المقاتلون الأجانب... إرث يُقلق الدول

معظمهم يعانون من اضطرابات عقلية أو نفسية

ثلاث مراهقات بريطانيات يغادرن لندن للانضمام إلى {داعش} في 2015 (أ.ب)
ثلاث مراهقات بريطانيات يغادرن لندن للانضمام إلى {داعش} في 2015 (أ.ب)
TT

المقاتلون الأجانب... إرث يُقلق الدول

ثلاث مراهقات بريطانيات يغادرن لندن للانضمام إلى {داعش} في 2015 (أ.ب)
ثلاث مراهقات بريطانيات يغادرن لندن للانضمام إلى {داعش} في 2015 (أ.ب)

تفكيك تنظيم داعش والتخلص من آثاره في كل من سوريا والعراق، خلف وراءه إرثاً وبقايا لمقاتلين قدموا من دول مختلفة وانضموا إلى التنظيم في فترة توهجه منذ عام 2014. هذا الإرث الذي لا ترغب غالبية الدول في تحمله. وأكبر مثال يعكس تورط كثير من الدول مع مقاتليها العائدين، ما نشر أخيراً في وسائل الإعلام حول شميمة بيغوم (19 عاماً) الملقبة بـ«عروس داعش»، حيث سلمت وزارة الداخلية البريطانية عائلتها رسالة تفيد بإسقاط الجنسية البريطانية عنها.

تثير هذه القضية من جديد إشكالية مرحلة ما بعد ما يسمى «الخلافة الداعشية»، حيث لا يدل التخلص على المنطقة الجغرافية التي تمركز فيها التنظيم سابقاً تلاشي أنشطته.
ففي زمن تقاطعت فيه الحضارات، أصبح من الاستحالة إيقاف أفكار وآيديولوجيات من الوصول إلى عقول المتعاطفين والمتأثرين والاقتناع بها حيثما كانوا. الأمر الذي تسبب في إثارة قلق عدد كبير من الدول ورفضهم استقبال المقاتلين الذين شاركوا في تنظيمات متطرفة، إذ إن ذلك يعد أشبه بقنابل موقوتة تتفجر في المجتمع وتنشر آيديولوجية العنف إن لم تتم معالجة إشكاليتها.

ترمب والمقاتلون
ما يعكس الجدل حول كيفية التعامل مع المقاتلين الأجانب هو دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأوروبيين لاستعادة مسلحي «داعش» الموجودين في سجون في سوريا، ويقدر عددهم بـ800 مقاتل من أجل محاكمتهم في بلدانهم، وذلك في أعقاب قرار الولايات المتحدة انسحاب قواتها من سوريا، وإصداره أيضاً أمراً بمنع عودة المتطرفة الأميركية هدى مثنى (24 عاماً) والملقبة كذلك بـ«عروس داعش» إلى الولايات المتحدة والموجودة في سجن في شمال شرقي سوريا ومعها ابنها. ويناقض ذلك دعوة ترمب الدول الأوروبية إلى استقبال المقاتلين المنتمين لدولهم. وتفرض مثل هذه القرارات التوغل في قناعات المتطرفين الذين توجهوا إلى مناطق الصراع، ومسببات انضمامهم، وإن كان هناك مجال لدمجهم وإعادتهم في مجتمعاتهم أم استحالة ذلك.

ندم العائدين
على الرغم من أن الأميركية هدى مثنى حاولت التأكيد على أنه قد تم التغرير بها، فإن ما قد يصعب من تصديق نياتها هو نشاطها السابق في حسابها في «تويتر»، إذ دعت فيه إلى القيام بهجمات إرهابية خلال الأعياد في الولايات المتحدة. وهو الأمر ذاته الذي يتقاطع مع قضية شميمة بيغوم، التي انضمت لتنظيم داعش في عام 2015، وبعد أن اعتقل زوجها الهولندي المنتمي للتنظيم هربت إلى مخيم لاجئين في سوريا إذ أنجبت طفلها. وعلى الرغم من كشفها عن القمع والفساد في التنظيم، فإنها ذكرت أنها لا تشعر بالندم على التجربة التي مرت بها لأنها جعلتها «شخصاً أقوى».
بينما ذكر خبير لغة الجسد دارين ستانتون، في لقاء مع محطة «سكاي نيوز»، أن شميمة لم تكن مقنعة في حديثها وأنها افتقدت إلى الصدق. مثل هذه التوجهات التي تقررها السلطات تسد الطرق على المقاتلين الآخرين الذين يجدون في إعلانهم الندم فرصة للعودة بعد أن استحال استمرار المعيشة في مناطق الصراع. من هؤلاء جاك الداعشي (22 عاماً) الذي يحمل الجنسيتين البريطانية والكندية، والذي أعلن عبر وسائل الإعلام تمنيه أن تقبل بريطانيا عودته إليها. وقد تزوج جاك الداعشي في الرقة من عراقية وأنجب طفلاً. وما يؤخذ عليه إعرابه عن سعادته الغامرة عند سماعه بحدوث اعتداءات باريس عام 2015 في تلك الفترة، وذلك نتيجة نقمته حيال الضربات التي كانت موجهة لتنظيم داعش في العراق وسوريا.

استراتيجية السجن
وعلى الرغم من تفاوت سبل معالجة إشكالية عودة المقاتلين الأجانب في الدول الأوروبية، فإن غالبيتها تنم عن تخوّف من عودتهم وتسببهم في خلق «خلايا نائمة» وكذلك قدرتهم على التأثير سلباً في المجتمع وأدلجته الراديكالية، وقد ذكرت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبييه، أن بلادها ستقيم دراسات على جميع الحالات المرتبطة بالمقاتلين الفرنسيين، كل على حدة.
فيما قال وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد، إنه لن يتردد في منع البريطانيين الذين كانوا في صفوف التنظيم من العودة إلى بلادهم. يذكر أن إسبانيا نشرت استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب وضعها مركز مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، الذي ينص على أن «المقاتلين الذين غادروا الأراضي الإسبانية إلى مناطق القتال في سوريا والعراق مع تنظيم داعش، بالأخص في مدريد وبرشلونة وسبتة ومليلة يعتبرون مصدر قلق رئيسياً، ولا بد من اتباع سبيل قضائية للتصدي لمخاطرهم، مثل إيداعه في السجن حال عودتهم إلى بلدانهم». ويعكس ذلك بلا شك تراجع توقعات السلطات القدرة على إعادة تأهيل المقاتلين والتشكيك في صدق نياتهم، والقلق حيال قدرتهم على التأثير سلباً في مجتمعاتهم. وذلك لا ينطبق فحسب على من قاتل فعلياً في مناطق الصراع، بل شمل ذلك «العروس الداعشية» أو من قررت هجر بلادها وحياتها القديمة من أجل الاقتران بمتشدد من «داعش»، أو أكثر من مقاتل على التوالي.
وأطلق أخيراً سراح الداعشية تارينا شاكيل، وهي أول بريطانية تتم محاكمتها في فبراير (شباط) عام 2016، في برمنغهام بالسجن لمدة 6 أعوام، وقد توجهت مع ابنها البالغ من العمر عاماً إلى تركيا، ومن ثم إلى الرقة في سوريا لمدة 3 أشهر.
وقد كانت لديها في فترة انتمائها للتنظيم عدة تصريحات عبر وسائل التواصل الإلكتروني تحرض عامة الناس على التعاطف مع ما يحدث في مناطق النزاع والمشاركة في القتال. مثل ما نشرته إلكترونياً: «إذا كان ما يجري في سوريا حالياً لا يعجبكم، فلتكن يدكم على السلاح وليس على لوحة مفاتيح الكومبيوتر».

بروباغندا {داعشية}
وذكر الخبير المختص في الإرهاب في مؤسسة راند الأميركية للأبحاث، برايان مايكل جنكنز، أن البروباغندا والوسائل الإعلامية التي اشتهر بها تنظيم داعش باستخدامه العنف والإثارة تستقطب بشكل كبير الشخصيات التي تمزج بين الخيال والواقع، وأن من الصعب تحفيز أشخاص أسوياء على القيام بسلوكيات عنيفة مدمرة. الأمر الذي يعكس تركيز التنظيم الأخير على نشر تسجيلات مرئية دموية عنيفة تثير حماسة الشخصيات المريضة، سواء في بداية نشأة التنظيم في فترة امتداد منطقته الجغرافية التي كانت تعد ملاذاً للمتطرفين، أو فيما بعد باستقطابه ذئاباً منفردة، وقد ظهر عدد كبير من مرتكبي العمليات الإرهابية في أوروبا والولايات المتحدة ممن لديهم سوابق إجرامية وتعاطٍ للمخدرات أو اختلال عقلي.
وبالنظر إلى مرتكب هجوم مدينة لييج البلجيكية الذي أسفر عن مقتل شرطيين في 30 مايو (أيار) 2018، وصف وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون، مرتكبه بنجامين هيرمان وهو تاجر مخدرات، بأنه مضطرب نفسياً وربما كان واقعاً تحت تأثير المخدرات، الأمر الذي يبرر سبب اقتناعهم بالحاجة إلى أعمال العنف أو قتل الآخرين، أضف إلى ذلك أن قيامهم بعمليات إرهابية لن يدفعهم إلى الشعور بالندم وبتأنيب الضمير، في حال كان لديهم اضطراب عقلي أو نفسي، حسب الحالة الفردية.
وفي دراسة تم نشرها في مجلة «سلوكيات النفس البشرية» العلمية، تمت دراسة شريحة مكونة من 66 كولومبياً انضم سابقاً إلى ميليشيات متطرفة، تبين أنهم يمتلكون نمطاً غير طبيعي في «المنطق والحكم الأخلاقي»، وهو أمر يبرر استجابة عدد من المنتمين لتنظيم داعش لحثهم على طعن المارة أو دهسهم بشاحنات في أماكن تجمعهم في أوروبا أو الولايات المتحدة، إذ إن ذلك لن يكون أمراً طبيعياً، إلا لشخص يعاني من وجود خلل نفسي أو عدم تعاطف مع الآخرين، ما يسهل من الإتيان بمثل هذه الهجمات دون شعور بتأنيب الضمير. مثل ما حدث مع الفرنسي رضوان لقديم، وهو فرنسي من أصل مغربي، حيث سرق سيارة واختطف رهائن وأطلق النار على الشرطة متسبباً في مقتل 4 أشخاص. وأكد المدعي العام الفرنسي فرنسوا مولانس، أن منفذ الهجوم، الذي لقي مصرعه لاحقاً «شاب يبلغ من العمر 25 سنة، وكان معروفاً لدى السلطات بصلته بمتطرفين». وقال مولانس إن مراقبة أجهزة الاستخبارات لمنفذ الهجوم خلال عامي 2016 - 2017 لم تسفر عن أدلة واضحة يمكن أن تؤدي إلى توقع أنه سينفذ هجوماً.
ووفقاً للمدعي العام، فقد أُدين لقديم مرتين؛ الأولى كانت في عام 2011، والثانية كانت عام 2015.
وقد تبنى تنظيم داعش الإرهابي الهجوم المسلح الذي نفذ في مارس (آذار) 2018، وأدى إلى مقتل 4 أشخاص، بمدينة تريب جنوب غربي فرنسا، كما خلف عدداً من الجرحى، وصفت حالات بعضهم بـ«الخطرة». وحسب وسائل إعلام فرنسية، فقد طالب المهاجم الشرطة بإطلاق سراح الداعشي الذي نفذ هجوماً دموياً في باريس عام 2015، مقابل إخلائه سبيل الرهائن الذين احتجزهم في المحل التجاري.
وقد علق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الحادثة وقتئذ بأن مستوى التهديد الأمني لا يزال مرتفعاً وبأنه قد يلجأ عدد من الأفراد إلى التطرف دون الانضمام إلى تنظيمات إرهابية نتيجة بعض الأمراض النفسية. وشدد الرئيس الفرنسي على أهمية متابعة هؤلاء الأفراد عن كثب. وهو ما يعول عليه «داعش» وينسب إليه عدد من العمليات الإرهابية التي ارتكبها «ذئاب منفردون» في سعي لإثبات استمراره على الرغم من انحسار أنشطته الإعلامية وهجماته الإرهابية بشكلٍ عام.
وتتزايد أعداد المنتمين للتنظيمات الإرهابية من المضطربين نفسياً ممن لا تمثل لهم الآيديولوجية والقناعات الدينية أو السياسية للتنظيمات سبباً مقنعاً للانضمام، ما يغير مسيرة كثير من الدراسات حول بروفايل المتطرفين ومسببات انضمامهم المتجهة بشكلٍ كبير نحو التركيز على التعاطف الديني أو السياسي والفقر كأهم أسباب للتطرف مثل ما حدث مع تنظيم القاعدة. فيما تعد مشكلات مثل التهميش والعزلة الاجتماعية في مجتمعات مثل أوروبا والحاجة إلى الانتماء لجماعة، أسباب أقوى للانضمام لتنظيمات مثل «داعش».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.