تصاعد الأزمات العالمية يثير جدلا في واشنطن حول سياسة أوباما الخارجية

منتقدوه يحملونه المسؤولية لسياسته الضعيفة.. ومؤيدوه يقولون إنه لا يستطيع التحكم في الأحداث

تصاعد الأزمات العالمية يثير جدلا في واشنطن حول سياسة أوباما الخارجية
TT

تصاعد الأزمات العالمية يثير جدلا في واشنطن حول سياسة أوباما الخارجية

تصاعد الأزمات العالمية يثير جدلا في واشنطن حول سياسة أوباما الخارجية

في ظل الاضطراب العالمي هذا الصيف، يتركز النقاش الدائر في واشنطن بالأساس في موقفين متعارضين: الأول موقف يلقي اللوم بالكامل على الرئيس أوباما، ويتبناه منتقدوه، بينما يرى أنصاره عكس ذلك، ويقولون إن هذه التطورات تعد خارجة عن إرادته.
غالبا ما يعتقد الأميركيون أن رئيسهم يتمتع بسلطات كاملة، وبإمكانه تغيير مسار التاريخ. وعلى مر السنين، عزز الرؤساء الأميركيون من هذه الصورة المرسومة لهم؛ نظرا لأن هذا التصور ذاته يمكن أن يعد شكلا من أشكال السلطة. ولكن بينما ألقى منتقدوه باللوم على الرئيس، زاعمين أن الأخطاء التي ارتكبها أوباما أججت من الاضطرابات التي تشهدها أماكن مثل سوريا والعراق وأوكرانيا، أوضح الرئيس كثيرا أن قدرته على منع هذه الأحداث الزلزالية محدودة.
ومنذ بضعة أيام، قال بشيء من الإحباط: «يبدو أن الناس نسوا حقيقة أن أميركا، كأقوى دولة على وجه الأرض، لا تزال لا يمكنها السيطرة على كل الأحداث في جميع أنحاء العالم».
وبينما قد يمثل ما أدلى به الرئيس أوباما أمرا بديهيا، ينظر خصومه إلى ذلك بأنه عذر غير مقبول للتهرب من المسؤولية، وحتى المحللون الأكثر تعاطفا معه يعدون ذلك بمثابة لحظة كاشفة لتفاجئ الرئيس بحالة عدم الاستقرار الدولية.
ووفقا لما ذكره جيريمي شابيرو، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية، الذي يعمل الآن بمعهد بروكينغز: «منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل، أصبح الرؤساء غير مستعدين لمناقشة أوجه القصور فيما لديهم من سلطات، لأنهم كانوا يتوقعون أنه بمقدورهم فعل أي شيء، كما أنهم يستمتعون بشعور السلطة المطلقة»، وأضاف: «حاول أوباما تغيير ذلك الوضع في العام الماضي، وذلك لأنه يشعر بأن متطلبات السلطة المطلقة لم تعد مقبولة حتى الآن، وأن الذي يمكنه تحقيقه بالفعل هو العمل على تغيير التوقعات التي يجرى التطلع إليها». وبطبيعة الحال، تكمن خطورة ذلك في أن الرئيس الأميركي يبدو كأنه يحاول ببساطة تبرير أفعاله الخاصة أو التقاعس.
وقال دانيال إل بإيمان، عضو سابق بلجنة 11 سبتمبر (أيلول)، والآن يعمل بالتدريس في جامعة جورج تاون: «لقد أصبح الأمر أقرب إلى شعارات للدرجة التي أصبح الناس فيها - بحسب اعتقادي - تنتقد تماما أن هذا هو رده على كل شيء»، وأضاف: «إنه لم يميز بين الأشياء التي يمكن أن يكون له تأثير عليها وتلك التي لا يستطيع». الانتقادات المثارة ضد الرئيس أوباما كثيرة. ويرى منتقدوه أنه فشل في وقف صعود نجم تنظيم «داعش» عندما رفض مقترحات تسليح العناصر الأكثر اعتدالا في المقاومة السورية، وترك فراغا في العراق عندما انسحبت الولايات المتحدة من العراق عام 2011. كما أنه أشار إلى أن ضعفه دفع الكرملين للتفكير في أنه بمقدوره التدخل في أوكرانيا دون خوف من تداعيات ذلك.
وقال ويليام سي إنبودن، مساعد الأمن القومي السابق للرئيس جورج دبليو بوش المدير التنفيذي لمركز ويليام بي كليمنتس حول التاريخ والاستراتيجية السياسية بجامعة تكساس: «بالتأكيد، لا أعتقد أن الرئيس أوباما هو المسؤول عن جميع الأزمات العالمية التي حدثت أثناء الفترة التي قضاها في منصبه»، وأضاف: «ولكنه مسؤول عن الإجراءات والمواقف التي تبناها والتي ساهمت في نشوب بعض الأزمات، وهو مسؤول أيضا عن طريقة تعامله مع الأزمات أو إخفاقه في التعامل معها».
الجمهوريون ليسوا وحدهم الذين يعبرون عن هذه المشاعر. إذ قالت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري رودهام كلينتون، في حوار مع مجلة «أتلانتك» تسبب في ضجة أخيرا، إن «الفشل» في دعم ثوار سوريين معتدلين ترك فراغا ملأته الجماعة الأكثر قسوة (داعش).
قال الجنرال جيمس جونز، القائد السابق لحلف شمال الأطلسي مستشار الأمن القومي الأول لأوباما، في افتتاحية صحيفة «وول ستريت جورنال» يوم الجمعة: «كان يجب على الرئيس أن يترك بعض القوات في العراق، وأنه كان عليه أن يتحرك ضد سوريا التي تخطت (الخط الأحمر) الذي وضعه أوباما باستخدامها الأسلحة الكيماوية، ويضغط على حكومة بغداد لتسليح الأكراد».
هذه الانتقادات تثير غضب أوباما وفريقه. ويقولون، في بعض الحالات، إن الأزمات التي ظهرت كانت غير متوقعة تماما. ويقولون، في حالات أخرى، إن الحلول التي عرضها النقاد لن تجدي نفعا، بل إنها قد تجعل الأمور أكثر سوءا. وإلى جانب ذلك، فإنهم غالبا ما يضيفون أن أوباما ورث هذا الواقع، في إشارة إلى قرار بوش غزو العراق في المقام الأول.
وقال أوباما في أحدث حوار له مع توماس فريدمان، الكاتب بصحيفة «نيويورك تايمز»: «كان دائما من الخيال» التفكير في أن إمداد الثوار السوريين المعتدلين بالأسلحة قد يساعدهم ضد المتطرفين الإسلاميين. وقال إنه لو كان قد ترك القوات في العراق «إن الفرق سيكون أن لدينا 10 آلاف جندي في وسط هذه الفوضى بدلا من وجود عدد أقل من ذلك بكثير». وقال النائب السابق لي هاملتون: «يستطيع الرؤساء التأثير وليس أن يقوموا بفرض الأحداث».
ولفت هاميلتون إلى أن «الأميركيين لديهم ميل شديد للغاية لاعتقاد أن كل ما نقوم به هو أهم شيء يحدث في أي مكان، وأن لدينا الكثير من القوة والكثير من النفوذ الذي يمكننا من السيطرة على الأحداث في أي مكان». وأضاف: «هذا جزء مما كان يصارعه هنا».
ويبدو أن سياسة أوباما الرامية إلى ضبط النفس تتناسب مع المزاج العام، حيث خلصت استطلاعات الرأي إلى انخفاض الرغبة في قيام الولايات المتحدة بالتدخل في أوكرانيا، أو سوريا، أو العراق. ورغم ذلك، هناك أيضا شعور واضح من خيبة الأمل إزاء قيادة أوباما على المسرح العالمي. أظهر استطلاع للرأي أجري أخيرا بصحيفة «نيويورك تايمز» و«سي بي إس نيوز»، أن 58 في المائة من الأميركيين معترضون على طريقة تعامله مع السياسة الخارجية، وهي أعلى نسبة حصلت خلال فترة رئاسته. يجد الرؤساء غالبا أن شعبيتهم تعاني عندما يبدو أن العالم غير متزن، بل إنهم يحملون المسؤولية حيال أحداث تقع خارج سيطرتهم.
وقال ستروب تالبوت، رئيس مؤسسة بروكينغز ونائب وزير الخارجية السابق في عهد الرئيس بيل كلينتون: «ما يجعل هذه الفترة مختلفة هو نشر قوة من دول لقوى ليست دولا، وسرعة انتشار التكنولوجيا، وصعود التطرف الإسلامي». «لدينا انتشار شامل لهذه العدوى، مما يصعب كثيرا تعزيز قضية الحكم الإقليمي والعالمي». ولفت بعض الديمقراطيين إلى أن التحدي أمام أوباما ليس بالضرورة نهجه تجاه الأزمات، ولكن قدرته على إيضاحها والترويج لها.
وقال النائب السابق بكاليفورنيا جين هارمان، وهو الآن رئيس مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين: «يعد ما طبقه في العراق وأوكرانيا استراتيجيات معقولة». وأضاف: «إنه يحتاج الآن إلى ربطها من خلال سرد يوضح فيه للشعب الأميركي السبب وراء أنه يجب علينا إعادة الانخراط في الشؤون السياسية الخارجية، وآمل أن يفعل ذلك».
وقال توماس دونيلون، مستشار الأمن القومي السابق لدى أوباما: «كان يجب على الرئيس أن يمارس دور القيادة في حالات ورثها وكذلك في غيرها من الحالات التي لم تكن من صنعه»، ولكنه أضاف أنه «من أجل تجنب السماح لهم باستهلاك وقته المتبقي في منصبه، يجب عليه وضع جدول أعمال لمبادرات دولية إيجابية».
وقال دونيلون: «خلال ما يقرب من عامين ونصف متبقية في رئاسته، من المهم أن يتجاوز الأزمات القادمة من جميع أنحاء العالم، ويسعى إلى وضع مجموعة من المبادرات الاستراتيجية التي تستطيع الولايات المتحدة تحقيقها ويمكنها أن تحقق تغييرا ذي صبغة دائمة».
* خدمة «نيويورك تايمز»



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.