روسيا تعزز نفوذها في لبنان وملفات النازحين والغاز في دائرة اهتمامها

حاويتان من الذخيرة هبة من موسكو لقوى الأمن الداخلي... وعون يزورها في 26 الشهر الحالي

TT

روسيا تعزز نفوذها في لبنان وملفات النازحين والغاز في دائرة اهتمامها

أظهرت التحركات الروسية الأخيرة على الساحة اللبنانية تعزيزاً لنفوذها في بيروت، وتنامياً لدورها السابق الذي كان مقتصراً على تأثير سياسي تكرّس بعد انخراطها في الأزمة السورية، كما كان مقتصراً على تبادل تجاري محدود يأمل لبنان أن يتوسع، وستتم مناقشته خلال زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى روسيا في 26 مارس (آذار) الجاري إلى جانب ملفي الطاقة والنازحين السوريين الذي تلعب فيه روسيا دوراً بارزاً من خلال مبادرتها.
ورغم تطور الدور الروسي، وانخراط موسكو في المشهد الإقليمي، وصولاً إلى توقيع اتفاقات تجارية، آخرها فوز شركة «روسنفت» الروسية بمناقصة لتخزين النفط في الشمال، فإن طرح هذا الدور كبديل للدور الأميركي المتنامي في بيروت، يُنظر إليه على أنه غير دقيق، كما تقول مصادر سياسية مواكبة لـ«الشرق الأوسط»، بالنظر إلى أن الساحة اللبنانية تقليدياً تعدّ أكثر ميلاً للغرب لاعتبارات مرتبطة بـ«مزاج الناس» و«مصلحة الدولة»، وهو ما تجسّد في تريث لبنان قبل الموافقة على عروض روسية لتسليح الجيش الذي تلقّى هبات عسكرية تتجاوز قيمتها ملياري دولار من الولايات المتحدة خلال السنوات العشر الأخيرة.
ولم يستجب لبنان للعروض الروسية، كون تلك العروض لم تكن على شكل هبات، و«لا مصلحة لروسيا بتقديمها مجاناً»، كما تقول المصادر المواكبة لـ«الشرق الأوسط»، لافتة إلى أن نظام التسليح في لبنان غربي، وأي تعديل في ذلك يحتاج إلى قرار سياسي كبير غير متوفر في لبنان، مع أن الروس يبدون استعدادا لتطوير التعاون العسكري بين البلدين. وتضيف المصادر: «في الوقت نفسه حين تصبح العروض منحاً، فإن لبنان لن يرفضها»، كاشفة عن أن لبنان «سيتلقى حاويتين من الذخيرة الناعمة على شكل هبة من روسيا، سيتم تقديمها لقوى الأمن الداخلي، وسيجري الإعلان عنها قريباً».
ودخل لبنان دائرة اهتمام روسيا منذ انخراطها المباشر في الأزمة السورية، وبات بالنسبة لموسكو ميداناً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً حيوياً، وهو ما تصفه مصادر وزارية لبنانية بأنه «اهتمام غير محدود». وتوضح المصادر لـ«الشرق الأوسط» أنه في الجانب الأمني «تعتبر موسكو أن أي توتر في لبنان سيؤثر على سوريا، لذلك تعمل روسيا بالتواصل مع لبنان وإسرائيل لمنع أي معركة بينهما، كون أي مواجهة مع إسرائيل في لبنان ستمتد إلى سوريا، حيث يوجد الجيش الروسي، وتتحول إلى مواجهة إيرانية إسرائيلية، وهو ما يدفع موسكو للضغط على الأطراف للحفاظ على الاستقرار».
ويدفع هذا العامل الأمني موسكو، بحسب المصادر، للحفاظ على التوازن في لبنان، إذ تعتبر «أن طغيان الطابع الإيراني (في إشارة إلى حزب الله) سيستدرج الأمور إلى حرب مع إسرائيل، ويعرض الوضع المستقر للاهتزاز»، في حين ترى موسكو أن عدم الاستقرار «سيؤخر عودة النازحين السوريين، علما بأن عودتهم تؤمن الاستقرار السياسي وإعادة الأعمار في سوريا». وتضيف المصادر: «يدرك الروس أن لا مصلحة للإيرانيين بعودة النازحين لأنها تعيد التوازن الديموغرافي الذي تسبب الإيرانيون في الأخلال به في سوريا خلال مشاركتهم في الحرب هناك».
وثمة سبب اقتصادي-سياسي يدفع الروس للاهتمام بالوضع اللبناني، يتمثل في المنافسة في قطاع الغاز، إذ يهتمون بالانخراط في استخراج الغاز في الشرق الأوسط والحيلولة دون وصول غاز إلى أوروبا ينافسهم، لذلك يشتركون في كل المناقصات ولهم دور فيها، و«سيساعدهم وجودهم العسكري على الحفاظ على مصالحهم».
وزاد هذا الوجود العسكري من فرص استفادة موسكو من العقد الذي فازت به شركة «روسنفت» الروسية مع الحكومة اللبنانية أخيراً لتخزين النفط في منشآت النفط اللبنانية في الشمال، ذلك أن المنطقة الجغرافية «تقع على مقربة من مدينة اللاذقية السورية، وهي نقطة لبيع وتصدير النفط الروسي الذي تنتجه شركات روسية في شمال العراق»، بحسب ما تقول المصادر، لافتة إلى أن «أنبوب النقل يقع تحت حماية الروس في سوريا».
وتشير المصادر إلى أن الروس يهتمون بإمكانية تشغيل مصفاة طرابلس في الشمال، وهو مشروع قديم كان طرحه رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري على المسؤولين الروس في العام 2001، ولم يطرأ عليه أي تطوّر خلال السنوات الماضية.
ولم تنقطع العلاقة بين لبنان وروسيا خلال أي حقبة تاريخية، وتضاعفت خلال السنوات الماضية؛ حيث سجلت 10 زيارات للرئيس سعد الحريري إلى موسكو منذ العام 2006، واستقبله خلالها الرئيس فلاديمير بوتين.
وفي 26 مارس الجاري، يزور الرئيس عون موسكو للقاء بوتين، وعلى جدول أعمال المحادثات سلسلة بنود يتصدرها تفعيل أعمال اللجنة المشتركة اللبنانية الروسية لمعالجة قضية النازحين السوريين، إضافة إلى التعاون في مجال الطاقة ومشاركة شركات روسية في دورة التراخيص الجديدة التي سيفتحها لبنان للتنقيب عن النفط والغاز، فضلاً عن مطالبة لبنان لموسكو بحماية حق لبنان في حصته في «البلوك 9» المليء بالغاز الطبيعي من مصادرة إسرائيل كميات منه. كما يناقش عون في روسيا التبادل التجاري والاقتصادي وتعديل الميزان التجاري بين البلدين الذي طالما جاء لصالح روسيا، وذلك عبر إدخال الصناعات الغذائية اللبنانية إلى السوق الروسي ومحيطه، وهو سوق استهلاكي ضخم، فضلاً عن التبادل السياحي.
ويرى المعنيون أن الدور الروسي أساسي في المنطقة، إذ يعول على موسكو لتسوية ملف النزاعات الحدودية البحرية والبرية مع سوريا، وترسيم الحدود، إضافة إلى سلسلة ملفات انخرط فيها الروس الذين افتتحوا 3 مراكز ثقافية في لبنان خلال العام 2018، في عاليه وراشيا وحاصبيا.
ويقول النائب السابق أمل أبو زيد، وهو مستشار وزير الخارجية جبران باسيل للشؤون الروسية، إن لبنان لا يمكن أن يكون مع قطب عالمي واحد، بل يتواصل مع الجميع بطريقة متوازنة ضمن اعتبار المصلحة اللبنانية. وحول الشكوك بأن يكون لبنان قد نقل سياسته إلى المحور الروسي، ينفي أبو زيد ذلك، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان «لا ينقل البارودة، وهو كدولة صغيرة من واجبه التعامل بالاحترام المتبادل مع الجميع، ويحفظ مصالحه وعلاقاته»، مشدداً على أن تفاعل لبنان مع كل دول العالم يؤهله للانفتاح على الجميع.
ويؤكد أبو زيد أن الاتحاد السوفياتي كان موجوداً في السابق في لبنان من خلال حلفائه، لكن لبنان لم يكن يوماً محسوباً على أي مجموعة غربية أو شرقية، وهو أمر لا تحدده السياسة بقدر ما تحدده أمزجة الناس التي تجعل الرغبات تتجه إلى الغرب أكثر. لكن اليوم، يقول أبو زيد، فإن روسيا باتت مقبولة أكثر من السابق.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.