«صعدة».. مدينة خارج نطاق الدولة

بدأت بواكير خروج محافظة صعدة اليمنية عن سيطرة الحكومة اليمنية المركزية في صنعاء، مع انطلاق الحرب الأولى بين الحوثيين والدولة في منطقة مران بين يونيو (حزيران) وسبتمبر (أيلول) 2004، التي كان يتخذ منها الزعيم السابق للجماعة حسين بدر الدين الحوثي مقرا له ومنطلقا لنشر الأفكار التي تدعو إلى المذهب الاثني عشري، وذلك على غرار ما تقوم عليه سياسة البلاد؛ فقد بدأ حسين الحوثي حركته بتأسيس حركة شبابية كان يطلق عليها «حركة الشباب المؤمن»، التي اتخذت من مران والمساجد في صعدة منطلقا تنطلق منه نحو قلوب المواطنين في تلك المحافظة والذين يعتنقون المذهب الزيدي بصورة شاملة.
غير أن الحركة عقب مقتل حسين بدر الدين الحوثي، في 10 سبتمبر عام 2004، وخلافته من قبل شقيقه عبد الملك بدر الدين الحوثي لزعامة التنظيم، لم تكتف بالسيطرة على منطقة مران، وتمددت إلى حيدان وغيرها من المناطق في محافظة صعدة، ومن ثم التوجه إلى مناطق شمال البلاد وشرقها، مثل ما هو عليه الحال اليوم.
فبعد بسط هيمنتهم الكاملة على محافظة صعدة، يوجد الحوثيون بقوة في محافظة الجوف وأجزاء من محافظة مأرب، حجة، المحويت، محافظة صنعاء، وأخيرا محافظة عمران التي أقصوا منها بالقوة المسلحة خصومهم (السنيين) في حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي وبعض قوات الجيش الموالية له وسيطروا على عاصمة المحافظة في 8 يوليو (تموز) الماضي. وباتوا، في الوقت الراهن، على مشارف العاصمة صنعاء بعد أن استولوا على مناطق في عمران وهمدان وبني مطر وغيرها من المناطق التي تشرف على العاصمة، إضافة إلى وجوده الجزئي في قلب العاصمة، وتحديدا بعض الأحياء منها، وأيضا الوجود الجزئي في محافظات ذمار، إب وتعز.
وتعد صعدة من أكثر المحافظات اليمنية إثارة للجدل بسبب أنها محافظة حدودية بين اليمن والمملكة العربية السعودية، وتمت السيطرة عليها بصورة كاملة من قبل جماعة الحوثي التي تسعى إلى إيجاد كيان خاص بها خارج نطاق الدولة اليمنية، كما يقول المراقبون الذين يؤكدون أن صعدة من المحافظات المهمة في اليمن، خاصة مع موقعها المتميز في البلاد.
وتعد صعدة إحدى المحافظات اليمنية التي تقع شمال غربي العاصمة صنعاء ويبعد مركزها الإداري عن العاصمة صنعاء نحو 242 كيلومترا، ونتيجة لموقعها المتميز والمتوسط على خط القوافل التجارية، فقد ظلت همزة وصل للتجارة بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها. وتتصل المحافظة بمحافظة حجة وجزء من محافظة عمران من الجنوب، وبمحافظة الجوف من الشرق، وبالمملكة العربية السعودية من الشمال والغرب.
وتبلغ مساحة محافظة صعدة التي يسيطر عليها الحوثيون، نحو 11375 كيلومترا مربعا، وتحتوي على 15 مديرية ويبلغ عدد سكانها، وفقا لنتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2004م، 695.033 نسمة، وينمو السكان سنويا بمعدل 3.67 في المائة من سكان الجمهورية اليمنية، وتعد مديرية «كتاف البقع» أكبر مديريات المحافظة مساحة، تليها مديرية «الصفراء»، بينما تعد مديرية «صعدة» أصغر المديريات مساحة.
تعد الزراعة النشاط الرئيس لسكان محافظة صعدة، حيث يشتغل معظم سكانها بالزراعة إلى جانب اهتمامهم بالثروة الحيوانية التي تعد المصدر الرئيس لمعظم السكان، حيث تنتج محاصيل زراعية تصل إلى 3.5 في المائة من إجمالي الإنتاج في اليمن.
تتميز محافظة صعدة بتضاريسها المنبسطة ومناخها المعتدل صيفا والبارد شتاء، مما ساعدها على إنتاج عدد من المحاصيل الزراعية، أهمها الرمان الصعدي الذي يتميز بجودته، ويسمى أيضا «الخازمي»، وهو من أجود الرمان الذي لا يوجد له مثيل في الجزيرة العربية بكاملها، بالإضافة إلى زراعة البن اليمني الشهير الذي تتركز زراعته في مديريات حيدان ورازح، كما تتميز بزراعة العنب الأسود والمشمش والخوخ، بالإضافة إلى تميزها بزراعة الموز الرازحي الذي تصدره اليمن إلى دول كثيرة؛ وذلك لجودته وارتفاع أسعاره.
وتحيط بالمحافظة سلسلة جبلية شاهقة، وبالتالي تحد من سقوط الأمطار على المحافظة التي تعمل على حجز الرياح المحملة ببخار الماء من هطول الأمطار، كما تتميز بوجود وديان كبيرة مما ساعد على انتشار المساحات الخضراء الواسعة، والمناطق السياحية الجميلة التي تجذب الزائر.
وعرفت مدينة صعدة بأسواقها الشعبية التي تهتم بالصناعات التقليدية، مثل السيوف والفضة والتحف الجميلة التي تبهر الزائرين. وتعد مدينة صعدة المتاخمة للمملكة العربية السعودية أحد أهم المعالم التاريخية لليمن.
وفي ضوء هذه التطورات التي نشهدها من قبل الحوثيين، رغم مشاركتهم الأخيرة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، هل يعني هذا التمدد رغبتهم في إقامة دولة خاصة بهم في شمال اليمن، أم أن الأمر يتعدى ذلك؟ وهل لديهم القدرة السياسية والشعبية والعسكرية لتحقيق مآربهم؟
لكن حسن زيد الرئيس الدوري لأحزاب «اللقاء المشترك» التي ترأس حكومة الوفاق الوطني، والقيادي البارز في المجلس (المكتب) السياسي لـ«أنصار الله» الحوثي وحزب الحق، ينفي رغبة الحوثيين في اجتياح العاصمة صنعاء، يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه بحكم رئاسته الدورية لأحزاب اللقاء المشترك، يتحدث بهذه الصفة وليس بصفة تتعلق بـ«أنصار الله»، ويقول إنه يستطيع أن يجزم بوصفه شريكا في العملية السياسية «أن أنصار الله لا يتحملون ولا يستطيعون ولا يجرؤون على تولي المسؤولية في صنعاء حتى ولو عرضت عليهم»، وأنهم «لا يمتلكون القدرة أو الإمكانيات أو الرغبة».
ويرى السياسي اليمني أن ما يحدث من توسع للحوثيين في بعض المناطق المحيطة بصنعاء هو «محاولة بعض القوى السياسية المناهضة لهم لجرهم إلى مواجهة مع السلطة وتأليب الرأي العام الدولي ضدهم وإثارة المخاوف الدولية من تمدد الإخوان أنصار الله».
ويضيف زيد أن «(أنصار الله) عندما يجري استفزازهم يضطرون إلى الدفاع عن أنفسهم والسيطرة على مراكز يرون أنها مصدر خطر عليهم، وأنهم لم يقبلوا أو يغامروا في السيطرة الإدارية على محافظة صعدة (التي تقع تحت سيطرتهم)، وما زال المحافظ هو نفسه المنتخب من المجالس المحلية (البلدية) وهو فارس مناع، وما زال الجهاز الإداري والإدارة العامة في المكاتب بمحافظة صعدة كما كانا في عهدة الدولة، ولم يقتحم الحوثيون أي مؤسسة أمنية في محافظة صعدة، وما زال الجميع يعتمدون على الرواتب التي تأتيهم من المركز (العاصمة صنعاء)، وما زال اقتصاد محافظة صعدة يعتمد على أسواق مدينة صنعاء». ويرى السياسي اليمني أن «(أنصار الله) يدركون مدى (بلعهم)»، كما يؤكد أن استيلاء الحوثيين على بعض الطرق والمواقع المهمة جاء في ضوء تعرضهم لكمائن في تلك المناطق ومن أجل تأمين تلك الطرق من الحوادث الأمنية.
من جانبه، ينفي محافظ صعدة الشيخ فارس مناع ما يطرح من أن صعدة باتت محافظة خارج نطاق الدولة، ويقول، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «محافظة صعدة إحدى محافظات الجمهورية اليمنية وتطبق الدستور والنظام والقانون وتمارس الدولة اليمنية مهامها في صعدة التي تشهد أمنا واستقرارا غير موجودين في محافظات يمنية أخرى، والأمن تطبقه قوات الأمن ويشارك معهم أفراد المجتمع لتحقيق الأمن والاستقرار، وهو نموذج كبير تحقق في هذا الاتجاه». ويردف محافظ صعدة لـ«الشرق الأوسط» أن «صعدة تشهد نموا اقتصاديا لم تشهده المحافظة منذ عشرات السنين، ومؤسسات الدولة في صعدة تقوم بعملها دون أي تدخل، وإن حصلت بعض التدخلات فهي ترجع إلى عدم الوعي الذي نشهده جميعا في الجمهورية اليمنية، وأقصد عدم الوعي من قبل أفراد المجتمع، وكل حادثة نتغلب عليها في حينها، ونقوم بتنفيذ المشاريع عبر السلطة المحلية دون أي تدخلات، بل إن المجتمع يقوم بتكاتف مع مؤسسات السلطة المحلية والدولة في محافظة صعدة، وكل ذلك يدار في ضوء توجيهات القيادة السياسية متمثلة في الأخ رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، وكل المكاتب الحكومية في صعدة تدار عبر الوزراء في الحكومة في صنعاء ونطبق القوانين أكثر مما تطبق في محافظة أخرى من المحافظات اليمنية».
ويقول مناع إن ما تشهده صعدة على مختلف الصعد لا يوجد في محافظة أخرى، ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أنهم يحصلون «على شهادات حسن الأداء الوظيفي والإداري من المركز في صنعاء في مختلف المجالات الأمنية والسياسية والتجارية».
وحول ما يطرح من أن الحوثيين هم المسيطرون بشكل كامل على محافظة صعدة ويديرون أمورها، يقول محافظ صعدة إن «الحوثيين قوة سياسية لا يمكن تجاهلها، وهم لا يرغبون في أي تدخل في أي مهام من اختصاص الدولة، لأن ذلك سوف يؤدي إلى عبء عليهم، وهم متعاونون مع السلطة المحلية في أداء واجباتها، ويبذلون الاستعداد لمساعدتنا بوصفنا سلطة محلية في المحافظة، وبوصفنا دولة لتأدية المهام التي قد تعجز الدولة عن تحقيقها في بعض الأحيان نظرا لقلة الإمكانيات، وهذه حقيقة الوضع، والحوثيون يمارسون عملهم كما المشايخ والشخصيات الاجتماعية في المجتمع اليمني، ولديهم احترام لدينا في السلطة المحلية، وتقدير، ولهم الشكر على كل ما يقدمونه، وأي تدخلات لا تعبر عن إرادة من قبل قيادة الحوثيين».
وفي الوقت الذي يسيطر فيه الحوثيون بشكل كامل على محافظة صعدة، هناك من يطرح أنهم يلغون الآخر وتحديدا القوى السياسية المنافسة لهم التي تختلف معهم عقائديا ومذهبيا، وبالأخص الأحزاب الإسلامية كـ«الإخوان المسلمين» الذين يتمثلون في حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يتهم الحوثيين باقتحام مكاتبهم في صعدة، وبهذا الخصوص يرد محافظ صعدة لـ«الشرق الأوسط» بالقول إنه «لا توجد في اليمن عدالة، فكل قوة سياسية موجودة في منطقة تحاول إلغاء القوى الأخرى، ولو وجدت عدالة اجتماعية وسلوك حضاري في الحوار والنقاش فلن توجد أي مشكلة». ويؤكد المحافظ مناع أنه «عندما يوجد خلاف في صعدة بين الحوثيين والإصلاح يجري جمعهم والتوصل إلى حل». ولكنه يعتقد أن معظم المسببات هي ما «يحصل على الحوثيين في مناطق أخرى من محاولة إقصاء في مناطق غير محافظة صعدة، وأنا أرفض أي إقصاء سياسي في المحافظة».
ويرى سياسيون يمنيون أن محافظة صعدة لم تعد تحت سيطرة الدولة، خاصة بعد تمكن الحوثيين من السيطرة العسكرية على محافظة عمران المجاورة للعاصمة صنعاء ووجودهم في مناطق متاخمة للعاصمة بما يهدد أمنها، وتظل الأسئلة حائرة بشأن توجهات الحوثيين ومخططاتهم رغم ما يطرحونه، خاصة في ظل التأكيد الرسمي على أنهم يتلقون الأموال من إيران وينفذون أجندات أخرى غير الأجندات الوطنية.
ورغم أن محافظة صعدة تظل في حظيرة الدولة اليمنية، فإن كامل السيطرة والأمر والنهي فيها للحوثيين، بحسب ما يقول المراقبون الذين يؤكدون أن تمدد الحوثيين سوف يتواصل، خاصة بعد سيطرتهم الكاملة بالقوة المسلحة على محافظة عمران، إضافة إلى وجودهم العلني المشاهد بصورة واضحة في العاصمة صنعاء وقيامهم، الشهر قبل الماضي، بقطع الطريق بين العاصمة ومطار صنعاء الدولي، وقال مصدر سياسي يمني لـ«الشرق الأوسط»، رفض الكشف عن هويته، إن جماعة الحوثي إذا استمرت في منهج التوسع والاستيلاء على المناطق الواحدة تلو الأخرى بالقوة المسلحة، كما فعلت في عمران وهمدان وبني مطر والحيمة، «فسوف تصنف لدى الحكومة اليمنية والهيئات الدولية والدول الإقليمية على أنها جماعة إرهابية؛ لأنها تملك السلاح بصورة غير شرعية وتستخدمه في السيطرة على المناطق.. الأمر الذي من شأنه تهديد الأمن القومي للبلاد». ويضيف المصدر «أن لدى الحكومة اليمنية الدلائل الكاملة على تلقي هذه الجماعة أموالا من الخارج».