ليبيا تفتح نافذة على الانتخابات... والجيش يوسّع نفوذه

تفاؤل عقب «لقاء الإمارات» ومخاوف وتحسّب لدخول قوات حفتر طرابلس

ليبيا تفتح نافذة على الانتخابات... والجيش يوسّع نفوذه
TT

ليبيا تفتح نافذة على الانتخابات... والجيش يوسّع نفوذه

ليبيا تفتح نافذة على الانتخابات... والجيش يوسّع نفوذه

رحب كثير من الليبيين بنتائج اللقاء الذي احتضنته دولة الإمارات المتحدة، وجمع المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» وفائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق الوطني». وأملوا في تجاوز بلدهم مرحلة الانسداد السياسي، والاتجاه بالبلاد، التي تضربها الفوضى منذ 8 سنوات، إلى حالة من الاستقرار السياسي يجري الاحتكام فيها لصناديق الاقتراع بدلاً من التهديد بصناديق الذخيرة.
وعلى الرغم من أن الاجتماع، الذي عقد نهاية الأسبوع الماضي، ورعته البعثة الأممية لدى ليبيا، توصل إلى ضرورة إنهاء الفترة الانتقالية والمضي نحو إجراء انتخابات عامة، فإن ثمة تخوفاً لدى قطاع من الساسة والمحللين من «عجز البلاد عن إنجاز أي استحقاق انتخابي في ظل وجود ميليشيات مسلحة تسيطر على العاصمة... وانقسام حاد داخل المؤسسة العسكرية».
ما بين الترحيب بلقاء المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي وفائز السرّاج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق الوطني» في العاصمة الإماراتية أبوظبي، والتحذير من انتشار المسلحين وتأثيرهم السلبي في المشهد السياسي، يمضي الجيش الوطني - وفق قيادات عسكرية وسياسية تحدثت إلى «الشرق الأوسط» - نحو «طي صحراء الجنوب الليبي لمطاردة (الجماعات الإرهابية) وفلول (المتمردين التشاديين)، حتى إلى الحدود الجزائرية».
وقبل يومين من لقاء الرجلين اللذين يُنظر إليهما على أنهما الطرفان الأقوى في ليبيا، جاءت الرؤية الإماراتية واضحة من الأزمة الآنية، التي تمكنت بعد سقوط نظام معمر القذافي. إذ أكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبيّ، خلال لقائه السراج في دبي «دعم الإمارات للجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في ليبيا، وحرصها على مساعدة الشعب الليبي في الخروج من الأزمة الراهنة». وتكللت الجهود التي أعلنتها البعثة الأممية باتفاق السراج وحفتر على «ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية من خلال انتخابات عامة»، وبحث «سبل الحفاظ على استقرار ليبيا وتوحيد مؤسساتها»، وهي النتيجة التي نظر إليها أتباع كل فريق من زاويته الخاصة.
- أوراق الأزمة
وقبل عودة السراج وحفتر إلى ليبيا، سارع «المجلس الأعلى للدولة» في طرابلس، بتقديم جملة من الاعتراضات المبطنة على اجتماعهما في الإمارات، دون أن يأتي على ذكرهما. وأرجع ذلك إلى أن ما تم التوصل إليه يتعارض مع «اتفاق الصخيرات» الذي وقع في المغرب نهاية عام 2015، وقال «المجلس» إنه «متمسك بالاتفاق السياسي باعتباره الإطار الوحيد والحاكم للعملية السياسية، وعدم قبول أي تعديلات إلا وفق الآلية التي ينص عليها ذلك الاتفاق».
غير أن المحلل السياسي والإعلامي الليبي عيسى عبد القيوم، رأى أن «الجيش بعد لقاء أبوظبي، بات يمتلك 75 في المائة من أوراق حل الأزمة، مدعوماً بحاضنته الاجتماعية والسياسية الوطنية التي كشفت عنها انتصاراته الأخيرة». ومضى عبد القيوم يقول إنه قبل لقاء الإمارات كانت هناك 4 مواقف تؤكد وجهة نظره، تتمثل في؛ «موافقة رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، على رفع (القوة القاهرة) عن حقل الشرارة، وتراجع الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي في طرابلس عن إيقاف منحة أرباب الأسر، بالإضافة إلى تراجع المبعوث الأممي عن موقفه من الجيش، وزيارته للرجمة (مقر القيادة العامة)، فضلاً عن تراجع ممثل سلطات طرابلس في الأمم المتحدة وتغيير موقفه من العملية العسكرية في الجنوب خلال كلمته أمام الجمعية العامة».
وانتهى عبد القيوم إلى أنه «في ظل الزخم الشعبي والإعلامي الداعم لحركة الجيش على الأرض، وعلى طاولة التفاوض، قد يشهد النصف الثاني من العام الحالي انفراجة كبيرة، إما كاستحقاق للمسار السياسي الضاغط بقوة على الأطراف الرخوة، أو بانهيار العملية السياسية ووصول الجيش إلى مشارف طرابلس».
- درنة و«القاعدة»
من جهة أخرى، باكراً أعلن حفتر عزمه التصدّي «للمجموعات الإرهابية» التي سيطرت على مدن ليبية عدة. وقال في مناسبات كثيرة إنه «سيواصل تحرير كامل التراب الوطني، والقضاء على الإرهابيين في البلاد»، وإن الجيش «لن يتهاون أبداً مع من تسول له نفسه المساس بأمن واستقرار ووحدة ليبيا».
تعَهُد حفتر، جاء بحسب قيادة عسكرية، من «غرفة عمليات الكرامة»، «استجابة لاستغاثة المواطنين في الجنوب، الذين وقعوا فريسة للجماعات الإرهابية والمتمردين التشاديين»، بجانب «إنقاذ مدينة درنة (شمال شرقي ليبيا) التي باتت لسنوات رهينة ومعقلاً للجماعات المتطرّفة من كل الأنحاء تحت راية ما كان يعرف بـ(مجلس شورى درنة) الموالي لتنظيم (القاعدة)». وللعلم فإن اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم القيادة العامة للقوات المسلحة، كان قد أعلن في وقت سابق أن قوات الجيش، سيطرت على 90 في المائة من الأراضي الليبية، ولم يتبقَ سوى 10 في المائة فقط من مساحة البلاد خارج السيطرة.
وخلال الأيام الماضية، أعلنت قوات الجيش أنها تمكنت من الانتصار على من سمتهم «خوارج درنة»، وأعادت المدينة المخطوفة منذ عام 2014 إلى أهلها. وهو ما وصفه عز الدين عقيل، رئيس حزب الائتلاف الجمهوري، بأن القيادة العامة «تركز جهودها حصرياً حول إدارة معارك تطهير الوطن من الميليشيات والإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة، سعياً إلى بسط سيطرة الجيش سريعاً على الأمن الاستراتيجي للبلاد، ما يمهد باستعادة هيبة ليبيا». ورأى عقيل في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن المؤسسة العسكرية «تولي اهتمامهاً كبيراً بالحد من الخسائر في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة والبنية التحتية للبلاد أكثر من أي شيء آخر». ومع استتباب الأمن في درنة، عاد كثير من الكتائب التابعة للقوات المسلحة التي كانت تقاتل هناك إلى ثكناتها في شرق البلاد، ومنها من يتأهب للعودة، وذلك بعد انتهاء العمليات العسكرية بالمدينة.
وبالفعل، تواصل قوات الجيش عملية التمشيط والتحرّي والبحث عن الخلايا الإرهابية النائمة، وهو ما نوّه به المنذر الخرطوش، المسؤول الإعلامي للكتيبة «276 مشاة‏» لـ«الشرق الأوسط»، بقوله: «قواتنا نجحت بحمد لله في القضاء على الإرهابيين».
أيضاً، بدأت شركة الخدمات العامة في إزالة آثار العدوان، بتنظيف الشوارع وإزالة المخلفات من الطرقات، وسط فرحة المواطنين، الذين عبروا عن رضاهم لمجريات الأحداث هناك، وتوفر الأمن وتوقف أصوات الرصاص. وهذا ما عبر عنه عبد الوارث إحميدي، بنبرة زهو شديدة: «لم لا، وقد عشنا سنوات من تقطيع لرقاب الشباب والشيوخ في الشوارع والميادين... كان (داعش) يجبرنا على جمع الأموال بزعم أنها زكاة، وفي الحقيقة كانت إتاوة بديلة عن ذبحنا بالسيوف». ونقل إحميدي، ابن مدينة درنة، الذي درس الهندسة في جامعة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط» جانباً مما عليه الأوضاع الآن بقوله: «قوات الأمن موجودة في كل مكان، ولم يعد هناك وجود للعناصر الموالية للقاعدة، لقد خطفوا درنة ورهنوا المواطنين، ولم يعترفوا بأي سلطة في البلاد، الوضع الآن تغير، فمنهم من قتل، أو سلّم نفسه، أو ألقي القبض عليه من قبل رجال القوات المسلحة».

من سبها إلى غات
بموازاة العملية العسكرية التي خاضتها القوات المسلحة في درنة، كان أفرادها ينتشرون بشكل واسع في قلب الصحراء الجنوبية لمواجهة تنوّع واسع من العناصر المتطرفة، فكثير من التقارير التي أتت من الجنوب منذ نهاية العام الماضي، أشارت إلى أن مدنه، خصوصاً المترامية في أعماق الصحراء، باتت في قبضة تنظيم داعش. هذا الوضع دفع بحفتر إلى إصدار أمر بشن عملية عسكرية في الجنوب، وسط معارضة من المجلس الرئاسي في طرابلس و«قوة حماية طرابلس»، التي رأت أن هذه العملية تستهدف «تدمير الجنوب والقضاء على مقدراته وثرواته ونسيجه الاجتماعي». غير أن مرعي العرفي، أحد قيادات «الجيش الوطني» ذهب في حديثه مع «الشرق الأوسط» إلى أن القوات المسلحة «تسعى لحفظ الأمن في سبها وباقي المدن الجنوبية، بالإضافة إلى تأمين الحدود الليبية أيضاً. وبالتالي، فلا معنى لما يتردد من كلام غير مسؤول». وأردف: «الجماعات الإرهابية، والمهربون يعبثون بالجنوب منذ 8 سنوات، ولم تتحرك أي حكومة لحمايته وتأمينه... وها هو الجيش الوطني يضحي برجاله لاستعادة الوطن مرة ثانية».
كثير من مواطني الجنوب «شعروا بالأمن في مناطقهم، وفرحوا بوجود قوات الجيش بينهم»، حسب العميد أحمد المسماري المتحدث باسم القوات المسلحة، ومع ذلك يرى أن العملية العسكرية التي تتواصل في الجنوب بشكل جيد، لا يزال أمامها بعض الوقت كي تنهي مهمتها، خصوصاً مع التوجه نحو مرزُق والقطرون وأم الأرانب، جنوب مدينة سبها بنحو 240 كيلومتراً. لكنه أشار إلى الدعم الذي تلقته القوات المسلحة من القبائل ما سهّل لها دخول حقل الشرارة النفطي من دون قتال، فضلاً عن سيطرتها على المنشآت الحيوية في مقدمتها مطار سبها.
ومع نهاية الشهر الماضي، أعلن آمر «غرفة عملية الكرامة» اللواء عبد السلام الحاسي سيطرة قوات الجيش على مناطق عدة في الجنوب، بينها العوينات، ثم دخولهم مدينة غات القريبة من الحدود الجزائرية، جنوب غربي ليبيا. وأرجع رئيس حزب الائتلاف الجمهوري الليبي، أسباب دخول الجيش في عمق الجنوب وتحقيق انتصارات، إلى «اعتماده على أسلوب التفاوض والانفتاح الاجتماعي على الأهالي والوجهاء، ومنحهم مكرمة العفو عن المجموعات المسلحة التي تختار الخضوع بسلام للجيش، كما حصل بالموانئ النفطية ومدينة سبها وحقلي الشرارة والفيل».
- فرنسا والحدود
في الواقع، تظل مسألة الحدود الليبية عملية مؤرقة لأجهزة الدولة، خصوصاً في ظل الانقسام الذي يضرب البلاد منذ رحيل نظام القذافي، لكن شيئاً من هذا لم يمنع القوات المسلحة من توجيه ضربات موجعة للعصابات التشادية، دفعتها للفرار باتجاه الحدود، فوقعت فريسة لمقاتلات الجيش الفرنسي قبل دخولها الحدود التشادية مع ليبيا.
وفضلاً عن الأحاديث المتواصلة عن الأطماع الفرنسية بإقليم فزّان التاريخي، ومساعيها لتوسيع نفوذها هناك، تبقى قضية تأمين الحدود المترامية مع 6 دول من الشواغل الكبرى، في ظل انقسام حاد بين الأفرقاء السياسيين تغذيه شبكة مصالح وفساد سبق وأوردها ديوان المحاسبة في تقاريره. غير أن عز الدين عقيل يتوقع أن مسألة تأمين الحدود «ستظل مؤجلة إلى حين انتهاء عمليات تطهير الجنوب من كل مصادر الخطر الذي تمثله الجماعات الإرهابية، والعصابات الإجرامية».
وذهب عقيل في حديثه إلى «الشرق الأوسط» إلى أنه «عقب انتهاء العملية العسكرية في الجنوب، ستبدأ القيادة العامة في مفاوضات مع حكومات وجيوش الدول المجاورة لتفعيل ما سبق من اتفاقيات لحماية الحدود»، بالإضافة إلى «إبرام اتفاقيات تعاون أمني وعسكري، وتطوير ما يحتاج منها في ظل المستجدات الأمنية الإقليمية لمواجهة الجريمة المنظمة والعابرة للحدود».
ودعمت فرنسا لإنشاء «قوات دول الساحل الخمس العسكرية» التي تتألف من 5 آلاف عسكري، وتضم عسكريين من تشاد والنيجر وموريتانيا وبوركينافاسو ومالي، لتحقيق مشروع القوة الإقليمية المشتركة لمكافحة المجموعات المتطرفة في منطقة غرب أفريقيا. إلا أن هذا المشروع الذي سبق واتُفق عليه في العاصمة المالية باماكو، لم يحظَ بدعم أميركي أو أممي لتمويله.
- «جائزة» طرابلس
في أي حال، كل الرسائل التي تأتي من الشرق الليبي تحمل مضامين متشابهة، مفادها أن «القوات المسلحة انتصرت على جميع محاور القتال، ولم يتبقَ لها إلا القليل لحسم المعادلة لصالحها على الأرض، ومن ثم تكون السيطرة للجيش الوطني على كامل التراب الوطني. ومن بين تلك الأهداف المؤجلة التحرك باتجاه العاصمة لتحريرها من الميليشيات المسلحة، وهو ما عبر عنه القيادي بالجيش مرعي العرفي، بقوله إن القوات المسلحة «ستدخل طرابلس في الوقت المناسب، ودون قتال!».
ورأى محللون سياسيون أن تحرّك «الجيش الوطني» باتجاه مناطق جديدة لتطهيرها من «العناصر الإرهابية» ودحرها، سيوسع من نطاق نفوذه على الأرض، وينقص من رصيد حكومة «الوفاق الوطني» المعترف بها دولياً، ويحصرها، بل يضعها في مأزق. وهذا التحرك دفع ميليشيات العاصمة المُدرجة تحت اسم «قوة حماية طرابلس» إلى المسارعة بانتقاده ورفضه، حتى وصل الأمر بها إلى اتهام حفتر «بتدمير الجنوب، وتبديد ثرواته»، كما توعدت بمواجهة قوات الجيش إذا فكرت في دخول طرابلس. وكانت «قوة حماية طرابلس» قد أُسست في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهي اتحاد بين مجموعات طرابلس المسلحة الرئيسية، أبرزها «قوة الردع الخاصة» وكتيبة «ثوار طرابلس»، وكتيبة «النواصي» و«الأمن المركزي - أبوسليم».
وفي ظل التخوف من تحرك الجيش باتجاه طرابلس، وتصاعد التحذيرات من عواقب هذه الخطوة، كان لرئيس حزب الائتلاف الجمهوري عز الدين عقيل رأي آخر، إذ قال إن «التوجه نحو طرابلس سوف يكون دون أدنى شك المحطة المقبلة للجيش»، مستكملاً: «كل المعطيات الآتية من العاصمة، تشير إلى قرب قيام عصيان مدني مسلح واسع بين شباب المدينة ضد الميليشيات التي تجثم على صدرها، بمجرد اقتراب الجيش من طرابلس».
أهمية هذه الخطوة بالنسبة للمؤسسة العسكرية، أرجعها عقيل إلى أن «طرابلس تعتبر التجمع الأكبر للقوى العسكرية المقهورة التي تشعر بالمهانة نتيجة طغيان الميليشيات على السكان ومقدرات الشعب ومقار وأسلحة الجيش التي نهبتها خلال السنوات الأولى لانتفاضة فبراير (شباط)». ويتوقع رئيس حزب الائتلاف الجمهوري «انضمام أكثر من 20 ألف عسكري إلى القوات المسلحة من داخل مدن الغرب بمجرد اقتراب الجيش من تخوم العاصمة ليعزز انتشاره في البلاد».
ومن جانب آخر، يُنظر للمجلس الرئاسي على أنه في مأزق، واضطرته الظروف إلى إقالة رئيس أركانه اللواء عبد الرحمن الطويل، وتعيين الفريق ركن محمد علي الشريف بدلاً منه، كما عيّن الفريق ركن سالم جحا، معاوناً لرئيس الأركان لشؤون التدريب، وذلك على خلفية تصريح للطويل رأى فيه أن الجيش الليبي «موحّد»، وأن «الخلاف بين الأطراف السياسية فقط»، متمنّياً في الوقت ذاته أن يجري التنسيق بين جميع وحدات الجيش بالمناطق الشرقية والغربية والجنوبية.
- مخاوف من «عسكرة ليبيا»
> رغم التداعيات على أرض الواقع، يظل هناك من يرى في غرب ليبيا أن توسيع «الجيش الوطني» تحركاته ليس إلا محاولة لـ«عسكرة ليبيا»، والتمكين لقائده خليفة حفتر، والسعي الحثيث للانقضاض على العاصمة طرابلس، لكن الأخير، الذي تخوض قواته، التي تقترب من 84 ألف ضابط وضابط صف وجندي، حروباً متواصلة منذ أن أعلن «عملية الكرامة» قبل قرابة 5 سنوات، تحدث غير مرة عن دعمه إجراء انتخابات ديمقراطية، لكنه أيضاً حذر من أن الجيش «سيجهض أي انتخابات إن لم تكن نزيهة».
وما بين الديمقراطية والنزاهة يبقى غرب البلاد عقبة كؤوداً وجائزة كبرى، أمام من يقرر خوض ماراثون الانتخابات الرئاسية المقبلة، لا سيما أنه يضم أكثر من 62 في المائة من عدد الناخبين، وهم الذين يحددون مَن يقود البلاد، إذا تم الاحتكام إلى صناديق الانتخابات وليس صناديق الذخيرة.
- غضبة قبيلة التبو... أحد أهم المكوّنات السكانية في الجنوب الليبي
> في هذه الأثناء، يبدي أفراد قبيلة التبو، في الجنوب الليبي، غضبهم من تشكيك البعض في انتمائهم للبلاد، فهم ينفون دائماً صلتهم بالمتمردين التشاديين، أو تقديم الدعم لهم، كما يتكتّمون على رفضهم العملية العسكرية التي يخوضها الجيش هناك، ويرون أنها «تهدد السلم الاجتماعي في منطقة حوض مرزُق».
وللعلم، ينتشر أفراد قبائل التبو ذوو البشرة الحنطية في منطقة تيبستي الجبلية الواقعة بين ليبيا وتشاد والنيجر. ويتعرضون للتهميش غالباً من القبائل العربية، في ظل وجود صراع مصالح ونفوذ في هذه المنطقة منذ إسقاط الرئيس الراحل معمر القذافي في عام 2011. ونقل ناشط سياسي، رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية لـ«الشرق الأوسط»، أن «بعض شباب التبو قضوا في قتال قوات الجيش»، متعهداً: «سنواصل القتال ضد أي قوة تقتحم مناطقنا»، قبل أن يستدرك: «لسنا ضد الجيش بشكل عام، ونريد عودة الأمن إلى المنطقة، لكننا ضد تفتيت النسيج الاجتماعي».
يُذكر أنه تندلع اشتباكات من وقت إلى آخر، بين قبيلتي التبو غير العربية وأولاد سليمان العربية التي تقاتل في صفوف قوات الجيش، تسفر عن وقوع قتلى ومصابين. وسبق أن استخدم الرئيس الراحل معمر القذافي «التبو» في الماضي للتدخل في نزاعات في تشاد والنيجر، وبعد اندلاع انتفاضة فبراير. وتقع مدينة أوباري على بعد 900 كيلومتر جنوب طرابلس، ويقطنها قرابة 60 ألف نسمة (من التبو والطوارق والعرب) وتعد واحدة من أهم مدن منطقة حوض مرزُق، ويمثل التبو فيها جزءاً مهماً من النسيج الاجتماعي.
كذلك يقطن قرابة 50 ألف نسمة مرزُق، التي تتميز بقلعتها التي تعود إلى نحو 7 قرون مضت. وتحيط بالمدينة أشجار النخيل والمساجد التي تضم زوايا تحفيظ القرآن... وكانت تعد همزة وصل لنقل البضائع وكانت تمر فيها طرق التجارة قديماً من أقصى أفريقيا عبر الصحراء الليبية نحو الشمال.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.