مساعد سابق للرئيس السوداني: البشير وراء كل هذا الانهيار المدوي

مناوي دعا في حوار مع «الشرق الأوسط» الأحزاب لتحمل مسؤولياتها بقيادة حراك الشارع وتكوين حكومة انتقالية

مَنِّي أركو مناوي
مَنِّي أركو مناوي
TT

مساعد سابق للرئيس السوداني: البشير وراء كل هذا الانهيار المدوي

مَنِّي أركو مناوي
مَنِّي أركو مناوي

قال الأمين العام لتحالف «نداء السودان» رئيس حركة تحرير السودان، مَنِّي أركو مناوي، إن حل الأزمة في بلاده يكمن في تطبيق وثيقة إعادة هيكلة الدولة التي قدمتها الجبهة الثورية من قبل، ودعا الأحزاب إلى ترك خلافاتها، وتشكيل خلية لقيادة الحراك في الشارع، وتكوين حكومة انتقالية.
وطالب مناوي القوى السياسية والمدنية بالاتفاق على برنامج الحد الأدنى بسرعة، وتابع: «أسباب الأزمة في السودان سياسية بحتة، ويجب أن تتحمل القوى السياسية مسؤولية قيادة الحراك»، قاطعاً بعدم وجود أي نية لديه للحوار مع نظام الحكم. وأوضح مناوي في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، أن الأوضاع في البلاد نتجت بسبب خوض النظام حروباً مع الحركات المسلحة التي تطالب بحقوق المواطنة في «مناطق الهامش»، وتابع: «النظام استهلك موارد البلاد المالية، للدفاع عن نفسه، بمواجهة الحركات المسلحة... هذه الموارد والاحتياطي المالي نفد الآن، وكان نفادها سبباً في إيقاظ بقية الشعب، فقام بهذه الثورة في المدن والشوارع».
وقال مناوي، الذي شغل في وقت سابق منصب مساعد للرئيس، بعد اتفاق أبوجا للسلام عام 2006، قبل أن يترك موقعه ليخوض حرباً مجدداً ضد النظام: إن «البشير هو وراء كل هذا الانهيار المدوي». وانتقد مناوي حديث الرئيس البشير في فبراير (شباط) الماضي، وقوله: إنه سيقف على مسافة واحدة من الجميع، وقال: «هذا حديث بلا معنى»، وأضاف: «إذا وقف البشير على مسافة واحدة مع الأحياء، فأين سيقف من القتلى الذين استشهدوا خلال فترة حكمه ومن فعله المباشر؟».
وقطع بأن الحراك الذي ينتظم البلاد منذ أشهر سيتواصل، وقال: «إذا افترضنا أن تراجعاً قد حدث اليوم؛ فهو لا يعني أن الشعب استسلم للنظام»، وأضاف: «يمكن أن تكون استراحة وإعادة تنظيم». وغمز مناوي قوى المعارضة بقوله: «الأمر يتوقف على التصاق القوى السياسية مع الشارع والحراك»، وأضاف: «لا يمكن أن تختبئ القوى السياسية وراء الخلافات الصغيرة، والحراك مستمر دون قيادة سياسية حقيقية».
ودعا مناوي لخلق ما أسماه «بؤرة ومركز للمعارضة» يهدف لإقناع الحراك والشعب السوداني بأن المعارضة يمكن أن تتحمل المسؤولية، وأنها قادرة على أن تتجاوز خلافاتها، وعلى توفير قيادات بديلة، وتابع: «من دون هذا سيرهق النظام الذي يتخندق بإمكانات الوطن كله»، وأضاف: «إذا تجردنا من العاطفة، نقول بوضوح لا يمكن أن يستمر هذا الحراك، إلا في وجود قيادة سياسية من الأحزاب تتحمل المسؤولية القيادية».
ونفى مناوي بشدة تسريبات تقول إن هناك توجهاً للحوار بين المعارضة والنظام، وقال: «حتى اللحظة، لم أسمع بوجود أي اتجاه للحوار مع النظام، وأنا شخصياً، لم أسمع بشيء من هذا القبيل»، وتابع: «ظللنا نسمع بكلمة الهبوط الناعم، منذ أكثر من أربع سنوات، لكن ما حدث هو العكس تماماً». بيد أن مناوي عاد ليقول: «إذا كان المقصود بالهبوط الناعم، هو الوصول للسلطة من دون حرب، فهذا يجد من الترحيب، إذا كان ممكناً»، والوسائل السلمية التي تعمل الآن لإنهاء وجود هذا النظام، «هي أنعم وأسلم طريقة للوصول للسلطة، ولا نعومة أكثر من ذلك».
وأشار مناوي الذي تقاتل قواته في ربوع دارفور، إلى أن «طلب حق تقرير المصير» حق شرعي لكل شعوب الدنيا، ولا ينحصر في حدوث انفصال على الرغم من أنه أحد الخيارات، وقال: «حق تقرير المصير، يتعلق بانعتاق الناس من التسلط، والبحث عن الحرية الكاملة». بيد أنه عاد ليقول: «نحن في الحركة، نعتقد أن السودان نفسه لم يأخذ حقه الكامل منذ الاستقلال؛ لأن الذين حكموا البلاد على الرغم من سودانيتهم، فإنهم حكموا السودان بما خلفه الاستعمار من أحكام ونظم»، وتابع: «نقول السودان كله في حاجة إلى ممارسة حق تقرير المصير، ليضع دستوره الدائم، وينهي الدساتير الانتقالية التي ظلت تحكم البلاد منذ الاستقلال». وأضاف: «نحن في حاجة إلى دستور تكون فيه المواطنة أساساً للحقوق، ينزع الأجهزة الأمنية من سيطرة الأفراد، ويعيد الدولة لتوظيف الكفاءات، بدلاً عن المحسوبية والموالين للسلطة. وقطع مناوي بأن مطلوبات السودان، لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق ممارسة «حق تقرير المصير» في كل السودان، لطرد الأنظمة التي أرهقت البلاد، وتابع: «أعني أخذ الشعب السوداني حقه المدني كاملاً، في إطار وحدة التراب».
وتوقع مناوي أن تتخذ المعارضة خطوة شجاعة، بالجلوس مع بعضها، لتشكيل حكومة بديلة، تزيل الخلافات وتتوصل إلى اتفاق على برنامج الحد الأدنى، وتابع: «الحراك في الشارع السوداني، من دون سياسي، سيكون عرضة لإحباط السودانيين»، وأضاف: «هذه البلبلة والجعجعة الإسفيرية دون اتخاذ خطوات عملية في تحمل المسؤولية بشكل واضح، تحفز النظام على اتخاذ خطوات أخرى لإنهاك الحراك».
وبشأن الحديث عن حكومة انتقالية تعقب نظام البشير، قال مناوي: إن أغلب القوى السياسية، تبنت ذلك بما فيها تحالف «قوى الإجماع الوطني»، واتفقوا على فترة انتقالية مدتها «أربع سنوات»، لكنه سيظل شعاراً ما لم تجلس القوى السياسية كافة من أجله، والاتفاق على البديل، وكيفية الوصول إليه. وحول ترشحه للانتخابات، قطع مناوي بزهده في الأمر، بقوله: «إنه أمر سابق لأوانه»، وتابع: «إنني لا أرغب في الاستمرار في الحياة السياسية، بنهاية هذه الفزعة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.