«لحظة يمكن التعلم منها»، هذا كان وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما في يوليو (تموز) 2009، لدوره في التعليق على الخلافات الأميركية الداخلية المرتبطة بالعنصرية؛ إذ بعد أن تدخل في مشكلة بين أستاذ جامعي أميركي من أصول أفريقية ورجل شرطة أبيض، اتهمته دوائر أمنية وقيادات في الشرطة بأنه منحاز للأميركيين من أصول أفريقية، مما جعله يتراجع عن التصريحات التي أثارت ضجة في واشنطن في حينها. ولا يمكن النظر إلى الأحداث في فيرغسون بولاية ميسوري المشتعلة حاليا وعدم انخراط أوباما في النقاش الملتهب داخل الولايات المتحدة، وحتى خارجها، من دون النظر إلى حادثة صيف 2009 وحوادث ثانية حدثت منذ تسلم أوباما الرئاسة.
وعصر أول من أمس، خرج أوباما مختلفا عن ذلك الرئيس الأميركي الذي كان يمثل أملا للكثير من الأميركيين بأنه قادر على بناء الجسور داخل المجتمع الأميركي. ففي مؤتمر صحافي من البيت الأبيض، كان أوباما حريصا على عدم التدخل مباشرة في أحداث فيرغسون، قائلا: «عليّ أن أكون حذرا جدا بعد التسرع في تقييم هذه الأحداث قبل الانتهاء من التحقيقات.. وعليّ ألا أظهر كأنني أضع إبهامي على ميزان الأمور لصالح طرف أو آخر». وتحدث أوباما مطولا عن ضرورة معالجة «الأسباب الجذرية» لمشكلات الشباب من أصول أفريقية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى النظر إلى «نظام العدالة الجنائية في البلاد كي نضمن المبدأ الأساسي بأن الجميع سواسية أمام القضاء».
وللمرة الثانية في خلال 4 أيام تحدث أوباما أول من أمس عن أحداث فيرغسون. ودعا في خطاب متزن ومحسوب إلى حد كبير قوات الأمن إلى التحلي بضبط النفس والمتظاهرين إلى الابتعاد عن العنف «الذي يضعف العدالة بدلا من أن يقويها». وعندما سئل عن إمكانية التدخل «الشخصي» بشكل أكبر في هذه المأساة التي تهز أميركا منذ عشرة أيام أو حتى القيام بزيارة منطقة فيرغسون، شدد أوباما على رغبته بتوخي «الحذر الشديد» في هذه المرحلة من التحقيق.
ولكن هذا الحذر يثير غضب بين بعض الأميركيين، وخصوصا من أهالي فيرغسون. وفي مقابلة عاطفية مع قناة «إم إس إن بي سي»، قال جد الشاب المقتول مايكل براون، ليزلي ماكسبادن: «إنني صوتت لك، فتعالَ وقابلني».
لكن بعد أن أصبح سيد البيت الأبيض لم تنطلق الأمور بشكل حسن. ففي يوليو 2009 اضطر أوباما إلى الاعتذار علنا بعد أن وصف توقيف البروفسور في جامعة «هارفارد» هنري لويس غيتس بأنه عمل «أخرق» وتحدث عن دوافع عنصرية لأن غيتس كان أسود من دون أن يمتلك كل العناصر بين يديه. وفي تصريحات للصحافيين يوم 24 يوليو منذ ذلك العام، قال أوباما: «حقيقة، إن هذه القضية حصلت على هذا الاهتمام البالغ دليل على أن هذه القضايا ما زالت حساسة بشدة في أميركا»، ليواصل أنه «إلى درجة أن اختياري لكلماتي لم يوضح (الوضع)، بل زاد إلى الهيستريا الإعلامية، وهذا أمر مؤسف». ولكنه لفت إلى أن «البعض يقول لأنني رئيس الجمهورية، كان عليّ عدم التدخل في القضية لأنها محلية، ولكنني أختلف مع هذا الرأي. تفاقم هذه القضية يؤشر إلى حقيقة أن قضية العرق ما زالت قضية تثير القلق في مجتمعنا». وحذر أوباما حينها من أنه «حتى عندما يكون لدى ضابط الشرطة تاريخ جيد في مراعاة الحساسية العنصرية، التفاعل بين قوات الشرطة والجالية الأميركية - الأفريقية عادة ما تكون مليئة بسوء الفهم».
ومنذ أن أصبح الرئيس الأميركي الأول من أصول أفريقية، بفوزه انتخابات عام 2008 الرئاسية، يتساءل الأميركيون عن دور أوباما في مواجهة شبح العنصرية في البلاد ومعالجة التمييز في المجتمع الأميركي. وعبر عدد من الأميركيين عن خيبة أملهم في موقف أوباما، إذ قال الصحافي الأميركي من أصول أفريقية لدى موقع «بازفيد» الإخباري الواسع الانتشار سعيد جونز: «هل يعلم باراك أوباما بأنه لا يمكنه خوض انتخابات ولاية ثالثة»، في إشارة إلى ضرورة إظهار أوباما قدرته على القيادة بدلا من التفكير بالمصالح السياسية.
وكان أوباما تطرق أثناء حملته الانتخابية إلى مسالة العلاقات بين السود والبيض بطريقة مباشرة في مارس (آذار) 2008 في خطاب ألقاه في فيلادلفيا بعد جدل إثارته تصريحات نارية لمرشده الروحي السابق القس جيريميا رايت. وقال آنذاك: «إن العنصرية مشكلة لا يجوز أن تتجاهلها البلاد».
ومنذ نهاية ولايته الأولى حذر الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة الذي انتخب بفضل الدعم الكثيف للأقليات، من التطلعات المفرطة. وقال في مقابلة مع مجلة «رولينغ ستون» في أبريل (نيسان) 2010: «لم أؤيد مطلقا الفكرة القائلة إنه مع انتخابي سندخل بطريقة ما مرحلة ما بعد العنصرية».
ورأت شيريلين إيفيل التي تدير الصندوق من أجل العدالة، أكبر مجموعة للدفاع عن حقوق السود في الولايات المتحدة، أنه أمر صحي أن يقف الرئيس على مسافة معينة من الأحداث. وقالت في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية: «علينا الانتباه إلى عدم المطالبة بالكلام الرئاسي في أي لحظة»، معتبرة أن الخطوات التي قام بها البيت الأبيض في الأيام الأخيرة «تحقيق فيدرالي، وهو أمر نادر، وتشريح مغاير للتشريح التي تقوم به السلطات المحلية من جهة، والعائلة من جهة أخرى، إنها كانت بمثابة رسائل قوية للتأكد من إحقاق العدل في فيرغسون».
ولكن مسألة تريفون مارتن الفتى الأسود البالغ من العمر 17 عاما الذي ضرب في فبراير (شباط) 2012 في فلوريدا على يد حارس فيما كان يتنزه من دون سلاح في أحد الأحياء السكنية شكلت منعطفا. فبعد مسار قضائي أدى إلى تبرئة القاتل الذي دفع بحجة الدفاع عن النفس، تحدث الرئيس الأميركي في يوليو 2013 على نحو شخصي إلى حد كبير. ومع امتناعه عن انتقاد الحكم تحدث عن «الألم» الذي أحدثه ذلك القرار في أوساط السود. وقال: «قبل 35 عاما كان من الممكن أن أكون أنا تريفون مارتن».
واعتبر أدولفوس بروت، رئيس فرع الصندوق من أجل العدالة في مدينة سانت لويس، أن المجرى الذي اتخذته الأحداث في فيرغسون حيث أرسل الحرس الوطني يبرر تدخلا رئاسيا حول ضرورة «التصدي مباشرة إلى مسألة العنصرية والتفاوت الاجتماعي الاقتصادي». وقال: «إن الوقت لتوجيه رسالة شديدة اللهجة للغاية قد حان، وآن الأوان للاعتناء بجيران مايكل براون».
6:13 دقيقة
أوباما يسعى لـ«الحياد» مع تفاقم الأزمة في فيرغسون.. من دون جدوى
https://aawsat.com/home/article/163651
أوباما يسعى لـ«الحياد» مع تفاقم الأزمة في فيرغسون.. من دون جدوى
5 سنوات في البيت الأبيض تخفت صوت أول رئيس أميركي من أصول أفريقية
- لندن: مينا العريبي
- لندن: مينا العريبي
أوباما يسعى لـ«الحياد» مع تفاقم الأزمة في فيرغسون.. من دون جدوى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة