الأكاديمية الفرنسية تدرس مشروعاً لتأنيث أسماء المناصب

بعد عقود من احتجاجات نسائية ونقاشات ساخنة حول قواعد اللغة

الأمينة العامة المؤرخة هيلين كارير دونكوس بالزي الرسمي للأكاديمية
الأمينة العامة المؤرخة هيلين كارير دونكوس بالزي الرسمي للأكاديمية
TT

الأكاديمية الفرنسية تدرس مشروعاً لتأنيث أسماء المناصب

الأمينة العامة المؤرخة هيلين كارير دونكوس بالزي الرسمي للأكاديمية
الأمينة العامة المؤرخة هيلين كارير دونكوس بالزي الرسمي للأكاديمية

هل تتخلى الأكاديمية الفرنسية عن موقفها المتشدد ويتنازل أعضاؤها، أخيراً، ويسمحون بإجراء تحويرات لتأنيث أسماء المناصب والوظائف والرتب العسكرية في حال شغلتها امرأة؟ هذا هو موضوع التقرير الذي تقدمت به لجنة من المتخصصين عقدت 9 جلسات للمداولة على مدار عام، منذ الربيع الماضي، لدراسة الموضوع وتقديم مقترحات محددة. وفي حال الموافقة على التقرير، فإنها ستكون «خطوة كبرى لصالح النساء» حسبما أعلنت دومينيك بونا، رئيسة اللجنة وإحدى السيدات القلائل بين أعضاء الأكاديمية.
وأثار موضوع تأنيث أسماء المناصب جدلاً كثيراً في مختلف الأوساط الفرنسية، لا سيما بعد تزايد أعداد النساء اللواتي يشغلن مراكز سياسية ودبلوماسية وعسكرية. وجرت العادة أن يبقى الاسم مذكراً حتى لو شغلته امرأة. مثل «السيدة السفير»، و«السيدة الوزير». لكن عدداً من شاغلات هذه المناصب رفضن الخضوع لمنطق الحفاظ على التقاليد اللغوية وبادرن إلى تغيير منطوق وظائفهن. ومنهن عمدة باريس آن هيدالغو التي باتت تدعى في المخاطبات الشفهية والرسمية: «السيدة رئيسة البلدية» بدل «السيدة رئيس البلدية».
ومنذ تأسيسها في عام 1635 على يد الكاردينال ريشيليو، وزير الملك لويس الثالث عشر، حرصت الأكاديمية على دورها المنوطة به وهو الحفاظ على اللغة الفرنسية من العبث والتجاوزات، وإصدار المعاجم فيها. وهي ظلت حكراً على الرجال منذ القرن السابع عشر وحتى عام 1980 حين جرى انتخاب الكاتبة مارغريت يورسنار كأول عضو «أو عضوة» فيها. وطيلة كل تلك الفترة تحجج الأعضاء بمختلف الأعذار السياسية والدينية والأخلاقية والاجتماعية لمنع النساء من بلوغ هذا الصرح الذي بات يلقب بـ«مجمع الخالدين». ثم خفت القبضة الذكورية بعض الشيء في السنوات الأخيرة بحيث جرى انتخاب 9 أكاديميات بين الأعضاء الأربعين، بينهن المؤرخة والكاتبة هيلين كارير دونكوس التي تشغل منصب «الأمينة العامة مدى الحياة».
من أسماء الوظائف المرشحة للتأنيث: مؤلف، كاتب، بروفسور، وزير، مدير عام، ضابط، عميد، سفير، شرطي، قبطان، والعشرات غيرها. وترى دومينيك بونا أن تطوير مفردات اللغة ليس جديداً على الأكاديمية بل تعود مثل هذه الجهود إلى منتصف الثلاثينات من القرن الماضي. لكن المؤسسة المكلفة بالحفاظ على اللغة الفرنسية بطيئة في تحركاتها، ويميل أعضاؤها إلى التفكير الطويل والعميق قبل المساس بأي كلمة. ولا يتعلق التحديث بقضية تأنيث أسماء المناصب فحسب، بل هناك جدل مستمر يخص المفردات العلمية والتقنية المستحدثة.
جاء دخول النساء لميادين العمل بشكل واسع ليشكل «غزواً» للعديد من المجالات. فحتى عام 1960. كان على الفرنسية أن تحصل على موافقة الزوج كشرط للعمل. وتشير الإحصائيات إلى نسبة 40 في المائة من النساء كانت تمارس نشاطاً وظيفياً خارج البيت. وفي العيد الوطني لعام 1965 صدر قانون سمح للنساء بتوقيع عقود عمل لا تحمل توقيع الزوج بالموافقة.
وبعد 10 سنوات على ذلك القانون ارتفعت نسبة العاملات بين الفرنسيات البالغات إلى النصف. ومن يومها والمجتمع يبحث عن تسميات تناسبهن للوظائف التي جرت العادة أن تكون بصيغة المذكر. لكن الأكاديمية الفرنسية نشرت بياناً، آنذاك، يعيد التذكير بقواعد اللغة التي تفترض أن التسمية تناسب الجنسين. وكان رئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان أول من خالف تلك النظرة، حيث أصدر تعميماً وزارياً، عام 1998، يطالب بإطلاق أسماء مؤنثة على «الدرجات والمناصب والمهن والمناصب والرتب والألقاب»، حين تضطلع بها النساء.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».