أوزنغول.. قرية تركية بنكهة «سعودية»

توافد السعوديين عليها صيفا دفع الأهالي لترك منازلهم وتأجيرها

يبدو تأثير السياح السعوديين واضحا على قرية أوزنغول التركية
يبدو تأثير السياح السعوديين واضحا على قرية أوزنغول التركية
TT

أوزنغول.. قرية تركية بنكهة «سعودية»

يبدو تأثير السياح السعوديين واضحا على قرية أوزنغول التركية
يبدو تأثير السياح السعوديين واضحا على قرية أوزنغول التركية

تفوح رائحة الكبسة السعودية والقهوة العربية في قرية أوزنغول التركية، حيث يفترش السعوديون تلالها الخضراء لاحتساء القهوة أو تناول وجبة الغداء، ويفضل معظمهم ارتداء الزي التقليدي (الثوب والشماغ للرجال، والعباءة للسيدات)، حتى يتخيل للناظر أنه يتجول في أحد متنزهات مدينة الرياض، بعد أن اجتاحت مظاهر الثقافة السعودية كافة معالم تلك القرية الصغيرة.
ويبدو تأثير السياح السعوديين واضحا على القرية التي تقع ضمن محافظة ترابزون (أقصى الشمال التركي)، وتبعد عن إسطنبول نحو 800 كيلومتر، حيث تنتشر العبارات المكتوبة باللغة العربية في اللوحات الإرشادية بصورة تفوق اللغة التركية، إلى جانب أعداد قوائم للمأكولات باللغة العربية في معظم مطاعم القرية التي يمكن الوصول إليها عبر مطار ترابزون الذي يبعد نحو 100 كيلومتر (نحو ساعة ونصف بالسيارة).
وفي السنوات الأخيرة، بدا لافتا تدفق السياح السعوديين الكثيف إلى قرية أوزنغول، خاصة خلال فترة الإجازة الصيفية، وهو ما دفع بعض سكان البلدة إلى إفراغ منازلهم لتأجيرها للسياح، بحيث تقضي الأسر السعودية إجازتها في الأكواخ المترامية حول بحيرة أوزنغول الشهيرة، وذلك نظير أسعار زهيدة مقارنة بتكلفة السكن في القرى الريفية الأوروبية التي تمتلك أجواء طبيعية تقارب الموجود في أوزنغول التركية، وهو ما يجعلها تجربة مشوقة لكثير من السعوديين.
وتضج أوزنغول بالفنادق الصغيرة (موتيلات) المبنية من الخشب، ومعظمها رخيص التكلفة، حيث تتراوح الأسعار صيفا بين 70 و200 دولار لليلة الواحدة، في حين يفضل بعض السعوديين السكن لدى أحد أهالي القرية الذين يؤجرون منازلهم أو إحدى الغرف فيها، وذلك لما يتميز به سكان أوزنغول من تعامل طيب مع السياح، إلى جانب انخفاض تكلفة السكن في هذه الحالة مقارنة بالسكن الفندقي.
وربما أكثر ما يميز السعوديين قاصدي أوزنغول، أنهم يمثلون الأسر المحافظة، وذلك يتضح من خلال المظهر العام للسياح السعوديين، وهو ما ينسجم مع طبيعة القرية الهادئة التي تبتعد عن الصخب والضجيج، وتنتشر فيها المساجد والأوقاف الإسلامية، حيث يقول محمود (سائق تركي متخصص بنقل السياح)، إن معظم هذه المساجد أسهم في بنائها السياح السعوديون، ويضيف «مكاتب التبرعات الخيرية تنتشر في أوزنغول، ويرتادها كثير من السعوديين».
ورصدت «الشرق الأوسط» عددا من اللافتات الكبيرة المنتشرة على الطرق حول ذلك، وجميعها تتم كتابتها باللغة العربية، من بينها لوحة تقول: «أخي المسلم أسهم بالتبرع معنا في بناء سكن مدرسة تحفيظ القرآن الكريم للبنين والبنات»، ويبدو لافتا أن البحث عن تبرعات السياح هو توجه منظم تحت أعين بلدية القرية، التي تضع شعارها في بعض هذه اللوحات، ما ينبئ بأن الفائدة التي يقدمها السائح السعودي الذي يقصد أوزنغول تأتي من بابين: دعم السياحة وتقديم الدعم المالي لبعض المشاريع الخيرية.
من جهة أخرى، يمكن وصف قرية أوزنغول بأنها جنة الله في الأرض، حيث تحيطها المناظر الطبيعية الخلابة من جميع الاتجاهات، مع وجود الوديان الجارية والشلالات والجبال المرتفعة التي تزينها أشجار الصنوبر، وتحاط القرية ببعض المصانع الصغيرة، مثل: مصانع الشاي التركي التي تسمح للسياح بزيارتها والتقاط الصور التذكارية فيها، إلى جانب التواجد المكثف للنحالين الذين يدّعون جودة العسل الذي يصنعونه، ويجذبون السعوديين بالكتابات العربية التي تزعم أن عسلهم يعالج الكثير من الأمراض.
وأوزنغول التي تعني باللغة التركية (البحيرة الطويلة)، تمتاز بأنها مسكن سمك السلمون النهري، فهو يعيش في المياه الباردة الموجودة في المنطقة، وفي أوقات الغداء والعشاء يتحول إلى صحون شهية إلى جانب الأسماك الأخرى المنتشرة في المنطقة، حيث تتنوع قائمة المأكولات في مطاعم أوزنغول لتشمل: السلمون المقلي، السلمون المشوي، السلمون المبخر، وسلمون بالطاجن.. وهو ما يجعل أوزنغول مقصدا رئيسيا لعشاق تناول سمك السلمون.
ورغم أن الأجواء في عموم تركيا تكون حارة في فصل الصيف، فإن قرية أوزنغول تشذ عن هذه القاعدة، حيث يتزود السياح بالملابس الدافئة تحوطا من برد الليل الذي يكون قارسا بعض الأحيان، وهو ما فتح لأهالي القرية رزقا جديدا في بيع المعاطف الصوفية بين جنبات البحيرة التي تشهد توافدا لافتا من السياح السعوديين، الذين يصطدم بعضهم بشدة برودة هذه القرية الجبلية، التي تبدأ أحيانا من ساعات الظهيرة وتمتد إلى الليل.
لكن رغم جمال الأجواء الصيفية وبهاء المناظر الخلابة، فإن زوار أوزنغول لا يفضلون إطالة الإقامة فيها لأكثر من أسبوع، وهو ما يجعل البعض يصفها بالمدينة الجميلة والمملة في آن واحد، بالنظر للهدوء الشديد الذي تمتاز به، وعدم وجود أي فعاليات أو أنشطة مشوقة تكسر الروتين اليومي لزوارها، الذين في معظمهم يمثلون الأسر السعودية ويضمون الكثير من كبار السن الذين يفضلون الاسترخاء في هذه القرية بعيدا عن صخب المدن.
واستطلعت «الشرق الأوسط» آراء عدد من السياح الذين اختاروا الإقامة في أوزنغول، حيث يقول أحدهم «أوزنغول قرية منعزلة عن العالم، يستطيع الفرد فيها أن يعيش بهدوء مع الأسرة، وهذا أكثر ما شدني إليها». في حين ترى سيدة أخرى أن الطبيعة المحافظة للقرية إلى جانب جمال الأجواء فيها، تجعلها مكانا مناسبا للأسر التي ترغب في السياحة المحافظة، بحسب وصفها.
في حين يبدي الباعة المنتشرون في متاجر أوزنغول، سعادتهم بهذا الإقبال الكبير من السياح السعوديين على بلدتهم الصغيرة، وهو ما يظهرونه عبر استعراضهم بعض المفردات السعودية التي حفظوها من هؤلاء السياح، حيث تقول عجوز تركية بلغة متكسرة «نحن نحب السعوديين» وهي ترتب بعض الأوشحة التي تبيعها في متجرها برفقة ابنتها، مشيرة إلى أن السائح السعودي أنعش الحركة التجارية في القرية.
يذكر هنا أنه بعد تحوّل أوزنغول إلى مركز سياحي بدأت تظهر فيها الفنادق التجارية والمطاعم ومتاجر التذكارات، كما بُني حاجز إسمنتي على طول شاطئ البحيرة بحيث يمنع فيضان المياه أحيانا باتجاه الطرق المحيطة بالبحيرة، في حين تكثر في أوزنغول متاجر بيع المنحوتات الخشبية التي يشتهر بها سكان القرية، وتحظى باهتمام كبير من قبل السياح الذين يشترونها كهدايا تذكارية لذويهم حال عودتهم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».