الهند تتطلع لأن تكون سلة غذاء الخليج

حددت الإمارات 20 منتجاً غذائياً يجري استيرادها من الهند في الوقت الحالي بكميات كبيرة
حددت الإمارات 20 منتجاً غذائياً يجري استيرادها من الهند في الوقت الحالي بكميات كبيرة
TT

الهند تتطلع لأن تكون سلة غذاء الخليج

حددت الإمارات 20 منتجاً غذائياً يجري استيرادها من الهند في الوقت الحالي بكميات كبيرة
حددت الإمارات 20 منتجاً غذائياً يجري استيرادها من الهند في الوقت الحالي بكميات كبيرة

تُقدر قيمة الاستثمارات الأجنبية في الهند بنحو 10 مليارات دولار أميركي، غالبيتها في مجال المنتجات الغذائية الهندية، ومن المتوقَّع أن تستثمر عشرات الشركات تحمل 30 جنسية في قطاع الغذاء الهندي، من ضمنها شركات بارزة من منطقة الخليج العربي.
وتتضمن القائمة أسماء شركات عالمية أميركية كبيرة، مثل «أمازون»، و«كارغيل»، و«كيلوغز»، و«موندليز»، والسويسرية «نسلة»، والبريطانية «يونيليفر»، واليابانية «ياكولت»، والألمانية «ريوي»، والأسترالية «كاليناري فودز» والكندية «غلوبال تشويس فوودز» والتشيلية «سوك»، والهولندية «جامبو»، والإماراتية «لولو»، والسعودية «باندا ريتيل»، والكندية لابلو، والروسية «إكس 5».
ويمثل قطاع إعداد وتجهيز الأغذية نسبة 32 في المائة من إجمالي سوق الغذاء في الهند، الذي تُعد من أكبر الأنشطة الاقتصادية في الهند حيث تحتل المرتبة الخامسة من حيث الإنتاج والاستهلاك والصادرات والنمو المتوقع. ويساهم قطاع الغذاء بنحو 14 في المائة من إجمالي الناتج القومي الصناعي، و13 في المائة من صادرات الهند، و6 في المائة من إجمالي الاستثمارات الصناعية.
وارتفعت صادرات الهند لتبلغ 36.71 مليار دولار عام 2017 - 2018، مسجلةً صعوداً طفيفاً عن العامين الماضيين، لتقترب من مستوى 39.33 مليار دولار الذي حققته منذ خمس سنوات.
وفي هذا الصدد، صرح وزير التجارة والصناعة الهندي، صراه بارباه، أخيراً، بأن السعودية والإمارات أبدتا رغبةً في الاستثمار في قطاع الصناعة الهندي، مشيراً إلى أن «الدولتين ستستخدمان الهند قاعدةً لأمنهما الغذائي. ومن المتوقّع أن ترد استثمارات في قطاع الزارعة والإمداد الهندي من الإمارات والسعودية، بالإضافة إلى 15 - 20 دولة أخرى من مختلف أنحاء العالم».
وأضاف الوزير الهندي، قائلاً: «فيما يخص سياستنا التصديرية، فقد قرّرنا إزالة جميع الحواجز على المنتجات العضوية والمٌصنّعة. فالسعودية والإمارات لديهما الرغبة في الاستثمار بالغذاء العضوي والمُصنّع، وهو ما سيعود بالنفع على الدولتين وعلى باقي دول الخليج، وعلى الهند على حد سواء، خصوصاً بالنسبة للمزارعين الذين يتطلعون لأسعار أفضل لمنتجاتهم».
- الشرق الأوسط
ستقوم الهند بإنتاج الغذاء لصالح كثير من دول الخليج. فالإمارات مثلاً ستستثمر بما قيمته 5 مليارات دولار أميركي خلال الثلاث سنوات المقبلة لتعزيز أمنها الغذائي من خلال بناء مشروعاتٍ للبنية التحتية لتصنيع الغذاء عالي المستوى، وإنشاء سلاسل تبريد لحفظ الغذاء وتطوير تكنولوجيا الحفظ والتغليف والتسويق.
وتعمل الدول الخليجية ذات الطبيعة الصحراوية على تنمية نوع من الشراكة يساعدها على الاستفادة من مزارع الحفظ والتخزين في الولايات الهندية، مثل «ماهارشتا» و«غوجرات» و«ماديا بيداش» لحفظ منتجاتها الزراعية قبل تسويقها في أسواق الخليج العربي. وفي إطار هذه الشراكة، ستشرع الولايات الهندية في العمل لصالح أسواق دولة الإمارات حيث تقوم شركة الإنشاء الإماراتية العملاقة «إعمار» ببناء مستودعات تخزين في ثلاثة ولايات هندية.
وسيكون المشروع الذي يحمل اسم «من المزرعة إلى الميناء» على غرار منطقة اقتصادية حرة أخرى جرى إنشاؤها بالفعل بغرض التصدير لسوق محددة في الإمارات. وبحسب خبراء الاقتصاد، فإن ممر الغذاء الهندي الإماراتي سيعود بالنفع على نحو مليوني مزارع وسيخلق 200 ألف فرصة عمل جديدة بمختلف أنحاء الهند.
ويهدف ممر الغذاء الهندي إلى استغلال التربة الخصبة للأرض في الهند التي تكفي لزراعة منتجات غذائية تكفي لإطعام 1.2 مليار نسمة، لكن 30 في المائة من هذا الغذاء يجري إهداره، وبإمكان دولة الإمارات جلب الاستثمارات المطلوبة حتى اكتمال زراعة المحاصيل، ومن ثم تشتريها الشركات الإماراتية بسعر أقل، وهو ما عبّر عنه السفير الهندي لدى الإمارات بقوله: «الإمارات ستستفيد من المشروع، وكذلك المزارعون سيحصلون على سعر أفضل».
وتصدّر الهند حالياً منتجات غذائية بقيمة 2.5 مليار دولار للإمارات كل عام، وقد يساعد ممر الغذاء المشترك على زيادة هذا الرقم ليصبح 7 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة. وقد حددت الإمارات 20 منتجاً غذائياً يجري استيرادها من الهند في الوقت الحالي بكميات كبيرة، ولذلك تنافس الهند بقوة في تصدير هذه المنتجات.
وتشمل الصادرات الحبوب الغذائية والخضراوات والفاكهة وحتى الدواجن، ولذلك تبرم الشركات الإماراتية اتفاقات مع شركائها في الهند، إما لتصنيع تلك المنتجات، أو لحفظها في ثلاجات قبل شحنها إلى الإمارات عند الحاجة إليها.
ومن المقرَّر أن يبدأ المشروع في الولايات الوسطى والغربية، وهي ولايات «ماهرشترا»، و«مادايا برداش»، و«كوجرات»، وذلك نظراً لسهولة النقل إلى الإمارات من خلال الموانئ في الساحل الغربي للهند. وبالتزامن مع ذلك، تسعى مبادرة «بزنس ليدر فورام» ومقرها الإمارات - مبادرة مشتركة بين وزارة الاقتصاد الإماراتية والسفارة الهندية في أبوظبي والقنصلية الهندية في دبي - إلى تعزيز الاستثمارات في ولاية أندرا الهندية الجنوبية.
- المشترون الأجانب
وأبدى المشترون الأجانب من دول مثل الصين وكوريا الجنوبية وفيتنام والمكسيك والاتحاد الأوروبي اهتماماً بالغاً بالمنتجات الغذائية العضوية الهندية، وبالعمل على رفع معدلات توريدها إلى الأسواق في بلادهم. فمثلاً شركة «كوكاكولا» العالمية أبدت اهتماماً كبيراً بالاستثمار في محاصيل إنتاج الوجبات الخفيفة اللذيذة في الهند التي تُعد سوقاً واعدة للتصدير إلى العملاق الأميركي. وعلى المنوال ذاته، تعمل شركة «لايز» التي تنتج رقائق البطاطس على بناء خط إنتاج جديد بمصنعها في ولاية غرب البنغال.
وتعتزم شركة «بيبسي كولا» زيادة واردات البطاطس من غرب البنغال بواقع 50 في المائة. والجدير بالذكر أن جميع كميات البطاطس التي تستخدمها مصانع «ليز» و«أنكل شيبس» من إنتاج مزارعي الهند. وقد أفاد السفير الياباني كنجي هرماتسو بأن أكثر من 50 شركة قد أبدت رغبة في العمل بالمناطق التي تضمُّ سلاسل التبريد وتجهيز المنتجات الغذائية، فيما تسعى الشركات الدنماركية إلى الاستثمار في الغذاء العضوي.
وصرح برباه بروثكار، رئيس هيئة «إعداد المنتجات الغذائية» بقوله، «بالإضافة إلى أبداء الاهتمام بالمحاصيل العضوية الهندية فإن المستهلكين الأجانب أيضاً يتفاعلون مع الشركات ومع المزارعين الهنود ويسعون إلى تبادل المعلومات معهم. ومن أكثر المنتجات التي تحظى بطلب كبير محاصيل بذور الكتان والسمسم وفول الصويا، وكذلك الأرز والشاي والنباتات الطبية».
وأخيرا قامت الهند بعمل تعديل جديد في سياستها الزراعية لمضاعفة قيمة صادراتها لتبلغ 60 مليار دولار بحلول عام 2022. واستطرد بارباه بقوله إن «كل ولاية ستخصص قسماً مستقلاً لتطوير صادراتها الزراعية، بالإضافة إلى إنشاء أقسام مخصصة لإنتاج سلع بعينها. وقمنا أيضاً بتخصيص موانئ محددة لتصدير المنتجات الزراعية».
غير أن غوكول باتنايك الرئيس السابق لهيئة تنمية وتطوير الصادرات الزراعية وتجهيز المنتجات الغذائية، أفاد بأن «تحقيق هدف تصدير منتجات زراعية بقيمة 60 مليار دولار بحلول عام 2022 يبدو طموحاً للغاية ومبالغاً فيه، بالنظر إلى أوضاع الأسواق العالمية في الوقت الحالي، ذلك لأن سلّة صادرات الهند تتضمن في الغالب اللحوم والمأكولات البحرية والأرز البسمتي، وجميعها منتجات لا تتمتع بمرونة الطلب في أسواق العالم، ولذلك فإن تغيير كمية الطلب ليس بالأمر السهل».



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».