تركيا على موعد مع انتخابات محلية ساخنة ومختلفة

بين الضغوط الاقتصادية ومطامح المعارضة... وتمرّد «رفاق» إردوغان

تركيا على موعد مع انتخابات محلية ساخنة ومختلفة
TT

تركيا على موعد مع انتخابات محلية ساخنة ومختلفة

تركيا على موعد مع انتخابات محلية ساخنة ومختلفة

مرة أخرى يتجدد موعد تركيا مع الانتخابات، عندما يتوجه أكثر من 57 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع في 31 مارس (آذار) الحالي لاختيار رؤساء البلديات والمدن والأحياء والقرى في الانتخابات المحلية التي يخوضها نحو نصف مليون مرشح من 13 حزباً سياسياً. وتختلف هذه الانتخابات عن سابقاتها، من جوانب عدة، أهمها أنها الأولى بعد إتمام انتقال تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة التي أجريت في 24 يونيو (حزيران) 2018 على أساس التعديلات الدستورية التي أُقرت في الاستفتاء على تعديل الدستور في 16 أبريل (نيسان) 2016.
كذلك تجري هذه الانتخابات في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة تمرّ بها تركيا تركت مؤشراتها بصمات قوية على الحياة اليومية للمواطن التركي، لا سيما مع تراجع الليرة التركية والقفزة الضخمة لمعدل التضخم إلى حدود 20 في المائة، وتباطؤ الاقتصاد وارتفاع البطالة إلى أكثر من 12 في المائة، مع موجة إفلاس تضرب الشركات الكبرى التي لم تعد قادرة على الاستمرار في ظل الأوضاع الاقتصادية الضاغطة.

ترى المعارضة التركية في الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا والارتفاع الجنوني في أسعار السلع الرئيسية، خصوصاً الخضراوات والفواكه والمواد الغذائية بشكل عام، وكذلك حالة الركود التي يعانيها الاقتصاد، فرصة مواتية للضغط على حزب العدالة والتنمية الحاكم ورئيسه، الرئيس رجب طيب إردوغان. أما إردوغان فيرغب في أن تكون الانتخابات المحلية خطوة أخرى على طريق تثبيت أركان نظام حكمه الجديد في ظل النظام الرئاسي الذي كفل له صلاحيات شبه مطلقة.

- الوضع الاقتصادي
وبدا من خلال متابعة سير الحملات الانتخابية أن الوضع الاقتصادي يحتل مقدمة جدول أعمال الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة. ويحاول كمال كليتشدار أوغلو، رئيس حزب «الشعب الجمهوري» (أكبر أحزاب المعارضة)، وحليفته في الانتخابات ميرال أكشنار رئيسة حزب «الجيد»، اللذان يخوض حزباهما الانتخابات تحت مظلة «تحالف الأمة» استغلال الأزمة الاقتصادية في الضغط على «تحالف الشعب» المكون من حزبي «العدالة والتنمية» الحاكم و«الحركة القومية». وسلاح «تحالف الأمة» يتمثّل في التركيز على عجز الحكومة عن إدارة الأزمة إلى الحد الذي دفعها إلى طرح الخضراوات والفواكه في منافذ بيع حكومية بأسعار مخفّضة، بعدما كانت الحكومة تتحدث عن مشروعات عملاقة.
حزب «العدالة والتنمية» الحاكم يسعى إلى تأمين الفوز بنسبة أكثر من 50 في المائة من المقاعد، من أجل تحقيق هدف إردوغان بتأسيس «تركيا الجديدة» مع حلول عام 2023، الذي يوافق الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية الحديثة على يد مصطفى كمال أتاتورك.
ولقد استشعر إردوغان الضغط الشديد من جانب المعارضة بعد النجاحات التي تحققت لها خلال الاستفتاء على تعديل الدستور في 2017، ثم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة في يونيو 2018. وهي نجاحات دفعتها لمواصلة الضغط على حزبه في الانتخابات المحلية، التي يُنظَر إليها في تركيا على أنها المؤشر على نتائج الانتخابات البرلمانية التي ستليها، لأنها تهيئ الأرضية لمن يفوز بهذه الانتخابات فيما بعد.

- منافسة شرسة
انطلاقاً من استشعار خطورة الموقف في هذه الانتخابات، قرّر إردوغان الدفع بأسماء بارزة في بلديات المدن الكبرى الثلاث المهمة، حيث هددته فيها المعارضة في الاستفتاء على تعديل الدستور والانتخابات البرلمانية، وهي إسطنبول وأنقرة وإزمير. ولذا، اختار بن علي يلدريم، آخر رئيس للوزراء قبل النظام الرئاسي، والحليف الذي كان يتولى منصب رئيس البرلمان بعد إلغاء منصب رئيس الوزراء، للترشح على مقعد رئيس بلدية إسطنبول، قائلا إنه يختار «رفيق دربه» لخوض هذه المعركة.
أيضاً دفع إردوغان باثنين من الوزراء في حكومته السابقة، هما محمد أوزهسكي، وزير البيئة السابق، للترشح لمنصب رئيس بلدية العاصمة أنقرة، ونهاد زيبكجي وزير الاقتصاد السابق، لرئاسة بلدية إزمير.
ولئن كانت التوقّعات تشير إلى فوز مريح ليلدريم في إسطنبول، فإن استطلاعات الرأي تظهر تقدّم مرشح حزب الشعب الجمهوري منصور ياواش على مرشح العدالة والتنمية أوزهسكي في أنقرة، وأن المعركة بينهما لن تكون سهلة على الإطلاق. وفي الأيام الأخيرة سلطت وسائل الإعلام، التي بات 95 في المائة منها تقريباً موالياً لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، الضوء بكثافة على قضية تزوير قيل إن ياواش لعب دوراً فيها. وردّ حزب «الشعب الجمهوري» متّهماً الإعلام الموالي للحكومة بأنه يحاول بشتى السبل تلطيخ سمعة ياواش بعدما أظهرت استطلاعات الرأي تفوّقه على مرشح «العدالة والتنمية».
الرئيس إردوغان عمد من جانبه إلى التقليل من أهمية هذه الاستطلاعات، عندما قال في أحد لقاءاته التلفزيونية المتعدّدة في إطار الحملة الانتخابية، إنه لم يعد يثق بنتائج استطلاعات الرأي. وهو ما دفع رئيس حزب الشعب الجمهوري كليتشدار أوغلو إلى السخرية من هذا التصريح، لأن المعروف أن إردوغان كان يعوّل كثيراً من قبل على استطلاعات الرأي حيث يجري حزب العدالة والتنمية الحاكم استطلاعات دورية مكثفة، كما يكلف شركات متخصّصة بإجراء استطلاعات للوقوف على فرص فوزه في الانتخابات، فضلاً عن أن استطلاعات الرأي هي إحدى الآليات المهمة في الدول الديمقراطية.
في المقابل، تعمل المعارضة على «خلخلة» القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، بعدما تسبب ظهور حزب «الجيد» بزعامة ميرال أكشنار - الملقبة في تركيا بـ«المرأة الحديدية» - خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة في استقطاع نسبة من ناخبي العدالة والتنمية والحركة القومية.
ويأمل حزب أكشنار بأن يتمكّن من دخول البرلمان، بالتعاون حزب الشعب الجمهوري، وليقررا الاستمرار في «تحالف الأمة» في الانتخابات المحلية مثلما فعل العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية في «تحالف الشعب»، وهو ما اعتبره مراقبون خطوة اضطرارية في ظل استمرار تآكل شعبية العدالة والتنمية منذ عام 2015.
من جهة ثانية، يحظى «تحالف الأمة» المعارض بدعم حزب السعادة الإسلامي، كما يقف في صف المعارضة حزب «الشعوب» الديمقراطي الموالي للأكراد. ويعمل حزب الشعب الجمهوري المعارض من خلال تحالفه مع حزب «الجيد» على بناء جبهة انتخابية قوية تستطيع مواجهة العدالة والتنمية، وكسر سلسلة الانتصارات التي يحققها الحزب منذ تأسيسه عام 2002.
والجدير بالذكر، أن الانتخابات المحلية لها أهمية كبيرة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، إذ تعقبها فترة طويلة تمتد إلى 4 سنوات خالية من الانتخابات، وستكون هذه فترة استقرار من شأنها منح الفرصة لالتقاط الأنفاس بعد نحو 4 سنوات انتخابية بامتياز. هذا الأمر قد ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد المأزوم، لا سيما على صعيد الاستثمار الأجنبي. وفضلاً عن ذلك، فإن حصول «العدالة والتنمية» على الأغلبية في الانتخابات المحلية سيساعد النظام الرئاسي الجديد بقيادة إردوغان على تنفيذ سياساته وبرامجه بسهولة.

- وقت التغيير
يعتبر مراقبون أنه لا يمكن القول بارتياح - بعكس ما كان معتاداً من قبل - إن نتيجة الانتخابات محسومة لصالح «العدالة والتنمية» اعتماداً على رصيده من الخدمات في البلديات والأحياء، لأن هناك عاملاً آخر يبقى قائماً في كل انتخابات في تركيا، وهو التصويت للأحزاب على أساس المبادئ. وفي الوقت نفسه، تسعى المعارضة التركية جاهدة لإقناع الناخب بأن «وقت التغيير قد حان» بعد 16 سنة من احتكار «العدالة والتنمية» للسلطة. وبالفعل كان هذا الحزب الإسلامي قد فاز في كل المناسبات الانتخابية التي خاضها في مواجهة المعارضة، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، وهو ما دفع ميرال أكشنار، رئيسة حزب «الجيد»، إلى دعوة الناخبين «للتصويت بحرية، لأن تركيا أصبح فيها بديل للحزب الحاكم الآن».
أكثر من هذا، فكرة ضرورة التغيير لم تعد مطروحة من جانب المعارضة وحدها، بل نبعت أيضاً من داخل حزب العدالة والتنمية نفسه. وتصاعدت النقاشات، في أجواء الاستعداد للانتخابات المحلية، حول احتمالات ظهور حزب سياسي جديد يتولّى قيادته عدد من القيادات القديمة في حزب العدالة والتنمية، في مقدمتهم الرئيس السابق عبد الله غل ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو.
ويبدو أن هذه النقاشات لها ظل من الحقيقة، بدليل أنها دفعت إردوغان إلى القول إن «هناك كثيرين من المنشقين عن حزب العدالة والتنمية، ولا داعي لذكر أسماء، فهؤلاء يستحيل أن نسير معهم ثانيةً في طريق واحد». وحاول إردوغان التقليل من شأن ما يتردّد عن الحزب المرتقب، قائلاً: «إن هناك مَن أسّسوا أحزاباً من قبل، والجميع يعرف عاقبتهم... الصدق والإخلاص أمران مهمان للغاية... هؤلاء لم يقولوا شيئاً عندما كنا نمنحهم المناصب. ولكن عندما قلنا لهم إن عليهم أن يستريحوا بدأوا في الحديث عن أحزاب جديدة... إن الذين نزلوا من القطار لا يمكن أن يعودوا إليه من جديد».
كانت النقاشات تتصاعد حول الحزب الجديد، المفترض أن يظهر قريباً، مع تلميحات صدرت عن الصحافي التركي أتيان محجوبيان، المستشار السابق لداود أوغلو، حول وجود مساعٍ يبذلها عدد من المنتمين لحزب العدالة والتنمية الحاكم من أجل تأسيس حزب جديد.
وفي ردّ منه على سؤال عن حقيقة وجود مساعٍ لتأسيس حزب جديد بعد الانتخابات المحلية المقبلة، قال محجوبيان خلال مقابلة أجراها مع إحدى محطات التلفزيون التركية: «نعم... هناك مساعٍ في هذا الاتجاه تجري حالياً، وهذا أمر لا بد منه، لأن تركيا لا تُدار جيداً»، ثم أردف: «الجميع يرون جيداً أن تركيا لا تُدار بالشكل اللائق... هناك بعض الشرائح داخل (العدالة والتنمية) غير راضية بالمرّة عن التعيينات التي تتمّ من خلال ممارسات بعيدة كل البعد عن معايير اللياقة والكفاءة، وغير راضين أيضاً عن الطرق التي تمنح بها مناقصات الدولة».

- مخاوف الحزب الحاكم
هذه التلميحات من أحد الذين كانوا داخل المطبخ السياسي في تركيا، والذين ما زالوا على صلة مع الشخصيات البارزة التي شاركت في قيادة البلاد، جاءت تأكيداً لحالة الجدل التي تشهدها الأروقة السياسية في تركيا منذ فترة. وضمن ما يُثار الهمس عن استعداد الرئيس السابق غل ورئيس الوزراء الأسبق داود أوغلو لتأسيس حزب سياسي جديد. ولا يقتصر الهمس على غل وداود أوغلو بل يشمل أيضاً نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية الأسبق علي بابا جان، الذي شغل أيضاًم نصب وزير الخارجية، قبل أن يختفي من المشهد السياسي في 2013، الذي تُنسب إليه الطفرة الكبيرة في الاقتصاد التركي، ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية محمد شيمشك، الذي استكمل مسيرة باباجان في حقل الاقتصاد، وأبعد من المشهد أيضاً عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة في يونيو الماضي.
هذه التلميحات، التي صدرت عن محجوبيان في السادس من فبراير (شباط) الحالي، سبقتها تلميحات أخرى للكاتب التركي أحمد طاقان، مستشار غل وممثل صحيفة «يني تشاغ» في العاصمة أنقرة، الذي نشر مقالاً في سبتمبر (أيلول) الماضي تحت عنوان: «مشروع غل الجديد من الباب الخلفي»، ادعى فيه أن الرئيس السابق ومعه رئيس الوزراء الأسبق المقرب منه أحمد داود أوغلو وبابا جان وشيمشك يتأهبون لتأسيس «حزب مركزي جديد» سيكون في صفوف المعارضة الرئيسية.
ورغم ابتعاد غل، الذي يُعدّ من أبرز المؤسسين الأوائل لحزب العدالة والتنمية الحاكم إلى جانب إردوغان، عن الساحة السياسية منذ تركه رئاسة الجمهورية عام 2014، فإنه أبدى عدداً من المواقف التي تعبر عن رفضه بعض السياسات التي يتبعها إردوغان.
ومن مواقفه الرافضة ما يتعلق بتعامل إردوغان مع معارضي سياساته، سواء من خارج الحزب أو داخله. وعلى النهج نفسه عبّر داود أوغلو عن قلقه بشأن الأوضاع في تركيا، ورأى أنها «تسير نحو الفوضى»، في إشارة ضمنية للانتهاكات التي يتهم حزب التنمية والعدالة بارتكابها تجاه الشعب التركي. ولكن، مع هذا، يقول مراقبون إنه على الرغم مما يتردد عن هذه المساعي لتشكيل الحزب فإنه قد لا يرى النور قريباً، وإن الأطراف الفاعلة في تأسيسه سيتريثون بانتظار نتائج الانتخابات المحلية.
في أي حال، يثير ما يتردد بشأن هذا الحزب «المرتقب» القلق لدى الجماعات الموالية لإردوغان، لا سيما أن الأسماء المذكورة كنواة له هم ممن يمتلكون كتلاً تصويتية ضخمة يمكنها أن تهدد الحزب الحاكم. ولذا، ثمة توجّه عند مناصري إردوغان نحو تحريك وسائل الإعلام الموالية للحكومة للهجوم عليهم والتهكم على محاولاتهم تأسيس حزب منافس لحزبهم القديم، واصفين الحزب الجديد بأنه سيكون «حزب البيجاما» أو «حزب المتخلفين عن القطار». وفي المقابل، يردّ مؤيدو الفكرة أن تركيا بحاجة إلى دماء جدية، ويذكّرون مَن يهاجمون مجموعة غل وداود أوغلو بما فعله إردوغان ورفاقه مع رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان، عندما انشقوا عنه ليؤسسوا حزب «العدالة والتنمية» الحاكم.

- الانتخابات التركية بالأرقام
> يجري خلال الانتخابات اختيار رؤساء بلدية لـ30 مدينة كبرى و1351 منطقة إدارية، بالإضافة إلى 1251 عضو مجلس ولاية و20 ألفاً و500 عضو مجلس بلدية.
> حصل حزب العدالة والتنمية، بزعامة الرئيس رجب طيب إردوغان، في الانتخابات المحلية يوم 30 مارس 2014 على نسبة 45.6 في المائة من أصوات الناخبين، بينما تشير استطلاعات الرأي حتى الآن إلى أنه قد يحصل على نسبة تتراوح ما بين 36 و38 في المائة من الأصوات في الانتخابات المقبلة.
> شهدت تركيا 6 انتخابات برلمانية ورئاسية واستفتاءً واحداً على تعديلات دستورية في غضون 4 سنوات و3 أشهر، خلال الفترة منذ مارس 2014

- أكبر المدن التركية لجهة عدد السكان
> يتجاوز عدد سكان سبع مدن تركية - وفق تقديرات عام 2015 - حاجز المليون نسمة، مع الإشارة إلى أن تعداد سكان تركيا يُقدّر حالياً بأكثر من 82 مليون نسمة. وفيما يلي أكبر المدن التركية وفق أرقام 2015:
1 - إسطنبول: 14.025.646 مليون نسمة
2 - أنقرة (العاصمة): 4.587.558 ملايين
3 - إزمير: 2.847.691 مليونان
4 - بورصة: 1.854.285 مليون
5 - أضنة: 1.563.545 مليون
6 - غازي عينتاب: 1.495.050 مليون
7 - قونية: 1.003.373 مليون
8 - أنطاليا: 955.573 ألف
9 - قيصري: 911.984 ألف
10 - مرسين: 842.230 ألف
11 - إسكيشهر: 617.215 ألف
12 - ديار بكر: 614.310 ألف
13 - صمسون: 511.601 ألف
14 - دنيزلي: 492.815 ألف
15 - أورفة (شاتلي أورفا): 465.748 ألف
16 - آدابازان: 399.022 ألف
17 - ملطية: 388.590 ألف
18 - مرعش (قهرمان مرعش): 384.953 ألف
19 - أرضروم: 358.344 ألف
20 - وان (فان): 352.292 ألف


مقالات ذات صلة

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.