الفريق أحمد قايد صالح... ركيزة نظام بوتفليقة وحامي ظهره

تساؤلات عن الموقف الفعلي لقائد الجيش الجزائري من الحراك الشعبي ضد «العهدة الخامسة»

الفريق أحمد قايد صالح... ركيزة نظام بوتفليقة وحامي ظهره
TT

الفريق أحمد قايد صالح... ركيزة نظام بوتفليقة وحامي ظهره

الفريق أحمد قايد صالح... ركيزة نظام بوتفليقة وحامي ظهره

ثمة إجماع واسع في الجزائر على أن الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع في الجزائر، هو ركيزة النظام بشقيه المدني والعسكري. والمعروف عن قايد صالح الولاء الشديد للرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ أن عيَنه الرئيس قائداً للجيش خلفا للفريق محمد العماري (توفي لاحقا) الذي أقاله من المنصب عقب فوزه بولاية ثانية عام 2004. ولقد اختلف العماري مع بوتفليقة في موضوع تمديد حكمه، وحدث بينهما الطلاق. ومن المفارقات أن العماري، كان في الصفوف الأولى لداعمي ترشح بوتفليقة لولاية ثالثة عام 2009!
اليوم في خضم الحراك الشعبي الرافض لـ«ولاية خامسة» للرئيس بوتفليقة، تسلط الأضواء على موقف المؤسسة العسكرية، وبالذات، على الفريق الذي يقارب سن الثمانين، ولا سيما بعد تصريحات قرأ فيها المتابعون عدة رسائل موجّهة إلى مختلف الأطراف.
الفريق أحمد قايد صالح (79 سنة) رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع الجزائري، هو حالياً محور النقاش الجاري في الجزائر، حول ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفترة جديدة بمناسبة رئاسية 18 أبريل (نيسان) المقبل، والذي بسببه ثار الشارع الجزائري رافضاً استمرار الرئيس ورجاله في السلطة.
يوم 26 فبراير (شباط) الماضي، أكد قايد صالح دعمه الكامل لمسعى الرئيس الحصول على ولاية جديدة. وأثناء وجوده في «الناحية العسكرية السادسة» بجنوب البلاد، هاجم مئات آلاف المتظاهرين، الذين كانوا قد خرجوا قبل أربعة أيام إلى الشارع للتعبير عن رفضهم لـ«الخامسة». وقال في خطاب بثه التلفزيون الحكومي بأن «الجيش الوطني الشعبي بحكم المهام الدستورية المخولة، يعتبر كل من يدعو إلى العنف بأي طريقة كانت، تحت أي مبرّر وفي ظل أي ظرف، هو إنسان يجهل ويتجاهل رغبة الشعب الجزائري العيش في كنف الأمن والأمان».
يومها كان الكلام موجهاً إلى مئات الآلاف من المتظاهرين. ثم تساءل العسكري الكبير النافذ في الحكم، بنبرة حادة «هل يعقل أن يتم دفع بعض الجزائريين نحو المجهول، من خلال نداءات مشبوهة ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جرّ هؤلاء المغرَّر بهم إلى مسالك غير آمنة، وغير مأمونة العواقب؟ مسالك لا تؤدي حتماً إلى خدمة مصلحة الجزائر، ولا إلى تحقيق مستقبلها المزدهر؟». ومجددا، عُدّ كلامه حينها صادماً بالنسبة لكثيرين كانوا يأملون أن ينحاز الجيش وقائده للحراك الشعبي الساخط على الرئيس، بدلاً من أن يعاديه.

حدث شيء غريب
ولكن شيئا غريباً حدث بعد هذا الهجوم الحاد على المتظاهرين. فالمقطع الناري من خطاب قايد صالح سُحب من كل المواقع والصحف الإلكترونية، بما فيها موقع الإذاعة والتلفزيون الحكوميين. وتلقت كل المؤسسات الإعلامية اتصالاً من اللواء مسؤول الإعلام بوزارة الدفاع، يطلب فيه من مسؤوليها عدم نشر تهديدات رئيس أركان الجيش. المسؤول العسكري لم يذكر السبب، لكن فهم من هذا التصرف أن جهة كبيرة في الدولة، لم يعجبها كلام صالح تجاه المتظاهرين. ورغم مرور قرابة أسبوعين على «الحادثة»، لم يجد أحد تفسيراً لما جرى.

«الظهر» والسند
في الواقع، يعدَ صالح «الظهر» التي يسند ويحمي الرئيس والمحيطين به الذين يروجون يوميا لـ«إنجازاته». ويعتبره مراقبون «القوة المادية» التي مكَنت بوتفليقة من إطالة حكمه، وبفضلها كانت كل المؤشرات تفيد، قبل انفجار الشارع، أنه سيحصل على ولاية خامسة. وحقاً، لا يجرؤ الإعلام على انتقاد صالح أبداً، ولا الحديث عن شبهات الفساد في البلاد التي ترددها الصحف الخاصة ذات التوجّه المعارض للسلطة. بل يطلق الجنود والضباط عليه «عمّي صالح»، نظرا لكبر سنه.
غير أن الضابط الكبير غير لهجته بمرور الأيام، وبدا مهادناً الحراك في آخر ظهور إعلامي له. إذ قال في خطاب بأن الجيش «يعي جيداً التعقيدات الأمنية التي تعيشها بعض البلدان، في محيطنا الجغرافي القريب والبعيد، ويدرك خبايا وأبعاد ما يجري حولنا، وما يمثله ذلك من أخطار وتهديدات على بلادنا التي تبقى دوما مستهدفة. وإدراك الجيش الوطني الشعبي لكل ذلك، سيجعله في غاية الفطنة واليقظة، وسيكون دوماً حارسا أمينا للمصلحة العليا للوطن وفقا للدستور ولقوانين الجمهورية، وسيعرف، بفضل الله تعالى وعونه، كيف يكون في مستوى المسؤولية المطالب بتحملها في كافة الظروف والأحوال، فالجميع يعلم أن الجزائر قوية بشعبها وآمنة بجيشها».
خطاب صالح احتفظ بالجرعة المعهودة منه بخصوص الأمن و«المخاطر في دول الجوار»، لكنه بخلاف خطبه السابقة، لم يذكر «الإنجازات» ولم ينسب أي شيء لـ«فخامة رئيس الجمهورية وزير الدفاع القائد الأعلى للقوات المسلحة». وهكذا، قرأ مراقبون تأثرا من جانبه بالحراك الشعبي الرافض استمرار الرئيس في الحكم. فهل يمكن أن يتخلى قايد عن بوتفليقة إذا كبرت المظاهرات مع الوقت؟ أم أنه من السابق لأوانه استخلاص شيء كهذا؟ هل يمكن القول بأن قيادة الجيش انحازت لموجة الغضب الشعبي؟

«ضجر الشعب»!
عبد الرزاق مقري، رئيس «حركة مجتمع السلم» الإسلامية ومرشحها للرئاسية، وجه رسالة لقايد صالح، بعد خطابه، قال له فيها «اختلف المتابعون حول كلامك هل أنت منحاز للشعب أم تهدده؟... ومهما يكن مقصدك، فإن الذي يجب أن تعلمه بأن الخطر الوحيد على النظام العام وعلى استقرار البلد هو النظام السياسي، سواءً الذي أنت جزء منه وتقوم الآن بحمايته، أو الذي تحاربه وتوجه له رسائلك بأساليبك غير المباشرة. ليكن في علمك سيادة الفريق بأن الذي يهدد استقرار البلد، هو الفساد الكبير الذي حوّل الدولة إلى عائلات مافيوية متصارعة على نهب خيرات البلد، تتوارث الفساد من الأب إلى الابن إلى الحفيد، وجميع أجنحة السلطة في كل المؤسسات دون استثناء متورطة فيه. وهم أيضا الأثرياء الكبار الذين يتحكمون اليوم في اللعبة بأطرافها المتناقضة، والذين صنعوا ثرواتهم بالامتيازات قديماً وحديثاً، مع ما تحمله امتداداتهم الخارجية من مخاطر على البلد. وهي شبكات الفساد المعمم، الصغير منه والمتوسط، ضمن نهج بناه النظام السياسي متعمدا لتشكيل شبكات الزبونية السياسية في كل أنحاء الوطن فقتل قيمة العمل والجهد والإبداع والتنافس الحر والنزيه».
وأضاف مقري «الفساد، سيادة الفريق، هو التزوير الانتخابي المستدام الذي أنتج مجالس فاسدة رديئة أنتجت بدورها حكومات فاسدة ضعيفة، أفسدت مؤسسات العدالة والرقابة والإعلام والمجتمع المدني والأحزاب، وكل ما له علاقة بالشأن العام. الفساد هو الانهيار الاقتصادي الذي تجلت أماراته، والذي حينما يوصلنا إلى الإفلاس ستصبح الميزانية الضخمة التي أبقت المؤسسة العسكرية قائمة، عبئا على المواطنين، وعندئذ ستجد أيها الفريق، أنت أو الذين يأتون بعدك، صعوبات عظيمة في دفع أجور الجنود وصيانة السلاح، وبالتالي حماية الحدود. الفساد هو الاختراق والوصاية الأجنبية على البلد الذي نعرف وتعرف حقيقته، ونخشى لعدم إرعاب المواطنين من ذكر تفاصيله. سيادة الفريق: حينما يعبر الشعب عن ضجره من هذا النظام السياسي، بكل تفاصيله، من خلال مسيراته السلمية الحضارية، يعطي الفرصة للجميع للتصحيح والاستدراك..... فإن لم تفهم هذا المغزى الذي أسوقه لك، أو لا تقبله، فأنت كذلك جزء مهم من المشكلة».

العسكر وسلطة البرلمان
من ناحية ثانية، يرى الدكتور محمد دخوش، الباحث في العلاقات المدنية والعسكرية وهو صاحب كتابات عديدة عن علاقة المدني بالعسكري، في نظام الحكم، أن دور قايد صالح ونفوذه تعاظما، منذ إصابة الرئيس بالمرض وعجزه عن القيام بوظائفه. ويضيف أن صلاحياته توسعت وامتد دوره من البعد الفني (قيادة الأركان) إلى البعد السياسي (نائب وزير الدفاع وعضو مجلس الوزراء).
ويذكر دخوش أن المرسوم الرئاسي المتضمن تحديد مهام نائب وزير الدفاع الوطني وصلاحياته، يفيد أن نائب وزير الدفاع الوطني «يساعد الوزير ويمارس عن طريق التفويض وتحت رقابته وسلطته الصلاحيات التي يسندها إليه، ويعرض عليه نتائج نشاطاته، ويفوض له الإمضاء على جميع الوثائق والمقررات، ويجمع المراسلات الموجهة لوزير الدفاع الوطني. ويتولى تسيير علاقات وزارة الدفاع مع مختلف مؤسسات الدولة، ويجمع ويعالج لحساب وزير الدفاع الوطني، المسائل المالية والاقتصادية وينسق أشغال تحضير ميزانية الوزارة، التي يكون هو الآمر بالصرف فيها. كما يعدّ وينفذ السياسة العامة للموارد البشرية للوزارة، بناء على توجيه وزير الدفاع الوطني ويعالج مخططات تحويل وحركة الضباط. ويرأس اللجنة الوزارية للصفقات. ويجمع اقتراحات التعيين في المناصب العليا بالوزارة ويعرضها على وزير الدفاع الوطني».
وعن آفاق العلاقة بين المدنيين والعسكريين في الجزائر، في ظل خطاب السلطة حول «تمدين الممارسة السياسية»، يقول دخوش «تتفق جميع الدراسات المتخصصة، في مجال العلاقات بين السلطة السياسية والجيش، أن بناء علاقات مدنية عسكرية متوازنة في بيئة ديمقراطية، يجب أن تقوم على خضوع القوات المسلحة للسيطرة المتوازنة بين السلطتين التنفيذية والبرلمانية، وتحديد سلسلة القيادات العسكرية ومجالات مسؤولياتها في حالات السلم والحرب، بحيث يكون قادة الجيش خاضعين لوزير دفاع مدني يمثل الجيش لدى الحكومة، ومنح البرلمان صلاحيات إعلان الحرب وحالات الطوارئ في البلاد، وكذا تعيين كبار القادة العسكريين، اشتراك السلطتين التنفيذية والبرلمانية في التحكم بميزانية المؤسسة العسكرية والإشراف عليها، وهذا الشرط يعتبر إحدى أهم مكونات الإشراف المدني على القوات المسلحة».
ثم تابع «باستعراض واقع العلاقات المدنية - العسكرية في الجزائر، لم يحدث يوماً، منذ الاستقلال وتأسيس السلطة التشريعية، أن قام المجلس الشعبي الوطني (الغرفة البرلمانية الأولى) أو مجلس الأمة (الغرفة الثانية) بمراقبة ميزانية الجيش أو متابعة أوجه صرفها، كما لم يقم أي من المجلسين يوماً بمساءلة قادة الجيش عن هذا الأمر أو غيره. ورغم إنشاء لجنة للدفاع الوطني في البرلمان، لم يغير ذلك شيئا في العلاقة بين الجيش والمؤسسات التمثيلية للدولة، مع أن التوجه كان بهدف إخضاع المؤسسة العسكرية للرقابة. ثم إن البرلمان الجزائري لا يملك صلاحية إعلان الحرب وفرض حالات الطوارئ في البلاد، ولا تعيين كبار القادة العسكريين، ولذا لم تصل المؤسسات التمثيلية الجزائرية للمستوى العالي من الممارسة الديمقراطية، كما أن هذه الصلاحيات هي صلاحيات حصرية لرئيس الجمهورية باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلح، الذي تلعب المؤسسة العسكرية - ولعبت سابقاً – دوراً مهماً في إيصاله للحكم. أضف لما تقدم أن شرط خضوع المدنيين الذين يتحكمون في القوات المسلحة، بدورهم، للعملية الديمقراطية لم يتحقق بعد. إذ لا تزال العملية الانتخابية في الجزائر تشوبها العديد من النقائص، في ظل الاتهامات المتكررة بالتزوير ما يطعن في مصداقيتها».

بطاقة هوية
- ولد أحمد قايد صالح في مدينة باتنة، خامس كبرى مدن الجزائر وأكبر معاقل الشاوية وعاصمة منطقة الأوراس بشمال شرقي الجزائر، يوم 13 يناير (كانون الثاني) من عام 1940. أي أنه يبلغ من العمر حالياً 79 سنة.
- كان من المناضلين الميدانيين الذين شاركوا في النضال الاستقلالي ضد الاستعمار الفرنسي، منذ سن السابعة عشرة.
- تدرّج سلم القيادة ليعيّن قائدا على التوالي في الفيالق 21 و29 و39 لجيش التحرير الوطني منذ أغسطس (آب) 1957.
- تخرّج في أكاديمية فيستريل العسكرية (روسيا).
- عيّن قائدا للواء ثم قائدا للقطاع العملياتي الأوسط.
- تولّى قيادة مدرسة تكوين ضباط الاحتياط.
- عيّن قائداً للقطاع العملياتي الجنوبي لتندوف (غرب الجزائر).
- بعدها عيّن نائباً لقائد الناحية العسكرية الخامسة.
- ثم عيّن قائدا للناحية العسكرية الثالثة.
- ثم قائداً للناحية العسكرية الثانية.
- رقّي لرتبة لواء عام 1993.
- أسند إليه عام 1994 منصب قائد القوات البرية.
- ولّي منصب رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي 2004.
- رقّي لرتبة فريق عام 2006.
- عيّن في منصب نائب وزير الدفاع الوطني يوم 15 سبتمبر (أيلول) عام 2013.
- حائز على وسام جيش التحرير الوطني ووسام الجيش الوطني الشعبي الشارة الثانية ووسام الاستحقاق العسكري ووسام الشرف.
- متزوج وأب لسبعة أولاد.



الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.