتية» في سنجار المقرب من «حزب العمال الكردستاني»، الجيش العراقي، بـ«تكرار اعتدائه على أهالي سنجار، وتضييق الخناق عليهم، ومحاصرتهم عبر غلق المنفذ الوحيد مع سوريا»، تفيد مصادر إيزيدية بأن المنفذ المشار إليه مخصص لعمليات تهريب مختلف البضائع بين العراق وسوريا، وأن الحكومة الاتحادية في بغداد تسعى إلى فرض هيمنتها وقانون الدولة في سنجار.
وأصدر مجلس الإدارة الذاتية، أمس، بياناً حول الأحداث، أدان فيه ما اعتبره «هجوماً» من الجيش العراقي على «وحدات مقاومة سنجار»، التي تأسست بمساعدة «حزب العمال الكردستاني» وموالين له عقب سيطرة «داعش» على سنجار، وتمكنت من إجلاء كثير من الإيزيديين خارج القضاء وتخليصهم من قبضة «داعش».
وقال المجلس، في بيان، إن «الحكومة العراقية لم تقم بمسؤوليتها تجاه أطفال ونساء الإيزيديين، وتركتهم ضحية بيد (داعش)، ونرى أنها تهاجم المجتمع الإيزيدي بدلاً من القيام بواجبها تجاه هذا الشعب». واتهم المجلس «الجيش العراقي منذ سيطرته على المنطقة في أبريل (نيسان) 2018، بتكرار اعتدائه على أهالي سنجار وتضيق الخناق عليهم ومحاصرتهم، وأن مجيئه إلى سنجار لم يحدِث تطوراً إيجابياً يلمسه المواطنون هناك»، معتبراً أن نموذج عدم اهتمام الحكومة بسنجار وأهلها هو «قيامها بإغلاق المنفذ الوحيد الذي كان يتنفس منه أهالي سنجار، ذلك المنفذ الإنساني على الحدود السورية - العراقية الذي أنقذ عبره آلاف الإيزيديين، حين حلت عليهم هجمات الإبادة على يد (داعش)».
وخلص بيان المجلس إلى القول: «ندين بشدة هذا الاعتداء من قبل الجيش العراقي، وندعو شعبنا للوقوف أمام هذه المخططات المستهدِفة لإرادتهم الحرة».
وعن الأهمية الاستراتيجية لقضاء سنجار وحقيقة الصراع بين القوى المختلفة فيها، يقول الباحث في الشأن الإيزيدي خلدون سالم النيساني لـ«الشرق الأوسط»، إن «سنجار مثار اهتمام محلي وإقليمي ودولي، بل إن إسرائيل ذاتها مهتمة بها، ولا تسمح بسيطرة قوى معادية عليها، ذلك أن الصواريخ الـ39 التي أطلقها صدام حسين عليها عام 1991 انطلقت من على قمة جبل سنجار».
ويضيف النيساني: «الأكراد يولونها أهمية استثنائية أيضاً، نظراً لأن سنجار جزء من حدود كردستان الكبرى الجنوبية، وكذلك الأمر بالنسبة للحكومة الاتحادية التي تعتبرها جزءاً من بلادها، هذا فضلاً عن بقية الدول الإقليمية في هذه المنطقة». ويؤكد النيساني أن «سنجار هي المنطقة الوحيدة التي لم تسيطر عليها القوات الحكومية بشكل كامل، كما أن فيها إدارتين؛ القديمة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، والجديدة المرتبطة بـ(حزب العمال)، بجانب تأسيس الحكومة الاتحادية لمجلس حكماء سنجار».
وتفيد مصادر إيزيدية أخرى بأن سنجار تتصارع عليها مجموعة قوى ممثلة بقوات الحكومة الاتحادية وقوات «الحشد الشعبي» و«قوات حماية سنجار» المرتبطة بـ«حزب العمال الكردستاني»، إضافة إلى وجود «قوات حماية سنجار» المرتبطة بالحزب الديمقراطي الكردستاني و«قوات يزيد خان» التي يقودها حيدر ششو. وقد شاع في السنوات الأخيرة أن إيران تسعى إلى السيطرة على سنجار لإيصال الإمدادات العسكرية إلى حكومة بشار الأسد في سوريا، والوصول من خلالها إلى شواطئ المتوسط في إطار بسط نفوذها في المنطقة.
في سياق متصل، أكدت عمليات «الحشد الشعبي»، في بيان، أمس، أن زيارة نائب رئيس «هيئة الحشد»، أبو مهدي المهندس، إلى محافظة نينوى تفقدية، وليست من أجل إعادة انتشار ألوية «الحشد الشعبي»، ولا علاقة لها بتطورات الأوضاع الأمنية في المحافظة، وما جرى أول من أمس. لكن مصادر إيزيدية لا تستبعد أن تكون لزيارة المهندس صلة بأحداث سنجار، نظراً لعلاقاته الجيدة بـ«حزب العمال الكردستاني» و«قوات حماية سنجار».
تضارب الروايات حول صِدام بين الجيش العراقي و«قوات حماية سنجار»
تشابك مصالح القوى الإقليمية والمحلية في القضاء
تضارب الروايات حول صِدام بين الجيش العراقي و«قوات حماية سنجار»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة