البيشمركة.. في مواجهة «داعش»

من جماعة تخوض حرب عصابات من جبال كردستان.. إلى قوة منظمة تقف وحيدة لمحاربة الإرهاب

البيشمركة.. في مواجهة «داعش»
TT
20

البيشمركة.. في مواجهة «داعش»

البيشمركة.. في مواجهة «داعش»

تخوض قوات البيشمركة الكردية منذ بداية الشهر الجاري معارك طاحنة مع مسلحي تنظيم داعش المتطرف، الذي بدأ يفرض نفوذه على مناطق واسعة في غرب البلاد وشمالها، بعد تخاذل الجيش العراقي الذي انهار أمامه إبان سقوط الموصل. فبعد أن كانت البيشمركة تحارب الأنظمة العراقية المتعاقبة وتخوض حرب عصابات من الجبال، باتت الآن في خط المواجهة الأول لمحاربة الإرهاب في العراق، وتتلقى السلاح النوعي من الغرب.. الأمر الذي قد يجعلها من القوى الرئيسة في المنطقة والإقليم بأكمله.
تتسارع دول العالم حاليا لتقديم الدعم العسكري لإقليم كردستان الذي أصبح خلال الأيام القليلة الماضية محطة لطائرات وزراء خارجية أوروبا ومسؤوليها، فبعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى أربيل والإعلان عن استعداد بلاده لمساعدة الأكراد عسكريا، وصل وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير بداية الأسبوع الجاري إلى أربيل، حيث قال في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الإقليم مسعود بارزاني إن ألمانيا لن تترك الأكراد وحدهم في مواجهة «داعش»، وأكد أن بلاده ستناقش مع الإقليم احتياجات البيشمركة العسكرية ليقوموا فيما بعد بتوفيرها لهؤلاء المقاتلين.
وأعلن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في اجتماع طارئ في بروكسل يوم الجمعة الماضي عن اتفاق على دعم تسليح المقاتلين الأكراد في العراق. ورحب الوزراء بقرار دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تلبية النداء الذي أطلقته حكومة الإقليم لتزويدها بالمعدات العسكرية بشكل عاجل.
وأعلنت وزارة البيشمركة أن 130 خبيرا عسكريا أميركيا وصلوا الإقليم لتقديم المشورة العسكرية للبيشمركة في حربهم ضد «داعش»، وكشفت عن أن الخبراء الأميركيين قرروا تأسيس مطار عسكري في أربيل بعد أن أعدوا دراسة وافية عن الموضوع، لكن الوزارة نفت في الوقت ذاته وصول أي جندي بريطاني إلى كردستان.
واستطاعت قوات البيشمركة خلال الأيام القليلة الماضية بفضل تلك المعونات العسكرية أن تستعيد السيطرة على مناطق واسعة من سهل نينوى، وسيطرت على سد الموصل بعد معارك مع مسلحي «داعش» الذين تقدموا مع بداية الشهر الجاري باتجاه أربيل عاصمة إقليم كردستان.
معركة السيطرة على سد الموصل بدأت بإسناد جوي أميركي قوي، حيث شلت الطائرات الأميركية الحركة الهجومية لـ«داعش»، إضافة إلى الأسلحة الجديدة التي حصلت عليها البيشمركة والتي ساهمت في أن تستعيد هذه القوات زمام المبادرة وتبدأ هجوم استعادة المناطق التي سيطر عليها «داعش» في المدة الماضية.
يرى الدكتور عبد الحكيم خسرو أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين في أربيل، أن «هناك أسباب كثيرة لتحرك المجتمع الدولي للدفاع عن كردستان، منها وجود هذا العدد الهائل من النازحين واللاجئين في الإقليم، إلى جانب أن الإقليم يعد النموذج الناجح الوحيد في العراق من ناحية التعايش السلمي والدبلوماسية والإعمار». ويرى خسرو، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن معركة أربيل كانت مفتاح القضاء على «داعش» في الشرق الأوسط.
وشدد بالقول: «المجتمع الدولي يعرف أن البيشمركة هي القوات التي يمكن أن يساعدوها في فرض الأمن والاستقرار في أجزاء من العراق، وذلك بعد أن اطمأنوا إلى أنها قوات لم يصدر منها أي تمييز على أساس القومية أو الدين أو الطائفة والعرق والمذهب في المناطق التي تسيطر عليها، والدليل أننا نرى أن النازحين والهاربين من مناطق العراق الأخرى التجأوا إلى المناطق التي تسيطر عليها البيشمركة».
وحول إمكانية مشاركة البيشمركة في أي عمليات عسكرية ضد الإرهاب خارج العراق، أشار خسرو إلى أن هذا «غير معروف حاليا»، مضيفا أن «محاولات الأوروبيين إصدار قرار عن طريق حلف الناتو لمحاربة (داعش) والجهود الدولية لتأسيس حلف من عدة دول، وكذلك قرار مجلس الأمن الدولي لمحاربة هذا التنظيم المتطرف حسب الفصل السابع، كلها تشير إلى أن معركة أربيل تصبح مفتاحا لحل مشكلة الإرهاب في الشرق الأوسط، إضافة إلى أن هناك تخطيطا عاما بمشاركة قوات البيشمركة والقوات العراقية والأردنية ودول الخليج ولبنان وتركيا لبدء حملة عسكرية ضد (داعش)، إذن هنا سيناط بقوات البيشمركة واجب خاص في هذه العملية الإقليمية».
وتعد البيشمركة أو القوات المسلحة الكردية أقدم قوات مسلحة في العراق، حيث يعود تأسيسها إلى بداية القرن المنصرم، وخاضت على مداره معارك ضد الأنظمة العراقية المتعاقبة من أجل نيل الحقوق القومية للكرد في العراق.
البيشمركة تعني بالعربية «الذين يواجهون الموت» أو «تحدي الموت»، وهي قوة بنيت على أساس الإيمان بالمبادئ القومية والتضحية من أجل الحرية، وتخوض هذه القوات اليوم معركة الدفاع عن العراق والمنطقة ضد الإرهاب والتشدد، في سبيل حماية الحرية التي حصل عليها العراقيون بعد عام 2003.
* قصة البيشمركة
* الكاتب والصحافي عبد الغني علي يحيى الذي التحق منذ عام 1963 بالثورة الكردية تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن بدايات تأسيس البيشمركة وقياداتها، والثورات التي قادتها هذه القوة، وهو يشير إلى أن البيشمركة ظهرت قوة نظامية في عام 1946. ويروي يحيى حكاية البيشمركة قائلا: «سميت القوات الكردية المدافعة عن جمهورية كردستان أو (مهاباد) بقوات البيشمركة، وكان الزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى بارزاني وزيرا للدفاع في هذه الجمهورية، وكانت الخدمة العسكرية في هذه الجمهورية تطوعية وليست إجبارية».
وتابع: «لم تتداول تسمية (البيشمركة) حتى اندلاع ثورة سبتمبر (أيلول) عام 1961 بقيادة الملا مصطفى بارزاني ضد الحكومة العراقية، وكان سكان القرى من أكثر المشاركين في تشكيلات هذه القوة، إضافة إلى عدد قليل من الجنود والضباط الأكراد الذين هربوا من الجيش العراقي والتحقوا بالثورة الكردية، من بينهم المقدم عزيز عقراوي والملازم عزيز الأتروشي وضباط آخرون».
وعن التشكيلات الأساسية لقوات البيشمركة، قال يحيى: «كانت قوات البيشمركة تتكون آنذاك من تقسيمات تبدأ من الفصيل الذي كان يسمى بالكردي (بل) والفرع (لق) والبطاليون وتنتهي بالفرقة أي (هيز)، وهي أكبر جزء من تشكيلات البيشمركة آنذاك، وكانت الفرق تحمل أسماء مناطق كردستان التي كانت توجد فيها، كفرقة حمرين وسفين وسهل أربيل وكاروخ وزاخو وعقرة وشيخان وبالك».
اعتمدت هذه القوات على مدار ثورتها في ثمانينات القرن العشرين على الأسلحة الخفيفة فقط المتمثلة ببنادق الكلاشنيكوف وقاذفات الـ«آر بي جي»، والقنابل اليدوية، لكنها بعد عام 1991 حصلت على أسلحة ثقيلة لأول مرة، حيث استولت على أسلحة القوات العراقية بعد انتفاضة شعبية اندلعت في كردستان أدت إلى خروج الجيش العراقي وتأسيس حكومة إقليم كردستان، لكن مشكلة سلاح البيشمركة لم تحل لأن الأسلحة كانت قليلة.
وفي عام 2003 وبعد أن احتلت أميركا العراق، استطاع الكرد أن يحصلوا على أسلحة الجيش العراقي في كركوك والموصل وديالى، وكانت هذه الأسلحة تتمثل في أسلحة ثقيلة من مدرعات ودبابات ومدافع هاون وراجمات ودوشكات ثنائية ورباعية، لكن هذه الأسلحة كانت قديمة وبعضها كان معطبا، ورغم مطالبات حكومة الإقليم لبغداد بتسليح البيشمركة وتدريبها بما يتواكب من تدريبات ومعدات عسكرية حديثة، باعتبار ذلك جزءا من منظومة الدفاع العراقية، فإن بغداد لم تقدم على ذلك طيلة الأعوام الماضية التي تلت سقوط نظام صدام حسين، فيما كانت واشنطن تصر على أن يكون تسليح البيشمركة عن طريق وزارة الدفاع العراقية.
وبعد أحداث الموصل في يونيو (حزيران) الماضي وما ترتب عليه من سقوط للمحافظات السنية بيد تنظيم داعش، وانهيار المنظومة الأمنية والدفاعية العراقية بالكامل، أصبحت قوات البيشمركة القوات النظامية الوحيدة في العراق لمواجهة «داعش» الذي استولى على أسلحة الجيش العراقي الحديثة والثقيلة.
يقول العميد هلكورد حكمت الناطق الرسمي باسم وزارة البيشمركة لـ«الشرق الأوسط» إن «مهمتنا الآن هي محاربة الإرهاب العالمي، فقوات البيشمركة تقاتل الآن دولة إرهابية، ومع أن العدو يمتلك أسلحة أكثر تطورا من أسلحتنا، التي استولى عليها جراء فرار الجيش العراقي، فإن قوات البيشمركة استطاعت إيقاف تقدم (داعش). ومن ثم بدأنا هجوما بريا بإسناد من الطيران الأميركي لاستعادة المناطق التي استولى عليها (داعش) خلال الأسبوعين الماضيين في سهل نينوى، واستطعنا أن نستعيد السيطرة على سد الموصل وكل المناطق والقرى التابعة لها».
وحول الدعم العسكري الدولي لكردستان قال حكمت: «هناك دول كثيرة أعلنت عن استعدادها لتزويد البيشمركة بالسلاح والتجهيزات العسكرية، منها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والنمسا والتشيك وفنلندا وكندا وبولندا وإيطاليا وأستراليا، ودول أخرى، وستقوم كل دولة بإرسال خبرائها مع الأسلحة لتدريب قوات البيشمركة على هذه الأسلحة الحديثة». وأضاف: «حتى الآن تسلمنا السلاح الأميركي والفرنسي، ونحن بانتظار وصول الأسلحة الأخرى من أصدقائنا.. أميركا أرسلت إلى الإقليم 130 خبيرا عسكريا لتوجيه المشورة لقوات البيشمركة ووضع الخطط العسكرية، وقرر هؤلاء بناء مطار عسكري أميركي في أربيل بالتنسيق بين واشنطن وأربيل وبغداد».

* قوة البيشمركة

* وزارة البيشمركة لم تذكر عدد قواتها الكامل بحجة السرية العسكرية، إلا أن الشرق الأوسط علمت من مصادرها الخاصة أن عدد البيشمركة يبلغ نحو 200 ألف مقاتل، متوزعين على عدد من الفرق والألوية والأفواج، إضافة إلى قوات الكوماندوز الكردية وقوات مكافحة الإرهاب التي تخوض كلها الآن المعارك ضد تنظيم داعش. يقول حكمت إن «قوات البيشمركة لا يمكن مقارنتها بالجيش العراقي الهزيل حاليا.. ليس هناك وجود للقوات العراقية.. كما شاهدناه في الموصل، لا يملك الإرادة والقدرة، وكان يمتلك أسلحة وأعتدة عسكرية متطورة، إلا أنه لم يبد مقاومة ضد (داعش) وترك أسلحته لمسلحي هذا التنظيم الذين يستخدمونها الآن ضد البيشمركة».
وحول تدريب قوات البيشمركة، بين الناطق الرسمي باسم الوزارة أن البيشمركة تلقت تدريبات عسكرية في الإقليم، وهناك قوات من البيشمركة تلقت تدريبات خاصة بحرب الشوارع والمدن، وهي الآن تقاتل «داعش» وكان لها دور بارز في المعركة، مؤكدا أن المعركة مع «داعش» أكبر مدرسة تدريب لقوات البيشمركة في الإقليم، خاصة أنها جاءت بعد مدة طويلة لم تخُض فيها البيشمركة أي معارك.
قوات البيشمركة استطاعت بعد انسحاب الجيش العراقي من المناطق المتنازع عليها أن تحل محل هذه القوات وتحافظ على الأمن في هذه المناطق، إلا أن تأخر الدعم العسكري لها تسبب في انسحابها من بعض الأماكن، كقضاء سنجار ذي الأغلبية الإيزيدية وأقضية الحمدانية وتلكيف في سهل نينوى، إضافة إلى ناحية جلولاء في محافظة ديالى.
القائد الميداني العقيد أديب تروانشي في اللواء الأول زيرفاني، كشف لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «الطائرات العراقية كانت سببا لانسحاب البيشمركة من سنجار لأنها لم تستجب لندائهم».
وقال تروانشي الذي كان ضمن القوة الكردية في سنجار: «استفدنا جدا من الإسناد الجوي الأميركي، أما الإسناد الجوي العراقي فلم يؤدِّ المهمة بالشكل المطلوب، كنت في سنجار، ووجهنا حينها عدة نداءات إلى سلاح الجو العراقي، لكن لم يستجيبوا لنا، لو قدمت بغداد لنا الإسناد الجوي لما حدث ما حدث من سقوط قضاء سنجار.. (داعش) تمتلك أسلحة متطورة وثقيلة».
وأضاف تروانشي الموجود حاليا في سهل نينوى: «رغم تسلحنا المتواضع فإن الإيمان بالحرية وبالقضية والمبدأ والتعايش، دفع بنا إلى صد الأعداء والدفاع عن كردستان وأهلها وحماية هذه الأرض من تدنيس (داعش)، والآن ننتظر ساعة الصفر لاستعادة كل المناطق الكردستانية».
بدوره قال ئاري هرسين رئيس لجنة البيشمركة في برلمان الإقليم لـ«الشرق الأوسط» إنه الآن موجود في الجبهة الأمامية في المعركة مع «داعش» في محور شلالات الموصل. وأضاف: «خلال وجودي بين البيشمركة اتضح لي أن أكبر سلاح تملكه هذه القوات هو المعنويات العالية، وهي التي مكنت البيشمركة من التصدي لـ(داعش). البيشمركة لا تقارن بالجيش العراقي، كان في الموصل قرابة 60 ألف جندي عراقي لكنهم لم يصمدوا أمام (داعش) وسلموه مواقعهم وأسلحتهم المتطورة دون أي مقاومة، لذا فإن البيشمركة هي أهم قوة في المنظومة الدفاعية العراقية، لكن مع الأسف الحكومة العراقية لا تولي أي اهتمام لهذه القوات، وبالعكس عاقبت بغداد البيشمركة وسلبت حقها المشروع في الدستور العراقي منذ عام 2004».
يقول أحد أفراد البيشمركة العائد من جبهات القتال في مخمور التي استعادت البيشمركة السيطرة عليها الأسبوع الماضي، لـ«الشرق الأوسط»، دون أن يكشف عن اسمه: «القتال كان عنيفا جدا في البداية، اضطررنا إلى الانسحاب لأن (داعش) كانت تمتلك سلاحا مدفعيا قويا أرغمنا على الانسحاب؛ فأسلحتنا لم تكن في المستوى المطلوب، وتمت مهاجمتنا من الخلف من لدن القرى العربية التي تحالفت مع (داعش)، لذا انسحبنا إلى مواقع قريبة من مخمور الأسبوع الماضي، وكان (داعش) يتقدم باستمرار، إلى أن بدأ الطيران الأميركي بقصف مواقع التنظيم في مخمور والكوير. الطائرات الأميركية دمرت مدفعية (داعش) وشلت حركته الهجومية تماما. حين بدأنا هجوما قويا عليهم من أربع محاور تمكنا من استعادة السيطرة على مخمور والكوير وأكثر من خمسين قرية في أطرافهما. عدونا لاذ الفرار فعلا، لكن نحن بحاجة إلى سلاح».

* قوة متعددة الأعراق

* جميع مكونات إقليم كردستان يشاركون في قوات البيشمركة، فهناك بيشمركة إيزيديون ومسيحيون وتركمان وكاكائية يخدمون في صفوف البيشمركة التي أصبحت القوة المسلحة الكردية التي تحمي كردستان والعراق من الإرهاب الذي تفشى في الجسد العراقي.



بام بوندي... تُدخل على وزارة العدل تغييرات جوهرية في سياق معارك ترمب القضائية

بوندي
بوندي
TT
20

بام بوندي... تُدخل على وزارة العدل تغييرات جوهرية في سياق معارك ترمب القضائية

بوندي
بوندي

عندما اختار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، المدعية العامة السابقة لولاية فلوريدا، بام بوندي، لتكون أعلى مسؤول عن إنفاذ القانون في البلاد، كان من الواضح أنه يريد تجنّب تكرار تجربته «المُرَّة» السابقة مع وليام بار. إذ كان الأخير - بسبب استقلاليته - من أشد منتقديه منذ استقالته من منصبه بعد فترة وجيزة من انتخابات 2020. وقال إنه مستعدٌّ للظهور ضده شاهداً في محاكمته بشأن تهم فيدرالية تتعلق بالمساعي المزعومة لإلغاء انتخابات ذلك العام، في أحداث الهجوم على مبنى الكابيتول يوم 6 يناير (كانون الثاني) 2021. وبعدما بدا واضحاً أن ترمب في ولايته الثانية، يُعدّ لخوض «حروب» مع «الدولة العميقة»، كان من الطبيعي أن يختار مَن يعدّهم الأشد ولاءً له، بمعزل عن خبرتهم وكفاءتهم الشخصية.

المحامية بام بوندي، أصبحت منذ عام 2019 شريكةً في شركة «بالارد بارتنرز» (من بين عملائها شركتا «أمازون» و«أوبر») وهي «شركة ضغط» كانت تديرها سوزي وايلز، التي اختارها ترمب أيضاً، رئيسة موظفي البيت الأبيض في ولايته الثانية. ويُعد مؤسسها، برايان بالارد، من أبرز جامعي التبرّعات لصالح ترمب. وبوندي هي الرئيسة المشاركة لقسم القانون والعدالة في معهد «أميركا أولاً» للسياسة، المؤيد لترمب، والذي يعدّ «جوهر» إدارته الحالية.

بوندي مناصرة قديمة لترمب، وبعد انتخابه عام 2016، طُرح اسمها لشغل مناصب مختلفة في الإدارة، لكن لم يُكتب لها النجاح. اليوم عادت لتحتل أحد أبرز المناصب الحكومية في عهد ترمب الثاني، حيث تنخرط بنشاط في تنفيذ «أجندته» المعلنة لتقليص الحكومة الفيدرالية، والتصدّي للدعاوى القضائية المرفوعة ضد إدارته، خصوصاً ضد وكالة كفاءة الحكومة «دوج» التي يديرها حليف ترمب، الملياردير إيلون ماسك.

الدفاع عن ماسك

يوم الاثنين الماضي، أمرت بوندي النائبة الديمقراطية في ولاية تكساس جاسمين كروكيت بالاعتذار، بعدما اتهمتها بالترويج للعنف ضد ماسك وشركة «تسلا». وجاء طلب بوندي بعد يوم من تحذيرها كروكيت بضرورة «توخي الحذر الشديد»، جرّاء تشجيعها الاحتجاج السلمي ضد ماسك وشركته للسيارات الكهربائية، في الوقت الذي ينفذ هدف ترمب في تقليص الحكومة الفيدرالية وقواها العاملة، وسط انتشار المظاهرات في عدد من أنحاء البلاد، وكذلك أعمال التخريب.

وأوضحت كروكيت أنها تؤيد المظاهرات السلمية، ووجَّهت المشاركين إلى الالتزام بالقوانين المحلية، لكنها ذكَّرت بوندي بأن ترمب دعم الاحتجاجات العنيفة بعفوه عن مثيري الشغب المتطرفين في 6 يناير.

ومع أن بوندي أشارت إلى أن كروكيت قالت إنها لم تقصد الإيذاء الجسدي، فإن هذا لم يمنع وزيرة العدل من الاستمرار في وصف تعليقات كروكيت بأنها «تحريض على العنف»؛ إذ قالت بوندي: «للكلمات عواقب». وأردفت: «وماذا حدث بعدما قالت ذلك عن إيلون ماسك - فهي من تكساس - وفي ولايتها بعد قولها ذلك، عُثر هذا الصباح على 3 عبوات ناسفة في مدينة أوستن»، في إشارة إلى العبوات الحارقة التي عُثر عليها في وكالة سيارات «تسلا» هناك. وتابعت الوزيرة: «لذا عليها أن تُدين العنف بشكل قاطع. ماسك لن يذهب إلى أي مكان. عليها أن تعتذر فوراً ليس فقط لجميع سكان تكساس، بل لبلدنا، ولمساهمي «تسلا» الأميركيين لأنها تُشجع على العنف».

مواجهة القضاء «المسيّس»

بيد أن «الحروب» التي تستعد لها بوندي، لا تقتصر على الدفاع عن ماسك؛ إذ بدأت التصويب على القضاة الذين أصدروا قرارات قضائية لوقف أوامر ترمب التنفيذية، في قضايا وقف التمويل الحكومي، وإغلاق كثير من الوكالات الفيدرالية، وإقفال المؤسسات التي تقدِّم المساعدات الإنسانية داخل أميركا وخارجها، وترحيل المهاجرين، وإلغاء حق الجنسية بالولادة.

وقبل أيام، انتشر مقطع فيديو مثير للشبهات، تبين أنه مولَّد بالذكاء الاصطناعي، زعم أن بام بوندي واجهت قاضياً حاول معاقبتها على ارتدائها رمزاً دينياً (قلادة صليب) في قاعة المحكمة، لكنها أوقفته مستشهدةً بقوانين تحميها. وشهدت القصة التي قيل إنها وقعت في فلوريدا، انتشاراً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وبالأخص من أنصار ترمب، ولم تنفها بوندي.

وحالياً، يسعى قادة الحزب الجمهوري إلى طرح تشريع يُضيف عشرات القضاة الفيدراليين في المحاكم الفيدرالية الجزئية قبل نهاية عام 2035 للتصويت في مجلس النواب يوم 7 أبريل (نيسان). وكان مشروع قانون مماثل قد أقرّه مجلسا الشيوخ والنواب في الدورة الماضية، لكن الرئيس السابق جو بايدن استخدم حق النقض ضده بعد فوز دونالد ترمب في الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني).

ويأتي الضغط لإضافة مزيد من قضاة المحاكم الأدنى، في حين ينتقد ترمب وحلفاؤه سلسلةً من الأحكام «غير المواتية» الصادرة عن قضاة المقاطعات الذين سعوا إلى عرقلة بعض أوامره التنفيذية.

وبينما لا يملك الجمهوريون في مجلس النواب الأصوات اللازمة لعزل هؤلاء القضاة، كما اقترح ترمب وماسك وغيرهما من المتشددين، يبحث رئيس مجلس النواب مايك جونسون عن بدائل، منها طرح بعض مشاريع القوانين لتمكين وزارة العدل من الحد من أوامر المنع القضائية على مستوى البلاد. وقال جونسون إنه ينسق استراتيجيته مع البيت الأبيض، ومع أعضاء اللجنة القضائية لمحاسبة القضاة «الناشطين».

إعادة «النزاهة» إلى وزارة العدل

من ناحية أخرى، خلال جلسة تأكيد تعيين بوندي في مجلس الشيوخ، أصرَّت على أنها ستدير وزارة العدل بعيداً عن الاعتبارات السياسية. وتعهّدت: «إذا أصبحتُ المدعية العامة، فلن أُسيّس هذا المنصب». وخلال حفل تنصيبها قالت: «سأُعيد النزاهة إلى وزارة العدل، وسأحارب الجرائم العنيفة في جميع أنحاء هذا البلد، وفي جميع أنحاء العالم، وسأجعل أميركا آمنةً مجدداً».

ثم، بعد توليها منصبها بفترة وجيزة، أصدرت بوندي سلسلةً من المذكرات التي أشارت إلى تغييرات جوهرية في وزارة العدل. وأعلنت إحدى المذكرات إنشاء مجموعة لإنهاء «انتهاكات إجراءات العدالة الجنائية» من قِبل جهات إنفاذ القانون. وفي المذكرة، سمَّت عدداً من المدعين العامين الذين سبق أن وجّهوا اتهامات ضد ترمب. كذلك أعلنت أن وزارة العدل ستوقف برامج التنوّع والإنصاف والشمول التي تعدّها غير قانونية، وستوقف التمويل الفيدرالي لـ«مدن الملاذ»؛ وهو مصطلح ينطبق على الأماكن التي تحدّ من إنفاذ قوانين الهجرة الفيدرالية لحماية المهاجرين غير المسجَّلين.

وفي وقت لاحق من فبراير (شباط) 2025، أعلنت وزارة العدل أنها أسقطت تهم الفساد الموجَّهة ضد إريك آدامز، عمدة مدينة نيويورك، وهي «مدينة ملاذ». وجادلت الوزارة، جزئياً، بأن القضية تحدّ من قدرة آدامز على إنفاذ حملة ترمب على الهجرة غير الشرعية. ودفع هذا القرار عدداً من المدعين العامين الفيدراليين إلى الاستقالة، زاعمين وجود مقايضة.

أول مدعية عامة في فلوريدا

باميلا بوندي من مواليد 17 نوفمبر 1965 في مدينة تامبا بولاية فلوريدا. وهي محامية سبق أن صنعت التاريخ بوصفها أول امرأة تشغل منصب المدعي العام لفلوريدا (2011 - 2019).

إنها واحدة من 3 أبناء لجوزيف بوندي وباتسي لوريتا. كان أبوها أستاذاً جامعياً، وشغل أيضاً منصب عمدة ضاحية تمبل تيراس في تامبا من عام 1974 إلى عام 1978، وكانت والدتها معلمةً في مدرسة ابتدائية. ولقد درست بام بوندي العدالة الجنائية في جامعة فلوريدا (حصلت على بكالوريوس عام 1987).

وفي عام 1990 حصلت على شهادة القانون من جامعة ستيتسون الخاصة بشمال شرقي الولاية. وأصبحت لاحقاً مدعية عامة في مكتب المدعي العام في مقاطعة هيلزبورو بفلوريدا، حيث عملت لمدة 18 سنة.

اشتهرت بوندي بأسلوبها اللطيف في قاعة المحكمة، ما ساعدها على التواصل مع هيئة المحلفين. كما توسَّعت في عملها محلّلةً قانونيةً، فظهرت كثيراً ضيفةً على شبكتَي «فوكس نيوز» و«سي إن إن» التلفزيونيَّتين، خصوصاً خلال دفاعها عن ترمب.

دعمها لحزب «حفلة الشاي»

في عام 2010، مستغلةً موجة حزب «حفلة الشاي» اليمينية في الحزب الجمهوري، حصلت بوندي على تأييد المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس سارة بالين، لتترشح وتفوز بمنصب أول مدعية عامة للولاية، وأُعيد انتخابها في عام 2014. وبصفتها المدعية العامة، استهدفت بوندي «مصانع الحبوب»، وهي عيادات تبيع الأدوية الموصوفة بشكل غير قانوني، ما أسهم في أزمة المواد الأفيونية في الولايات المتحدة. وأيضاً دافعت عن قانون الولاية الذي يحظر زواج المثليين، وقادت دعوى قضائية في ولايات عدة سعت - من دون جدوى - إلى إلغاء تشريع للرئيس باراك أوباما، يحمي المرضى والرعاية الميسرة.

تربط بوندي علاقة وثيقة بلارا ترمب، زوجة ابن الرئيس ورئيسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، وخاضتا معاً حملةً ضد حظر سباقات الكلاب في الولاية.

وفي الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري عام 2016، دعمت بوندي في البداية «جيب» بوش، حاكم ولاية فلوريدا السابق. ولكن بعد انسحابه، أيَّدت ترمب، على الرغم من أن مرشحاً آخر من الولاية، هو السيناتور ماركو روبيو، كان لا يزال في السباق.

ترسّخ علاقتها بترمب

عام 2016، ظهرت أنباء تفيد بأن دونالد ترمب دفع غرامة مقدارها 2500 دولار لأن مؤسّسته تبرّعت بشكل غير قانوني بمبلغ 25 ألف دولار للجنة الانتخابات السياسية لبوندي في عام 2013، قبل أن يقرّر مكتبها ألا يتابع التحقيق في قضية احتيال جامعة ترمب.

ودفعت مؤسسة ترمب في النهاية 25 مليون دولار لتسوية شكاوى الاحتيال ضد الجامعة التي أغلقت أبوابها. وصرَّحت بوندي بأنها لم تكن على علم بشكاوى جامعة ترمب في ذلك الوقت، وأن المساهمة لا علاقة لها بقرار مكتبها بوقف متابعة القضية. ومع ذلك، برّأتها لجنة أخلاقيات الولاية من انتهاك أي قوانين في فلوريدا. وعندما فاز ترمب في انتخابات عام 2016، قال إنه معجب ببوندي لإخلاصها له وسط الجدل، وضمها إلى فريقه الانتقالي.

وفي عام 2020 عملت بوندي محامية دفاع عن ترمب إبان محاكمة عزله الأولى في قضية أوكرانيا أمام مجلس الشيوخ، التي انتهت بتبرئته. وبعد خسارته الانتخابات أمام جو بايدن، أيَّدت مزاعم ترمب بشأن تزوير واسع النطاق للأصوات. وعندما أدانت هيئة محلّفين في مدينة نيويورك ترمب في قضية رشوة عام 2024، قالت بوندي خلال مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» معلّقة: «لقد فُقد قدر هائل من الثقة في نظام العدالة الليلة».