واشنطن تعلن قنصليتها {المدمجة} مكتباً لشؤون الفلسطينيين

منظمة التحرير تحذر الأشخاص والمؤسسات من التواصل مع الإدارة الأميركية

عامل تنظيف أمام مبنى القنصلية الأميركية في القدس التي أغلقت أمس لتنضم إلى السفارة (رويترز)
عامل تنظيف أمام مبنى القنصلية الأميركية في القدس التي أغلقت أمس لتنضم إلى السفارة (رويترز)
TT

واشنطن تعلن قنصليتها {المدمجة} مكتباً لشؤون الفلسطينيين

عامل تنظيف أمام مبنى القنصلية الأميركية في القدس التي أغلقت أمس لتنضم إلى السفارة (رويترز)
عامل تنظيف أمام مبنى القنصلية الأميركية في القدس التي أغلقت أمس لتنضم إلى السفارة (رويترز)

دخل قرار إغلاق القنصلية الأميركية التي كانت تمثل بعثة دبلوماسية خاصة بالفلسطينيين، حيز التنفيذ أمس، وجرى دمجها رسمياً بالسفارة؛ ما يعني أن على الفلسطينيين التعامل مباشرة مع السفارة الجديدة التي فجّرت خلافات واسعة بينهم وبين الإدارة الأميركية، وتسببت في قطيعة.
وأكدت وزارة الخارجية الأميركية، أمس، إغلاق قنصليتها الواقعة في شارع أغرون في القدس، ونقل خدماتها إلى السفارة الجديدة في حي أرنونا في المدينة، معلنة تخفيض تمثيلها الدبلوماسي لدى الفلسطينيين. وظلت القنصلية حتى أمس تقدم خدماتها بشكل أساسي للفلسطينيين، كما كانت حلقة الوصل الرئيسية بين الإدارة الأميركية والقيادة الفلسطينية كذلك.
وخرج القنصل الأميركي العام كارين ساساهارا في رسالة وداع قائلاً: إن القنصلية ستندمج مع السفارة لتصبح وحدة الشؤون الفلسطينية. وسيتولى نائب القنصل العام الحالي مايك هانكي رئاسة وحدة الشؤون الفلسطينية الجديدة، وسيكون المسؤول عن شؤون الفلسطينيين وليس السفير ديفيد فريدمان، في تعمد - كما يبدو - للتقليل من شأن السلطة.
وسيتعين على الفلسطينيين العمل مع هانكي الذي سيخضع في نهاية الأمر للسفير فريدمان. وفريدمان شخص غير مرغوب فيه لدى قيادة السلطة التي تتهمه بدعم الاستيطان، ودعم قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومن ثم نقل السفارة إلى هناك. وكانت القنصلية في القدس هي المسؤولة عن تزويد الإدارة الأميركية بتقارير منتظمة حول العلاقة مع السلطة والموقف الفلسطيني والوضع الميداني، بما في ذلك النشاطات الإسرائيلية العسكرية على الأرض والبناء الاستيطاني، وهي مهمة ستخضع الآن للسفير فريدمان المنحاز كلياً لإسرائيل. والخطوة هي الأحدث في سلسلة من قرارات مثيرة اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترمب ضد الفلسطينيين، ومن المتوقع أن تعمق الخلاف بين السلطة وواشنطن.
وعلى الرغم من تأكيد الخارجية الأميركية، أنه ستكون هناك استمرارية كاملة للنشاط الدبلوماسي والخدمات القنصلية الأميركية أثناء عملية الدمج وبعدها، فإن الفلسطينيين فسّروا الخطوة على أنها ضربة جديدة متعمدة من إدارة ترمب لهم.
وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، في بيان، أمس: «إن قيام الإدارة الأميركية بتنفيذ قرارها الخاص بإغلاق القنصلية الأميركية في فلسطين التي افتتحت عام 1844 في القدس، وإلحاقها بسفارة الولايات المتحدة لدى إسرائيل بعد نقلها من تل أبيب إلى القدس، إنما يعبر عن مدى الصفاقة التي وصلت إليها الإدارة الأميركية في ضرب قرارات الشرعية الدولية التي ساهمت في صياغتها، وتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية وللمواثيق والقوانين الدولية بحق شعبنا في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وحق عودة اللاجئين وفق قرار الأمم المتحدة رقم 194».
وأضاف عريقات باسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير: «إن القرار الأميركي حول القدس بنقل السفارة الأميركية إليها، وإغلاق القنصلية الأميركية لدى فلسطين، إنما هو تنفيذ لسياسة وقرار مجلس المستوطنات الاستعمارية في الضفة الغربية». وتابعت اللجنة التنفيذية: «إن إصرار الإدارة الأميركية على تنفيذ عناصر خطتها حول فرض حل استسلامي على الشعب الفلسطيني يلبي المفاهيم التي يطرحها اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو حول عملية السلام التي يريدونها من خلال فصل غزة عن الضفة الغربية، وإقامة دويلة فيها، وتكريس الحكم الذاتي في الضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي إلى الأبد».
وجاء في البيان: إن «استمرار الإدارة الأميركية بهذه السياسة يؤكد مرة أخرى أنها اختارت أن تكون غير مؤهلة لرعاية عملية السلام منفردة ولن يقبل الشعب الفلسطيني بها أيضاً». وتؤكد اللجنة التنفيذية للمنظمة، على قرارها بوقف الاتصالات السياسية مع الإدارة الأميركية وممثليها، وتحذر من تجاوز هذا القرار من أي شخصيات أو مؤسسات تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل من خلالها إلى كسر الموقف الفلسطيني من خلال إضعاف دور المنظمة الرافضة لصفقة القرن.
وردت السفارة الأميركية بأن إغلاق القنصلية ليس عقاباً للفلسطينيين، بل كان خطوة ضرورية في ضوء الازدواجية التي نشأت بعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
وكان كثير من السياسيين في إسرائيل يعتبرون القنصلية الأميركية في القدس بمثابة كارثة سياسية تسببت في ضرر شديد بإسرائيل؛ لأنها عملت مع مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن كقاعدة للدعاية الفلسطينية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.