بوتفليقة يعود من جنيف مع تصاعد الحراك ضد «العهدة الخامسة»

مسيرات ومظاهرات كبيرة مستمرة في كل أنحاء البلاد للأسبوع الثالث

طلاب يتظاهرون في العاصمة الجزائرية أمس (رويترز)
طلاب يتظاهرون في العاصمة الجزائرية أمس (رويترز)
TT

بوتفليقة يعود من جنيف مع تصاعد الحراك ضد «العهدة الخامسة»

طلاب يتظاهرون في العاصمة الجزائرية أمس (رويترز)
طلاب يتظاهرون في العاصمة الجزائرية أمس (رويترز)

مع عودة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، من المستشفى في جنيف الذي دخله في 24 من الشهر الماضي، شهدت عاصمة الجزائر وكل مناطق البلاد بما فيها الجنوب «الهادئ»، إضرابا شلَ قطاعات واسعة من النشاط الاقتصادي والتعليمي. وجرى ذلك في سياق المظاهرات ضد ترشح الرئيس لولاية الخامسة، المتواصلة للأسبوع الثالثة.
وحطت طائرة بوتفليقة في المطار العسكري في ضواحي العاصمة بعد الظهر بعدما ظل الجزائريون مشدودين إلى أخبار الرحلة منذ إقلاع الطائرة الرئاسية من جنيف حاملة بوتفليقة بعد إقامة في المستشفى السويسري استمرت أسبوعين وأثارت جدلا وتكهنات عن مدى قدرته على الترشح. وكانت الرئاسة تحدثت في 24 من الشهر الماضي عن «فحوصات طبية روتينية»، يجريها الرئيس بجنيف. وتسبب طول إقامته في الخارج في تأجيج الشارع الجزائري، الذي تشكلت لديه قناعة راسخة بأن الرئيس لن يمكنه الترشح لـ«عهدة خامسة»، وأن إصرار المقربين منه على تمديد حكمه، يعكس حرصا منهم على الحفاظ على مصالحهم الشخصية.
وسبقت وصول الطائرة إلى الجزائر إشاعات ترددت في شبكة التواصل الاجتماعي عن أنها حملته إلى مصحة غرونوبل جنوب فرنسا، حيث درج على العلاج منذ إصابته بجلطة دماغية في 27 أبريل (نيسان) 2013.
«عصيان» يثير التباسا
وعلى صعيد «مظاهرات رفض العهدة الخامسة»، نزل الآلاف من طلاب الكليات والمعاهد التابعة لجامعة الجزائر العاصمة، إلى «البريد المركزي» وسط المدينة، في تحد واضح للحكومة التي أصدرت أمرا بخروجهم في عطلة الربيع بدءا من أمس، بينما كانت الإجازة مقررة كما هو الحال كل عام في 21 من الشهر. ومددتها الحكومة عشرة أيام كاملة، إذ كانت 10 أيام وأصبحت 20 يوما. ورفض الطلاب وأساتذة التعليم العالي وقف الدراسة، ونددوا بـ«خطة الحكومة الهادفة إلى كسر احتجاج الجامعة ومنعها من مواصلة انخراطها في الحراك الشعبي المندد بالنظام».
وعرفت ولايات وهران وسيدي بلعباس ومعسكر بالغرب، والطارف وعنابة وقسنطينة بالشرق، والمدية وتيزي وزو بالوسط، وأدرار والوادي بالجنوب، مظاهرات ومسيرات جرت بالشوارع الرئيسية، وأمام المقار الحكومية تعبيرا عن استمرار الحراك الشعبي.
وشلَ إضراب للتجار ولايات تشهد حركة اقتصادية وتجارية كبيرة، مثل سطيف وبرج بوعريريج بالشرق، وغرداية بالجنوب ووهران بالغرب. وحدث لبس كبير لدى الجزائريين، أمس، بين الإضراب على سبيل الاحتجاج ضد «العهدة الخامسة»، والدعوة إلى «عصيان مدني»، ما يعيد إلى الأذهان مشاهد احتلال الشارع على مدار الساعة، من طرف الإسلاميين مطلع تسعينات القرن الماضي.
وحذَر قادة أحزاب وناشطون من الانسياق وراء التحريض على العصيان، على أساس أن ذلك «يصب في مصلحة السلطة التي تريد أن يخرج الحراك عن أبعاده السلمية». «والعصيان المدني»، عنوان كتاب شهير لقيادي «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة سعيد مخلوفي، ظهر عام 1992 وصار مؤلفه زعيم ما سمي «حركة الدولة الإسلامية»، التي دخلت في مواجهة مسلحة مع الجيش وقتلت رجال الأمن. ولهذا السبب، فنشطاء الحراك رفضوا بشدة تداوله.
الحل في حل البرلمان وإقالة الحكومة
وكتب المحلل ياسين عمران عن تطور حالة السخط الشعبي: «يمضي الوقت وتضيق مساحة فرصة الإنقاذ يوما بعد يوم... أتفهم تردد المؤسسة العسكرية حتى الآن والجيوش تتعامل مع المُعطى الخارجي وليس الداخلي ولا أرى في الأفق سوى مخرجين قانونيين أحلاهما مرّ هما: استقالة الرئيس وقبل ذلك إقالة الطاقم الحكومي وحل البرلمان بغرفتيه، ومن ثم تأجيل الانتخابات، وهنا سنكون أمام فراغ دستوري رهيب، أو إعلان حالة الطوارئ وهذا سيناريو مخيف، وكلاهما لا يأتيان إلا مع مزيد من التعفن في الوضع».
وبحسب المحلل فإن «قبول المجلس الدستوري ملف ترشح الرئيس المريض يعني التوجه نحو الكارثة، ورفضه لدواع صحية يعني حتما إعلان حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، ومن ثم سنكون تحت رئاسة رئيس مجلس الأمة (عبد القادر بن صالح) وهو من التجمع الوطني الديمقراطي (يرأسه رئيس الوزراء أحمد أويحيى غير المحبوب شعبيا)، وسنكون تحت رئاسة أويحيى للحكومة بقوة القانون، لأن الدستور يمنع إقالة الحكومة في حال إعلان عجز الرئيس، فتبقى تمارس مهامها حتى يبدأ الرئيس الجديد في ممارسة مهامه». وأضاف: «الشارع يضغط يوما بعد يوم، والسلطة تهرب إلى الأمام أكثر فأكثر، ودعوات العصيان المدني هي الانتحار ذاته في هكذا ظروف. الوقت يمر وما يمكن القيام به اليوم لن يكون متاحا غداً».
أما فضيل بومالة الكاتب الصحافي، الناشط بقوة في المظاهرات الشعبية، فيقول: «الدعوة للإضراب جاءت في سياق مطالب نقابية قديمة متجددة، لم تجد أي آذان صاغية من جهة السلطة. وهي حق دستوري وقانوني جاء في المرحلة الراهنة للانخراط في حراك الشعب الهادف للتغيير الجذري. وهو أمر طبيعي ورسالة هامة في العمل النقابي الحر، المدافع عن الشعب عموما والفئات العمالية خصوصا. أما ما يسمى بالعصيان المدني فمؤامرة من النظام، وجماعاته لضرب حراك الشعب والتشكيك في سلميته وروحه الحضارية ومحاولة الطعن في مصدره، وإحداث الارتباك والبلبلة في أوساط الناس. إنها استراتيجية واضحة من داخل النظام وأحزابه وعصابات المال الفاسد، للإيحاء بالرجوع لمطلع التسعينات من القرن الماضي».
وأضاف بومالة: «إن النظام العنيف لم يهضم بعد سلمية الحراك وأخلاق المتظاهرين العالية. كما لم يتقبل بعد الحراك الوطني وتجاوزه لكل أسباب التمييز والفرقة بين المناطق والجزائريين التي زرعها النظام وأجهزته في المجتمع. وإذا كان هذا النظام لا يقبل بأي تغيير، فإن جزائر الشعب بأجيالها المختلفة قد تغيرت وتطورت من حيث وعيها ووطنيتها، وإدراكها للرهانات الداخلية والإقليمية والدولية وتفهم جيدا استراتيجيات النظام وحلفائه».
وقال الكاتب الروائي ورئيس حزب «الوطنيين الأحرار»، عبد العزيز غرمول: «فكرة الدعوة إلى إسقاط النظام فيها الكثير من الخطورة والمغامرة. فالنظام ليس أفرادا وإنما مؤسسات دولة، أو في الحقيقة مؤسسات الشعب، وإسقاطها يعني المساس مباشرة بأمن واستقرار البلد. وفِي رأيي أن المطلب الصحيح هو المطالبة بإسقاط «العصابة الحاكمة» وهي معروفة كأشخاص ومكروهة كممارسات. الفكرة الثانية هي فكرة «العصيان المدني» وهي بدورها خطيرة، تؤدي حتما إلى الصدام بين الشعب ومؤسساته الأمنية، وتخلق وضعا خطيرا لا يسمح للطرفين بالمشاركة السلمية في التغيير، والانتقال بالجزائر إلى ما يصبو إليه الشعب ومن ورائه هذا الحراك المبارك. وجهة نظري هي الضغط على الجماعة الحاكمة من خلال إضراب واسع وشامل، محدود في الزمان والقطاعات كي لا نمسّ بحاجات المواطنين».
من جهة أخرى، قال رئيس أركان الجيش، الفريق قايد صالح أمس، أثناء وجوده بمنشأة عسكرية بالعاصمة، بأنه «يعلم علم اليقين أن الشعب الجزائري الأصيل والواعي، الذي برهن في كافة الأوقات والظروف على أنه شعب مواقف، قد عرف وسيعرف كيف يحافظ على وطنه، ولا شك أن الجزائر محظوظة بشعبها ولا شك أيضا أن الجيش الوطني الشعبي هو أيضا محظوظ بشعبه». وعدَ كلامه «إعلانا غير صريح» عن دعمه للحراك الشعبي.
وكان خطاب صالح خاليا من أي إشادة بالرئيس، على غير عادته. وهاجم العسكري النافذ في الحكم المتظاهرين، يوم 26 من الشهر الماضي، فوصفهم بـ«المغرر بهم» ودافع بشدة عن بوتفليقة. غير أن وزارة الدفاع طلبت من وسائل الإعلام عدم نشره خوفا من رد فعل شعبي سلبي.
 



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.