أفريقيا مسرحاً للحرب على الإرهاب

يقودها الفرنسيون في الساحل... وحضور قوي «غير معلن» للأميركيين

أفريقيا مسرحاً للحرب على الإرهاب
TT

أفريقيا مسرحاً للحرب على الإرهاب

أفريقيا مسرحاً للحرب على الإرهاب

عندما كانت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها يوقفون عملياتهم العسكرية ضد ما يسمى تنظيم «داعش» في سوريا والعراق ويستعدون أيضاً للانسحاب من أفغانستان، تلك الساحة السابقة لحرب شرسة ضد الإرهاب بدأت منذ عمليات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، عندما كان كل ذلك يحدث وتخبو جذوة الحرب العالمية على الإرهاب في الشرق الأوسط، توجهت الأنظار نحو القارة الأفريقية على أنها المركز الجديد لهذه الحرب.
-

تعد أفريقيا واحدة من أكثر مناطق العالم فقراً، كما تنتشر فيها الأمية بمعدلات مهولة، ويعاني كثير من سكانها من انتشار أمراض قاتلة مثل الملاريا والإيدز وفيروس إيبولا، ومع انتشار الفقر والمرض والجهل تصبح أفريقيا بيئة خصبة لنمو وانتشار التنظيمات الإرهابية، خصوصاً إذا أضفنا لما سبق انتشار الظلم الاجتماعي وغياب الديمقراطية وتغلغل الفساد في أغلب الدول، وانعدام أفق بالنسبة للشباب الذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان القارة.
ولكن في المقابل تشكل القارة البِكرُ ساحةً للصراع بين القوى العالمية بحثاً عن موطئ قدم في قارة لا تزال خصبة للاستثمار، وبحثاً عن نصيب من ثرواتها الهائلة التي لا تزال نائمة تحت باطن الأرض، كالنفط والغاز واليورانيوم والذهب، كل ذلك يجعلها في مرمى التنظيمات الإرهابية الساعية لضرب المصالح الغربية، خصوصاً أن هذه التنظيمات تستغل موقع القارة على ممرات تهريب المخدرات من أميركا الجنوبية نحو أوروبا، للدخول في شبكات التهريب من أجل تمويل أنشطتها الإرهابية.
مئات المقاتلين الأجانب فروا من ساحة المعارك الطاحنة في سوريا والعراق خلال السنوات الأخيرة. ويقول تقرير جديد صدر مطلع شهر مارس (آذار) الحالي عن مركز التفكير الأميركي حول الأمن «ستراتفور»، إن عدداً كبيراً من هؤلاء المقاتلين توجه نحو القارة الأفريقية، ويشير التقرير إلى أن أفريقيا هي «الساحة الجديدة للحرب على الإرهاب».
يوضح التقرير أن في العام الماضي كان هنالك «تزايد ملحوظ» في أعداد المقاتلين الأجانب الذين دخلوا الأراضي الأفريقية والتحقوا بجماعات متشددة تسعى جميعها إلى إقامة دويلات للتطرف على غرار ما قام به «داعش» في سوريا والعراق، ويشكل هؤلاء المقاتلون «خطراً حقيقياً» على القارة السمراء.
كثير من الدول الأفريقية أخذت هذه التحذيرات على محمل الجد، وضاعفت من إجراءاتها الأمنية في المطارات ونقاط العبور الحدودية، لمنع عبور أي مقاتل محتمل داخل أراضيها، وتم وضع كثير من الجنسيات ضمن قائمة «سوداء» يتم التعامل مع مواطنيها بحذر شديد، على غرار ما قامت به الحكومات في السنغال وموريتانيا وغينيا، بينما فضلت دول كثيرة أخرى تعزيز مستوى التعاون الأمني مع تركيا، البلد الذي يشكل محطة عبور رئيسية لنسبة كبيرة من المقاتلين الأجانب، بعد الخسائر الكبيرة التي تتعرض لها الجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط.
قد لا تكون أفريقيا بالاهتمام ذاته الذي تحتله منطقة الشرق الأوسط ضمن الأجندات العالمية، بصفتها منطقة حيوية في مجال إنتاج ونقل الطاقة بشكل عام والنفط بصفة خاصة، ولكن تبقى القارة الأفريقية واحدة من أهم المناطق الحيوية في العالم، ولا تزال ثرواتها «غير مكتشفة» ما جعلها محط أنظار كثير من الشركات العالمية المختصة في مجال التنقيب عن النفط والغاز، في إطار البحث عن بديل لمنطقة الشرق الأوسط المزدحمة، كما أن منطقة شمال وغرب أفريقيا المهددة بالإرهاب هي امتداد للأمن القومي في القارة الأوروبية التي لا تبعد عن عواصمها سوى مئات الكيلومترات.
لذا فإن عوامل كثيرة تجذب القوى العالمية لخوض الحرب على الإرهاب في أفريقيا، وإن كانت هذه القوى تنخرط في هذه الحرب بمستويات متفاوتة حسب مصالحها، ومناطق وجود هذه المصالح، فعلى سبيل المثال تركز الولايات المتحدة الأميركية أنشطتها ضد الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي القريبة من مضيق باب المندب الفاصل بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، وهو واحد من أكثر المناطق أهمية من الناحية الاستراتيجية، وله تأثير كبير في حركة الملاحة العالمية، وتستخدم الولايات المتحدة قاعدتها العسكرية في جيبوتي (توصف بأنها أكبر قاعدة عسكرية لطائرات الدرون في العالم) لمواصلة الضغط على «حركة الشباب» و«داعش» في الصومال.
في غضون ذلك، تفضل قوى عالمية أخرى خوض الحرب على الإرهاب في مناطق أخرى من القارة، على غرار فرنسا التي تخوض منذ أكثر من 6 سنوات حرباً شرسة ضد «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» الذي ينشط في منطقة الساحل الأفريقي، وهي منطقة نفوذ حيوي بالنسبة لفرنسا وتوجد بها مصالح فرنسية كبيرة، من أبرزها مناجم اليورانيوم في شمال النيجر.
دول أوروبية أخرى كثيرة تخوض الحرب على الإرهاب في أفريقيا، إما بالتحالف مع الفرنسيين أو الأميركيين، بينما يتزايد بقوة النفوذ الروسي والصيني في القارة، وهو نفوذ اقتصادي في البداية، ولكنه يتجاوز ذلك ليصبح نفوذاً أمنياً وعسكرياً مع توقيع اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري مع الحكومات المحلية لمحاربة «الإرهاب».
منذ أن بدأ كثير من مناطق القارة الأفريقية يقع تحت براثن الجماعات المتشددة، كان كثيرون يتوقعون أن القارة تحتاج لسنوات حتى تحتل صدارة الاهتمام فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب، بينما تشير الأرقام إلى أن أفريقيا قد تحولت بالفعل إلى مركز لهذه الحرب، وهي الآن في قلب الإعصار وفي صدارة الاهتمام الدولي، ذلك ما يؤكده تقرير صادر مطلع العام الحالي عن المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية.
ويقول المركز في تقريره الجديد إن «الحرب العالمية ضد الإرهاب في أفريقيا» تجري على 4 جبهات رئيسية هي: الصومال، وحوض بحيرة تشاد، والساحل (وسط مالي والمناطق الحدودية)، ومصر، ويزيد المركز الأفريقي معززاً هذه المعطيات بأرقام تكشف أن عدد الجماعات المتشددة قد تضاعف في أفريقيا خلال العام الماضي (2018)، وهي زيادة تعود في أغلبها إلى عمليات انشقاق وتصدع في صفوف هذه الجماعات.
وقال المركز إن 13 دولة أفريقية واجهت خلال العام الماضي هجمات إرهابية يومية، فيما تراجع عدد ضحايا الإرهاب في القارة بنسبة 12 في المائة بالمقارنة مع حصيلة الضحايا خلال عام 2017، وبنسبة 50 في المائة بالمقارنة مع الحصيلة في عام 2015، ويعود هذا التراجع الكبير إلى انخفاض معدل هجمات جماعة «بوكو حرام» في شمال نيجيريا، التي انخفض عدد ضحاياها العام الماضي بنسبة 35 في المائة، كما تقلص عدد القتلى الذين أسقطتهم حركة الشباب الصومالية بنسبة 15 في المائة، أما «داعش» فقد تراجع عدد ضحاياه بنسبة 21 في المائة.
خلال العام الماضي، تراجعت الهجمات الإرهابية التي شنتها «بوكو حرام» بنسبة 25 في المائة، بينما تضاعفت 3 مرات الهجمات التي شنتها «الدولة الإسلامية في أفريقيا الغربية»، وهي جماعة منشقة عن «بوكو حرام» أعلنت عام 2015 مبايعة «داعش»، وسحبت البساط بشكل شبه كامل من تحت التنظيم القديم «بوكو حرام»، رغم أنها لا تزال تحمل اسمه في كثير من الأحيان، وقد شن هذا التنظيم خلال العام الماضي 83 هجوماً إرهابياً، بزيادة كبيرة بالمقارنة مع العام قبل الماضي (2017) الذي شن فيه التنظيم 27 هجوماً فقط، فيما ارتفعت حصيلة قتلى التنظيم بنسبة 58 في المائة.
أما «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب» وحلفاؤه الذين ينشطون في منطقة الساحل والصحراء، فقد سجلوا أكبر نسبة زيادة في العمليات الإرهابية خلال العام الماضي، حين تضاعفت هجماتهم من 144 هجمة خلال 2017 لتصل في 2018 إلى 322 هجمة، فيما تضاعف عدد الضحايا من 366 قتيلاً خلال عام 2017 ليصل في 2018 إلى أكثر من 611 قتيلاً، كما زاد «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب» وحلفاؤه من اتساع الرقعة الجغرافية التي ينشطون فيها، لتشمل بالإضافة إلى شمال ووسط مالي، مناطق من بوركينا فاسو والنيجر.

بوركينا فاسو تشهد أخيراً أكبر عدد من الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل، وأصبحت توصف بأنها الحلقة الأضعف من بين دول الساحل، إذ تضاعف عدد الهجمات الإرهابية على أراضيها، وهي هجمات في أغلبها من تنفيذ مقاتلين تابعين لـ«تنظيم القاعدة في بلاد المغرب» وآخرين من «تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، وقد ارتفعت هذه الهجمات من 34 هجوماً خلال 2017 لتصل العام الماضي إلى 136 هجوماً.
أما في منطقة شمال أفريقيا، فقد بقيت أنشطة تنظيم «داعش» على حالها خلال العام الماضي، إذا لم تشهد أي زيادة أو نقصان بالمقارنة مع 2017، فيما تمثل الهجمات التي يشنها «تنظيم داعش في سيناء» نسبة تتزايد، حيث شن التنظيم في سيناء 283 هجوماً من أصل 344 هجوماً شنتها جميع فروعه في القارة.
اللافت في الإحصائيات الصادرة عن المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، هو ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم «داعش» في شمال موزمبيق، الذي يطلق عليه محلياً «تنظيم الشباب»، وشن هذا التنظيم الصاعد خلال العام الماضي 55 هجوماً راح ضحيتها 164 قتيلاً.


مقالات ذات صلة

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

شؤون إقليمية مروحيتان حربيتان تركيتان تشاركان في قصف مواقع لـ«العمال الكردستاني» شمال العراق (أرشيفية - وزارة الدفاع التركية)

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

أعلنت تركيا تطهير مناطق في شمال العراق من مسلحي «حزب العمال الكردستاني» المحظور، وأكدت أن علاقاتها بالعراق تحسنت في الآونة الأخيرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

زاد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا جهاز مكافحة الإرهاب في ألمانيا (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: حملة تفتيشات جديدة بحثاً عن إرهابيين سابقين في «الجيش الأحمر»

تُعد جماعة «الجيش الأحمر»، التي تأسست في عام 1970، إحدى أبرز الجماعات اليسارية بألمانيا الغربية السابقة في فترة ما بعد الحرب حيث تم تصنيفها هناك جماعة إرهابية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شمال افريقيا عناصر الشرطة الألمانية في حملة مداهمات سابقة (غيتي)

ألمانيا تحيل 4 يُشتبه بانتمائهم لـ«حماس» للمحاكمة بتهمة جمع أسلحة

مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا: «(حماس) نظمت عمليات تخبئة أسلحة في دول أوروبية مختلفة لتنفيذ هجمات محتملة ضد مؤسسات يهودية وغربية في أوروبا».

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».