«فخار نساء سجنان» في أول معرض له بالعاصمة التونسية

إثر إدراجه ضمن التراث الثقافي غير الملموس في «يونيسكو»

شاركت في المعرض عشرات الحرفيات بأعمال غاية في الإبداع
شاركت في المعرض عشرات الحرفيات بأعمال غاية في الإبداع
TT

«فخار نساء سجنان» في أول معرض له بالعاصمة التونسية

شاركت في المعرض عشرات الحرفيات بأعمال غاية في الإبداع
شاركت في المعرض عشرات الحرفيات بأعمال غاية في الإبداع

هي المرة الأولى التي تعرض فيها حرفيات منطقة سجنان (شمال غربي تونس) أعمالهنّ الإبداعية في مدينة الثّقافة وسط العاصمة التونسية، إنّها أعمال بسيطة تطغى عليها أشكال الطيور والخطوط المتشابكة بشكل هندسي يميل إلى العفوية منه إلى التعقيد.
هذا المعرض الذي انطلق يوم أول من أمس، ويتواصل لغاية الثامن من نفس الشّهر يحمل شعار «فخار سجنان… فخرنا… من المحلية إلى العالمية»، في إشارة إلى إدراج فخار نساء سجنان ضمن القائمة التمثيلية للتّراث الثّقافي اللامادي في اليونيسكو منذ يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وشاركت فيه عشرات الحرفيات بأعمال في غاية الإبداع رغم ضعف الحال وقلة الإمكانيات، حتّى أنّ بعض المتابعين لإبداعات نساء سجنان يقولون إنّ حظّ المنطقة بأكملها من طين، في إشارة خفية إلى اعتماد اقتصاد العائلات المتواضعة على مادة الطّين، فهذه الحرفة اليدوية تقتات منها عائلات شمال غربي تونس ويفرطن أحياناً في إبداعهن بأضعف الأثمان لنجده بعد ذلك في فضاءات تجارية كبرى يباع بأضعاف المبلغ الأصلي.
ويتضمّن المعرض أشكالاً خزفية متنوعة منها ما هو معدّ للاستخدام المنزلي كالطهي وجلب المياه، ومنها ما هو معدّ للزينة والتزريق الدّاخلي للمنازل ويستخدم حسب الحرفيات المشركات في هذا المعرض ديكورا للجدران والأثاث.
وشهد المعرض في أيامه الأولى إقبالاً كبيراً من قبل الزّوار الذين بدت عليهم الدّهشة وهم يشاهدون ما جادت به أيادي نساء سجنان بالاعتماد على مادة الطين، وتأملوا جيّداً التحف وأدوات الزّينة ومعدّات الطّبخ والأكل وغيرها من الإبداعات المبتكرة.
ويتميّز فخار سجنان بنوعية الطّين المستخدم وبالألوان والزينة التي تعبّر بعفوية عن التوق إلى الحياة، وهي في أغلبها أشكال فنية ذات بعد إنساني ونقوش ذات أصول بربرية، أمّا الرّسوم التي تحملها تلك الأعمال الإبداعية فهي تصوّر في الغالب نمط حياة الأهالي وتعتمد على مواد محلية في معظمها بيولوجية أي أنّها لا تعتمد على المواد المصنّعة.
وزارة الشّؤون الثّقافية التي تنظّم هذا المعرض، أكّدت أنّها ستقتني من كل حرفية أعمالاً إبداعية بما قيمته 500 دينار تونسي (نحو 165 دولاراً أميركياً)، وهي خطوة أولى لدعم الحرفيات والحفاظ على هذا الموروث اللامادي وتشجيعهن على الاستمرار في هذا النّشاط المضني الذي لا يدر إلّا القليل من المال رغم أهميته الاجتماعية والاقتصادية والثّقافية كذلك.
يذكر أنّ السّلطات التونسية قد سعت خلال الفترة الأخيرة إلى تشريك مجموعة من نساء سجنان في الدورة الثانية والعشرين لمعرض ترينالي ميلانو في إيطاليا، وذلك منذ الأول من مارس (آذار) الحالي، لغاية الأول من شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، أي لمدة ستة أشهر متواصلة.
وتعترف السّلطات التونسية بأنّ إبداعات نساء سجنان بقيت لمدة عقود من الزّمن صناعة محلّيّة، ولم تتمكن من الخروج من حدودها الضيقة، وكان لهذا التثمين المحلي والدُّولي بوقعه الكبير على الحرفيات اللاتي اكتشفنّ أنّ ما يبدعنه له أثر على النّفوس والعقول رغم بساطته الواضحة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».