«رسائل» زيارة الأسد إلى طهران: قلق من موسكو ومواجهة واشنطن

دمشق تريد «تأجيل الحل السياسي إلى ما بعد الحسم العسكري»

الأسد وخامنئي في طهران (أ.ب)
الأسد وخامنئي في طهران (أ.ب)
TT

«رسائل» زيارة الأسد إلى طهران: قلق من موسكو ومواجهة واشنطن

الأسد وخامنئي في طهران (أ.ب)
الأسد وخامنئي في طهران (أ.ب)


حملت الزيارة العلنية الأولى للرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران أكثر من «رسالة»، خصوصاً أنها جاءت بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الإبقاء على جزء من قوات بلاده شرق سوريا وتشكيل «قوات سلام» أوروبية - أميركية و«منطقة أمنية»، وعشية زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى موسكو لاستعادة التنسيق العسكري في الأجواء السورية بعد تشغيل «إس 300»، في وقت تكثف فيه القصف على ريف إدلب، إضافة إلى تزامن الزيارة، وهي الأولى منذ 8 سنوات، مع تصعيد العمل لتشكيل اللجنة الدستورية وتراجع الحديث عن «التطبيع العربي» مع دمشق. ويمكن الإشارة إلى «الرسائل السبع» التالية:
1- عتب روسي: بحسب المعلومات، أعربت موسكو عن عدم ارتياحها لانتقادات الأسد في خطابه الأخير «مسار آستانة - سوتشي» لتشكيل اللجنة الدستورية؛ إذ إنه قال الأسبوع الماضي إن حكومته لن تساوم على دستور البلاد مع المعارضة المدعومة من تركيا، منتقداً عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة و«عملية سوتشي» لإجراء إصلاح دستوري. وقال الأسد: «الدستور هو مصير البلد، وبالتالي هو غير خاضع لأي مساومات أو مجاملات، وأي تهاون فيه قد يكون ثمنه أكبر من ثمن الحرب نفسها». ووصف مسؤولي المعارضة الذين تم اختيارهم للجنة الدستورية بأنهم «عملاء» تركيا التي تدعم فصائل المعارضة.
كانت روسيا قادت مع تركيا وإيران «عملية آستانة» واستضافت مؤتمر الحوار السوري في سوتشي في بداية العام الماضي لتشكيل لجنة من الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني لإجراء إصلاح دستوري.
وردت موسكو، بحسب معلومات، على خطاب الرئيس الأسد، بأنها كثفت الاتصالات مع الأمم المتحدة للوصول إلى تفاهمات حول تعديل 6 أسماء في القائمة الثالثة التي توافقت عليها روسيا وتركيا وإيران.
من جهته، أطلع الرئيس حسن روحاني الأسد على نتائج القمة الروسية - التركية - الإيرانية، خصوصاً ما يتعلق بـ«وحدة سوريا، وخروج القوات الأجنبية غير الشرعية» ما يعني استثناء روسيا وميليشيات إيران، بحسب تفسير طهران.
2- إرضاء إيران: أبطأت طهران قبل 3 أشهر من تزويد دمشق بمشتقات النفط والمواد الغذائية للضغط على الحكومة السورية لتوقيع «اتفاق طويل الأمد» بين الطرفين، وهذا ما حدث خلال زيارة نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغیري إلى دمشق الأسبوع الماضي. وأعطت الاتفاقات امتيازات لها علاقة بالإعمار والمشروعات الاقتصادية، مما كان بمثابة رد على الضغوطات الروسية التي ظهرت في السنة الأخيرة للحصول على امتيازات استثمار الفوسفات والغاز والاتفاقات العسكرية. وأبلغ روحاني نظيره السوري بأهمية «إعطاء أولوية» لإيران في الإعمار.
3- التطبيع العربي: بدأت دول عربية في نهاية العام إعادة فتح سفاراتها في دمشق، وجرى الحديث عن «عودة الدور العربي إلى سوريا لمواجهة الدورين الإيراني والتركي»، لكن مسيرة التطبيع تجمدت وجرى تأجيل قرار عودة دمشق إلى الجامعة إلى ما بعد القمة العربية في تونس نهاية مارس (آذار) الحالي. ولا تخرج زيارة الأسد إلى طهران عن أنها رسالة للتمسك بـ«علاقة استراتيجية» مع طهران ضد جهود إخراج إيران من سوريا أو إبعاد دمشق عن طهران.
4- الوجود الأميركي: مرة ثانية، قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب نصائح حلفائه بإبقاء 200 جندي شرق الفرات، و200 جندي في قاعدة التنف. وطلب من دول أوروبية مساهمة عسكرية تصل إلى ألفي جندي لتشكيل «قوات سلام» وتثبيت الاستقرار شرق الفرات. ويعتقد مسؤولون أميركيون أن هدف واشنطن هو منع ظهور «داعش» وإضعاف نفوذ إيران. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) عن المرشد الإيراني علي خامنئي قوله للأسد إن «محاولات أميركا الرامیة إلى الوجود على الحدود العراقية - السورية نموذج آخر من المؤامرات»؛ مؤكداً أن «إيران وسوريا تشكلان العمق الاستراتيجي كلتيهما للأخرى»، فيما قال الأسد: «الأكراد والعشائر لديهم علاقات جيدة مع الحكومة، حتى إن بعض الجماعات التي سبق أن كانت معارضة للحكومة واشتبكت معها، أصبحت تؤيد الحكومة وتخالف الرؤية الأميركية». ويتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تنسيقاً روسياً - إيرانياً مع العشائر لإضعاف حلفاء واشنطن.
5- المنطقة الأمنية: نقلت «إرنا» عن خامنئي قوله إن «انتصار محور» دمشق - طهران دفع أميركا إلى «حبك مؤامرات جديدة»؛ معرجاً في هذا الخصوص على قضية المنطقة العازلة التي يحاول الأميركيون تطبيقها في سوريا، وأنه «أكد أنه ينبغي التصدي بحزم لهذه المؤامرات الخطرة».
ويتفاوض مسؤولون أميركيون وأتراك لإقامة «منطقة أمنية» بين جرابلس على نهر الفرات وفش خابور على نهر دجلة شمال شرقي سوريا، بحيث تكون بعمق بين 28 و32 كيلومترا وتنتشر فيها قوات دولية، لكن موسكو اقترحت تفعيل «اتفاق أضنة» بين دمشق وأنقرة، الأمر الذي تدعمه طهران. لكن تركيا ترفض القيام باتصالات سياسية مع دمشق مع موافقتها على اتصالات أمنية لمحاربة «حزب العمال الكردستاني» بعمق 5 كيلومترات. وهناك من يسعى إلى استعادة تنسيق إيراني - سوري - تركي ضد قيام «كيان كردي» كما حصل بين الدول الثلاث ضد كردستان العراق نهاية التسعينات.
6- مثلث الشمال: لا تزال دمشق تضغط عسكرياً للقيام بعمل عسكري في ريف إدلب بدعم من إيران لـ«جر روسيا إلى هذا الخيار»، لكن موسكو تلتزم إلى الآن الاتفاق مع تركيا لخفض التصعيد في «مثلث الشمال». وإذ عزز الجيش التركي نقاطه هناك بعدما حصل على تمديد من روسيا لخفض التصعيد، كثفت قوات الحكومة السورية قصفها على مدينتي خان شيخون ومعرة النعمان على الطريق الرئيسية بين حماة وحلب. ويعتقد أن إيران تدعم دمشق في ذلك للضغط على تركيا كي تبتعد عن «المشروع الأميركي» شمال شرقي سوريا.
7- خريطة مواقع إيران: بحسب مصادر إعلامية، أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو أول من أمس بـ«خريطة مواقع إيرانية» في سوريا، وأنه طلب التنسيق العسكري لدى بدء روسيا تشغيل منظومة «إس 300» الجديدة في سوريا. واستهدفت الزيارة أيضاً طي صفحة التوتر بين موسكو وتل أبيب بعد إسقاطها طائرة روسية غرب سوريا في سبتمبر (أيلول) الماضي. واستهدفت زيارة الأسد التنسيق العسكري المضاد بعدما تعرضت مواقع إيرانية لغارات إسرائيلية عدة وسط صمت روسي.
لا شك في أن حضور قائد «فيلق القدس» قاسم سليمان لقاءي الأسد مع خامنئي وروحاني مؤشر على حضور الجانب العسكري - الأمني، وزيادة التنسيق بينهما إزاء الوجود الأميركي و«المنطقة الأمنية» وإدلب والغارات الإسرائيلية، وغياب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف دليل على تراجع أهمية البعد السياسي المتعلق بمسار اللجنة الدستورية والعملية السياسية... أي تأجيل البحث السياسي إلى «ما بعد الحسم العسكري وخروج القوات الأجنبية»... عدا روسيا وإيران.



مبادرتان أميركيتان لتعزيز حماية التراث الثقافي في اليمن

منظر عام لقلعة «القاهرة» التاريخية في مدينة تعز اليمنية (إكس)
منظر عام لقلعة «القاهرة» التاريخية في مدينة تعز اليمنية (إكس)
TT

مبادرتان أميركيتان لتعزيز حماية التراث الثقافي في اليمن

منظر عام لقلعة «القاهرة» التاريخية في مدينة تعز اليمنية (إكس)
منظر عام لقلعة «القاهرة» التاريخية في مدينة تعز اليمنية (إكس)

أعلنت السفارة الأميركية لدى اليمن عن دعم مبادرتين تهدفان إلى حماية التراث الثقافي اليمني والحفاظ عليه، تتضمن الأولى ترميم قلعة تاريخية في مدينة تعز، والثانية لمكافحة الاتجار غير المشروع للممتلكات الثقافية، وذلك في سياق التزام الولايات المتحدة الدائم بحماية الهوية التاريخية والثقافية لليمن في ظل التحديات المستمرة.

وأوضحت السفارة في بيان أنها أطلقت بالشراكة مع وزارة الثقافة اليمنية، مشروعاً مهماً لترميم قلعة القاهرة التاريخية في تعز، بتمويل من صندوق سفراء الولايات المتحدة للحفاظ على التراث الثقافي، إذ ستركز المبادرة على ترميم المناطق الرئيسية وإعادة بناء متحف القلعة الذي دمر أثناء الحرب.

ونقل البيان عن السفير الأميركي لدى اليمن، ستيفن فاجن، قوله: «إن هذه القلعة ليست مجرد موقع تذكاري؛ بل هي رمز لتاريخ اليمن الغني والمتنوع وصموده الثقافي»، مؤكداً أن الحفاظ على قلعة القاهرة يضمن للأجيال القادمة من اليمنيين الوصول إلى تاريخهم وتراثهم المشترك.

وسلط السفير فاجن الضوء أيضاً على الروح التعاونية وراء هذا المشروع، قائلاً: «أتقدم بخالص امتناني لوزارة الثقافة، والسلطة المحلية والمكاتب التنفيذية في محافظة تعز، ولشركائنا الملتزمين بتنفيذ المشروع».

ويدعم صندوق السفراء الأميركي للحفاظ على التراث الثقافي، الذي أنشأه الكونغرس في عام 2001؛ لحماية المواقع الثقافية والآثار والتعابير التقليدية في جميع أنحاء العالم. ومنذ إنشائه، دعم الصندوق أكثر من 1000 مشروع للحفاظ على التراث الثقافي في أكثر من 130 دولة، بما في ذلك اليمن.

وسبق للصندوق -بحسب بيان السفارة- المساعدة في ترميم مواقع ذات أهمية تاريخية مثل منارة عدن، ودار الضيافة في مدينة زبيد المدرجة على قائمة التراث العالمي، وقصر عشة الطيني التاريخي في تريم، والحفاظ على اللوحات الجدارية في مسجد المدرسة العامرية في محافظة البيضاء الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر الميلادي.

الاتجار غير المشروع

أفادت السفارة الأميركية لدى اليمن بأنها وبدعم من منحة تنفيذ اتفاقية الممتلكات الثقافية، بصدد إطلاق مشروع آخر يهدف إلى منع الاتجار غير المشروع بالتراث الثقافي اليمني.

وأوضحت أن هذه المبادرة، بالتعاون مع وزارتي الثقافة والداخلية اليمنيتين، ستساعد في إنشاء وحدة إنفاذ قانون متخصصة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، وسيوفر المشروع برامج بناء القدرات، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وتبني إشراك المجتمع المحلي من خلال الحملات التثقيفية والتوعية العامة.

رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي يستقبل السفير الأميركي ستيفن فاجن (أرشيفية - سبأ)

ونقل البيان عن السفير فاجن قوله: «إن التزامنا المشترك بالحفاظ على التراث الثقافي اليمني للأجيال القادمة. ويشرفنا أن نعمل جنباً إلى جنب مع الحكومة اليمنية في هذا العمل الحيوي لحماية التراث التاريخي والثقافي اليمني».

وتستند هذه المبادرة الأميركية إلى اتفاقية الملكية الثقافية بين الولايات المتحدة واليمن الموقعة في أغسطس (آب) 2023، التي تفرض قيوداً أميركية على استيراد المواد الثقافية اليمنية، مما يعزز التعاون الثنائي في الحفاظ على التراث.

وأكدت سفارة واشنطن لدى اليمن أن المبادرتين تسلطان الضوء على الدور الحاسم الذي يلعبه التراث الثقافي في النسيج الاجتماعي والاقتصادي لليمن، والأهمية العالمية للحفاظ على الإرث التاريخي الغني للبلاد، وقالت إن بعثة الولايات المتحدة في اليمن ستظل ثابتة في التزامها بحماية وتعزيز التراث الثقافي اليمني لصالح الأجيال القادمة.