التعامل مع الصور الحساسة... لكل صحيفة حساباتها

صحافي متخصص بتصوير الحروب لـ«الشرق الأوسط»: المصوّر لا ينحاز سوى للمشهد

الطفل ايلان كردي
الطفل ايلان كردي
TT

التعامل مع الصور الحساسة... لكل صحيفة حساباتها

الطفل ايلان كردي
الطفل ايلان كردي

خبر وصورة، هكذا تُرسم صفحات الصّحف حول العالم. ولكلٍ منها سياستها في توجيه الخبر وتحديد ما تريد إيصاله إلى القارئ.
الأسلوب والتوجيه قد يكونان معلومين لدى كثيرين من القرّاء، الذين يختارون تصفّح عدد من الصحف المهمّة، لكنّهم يخلصون للجريدة التي تتفق وتوجهاتهم السّياسية. وتبقى الإجابة على سؤال من يختار الصورة خفية على عدد لا يستهان به من القرّاء.
في يناير (كانون الثاني) الماضي، نشرت صحيفة نيويورك تايمز خبراً عن الهجوم الإرهابي الذي شنّه متطرفون على مجمع فندقي فاخر في العاصمة الكينية نيروبي، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 21 شخصاً، أرفقته بصورة فوتوغرافية من وكالة أسوشييتد برس، التقطها المصوّر خليل سنوسي، تُظهر جثث ضحايا الهجوم على الطاولات مغطاة بالدماء.
أثارت الصورة لما فيها من بشاعة وانتهاك لحرمة الموت وإساءة لمشاعر أهل الضحايا، غضبا في كينيا، فانهالت الانتقادات على كاتبة المقال كيميكو دي فريتاس - تامورا التي طالبت بتوجيه كل هذا الغضب إلى من قرّر اختيار الصورة لمقالتها.
لم تعتذر الصحيفة وقتها، بل برّرت استخدامها للصورة، معتبرة أنّ هذا الاختيار رغم قسوته ووقعه القوي على نفوس القرّاء، جاء لإعطاء صورة واضحة عن الرّعب في الهجوم. واعترفت أنّ الصورة لم تكن مثيرة للإعجاب، إلّا أنّها استطاعت أن تُظهر الإحساس الحقيقي للوضع.
فمن يُحدّد للمصور كيفية التقاط الصّورة ومن يضع معايير نشرها في الصّحف؟
للمزيد من التوضيح، قال نبيل إسماعيل مصور صحافي متخصّص بتصوير الحروب لـ«الشرق الأوسط»، إنّه ينحاز للمشهد على الأرض، ولا علاقة له بنوعيته، بل يرى أنّ مهنته ومهمّته تفرضان عليه أن ينقله بكل دقّة ومصداقيّة، فهو يصوّر أشلاء الجثث والدماء كما يصوّر أي مشهد فنّي أو مضحك.
وعن اعتبارات اختياره لمشهد من الأرض بكل قسوته، يوضح إسماعيل أنّها كثيرة، ويستذكر بشاعات الحرب الأهلية اللبنانية، قائلاً: «تعرّفت خلال تلك الفترة، على مجّانية القتل عند المقاتلين، وعلى الأسلوب المتوحّش له، ومنظر الضّحايا والأشلاء التي توحي بساديّة القاتل، ونوع الأسلحة وطبيعة الأوامر التي تقضي بالإبادة الكاملة، كلّ ذلك لا علاقة لي به. منظر الجثث يومي، والمصوّر الحربي يلتقط بأسلوبه الذي يرى أنّ لا خيانة فيه للمشهد». ويتابع، «لا علاقة للمصّور بكلّ الانتهاكات الإنسانية الفظيعة التي تُرتكب بحق الضّحيّة، ولا ينحاز سوى للمشهد، لأنّ الصورة الفوتوغرافيّة التي يلتقطها ستكون وثيقة بصريّة للتاريخ وللبشرية».
وبين مصور الحدث وكاتب الخبر، من هو المسؤول عن اختيار الصورة ونشرها للعالم، وما هي المعايير التي تتّخذها الصحف في استخدام الصوّرة؟
عمل إسماعيل في وسيلتين إعلاميتين، الأولى صّحف إعلامية لبنانية وعربية، والثانية أجنبية هي وكالة الصحافة الفرنسية. في اللبنانية يقول إنّ معظم الصّحف تختار الصّور التي تجذب القارئ، أي أنّ الصّورة بالنسبة لهم هي وسيلة ترويجية. وهناك صحف منحازة لهذا الطرف أو ذاك، بمعنى أنّ إدارة التحرير بطريقة غير مباشرة، تفرض نوعية معيّنة من الصّور تُظهر وحشية الفريق الآخر الذي لا تحبّذه الجريدة. في المقابل لا تختار الوكالة الأجنبية ولا تضغط على المصوّر بإظهار نوع معيّن من الصور. ويشرح إسماعيل، «في الوكالة الأجنبية يقولون لي، إنّ معظم قرّائنا في العالم يقرأون الصحيفة في الصّباح فلا يُحبّذون رؤية صورة فيها دماء أو جُثث مشوّهة، إذاً هناك نوعان من الزّبائن للصورة، الأوّل يريد إظهار وحشية الفريق الآخر ولو كانت صورة تحمل أشلاء ودماء، والنّوع الثاني هو الوكالات التي توزّع صورها على كل أنحاء العالم، وهي لا تحبّذ أن يكون فيها دماء، هذا ما أنا تعاطيت معه خلال مهنتي الصحافية».
فما هو السّبب الذي يدفع بجريدة ما، نشر صور مروعة لضحايا، كما حدث في «نيويورك تايمز»، يقول إسماعيل: «هناك صُحف تبتغي وترغب في اختيار صور بشعة، لتُرسل رسائل لمجتمعات أخرى، لتقرّبها من هذه التجربة المأساوية؛ ولكن في رأيي فإنّ معظم الصّحف لا تكترث لهذه المسألة، وبعض الصّحف تريد أن تُثبت لقرّائها أنّ مصوّريها شجعان يقتحمون المخاطر من أجل أن يُبرزوا صورة الحدث على أرض المعركة؛ ولكن في النّهاية الصّحف العربية واللبنانيّة تحديداً، ترغب في زيادة عدد القراء وتريد أن تقول للعالم أنا «أشطر من غيري»، أنا أحصل على الصورة الأكثر بشاعة، أنا أحصل على الصورة الأكثر بُعداً عن الصّحف الأخرى. ونحن نصل إلى أمكنة لا يصلها الآخرون، خاصة في الحرب، إذ أنّ مصوّرينا يذهبون إلى خطوط التماس ويأتون بصور فظيعة فيما لا تعجز الصّحف الأخرى عن ذلك».
ويستطرد إسماعيل، «في رأيي الصحافة في فترات معيّنة وكثيرة، هي استغلاليّة تستغل الصورة من أجل الرّبح، ولا أعتقد أنّه من خلال تجربتي في الصّحافة أنّ هناك صحيفة لا تبغي الرّبح ولا تعمل للتّجارة، وبغالبيتها تعمل للتّجارة وإلّا فلا استمرارية لأي واحدة منها، ولا شيء في الصّحافة يُسمّى رسالة، أو أخلاقا، بل هناك تجارة، والصّحافة مهنة تبغي الرّبح، وإلّا فلا تستطيع أن الاستمرار. هناك استغلال، وهذا حق شرعي للصحافة في استغلال الصّورة لزيادة عدد قرّائها. رغبة الصحيفة شيء ورغبة المصوّر شيء آخر».
قد تكون حقيقة أو معلومة ما مطمورة، فتأتي صورة لتكشف لغزا عجز حلّه لسنوات. يخبرنا إسماعيل حكاية عن صورة التقطها أثناء الاشتباكات بين الجيش اللبناني والقوات اللبنانية، وكيف أنّ عرضها خلال مقابلة تلفزيونية، استطاع كشف لغز موت طبيب كل ما يعرفه ذووه أنّهم تلقوا اتصالاً يخبرهم بالمجيء إلى المستشفى لتسلّم جثة ابنهم من البراد. بيد أنّ عرضها بعد 27 سنة، كشف كيف قضى الطبيب، الذي يظهر في الصّورة ميتا قرب سيارته أمام مبنى المديرية العامة للأمن العام. مع كل قساوة المشهد، إلّا أنّه استطاع أن يُبيّن معلومة أراد أهل الفقيد معرفتها.
وللنظّر في كيفية اختيار «نيويورك تايمز» للصور وإعطاء فكرة للجمهور عن القرارات التي تُتّخذ بشأن نشرها، أجاب كلٌ من ميغان لورام، مديرة التصوير الفوتوغرافي في الصحيفة، ومارك لاسي، المحرر الوطني والمراسل الأجنبي السابق المقيم في نيروبي، على تساؤلات القراء. نذكر بعضا من أجوبتهم على ما طُرح.
«نحن صحافيون وأهم مهامنا أن نوثّق تأثير العنف على العالم، وإذا تحاشينا نشر هذا النوع من الصّور، فإنّنا نساهم في تقليل تأثير العنف وفي جعل الجدال بشأن الأمن والإرهاب غير دموي».
وتقول لورام: «إن أحد الاعتبارات التي تضعها الجريدة في نشر صور كهذه، هو أهمية موضع الصّورة على منصاتها وعلى شبكات التواصل الاجتماعي. وفي هذه الحال، لم نفضّل نشر الصّورة على حساباتنا على وسائل الإعلام الاجتماعية، لأنّها كانت مزعجة للغاية. واستجابة لمخاوف القرّاء بشأنها، قرّرنا نقلها إلى موضع أقل بروزاً في المقالة».
وجاء في الاتهامات أنّ الصحيفة الأميركية لا تطبّق القواعد نفسها على تقاريرها في عمليات إطلاق النار الجماعية في الولايات المتحدة والهجمات الإرهابية في الغرب كما تفعل في أجزاء أخرى من العالم؟ إلّا أنّ الجريدة تمسّكت برأيها وبحياديتها معتبرة أنّها تسعى إلى تطبيق القواعد نفسها في اختياراتها لصور الهجمات التي تقع في أي جزء من العالم. وأوضحت أنّها نشرت سابقاً صوراً لضحايا الجرائم والهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، بما في ذلك حادثة إطلاق النار في لاس فيغاس، وفي تفجير أوكلاهوما سيتي. وأضافت أنّ المصورين الصّحافيين في الولايات المتحدة والدّول الغربية الأخرى، ليست لديهم إمكانية الوصول إلى مسرح الجريمة كما يحدث في العالم النّامي.
وقال لاسي: «عشت في كينيا خمس سنوات، ولدي العديد من الأصدقاء الذين ما زالوا يعيشون هناك. عندما سمعت عن الهجوم كان أول ما تبادر إلى ذهني، هل كان من بين ضحاياه شخص أعرفه؟ بالنسبة لي، لم يكن هجوماً في منطقة نائية. لقد كانت حادثة مروعة في مكان أعرفه جيداً».
لكل جريدة معاييرها في النشر، وقد تتفق بغالبيتها بـ«الكيل بمكيالين»، حسب توجّهاتها السياسية. وبين صدق الصورة ومصداقية توجيهها، تتحوّل إلى سلعة تستطيع الصّحف أن تدين بها همجية العدو والعكس صحيح. ولم تعد الصورة وحدها تؤلم، كما لم يعد نشرها حكرا على وسائل الإعلام بتنوعها، وحادثة قطار مصر التي أودت بحياة 21 شخصا منذ أيام، أكبر دليل على اللامسؤولية في نشر ليس فقط صورة بشعة، بل نشر مقاطع فيديو لبشر يحترقون، فكيف لشخص أن يصور لحظة موت بصراخ طفل أو امرأة أو رجل عاجزين عن إنقاذ أنفسهم، إن كان هناك جدل يدور حول مسألة المهنية في نشر الصور واحترام الضحايا في الإعلام، فمن يستطيع مراقبة ما يُنشر على منصات التواصل الاجتماعي التي تستقطب جمهوراً متعدّد الجنسيات والهويات والطبقات والعقليات، ليس فقط بنشر صورة فوتوغرافية بل بنشر مقاطع فيديو تنقل المشهد ببشاعة وألم تضاهيان بشاعة الصورة.


مقالات ذات صلة

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نازحون في أثناء عودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024... الصورة في أبلح شرقي لبنان (أ.ب)

«انتصار للبيت الأبيض»... صحف تحلل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

رأى موقع «بوليتيكو» أن اتفاق وقف إطلاق النار «انتصار كبير للبيت الأبيض»، وقالت «نيويورك تايمز» إن بايدن يريد تذكّره بأنه وضع الشرق الأوسط على طريق تسوية دائمة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)

مباحثات سعودية - صينية في بكين لتطوير التعاون الإعلامي

وزير الإعلام سلمان الدوسري خلال لقائه مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني مو قاو يي (واس)
وزير الإعلام سلمان الدوسري خلال لقائه مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني مو قاو يي (واس)
TT

مباحثات سعودية - صينية في بكين لتطوير التعاون الإعلامي

وزير الإعلام سلمان الدوسري خلال لقائه مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني مو قاو يي (واس)
وزير الإعلام سلمان الدوسري خلال لقائه مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني مو قاو يي (واس)

التقى سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني مو قاو يي. وجرى، خلال اللقاء الذي عُقد في العاصمة الصينية بكين، الخميس، بحث آفاق التعاون الإعلامي وسبل تطويره، وتبادل الخبرات بين الجانبين والاستفادة منها، إضافةً إلى تعزيز التعاون في مجال تكنولوجيا الإعلام وتفرعاتها المختلفة.

كما زار الوزير الدوسري إدارة جامعة بكين للغات والثقافة، والتقى رئيس مجلس إدارة الجامعة ني هايدونغ، وناقش، خلال الزيارة، أوجه تطوير العمل المشترك، وتبادل الخبرات بمجال الإعلام والنشر والترجمة واللغة، وذلك في بيان نشرته «الخارجية» السعودية على موقع سفارتها في بكين.


وزير الإعلام سلمان الدوسري يلتقي رئيس مجلس إدارة جامعة بكين للغات والثقافة ني هايدون (الخارجية السعودية)

والتقى الوزير الدوسري بالطلبة السعوديين في جامعة بكين، وتبادل معهم الحديث، كما جرى توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين منصة سعوديبيديا وجامعة بكين للغات والثقافة، وذلك بحضور السفير السعودي لدى الصين عبد الرحمن الحربي.

وأشاد وزير الإعلام السعودي بالنمو المميز للعلاقات الثنائية بين البلدين، خلال لقائه رئيسة الهيئة الوطنية للإذاعة والتلفزيون الصينية تساو شومين، وبحث معها سبل تعزيز التعاون المشترك بمجال الإذاعة والتلفزيون.


وزير الإعلام سلمان الدوسري يلتقي الطلبة السعوديين في جامعة بكين (الخارجية السعودية)