الأزهر لتعزيز وجوده الأفريقي عبر «بوابة التعليم»

الطيب: حرب مصر ضد الإرهاب ستنعكس أمناً على القارة

جانب من حضور تدشين مقر الجامعات الأفريقية بالقاهرة (الشرق الأوسط)
جانب من حضور تدشين مقر الجامعات الأفريقية بالقاهرة (الشرق الأوسط)
TT

الأزهر لتعزيز وجوده الأفريقي عبر «بوابة التعليم»

جانب من حضور تدشين مقر الجامعات الأفريقية بالقاهرة (الشرق الأوسط)
جانب من حضور تدشين مقر الجامعات الأفريقية بالقاهرة (الشرق الأوسط)

في إطار سلسلة من الأنشطة والمبادرات التي أطلقها الأزهر بمناسبة رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، يعزز الأزهر وجوده في قارة أفريقيا عبر «بوابة التعليم»، بتدشين المقر الإقليمي لاتحاد الجامعات الأفريقية بالقاهرة. وأكد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن «استضافة مصر مقر الاتحاد الأفريقي تأتي تناغماً مع دورها العالمي في نشر قيم التعايش والتسامح والسلام، ومع خطواتها الناجحة المتسارعة في حربها لدحر الإرهاب واجتثاث جذوره، وهو ما سينعكس أمناً وتنمية ورفاهية على كل شعوب القارة السمراء».
وتحتضن أروقة الجامع الأزهر العلمية، في المرحلة الجامعية وما بعدها، أكثر من 6 آلاف طالب وطالبة من قارة أفريقيا، من بينهم أكثر من ثمانمائة طالبة، وتقدم مصر منحاً دراسية مجانية لألفي طالب وطالبة من دول أفريقيا، تتحمل نفقات تعليمهم، بدءاً من تذكرة سفر القدوم، وانتهاءً بتذكرة سفر العودة.
وبرعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، افتتح شيخ الأزهر، أمس، المقر الإقليمي لاتحاد الجامعات الأفريقية بجامعة الأزهر، بمدينة نصر، شرق القاهرة، بحضور الدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، نائباً عن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، وعدد من الوزراء في الحكومة المصرية، وسفراء الدول، ومندوبي 26 جامعة أفريقية.
ودعا وزير التعليم العالي المصري إلى ضرورة الاستفادة من وجود هذا المقر على الأراضي المصرية، وتفعيل دوره المهم، ليكون حلقة الوصل بين مصر ودول شمال أفريقيا تعليمياً، وكذلك مع اتحاد الجامعات الأفريقي نفسه، حيث يأتي ذلك بالتزامن مع رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، وفي ظل ما تمر به القارة الأفريقية من تحديات تفرض على المؤسسات التعليمية أن تتعاون فيما بينها، وتشارك في نهضة القارة.
وعن علاقة القارة الأفريقية بالأزهر، قال الدكتور الطيب: «هي علاقة ضاربة بجذورها في تاريخ هذا المعهد العلمي العريق الذي مضى على إنشائه أكثر من ألف عام، وهو يتحمل مسؤولية تعليم الإسلام، في منهج خالص نقي، لا تعكر صفوه ولا تسممه الأجندات السياسية أو المذهبية، التي آلت إلى ما نعرف من تطرف وعنف ودماء».
ومن جهته، قال الدكتور أورلاندو أنتونيو، رئيس اتحاد الجامعات الأفريقية، إن الاتحاد يواصل عمله في أماكن مختلفة بالقارة، في الوقت الذي بدأ فيه التعليم العالي الأفريقي يتخذ منحى أكثر إيجابية وإنتاجية، موضحاً أن مؤسسات التعليم العالي سوف تجد كل ترحيب في اتحاد الجامعات الأفريقية لأن في اتحادنا تكمن القوة، ونحن نعتمد مبدأ التدويل بين مختلف أنحاء القارة، مضيفاً: «نعمل في الاتحاد بمبدأ التعاون المشترك، وتفعيل المبادئ التي يعتنقها الاتحاد، لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها القارة في مجال التعليم».
وأكد الدكتور إيتيان أهيلي، الأمين العام لاتحاد الجامعات الأفريقية، أن إنشاء مكتب إقليمي للاتحاد في مصر يشكل انطلاقة قوية على المسار الصحيح، من أجل الاستجابة لمتطلبات التعليم العالي في أفريقيا ومصر، وسد الفجوة وتقليل العجز في البلدان الأخرى، كما يعد فرصة للعمل سوياً في مواجهة كثير من التحديات التي تواجه الاتحاد.
في حين أوصى السفير عبد الحميد بو زاهر، رئيس الوفد الدائم للاتحاد الأفريقي لدى جامعة الدول العربية، بتحسين مستوى الجامعات الأفريقية، من خلال مواكبة أحدث التطورات العلمية والمعرفية، بالإضافة إلى توسيع دور اتحاد الجامعات الأفريقية، من خلال دعم وتعاون الدول الأفريقية، للوصول إلى درجة التميز التي نتطلع إليها.
ومن جهته، قال الدكتور محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، إن «الأزهر يستمد قوته، واستمر بقاؤه بسبب منهجه الوسطي المعتدل، ودعوته إلى قبول الآخر وإلى التعايش والمواطنة والاندماج الإيجابي بين الناس».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.