انتهاء عملية القاعدة الجوية في هلمند

انتهاء عملية القاعدة الجوية في هلمند
TT

انتهاء عملية القاعدة الجوية في هلمند

انتهاء عملية القاعدة الجوية في هلمند

شهدت أفغانستان المزيد من المعارك والقصف المتبادل بين قوات الحكومة المدعومة من قوات حلف الأطلسي وعناصر طالبان التي زادت من وتيرة عملياتها رغم الثلوج المتراكمة في العديد من ولايات أفغانستان والطقس المتجمد وصعوبة الحركة. فقد أعلن الناطق باسم طالبان جنوب أفغانستان قاري يوسف أحمدي البيان النهائي لعمليات طالبان في قاعدة شوارب الجوية التي استمرت 46 ساعة، حسب رواية طالبان، راح ضحيتها المئات من القتلى من القوات الحكومية والقوات الأميركية الموجودة داخل القاعدة. فحسب بيان طالبان فقد قتل 397 من الجنود الحكوميين والأميركان في القاعدة، كان منهم 137 أميركياً بمن فيهم 15 طياراً و18 مهندساً، إضافة إلى 260 من القوات الحكومية منهم 142 من الجنود، 118 من القوات الخاصة، إضافة إلى قائد القاعدة سراج وقائد القوات الخاصة منصور وجرح 73 آخرين. وأضاف بيان طالبان أن مروحيتين حكوميتين وعدداً من المروحيات التابعة للقوات الأميركية والأجنبية تم تدميرها، إضافة إلى 33 عربة همفي مدرعة وأكثر من مائة ناقلة جنود مصفحة من نوع M117 وعدداً من الآليات والشاحنات الأخرى، وتمكنت قوات طالبان من تدمير مخزن للذخيرة ومخزنين للوقود وورشة للطائرات ومحازن الأطعمة والتموين التابعة للقاعدة ورادار القاعدة الجوية.
وقال الناطق باسم طالبان إن تسعة فقط من فرقة الانتحاريين من طالبان دخلوا القاعدة من ثلاث جهات مزودين بأسلحة ومناظير للرؤية الليلية، والمتفجرات الشديدة وتمكنوا من الوصول إلى القسم الذي توجد فيه القوات الأجنبية في القاعدة، إضافة إلى مركز قيادتها، وتمكنوا من مقاومة القوات الموجودة داخل القاعدة 46 ساعة متواصلة، بعد إعاقة تحرك القوات الأفغانية والأميركية في القاعدة بسبب تفجير مخازن الذخيرة وإطلاق النار من عدة جهات.
وأشار بيان الناطق باسم طالبان إلى أن الهدف من العملية كان ضرب القاعدة الجوية كونها نقطة انطلاق القوات الحكومية والأفغانية في قصف المدنيين في عدة أماكن جنوب أفغانستان والتسبب بتدمير العديد من المنازل والمدارس والأسواق جنوب أفغانستان. وذكر بيان الناطق باسم طالبان أسماء المهاجمين التسعة، من قوات طالبان الخاصة، ويتحدرون من عدة ولايات تلقوا تدريباً خاصاً للقيام بالهجوم على القاعدة الجوية، وتمكنوا من الدخول إليها بسيارات همفي التي يستخدمها الجيش الأفغاني، ولبسوا الزي الرسمي للقوات الأفغانية. وحسب بيان قاري يوسف أحمدي، فإن أمير طالبان مولوي هبة الله أخوندزادة هو الذي أعطى الأوامر بالعملية ومهاجمة القاعدة والمقرات العسكرية فيها والقوات الأجنبية رداً على الهجمات التي تشن من القاعدة وتلقين الموجودين في القاعدة ومن وراءهم أن طالبان والشعب الأفغاني لن يتراجعوا عن المقاومة ومواصلة القتال ضد أي قوات أجنبية في أفغانستان.
وختم الناطق باسم طالبان بيانه بالقول إن العملية رسالة للأميركيين وحلفائهم والقوى المحلية الموالية لهم بأن طالبان تفعل ما تقول، متوعداً بمواصلة الهجمات على مقرات القوات الأميركية والأفغانية إن لم تتوقف عن قصف القرى والمدنيين في أفغانستان وسحب كافة القوات الأجنبية من أفغانستان. وكانت القوات الحكومية والأميركية أعلنت انتهاء الهجوم على قاعدة شوراب بعد قتل المهاجمين، كما أعلنت أن عدد الخسائر في القوات الأفغانية جراء الهجوم وصل إلى أكثر من خمسين قتيلاً.
وتزامن إعلان طالبان عن تفاصيل عملية هلمند مع تصاعد في العمليات العسكرية في العديد من المناطق الأفغانية، فقد نقلت وكالة خاما بريس عن القوات الخاصة الأفغانية قولها إنها هاجمت مجمعاً لطالبان في ولاية بغلان شمال كابل، مما أسفر عن مقتل اثنين من مقاتلي طالبان. وحسب بيان صادر عن الاستخبارات الأفغانية فإن العملية تم تنفيذها ضد أحد القادة المحليين لطالبان يدعى جنت غول في أطراف قرية موليان على طريق بولي خمري ـ سمنغان، وأن القوات الخاصة الأفغانية تمكنت من مصادرة العديد من قطع الأسلحة الخاصة بطالبان».
واتهمت القوات الخاصة الأفغانية جنت غول بالمسؤولية عن العديد من العمليات المسلحة ضد القوات الحكومية وتهديد السكان المحليين أو المسافرين من بولي خمري إلى مزار شريف.
من جانبها، قالت طالبان إن قواتها في ولاية بغلان تمكنت من مهاجمة رتل عسكري حكومي على طريق بغلان قندوز واستولت على شاحنة عسكرية مليئة بالأسلحة. ولم يذكر بيان طالبان شيئاً عن غارة القوات الخاصة الأفغانية في ولاية بغلان ونقل موقع طالبان عن مسؤولي الحركة قولهم إن هجوما آخر شنه مقاتلو الحركة على القوات الحكومية في ولاية لغمان شرق العاصمة كابل، أسفر عن إصابة اثنين من القوات الحكومية.
ونقلت وكالة «خاما بريس» عن الجيش الأفغاني في ولاية ننجرهار شرق أفغانستان أنها قتلت اثنين من القادة المحليين لطالبان هما ملا زنجير، ومولوي شفيق، إضافة إلى خمسة من مقاتلي الحركة في غارة جوية على منطقة حصارك قبل أربعة أيام. واتهمت المصادر العسكرية الأفغانية ملا زنجير بالمسؤولية عن تجنيد عناصر لصالح طالبان بينما اتهمت مولوي شفيق بالمسؤولية عن توجيه المقاتلين لشن هجمات في أفغانستان. وحسب البيان الذي نقلته وكالة خاما قالت المصادر العسكرية الحكومية إن 43 من مقاتلي طالبان لقوا مصرعهم خلال شهر في ولاية ننجرهار.
من جانبها نقلت وكالة باختر للأنباء في كابل عن كبار المسؤولين العسكريين الأفغان قولهم إن قصفاً مدفعياً قامت به القوات الأفغانية في ولاية زابل على مواقع لقوات طالبان في منطقة أرغنداب. وحسب البيان فقد أدى القصف إلى مقتل أربعة من مقاتلي طالبان وجرح ستة آخرين. وجاء في البيان أن عملية القصف المدفعي تمت حين كان مقاتلو طالبان يستعدون للقيام بهجمات وتفجيرات في ولاية زابل.
وأفاد موقع طالبان بشن قوات الحركة هجمات في بادغيس شمال غربي أفغانستان حيث تم قنص جنديين في مديرية جوند بعد هجوم مباغت لمقاتلي طالبان عصر أول من أمس على مركز أمني حكومي. كما شهدت نفس الولاية قتل أحد المتعاونين مع القوات الحكومية في مديرية مرغاب، حيث هاجم مسلحو طالبان سوق بلدة مرغاب وقتلوا جندياً وأصابوا آخر بجراح. وكانت وحدات من قوات طالبان هاجمت عدداً من النقاط الأمنية للقوات الحكومية والميليشيا الموالية لها في منطقة ميزو في ولاية كونار شرق أفغانستان، وحسب بيان طالبان، فقد أدى الهجوم إلى إلحاق خسائر في القوات الحكومية دون ذكر تفاصيل عنها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟