«الطفولة السعيدة» تنظم الدورة الثالثة من مزادها للفن المعاصر

بدعم من «دار سوذبي» للمزادات في لندن

TT

«الطفولة السعيدة» تنظم الدورة الثالثة من مزادها للفن المعاصر

21 عملاً فنياً لرسامين معاصرين وإقليميين، أمثال رشيد جونسون وجوليان شنايبل ولارا بلدي وساميا حلبي وغيرهم، ستُعرض في المزاد العلني الذي تنظمه، غداً (الخميس)، «مؤسسة الطفولة السعيدة» في متحف «ميم»، في بيروت.
وبدعم من «دار سوذبي» العريق للمزادات في لندن، تُنظم المؤسسة المذكورة الدورة الثالثة لها على هذا الصعيد، آخذة بعين الاعتبار معايير الجودة المتبعة عالمياً في هذا النوع من المزادات.
ويدير المزاد الذي يعود ريعه لـ«مؤسسة الطفولة السعيدة» مارتن كلوسترفلد، المدير الأول المتخصص في قسم الفن المعاصر في «دار سوذبي». وقد قُدمت هذه الأعمال كهبة لـ«مؤسسة الطفولة السعيدة» من قبل صالات عرض عريقة في نيويورك وشيكاغو وبروكسل وباريس ومنطقة الشرق الأوسط.
وتقول أميرة رزق، عضو مجلس الإدارة في المؤسسة: «نحن مبهورون بدعم عدد كبير من الأشخاص والمؤسسات ذوي القلوب الكريمة. فقد سمح لنا دعمهم وكرمهم بتحقيق أهدافنا، ومشاركة فرح بث السعادة في قلوب عدد كبير من الأطفال الأقل حظاً».
ويتلقى آلاف الأطفال في لبنان العناية من قبل «مؤسسة الطفولة السعيدة» على صعد الحاجات الأساسية والحماية والصحة والتعليم والترفيه. ويعود ريع المزاد إلى برنامج إعادة تأهيل الأطفال في مركز «ليتيسيا حاتم» لإعادة التأهيل (LHRC) في مستشفى أوتيل ديو، في بيروت. وقد أصبح هذا المركز واحداً من أهم مراكز التأهيل في الشرق الأوسط.
ويؤكد مارتن كلوسترفلد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنه يزور بيروت للمرة الأولى، وأنه يتوقع مزايدات كريمة من قبل المشاركين في هذا المزاد، إذ يحمل رسالة إنسانية كبيرة اعتادت «دار سوذبي» على القيام بها في مختلف دول العالم. ويضيف في موضوع المزادات، ونوعية الناس التي تستقطبها، أنها «تجذب الناس من مختلف الشرائح الاجتماعية. فالمزادات هي للجميع، وهي وسيلة للناس لتحقيق ما يريدون، بدءاً من عنصر بسيط تم شراؤه مثلاً على موقع (إي بي) أو (إي زون) الإلكترونيين لدراجة هوائية لا يتعدى ثمنها بضع دولارات، وصولاً إلى لوحة موقعة من قبل جان ميشيل باسكيات، يصل سعرها إلى 100 مليون دولار. فقوة التنافس هذه للحصول على (ما تريد) تخلق اندفاع الأدرينالين، على عكس ما يتم تحقيقه من أي معاملة عادية في متجر أو معرض تجاري».
وعن كيفية تسعير الأغراض المعروض بيعها عادة في المزادات، يوضح: «إننا ندقق بسعرها الأصلي في الأسواق، ومنها ننطلق في عملية المزاد». وعن موقع بيروت في هذا الإطار، يقول: «إن بيروت تتمتع بتاريخ عريق، ونحن فخورون (إدارة سوذبي) بإقامة مزادات علنية فيها». أما عن أهم المزادات التي سبق أن شارك فيها خلال مشواره المهني، فيجيب: «في عام 2017، احتفلت (دار سوذبي) بعيدها المئوي، فأدارت مزاداً لمعرض (بوهاوس) الألماني، وكان من التجارب التي لا أنساها».
وعلى هامش برنامج المزاد، يشارك كل من فيتو شنايبل (صاحب غاليري مشارك في المزاد)، ومارتن كلوسترفيلد (اختصاصي مزادات في «دار سوذبي»)، في ندوة ثقافية فنية تعقد، اليوم (الأربعاء)، في أكاديمية الفنون الجميلة اللبنانية (ألبا)، ويديرها الصحافي الكاتب بوب كولاتشيلو الذي عمل مع الفنان العالمي أندي وارهول لمدة طويلة. ويحضر هذه الندوة طلاب الفنون في الجامعة المذكورة، ويقدم المشاركون فيها شهادات حية عن تجاربهم في المزادات العلنية، ويتبادلون وجهات النظر في ما يتعلق بديناميات صناعة الفن المعاصر، واتجاهاتها اليوم.
«سأتكلم عن تجربتي الخاصة في عالم الصحافة، عندما بدأت العمل في هذه المهنة وأنا في الـ22 من عمري. قابلت أهم نجوم الفن والأزياء في العالم، أمثال مايك جاغر وترومان كابوت وراكيل ولش وكالفن كلاين، وغيرهم».. يقول بوب كولاتشيلو في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «أشعر بأنني محظوظ جداً، كوني سأتحدث أيضاً عن معايشتي للفنان العالمي أندي وارهول الذي ترك لدي أثراً كبيراً، وشكل خلفية غنية لي في مهنتي». وعن الفنان المعاصر الذي يلفته اليوم بحيث يستطيع أن يكمل مسيرة وارهول، يرد: «أعتقد أن الفنان جيف كونز هو الوريث المباشر للراحل وارهول، ويمكننا ملاحظة ذلك من خلال أعماله الفنية الرائعة».
ويعد الفنان أندي وارهول أيقونة الفن المعاصر، وأكثرهم إثارة للجدل في القرن العشرين. أما بوب كولاشيلو، فهو أحد أقرب المتعاونين المبدعين مع وارهول، من خلال إدارته مجلة «Interview» التي أسسها الفنان المعاصر. كما رافقه في كثير من الرحلات، وأتيحت له فرص لقاء أصدقائه من المشاهير.



الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».