انقلاب أبيض داخل «بوكو حرام» يزيح أبو مصعب البرناوي من القيادة

الخليفة الجديد مجهول الهوية ومصادر تقول إنه قادم من «الهامش»

TT

انقلاب أبيض داخل «بوكو حرام» يزيح أبو مصعب البرناوي من القيادة

قال خبراء، إن جماعة «بوكو حرام» التي تنشط في منطقة بحيرة تشاد، وبخاصة في شمال شرقي نيجيريا، تعاني من أزمة قيادة بعد أن جرى داخلها «انقلاب أبيض» أطاح بزعيمها أبو مصعب البرناوي، وأسفر عن اختيار قائد جديد لا يزال مجهول الهوية.
الخبر الذي أكدته مصادر أمنية، يأتي في وقت تتعرض «بوكو حرام» لخسائر كبيرة على يد تحالف عسكري إقليمي، يخوض حرباً شرسة ضد مقاتلي الجماعة في منطقة بحيرة تشاد، أسفرت خلال أسبوع عن مقتل أكثر من سبعين من مقاتلي الجماعة الإرهابية التي بايعت تنظيم «داعش» قبل قرابة أربع سنوات.
وأشار الخبراء الذين أكدوا الخبر إلى أنه منذ بداية مارس (آذار) الحالي، يُروج عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل صوتي بلغة الهوسا (لغة محلية في شمال نيجيريا وجنوب النيجر ومناطق من تشاد)، يعلن أنه تم اختيار «حاكم جديد» ليحل محل أبو مصعب البرناوي، نجل مؤسس «بوكو حرام»، الذي كان «داعش» قد كرس زعامته على حساب أبو بكر شيكاو، الذي كان قائداً لـ«بوكو حرام» في الفترة من 2009 وحتى 2016، ويوصف بأنه «دموي وهمجي».
وقالت القوة المشتركة لمحاربة «بوكو حرام»، التي تضم قوات من تشاد والكاميرون والنيجر ونيجيريا، في بيان صحافي صدر الأسبوع الماضي: إن «مصادر موثوقة أشارت إلى أزمة داخلية أدت إلى تغيير في القيادة». وأضاف البيان: إن التنظيم «أعلن إقالة القائد السابق (...) وتعيين أبو عبد الله بن عمر البرناوي»، ويشير لقب «البرناوي» إلى منطقة بورنو شمال شرقي نيجيريا، معقل «بوكو حرام»، حيث تشن أعنف وأخطر هجماتها منذ 2009، وهي الهجمات التي أسقطت حتى الآن أكثر من 27 ألف قتيل، وأجبر قرابة مليوني نسمة على النزوح من ديارهم.
ورغم التأكيد على أن «بوكو حرام» قد غيرت بالفعل قيادتها، فإن هوية القائد الجديد لا تزال مجهولة؛ إذ نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن يان سانت بيير، وهو محلل مختص في مجال مكافحة الإرهاب، قوله: «يجب توخي الحذر، لكن يبدو أنه (القائد الجديد) كان لفترة طويلة، مجرد تابع وعلى هامش الحركة نسبياً»، في حين يقول خبراء آخرون: إن القائد الجديد لـ«بوكو حرام» في الغالب «كان خطيب مسجد سابقاً، معروفاً في منطقة باغا، التي تضم ميناء صيد استراتيجياً على ضفاف بحيرة تشاد».
أما بخصوص القائد السابق أبو مصعب البرناوي، وهو شاب في العشرين يحظى باحترام كبير في صفوف مقاتلي الحركة؛ لأنه نجل مؤسسها، فتشير مصادر أمنية واسعة الاطلاع إلى أنه «بين أيدي القيادة الجديدة»، وتشير المعلومات إلى أن أعضاء مجلس قادة التنظيم قدموا من قرى عدة في منطقة بحيرة تشاد على متن زوارق، واجتمعوا يوم 28 فبراير (شباط) الماضي، في كولارام، وهو أحد معسكرات التنظيم، حيث قرروا بالإجماع تغيير القائد.
وقال مصدر أمني طلب عدم كشف هويته: إن ما حدث «كان انقلاباً من دون إراقة دماء، لقد جعلوه يتنازل عن القيادة ثم حبسوه»، وأضاف المصدر ذاته إنهم «لم يقتلوه (القائد المعزول) حتى لا يؤدي ذلك إلى انشقاقات جديدة في صفوفهم».
وتولى أبو مصعب البرناوي قيادة «بوكو حرام» بعد أن انشق عام 2015 عن القائد أبو بكر شيكاو، رفقة مساعده المقرب مامان نور، وهو عسكري يملك خبرة كبيرة، وكان يوصف بأنه القائد الفعلي لتنظيم «بوكو حرام» خلال فترة قيادة البرناوي، لكن نور تم اغتياله العام الماضي على يد عناصر من الجماعة أكثر تطرفاً ليبدأ سقوط البرناوي وعزله، وهو الذي يتهم بأنه «معتدل» أكثر من اللازم، حين ركز هجمات الحركة على الجيش والمراكز الحكومية، كما يتهم أعضاء في «بوكو حرام» قائدهم المعزول بأنه فاوض السلطات بعد خطف مائة تلميذة العام الماضي، وأنه احتفظ بالفدية لنفسه.
وتشير مصادر أمنية نيجيرية إلى أن إقالة البرناوي كانت مسألة «شكلية»، لكنه «كان قد فقد أهميته داخل المجموعة» بعد مقتل نور التي وجد نفسه بعدها «مهمشاً».
وأمام هذه التغييرات في قيادة «بوكو حرام» التي توصف بأنها «تنظيم (داعش) في غرب أفريقيا»، لم يصدر أي تعليق من طرف تنظيم ««داعش»»، وهو الذي سبق أن احتفى بقيادة «البرناوي» عام 2016، عندما انشق عن شيكاو الرافض لمبايعة «داعش».
لكن الخبراء يشيرون إلى أن «داعش»، وإن كان يحاول الظهور على أنه متحكم في منطقة النفوذ بغرب أفريقيا، إلا أنه الوقائع تؤكد أن القرار هناك يتخذ من طرف «بوكو حرام» ولا يأتي من طرف «داعش»، ويقول يان سانت بيير: «تنظيم (داعش) لا يملك ذلك التأثير الذي يريد البعض أن ينسبه إليه، على الكيانات البعيدة مثل فرع منطقة بحيرة تشاد أو في أي حال عدم وجود سيطرة مباشرة».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».