فشل المطلوبون الفلسطينيون واللبنانيون الذين غادروا مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان إلى إدلب في شمال سوريا، في تأسيس كيان عسكري خاص بهم وسط التوترات الأمنية والتشظي في الولاءات الذي تعانيه الفصائل في شمال سوريا؛ وهو ما أفقد وجودهم التأثير والحيثية، فاختار بعضهم العودة، ونجح اثنان منهم في الدخول إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان مرة أخرى، وتواريا داخله.
ينظر إلى هذه العودة على أنها آخر فصول ملف معقد، بدأت إرهاصاته منذ 12 عاماً، وتأمل كثيرون أن يكون خروج المتطرفين من المخيم بموجب صفقة غير معلنة، أو غض نظر أمني على الأقل سمح بخروجهم إلى سوريا في العام الماضي، نهاية لحكاية طويلة تتجدد فصولها عند كل حادث أمني في الداخل اللبناني. لكن بدا أن العودة السرية، أعادت عقارب الأزمة إلى الوراء، رغم الهدوء الذي يعمّ المخيم منذ عام على الأقل، والاستقرار فيه واستتباب الأمن، الناتج بأكمله من التعاون الوثيق بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والقوى الفلسطينية لإبعاد المخيمات عن الأزمات، وتثبيت الاستقرار فيها. وبدأت التحضيرات لإنهاء الظاهرة الأمنية في المخيم، في عام 2017 مع نهاية وجود المتطرفين على الحدود الشرقية الحدودية مع سوريا، إثر معركتين خاض «حزب الله» اللبناني أولها ضد «جبهة النصرة» في جرود عرسال، والأخرى خاضها الجيش اللبناني ضد «داعش» في جرود راس بعلبك والقاع، أنهتا وجود المتشددين على الحدود. منذ ذلك الوقت، بدأ الحديث عن تسوية يمكن أن تجنب المخيم أزمة قتال، أسوة بمقاتلي «داعش» و«النصرة» الذين خرجوا باتجاه العمق السوري في الشمال أو الشرق. لكن السلطات اللبنانية، أعلنت رفضها أي تسوية مشابهة، بينما أعلن في وقت لاحق عن تسرب المطلوبين، وبث بعضهم مقاطع فيديو لوجوده داخل سوريا؛ ما رسم علامات استفهام حول طريقة خروجهم بالتواري؛ وهو ما فتح شهية الأسئلة حول ما إذا كان هناك غض نظر أمني لإنهاء حالة التوتر في المخيم.
وفي ربيع عام 2017، أعلن الفلسطيني بلال بدر الذي يصنّف كأحد أخطر المتشددين في مخيم عين الحلوة مغادرته إلى سوريا، حيث استقر في محافظة إدلب شمال غربي سوريا التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام»، وذلك بعد ضغوط من الفصائل الفلسطينية تطالب المطلوبين أمنياً بمغادرة المخيم الذي شهد جولات قتال بين تلك الفصائل والمتشددين الذين تنامى عددهم في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، حتى أنهم باتوا يشكلون تهديداً للمخيم.
واختبر المخيم منذ 2017، معركتين قاسيتين ضد المطلوبين والمحسوبين على فصائل متطرفة، كان آخرها، وأقساها في 2018، وكانت نهاية لهذا الوجود المتطرف، سواء للبنانيين المطلوبين في داخله أم للفلسطينيين. وعلى أثر الأنباء عن خروج المطلوبين البارزين من المخيم إلى إدلب في شمال سوريا، تحدثت معلومات عن تجمع هؤلاء تحت لواء فصيل عسكري واحد يجمعهم حمل عنوان «سَرية غرباء فلسطين». هذه السرية، تشكلت إثر لقاء الفلسطينيين الفارين من مخيم عين الحلوة. وضمَّت السرية بلال بدر ونحو 10 فلسطينيين من عين الحلوة، إضافة إلى فلسطينيين من الأردن وسوريا.
لكن مصادر مواكبة لحركة هؤلاء في إدلب، أبلغت «الشرق الأوسط»، أن الفصيل الذي تم تشكيله «لم يكتب له النجاح»، مرجعاً السبب إلى «قلة عدد الخارجين إلى إدلب، والمنضوين في السرية». وقالت: «قتل أبرزهم الشيخ إبراهيم خزعل المعروف بأبي محمد الفلسطيني في معارك في شمال سوريا» وهو من أسس السرية بعد أن التقى أمير «جبهة النصرة» أبو مالك التلّي، وعدداً من قيادات الصف الأول في «هيئة تحرير الشام» في إدلب. وأشارت المصادر إلى أنه «لم يبقَ من المغادرين إلى إدلب سوى اللبناني شادي المولوي». أما الفلسطينيون الآخرون: «فقد عاد منهم بلال بدر، وهيثم الشعبي المعروف باسم أبو مصعب المقدسي»، مشيرة إلى أن هذين الشخصين «عادا بالسر، وتواريا عن الأنظار، رغم أن عودتهما أثارت بلبلة رغم أنه لا نشاط لهما، ولا يتمتعان الآن بأي حيثية»، مشددة على أن «لا أحد استطاع أن يحدد موقع بلال بدر». وبحسب المصادر، فإن بلال بدر «استفاد من إنجاز أمني له يتمثل في أنه لا صورة له، وهو غير معروف؛ لذلك لا يمكن التعرف عليه، ولم يشاهده أي أحد في السابق، وهي ميزة تخوله الدخول والخروج وفق آلية تخفٍ أمني، لا يستطيع أحد اكتشافها»، مشددة على أنه «لا تواصل له مع أحد، ولا نشاط له أصلاً، وبالتالي، هو موجود ومختبئ بلا أي حيثية».
ولم ينفِ نائب قائد الأمن الوطني الفلسطيني، اللواء منير المقدح، عودة بعض المطلوبين إلى المخيم، بعد خروجهم منه. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا نعرف كيف يخرجون ولا كيف يدخلون»، لكنه شدد على أن هؤلاء «لا خطر يترتب على وجودهم»، مضيفاً: «تبددت المخاوف» منهم، حتى عندما كانوا موجودين وقبل رحيلهم، فهؤلاء لا يشكلون أي خطر استراتيجي على المخيم ولا على الجوار بعد إضرابات نفذوها وكان آخرها قبل عام.
الوضع مستقر
وأشار المقدح إلى معلومات تحدثت عن أن أحد المطلوبين من آل المصري يخرج من المخيم ويعود إليه، بينما «هيثم الشعبي موجود في الطوارئ، ولم تثبت المعلومات عن خروجه إلى إدلب في السابق»، أما بلال بدر «فثمة معلومات عن أنه عاد، لكنه يتوارى عن الأنظار، ولم ترصد أي حركة له أو وجود، ولا تأثير له».
وقال المقدح: «الوضع في المخيم مستقر. لا توتر، ولا اقتتال منذ أكثر من عام. ارتاح المخيم لأن المشروع الكبير للمتشددين على حدود لبنان الشرقية تم ضربه، وساهمت الضربات الاستباقية للأجهزة الأمنية اللبنانية والإجراءات الفلسطينية بالتنسيق مع الدولة اللبنانية في إنهاء تحركاتهم، وتحجمت حالاتهم».
ويقول سكان المخيم: إن المطلوبين للدولة اللبنانية، كانوا يقدرون قبل عام 2016 بنحو 150 شخصاً، غادر بعضهم المخيم، في حين أوقفت الأجهزة الأمنية اللبنانية البعض الآخر من المطلوبين الخطرين في عمليات أمنية في داخل المخيم بتنسيق مع القوى الأمنية الفلسطينية، في حين سلمت القوى الفلسطينية بعضهم إلى الدولة اللبنانية. أما الباقون في المخيم، فلا يتخطى عددهم أصابع اليد، وغير مؤثرين.
وأشار المقدح إلى أنه بعد تسلم القوى الأمنية زمام الأمن في المخيم إثر موجتي الاقتتال العنيفتين الأخيرتين، سلم 60 مطلوباً أنفسهم للدولة اللبنانية، وهم من الفلسطينيين، في حين سلم بعضهم الآخر نفسه للقوة الفلسطينية التي سلمتهم للسلطات اللبنانية، لافتاً إلى حالات تم تفكيكها بالترهيب والترغيب. وقال: «من بقي من المطلوبين، فهم حتالات لا يشكلون أي كيان، لا تحرك لهم ولا تأثير، ونستطيع التأكيد أن الأمن تحت السيطرة، والوضع الأمني هادئ منذ أكثر من سنة».
فرار المطلوبين
وبينما تم احتواء الفلسطينيين، توالت عمليات فرار المطلوبين من داخل مخيم عين الحلوة في عام 2018، بينهم أربعة من أخطر المطلوبين الذين ينتمون إلى جماعة أحمد الأسير، وهم شقيقه أمجد الأسير، ومرافقه فادي البيروتي، ومدير مكتب الأسير أحمد الحريري، وفراس الدنب، وجميعهم لبنانيون، وتأكد وصولهم إلى مدينة إدلب السورية. وسبق عملية الفرار تلك، حالات مشابهة لعدد من المطلوبين، أبرزهم شادي المولوي، مسؤول «جبهة النصرة»، الذي يُعدّ من أخطر المطلوبين للقضاء اللبناني. ويعد الوحيد الذي بقي في إدلب، في حين يقول أبناء المخيم: إن بعض المطلوبين الذين غادروا باتجاه سوريا، تسرب بعضهم إلى تركيا أو مناطق داخل سوريا.
ويعتبر الشيخ إبراهيم خزعل، المعروف بأبي محمد الفلسطيني، أحد أبرز الفلسطينيين الذين قتلوا في شمال سوريا. وتحدثت تقارير إعلامية عن أنه قُتِل في الساحل السوري، وتحديداً في تلة الكبانة بريف اللاذقية خلال قتاله مع المجموعات المسلحة التابعة لـ«جبهة فتح الشام» في عام 2017. وكان خزعل متهماً بمساعدة كتائب عبد الله عزام في تفجير السفارة الإيرانية في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013.