عشية الذكرى الثامنة لانطلاق الاحتجاجات السورية، تجد دمشق صعوبة في ترجمة «الانتصار العسكري» الذي تراكم خلال السنة الأخيرة ولم يصل إلى الاكتمال الجغرافي، إلى «انتصار سياسي»؛ ما يترك الباب مشرعاً حول مستقبل سوريا القلق وسط احتدام التنافس الروسي - الإيراني، وانخراط خمسة جيوش في البلاد.
خلال السنة الأخيرة، استعادت قوات الحكومة السيطرة على غوطة دمشق وجنوب سوريا والجنوب الغربي، لتصل إلى 60 في المائة مساحة الأراضي التابعة للحكومة. ولا يزال ثلث مساحة البلاد تحت سيطرة حلفاء واشنطن، و10 في المائة منها تحت سيطرة حلفاء أنقرة. (مساحة سوريا 185 ألف كيلومتر مربع)
سكتت أصوات النار ولم تعد تحلق الطائرات في أجواء العاصمة لقصف الغوطة، ولا تسقط قنابل على شوارعها، لكن المدينة تعاني من أزمة اقتصادية خانقة تزداد يوماً بعد يوم. ولم يكن الهدوء واستتباب الأمن كافيين لتشجيع دول عربية وغربية لإعادة فتح سفاراتها في دمشق، وتوقف مسيرة التطبيع العربي - الغربي وجهود إعادة دمشق إلى الجامعة العربية.
- أربع حروب
وكان الرئيس بشار الأسد قال في خطاب الشهر الماضي: «ما زلنا نخوض أربعة أنواع من الحروب» هي: الحرب العسكرية و«الحصار» الاقتصادي والحرب ضد الفساد، و«معركة دعائية» على وسائل التواصل الاجتماعي.
في الجنوب، حيث كان الأهالي ينتظرون عودة الخدمات والكهرباء، عادت المظاهرات إلى الظهور في درعا بعد نصب تمثال للرئيس حافظ الأسد بعدما نصب في حماة ودير الزور. ولا يزال التوتر مسيطراً على محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، المجاورة.
وإذ عادت إيران و«حزب الله» إلى الجنوب لتجنيد عناصر سورية في ميليشيات تابعة لها بعدما سحبت العناصر غير السورية بموجب تفاهمات أميركية - روسية. كما أن التنافس بين موسكو وطهران يحتدم على تجنيد الشباب في ضوء دعم الجيش الروسي لنسخ عدة من «الفيلق الخامس» الذي يضم مقاتلين كانوا معارضين. ويشمل التنافس تقديم ضمانات للشباب الذين وقّعوا «تسويات» وترتيب أمور الخدمة العسكرية.
لا يقتصر التنافس على الشباب، بل يشمل البعد الاقتصادي. وبعدما جمدت روسيا في بداية 2017 اتفاقيات اقتصادية بين دمشق وطهران تتعلق بالفوسفات والمشغل الثالث للهاتف النقال وميناء نفطي، عادت إيران لإعطاء زخم إضافي لهذه الاتفاق قبل أسبوعين، حيث بدا أن الكفة السورية تميل حالياً إلى الحضن الإيراني.
ويمتد التنافس الخفي إلى حدود نهر الفرات؛ إذ إن روسيا دعمت انتشار مقاتلين من «فيلقها الخامس» قرب النهر قرب ميليشيات سورية دربتها إيران في انتظار «اليوم التالي» للانسحاب الأميركي.
- تمديد الاقامة
كان مقرراً أن ينسحب الأميركيون في نهاية الشهر المقبل، لكن الرئيس دونالد ترمب وافق على تمديد إقامة قواته مع حلفاء أوروبيين لإمساك أوراق تفاوض مع روسيا وضبط نفوذ إيران وحماية الأكراد ومنع عودة «داعش» ما بعد هزيمته الجغرافية.
وتصادف الذكرى الثامنة للاحتجاجات مع قرب انتهاء التنظيم الذي كان يسيطر ذات يوم على نصف مساحة البلاد، أن «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية تخوض المعارك الأخيرة ضده في الباغوز. ويعقد المبعوث الأميركي للتحالف الدولي ضد «داعش» جيمس جيفري اليوم مؤتمراً صحافياً لتقديم موقف واشنطن من مرحلة ما بعد «داعش».
كان جيفري شارك في المؤتمر الدولي للمانحين في بروكسل، الذي شارك فيها مسؤولون من دول الجوار والمجتمع المدني؛ لتوفير الدعم المالي للاجئين والنازحين السوريين. وحددت الأمم المتحدة الاحتياجات المالية لسنة 2019 بنحو 5.5 مليار دولار (4.4 مليار يورو) لمساعدة نحو 5.6 مليون لاجئ سوري خارج بلدهم في تركيا، ولبنان، والأردن، وفي العراق، ومصر، في حين قدرت أنها تحتاج إلى 3.3 مليار دولار (2.9 مليار يورو) للنازحين داخل البلاد.
سياسياً، بقي الربط بين المساهمة في الإعمار والحل السياسي. وإلى بقاء ملف السلاح الكيماوي على المائدة الدولية، أعيد طرح ملف العقاب والمحاسبة.
ويسعى المبعوث الدولي الجديد غير بيدرسن إلى الاتفاق مع روسيا لتشكيل اللجنة الدستورية وقواعد عملها وإعادة طرح «السلال الأربع» التي تشمل الحكم، والدستور، والانتخابات، والأمن ومكافحة الإرهاب ضمن مهمته لتنفيذ القرار الدولي 2254. وأكد وزير الخارجية البلجيكي، ديدييه رايندرز، أمس «يجب أن يجلس النظام السوري حول طاولة المفاوضات في جنيف». وأضافت بلجيكا والكثير من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، وهي فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، والسويد، وهولندا، والدنمارك، شرطاً آخر، هو مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة في سوريا.
- مثلث الشمال
ولا يزال القلق مخيماً على مستقبل «مثلث الشمال» الذي يضم إدلب وأرياف حلب واللاذقية وحماة، حيث يعيش ثلاثة ملايين شخص. وتخضع مدينة إدلب، في شمال غربي سوريا، لسيطرة «هيئة تحرير الشام» التي شكّلها الفرع السابق لتنظيم «القاعدة» في سوريا، وتمثل آخر معقل مناهض للنظام. وتعرضت أول من أمس مدينة إدلب لأول قصف منذ سنة ولأعنف غارات منذ توصلت روسيا وتركيا إلى اتفاق خفض التصعيد في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي بعد أيام من تسيير دوريات عسكرية تركية قرب 12 نقطة عسكرية في العمق السوري. وقال ديدييه رايندرز: «الحرب لم تنته في سوريا». وتحدث ممثل الأمم المتحدة في السياق نفسه محذراً من أن «شن هجوم عسكري ضخم على إدلب من شأنه أن يتسبب في كارثة إنسانية».
خلال السنة المقبلة الحصول على إجابات تتعلق بالأمور التالية: مستقبل مناطق شرق الفرات وقاعدة التنف الأميركية، المفاوضات بين دمشق والأكراد، المنطقة الأمنية شرق الفرات بين أميركا وتركيا، مستقبل إدلب والاتفاق الروسي - التركي، التطبيع العربي - الغربي مع دمشق، منعكسات العقوبات والأزمة الاقتصادية في مناطق الحكومة، الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية، وجهود تل أبيب للحصول على اعتراف أميركي بسيادة إسرائيل على الجولان، إضافة إلى مآلات التنافس الروسي - الإيراني في مناطق الحكومة.