في الرابع والعشرين من الشهر المقبل، وبينما ينهي مهرجان «كان» دورته الجديدة في اليوم ذاته، تدفع مؤسسة «ديزني» الترفيهية العملاقة بفيلمها الجديد «علاء الدين» إلى العروض السينمائية في أميركا وحول العالم. نسخة حية من النسخة الكرتونية التي تم إطلاقها قبل 27 سنة من المؤسسة ذاتها.
تلك ملأت، سنة 1992، جيوب «ديزني» بأكثر من نصف مليار دولار (بحساب فارق العملة آنذاك وسعر التذكرة الأرخص مما هو عليه اليوم)، وأثارت غضب الشارع العربي ولجانه الإعلامية بسبب حشو أغانيه بشتائم مدسوسة حول العرب البرابرة. أيامها احتج «مجلس مناهضة التمييز العربية - الأميركية» على تلك الكلمات وما حملته من مفادات ما فاجأ «ديزني» التي لم تعتد من قبل مثل هذا الموقف.
هوليوود بأسرها لم تعتد، وهي التي لها تاريخ طويل حافل بالتحامل على العرب والإسلام، مثل هذا الموقف. سبق وأن مررت الكثير من هذه المفادات والمضامين من دون أن تواجه ردات فعل مؤثرة. أحياناً من دون ردات فعل مطلقاً. للأمانة، هي ليست كل أفلامها التي حققتها حول شخصيات عربية أو حول أحداث تقع على أرض العرب كانت سلبية القصد. كذلك، هناك فرق بين أفلام تقصد الأذى وأخرى تنسج مما وردها من دون تدقيق أو إدراك.
- شخصيات
الحملة الترويجية للفيلم الجديد بدأت منذ أيام. «ديزني» بعثت بالممثل ول سميث، الذي يؤدي دور الجني المارد، إلى مؤتمر SXSW الذي يقام في مدينة أوستن (تكساس) وأطلقت شريطَي دعاية ترويجية للفيلم يختلفان في أن أحدهما أسرع إيقاعاً من الآخر.
في النسخة الأسرع نسمع طرفاً من أغنية، لكن الشائعات تقول: إن «ديزني» عمدت تماماً إلى تجنب فخاخ النسخة الكرتونية السابقة، وأن الأغاني خلت من أي عداوة أو سخرية. عبارة كتلك المذكورة حول قطع الأذن تحولت إلى «حيث الأرض مسطحة وكبيرة والحرارة شديدة»… ولو أن هذا الوصف، يمكن أن يناسب أي صحراء، بما في ذلك صحراء يوتا الأميركية، أو صحراء غوبي الصينية، أو كالاهاري في جنوب أفريقيا.
علاء الدين وعلي بابا والسندباد ثلاث شخصيات مجهولة الولادة في الواقع، ولو أنها تحمل أسماء شرقية. علي بابا وعلاء الدين، يقول الناقد والمؤرخ المصري محمود قاسم، لم يردا في كتاب «ألف ليلة وليلة» بل ابتدعهما كتّاب فرنسيون. ونحن نعلم أن «السندباد» (الوارد في «ألف ليلة وليلة» فعلاً) هو اسم أقرب لأن يكون هندياً أو مما كان يعرف ببلاد السِند. لكن شئنا أم أبينا تمت معالجة هذه الشخصيات في مناخ عربي، وذلك بدءاً من سنة 1906 عندما قدّمت السينما الفرنسية أول علاء الدين حي. لم يسبقه إلا فيلم رسوم بريطاني من دقيقتين ونصف الدقيقة أخرجه جورج ألبرت سميث بعنوان «علاء الدين والمصباح العجيب» سنة 1899.
ما بين ذلك التاريخ واليوم عشرات الأفلام التي تحمل اسم علاء الدين، من بينها بالطبع ذلك الإنتاج الكرتوني الذي قامت به «ديزني» قبل 27 سنة.
الفيلم الجديد هو إعادة صنع متحررة من سينما الأنيميشن، وهو اتجاه بدأته الشركة المعروفة منذ سنة 1992 عندما قامت بتحويل فيلم رسوم أنتجته سابقاً بعنوان «101 دالماشنز» إلى فيلم حي. لكن النجاح آنذاك ولما تبعه من محاولات مماثلة بقي محدوداً حتى قام المخرج تيم بيرتون بتحقيق نقلة أخرى من هذا النوع لفيلم «أليس في أرض العجائب» سنة 2010 الذي كان فيلم رسوم قامت «ديزني» بإنتاجه سنة 1952. نجاح نسخة بيرتون الحية كان خيالياً كالأسطورة التي تداولها الفيلم؛ إذ جلب أكثر من مليار دولار من الإيرادات.
تعزز هذا المنهج أكثر وأكثر عندما قامت «ديزني» بتحويل فيلم آخر من الرسوم إلى السينما الحية هو «الجميلة والوحش» سنة 2017؛ إذ جلب أكثر من مليار و260 مليون دولار.
وما يجول في بال المتابعين داخل وخارج «ديزني» الآن هو إذا ما كان «علاء الدين» الجديد سينجز مثل هذا الرقم أم لا. بعض الريب يعود إلى غياب الضمانات أمام جمهور باتت لديه خيارات أكثر من أي وقت سبق بما فيها خيار الشعور بأن فيلماً جديداً من هذه المغامرات لن يختلف كثيراً عن مغامرات الأفلام السابقة كونها جميعاً تدور حول اللص الظريف، والأميرة الحسناء، والسلطان المهدد عرشه، والوزير الشرير الذي يريد الاستيلاء على السلطنة وفي محور ذلك كله المارد الذي يخرج من المصباح ليلبي كل رغبات وطلبات علاء الدين.
- ممثلون عرب
لتجاوز مثل هذه الشكوك في أن يكون علاء الدين الجديد جديداً بالفعل ركّز الإنتاج على المؤثرات البصرية المصنوعة على الكومبيوتر. الجبل الناطق والمارد العجيب والبطل الذي يقفز من سطح مبنى إلى آخر كما لا يستطيع سوى أبطال «مارڤل» القيام به، ثم ذلك الطائر الكبير الغامض الذي يفرد جناحيه فيبدو كما لو كان قوس قزح طائراً. كل ذلك وسواه عماد الفيلم الجديد لجانب التركيز على تقديم علاء الدين شاباً جميلاً لا يحمل في داخله أي سبب لردة فعل سلبية حياله.
على ذلك، التجارب التي أجريت للترليرز (تلك المقدمات الإعلانية) لم تكن كلها إيجابية. وبالنسبة لبعض الآراء كشفت عن أن تلك المؤثرات لا تأتي بجديد، ولا تخترق جدار ما بات متوقعاً فتسبق سواها من المؤثرات.
البعض هنا يرى أن تجارب المخرج البريطاني غاي ريتشي مع «ديزني» هي التي قادته إلى تسليمه قيادة الفيلم وليس موهبته. ولا ننسى أن ريتشي، الذي حقق لـ«ديزني» فيلمين من سلسلة قصيرة الأمد حتى الآن هي سلسلة «شارلوك هولمز» حاول جهده في فيلمه الأخير «الملك آرثر: أسطورة السيف» (2017) تحويل حكاية تاريخية ذات قوام كلاسيكي إلى فيلم مؤثرات وشخصيات خارقة من دون أن يحقق النجاح المنشود لا فنياً ولا تجارياً. كلّـفت محاولته شركة وورنر 175 مليون دولار (غير عشرات الملايين التي صرفت على الدعاية) وجلب أقل من 150 مليون دولار بينها 40 مليون دولار فقط من داخل الولايات المتحدة وكندا.
لكن مما حرص عليه صانعو «علاء الدين» («ديزني» ورجالها كمنتجين ومصمميها وفنييها) إعطاء الشخصيات الرئيسية ما تستحقه من عناية. هذه المرّة تمت الاستعانة بمينا مسعود ليلعب دور علاء الدين. ومينا (Mena) هو ممثل مصري المولد انتقل وعائلته إلى كندا وبعدها انتقل شاباً إلى هوليوود ولديه مسلسل مقتبس من شخصية الروائي توم كلانسي الشهير «جاك رايان» لجانب عدة أعمال تلفزيونية أخرى وسينمائية.
اختياره لبطولة «علاء الدين» يمنحه ما يبحث عنه من نجاح ويجعله ثاني ممثل مصري يحقق نجاحاً كبيراً في هذا الشأن بعد مالك رامي الذي فاز بأوسكار أفضل ممثل عن دوره في «بوهيميان رابسودي».
وهو ليس الاسم العربي الوحيد الذي سنقرأه على صفحة هذا الفيلم؛ فهناك أدوار عدة تم توزيعها على عرب وعرب – أميركيين، من بينهم نعمان عكار ومروان كنزاري (لعب سابقاً بطولة «الملاك» مؤدياً شخصية أشرف مروان) وأمير بطرس، وبلال صابر من بين آخرين.
لكن لا شيء من كل هذا يؤدي بالضرورة إلى تحديد قيمة الفيلم سلباً أو إيجاباً. هذا ما يترك عادة لحين عرض الفيلم على النقاد والصحافة خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
«علاء الدين» جديد يتحاشى إثارة المشكلات
يقوده ممثل مصري آخر
«علاء الدين» جديد يتحاشى إثارة المشكلات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة