تخوض الهند وباكستان صراعاً على إقليم كشمير منذ أكثر من 70 عاماً، وعادت المنطقة المضطربة مجدداً إلى ساحة الأخبار مرة أخرى في منتصف فبراير (شباط) الجاري؛ حيث اتهمت الهند جارتها باكستان بالقيام بدور مباشر في هجوم انتحاري أسفر عن مقتل 40 جندياً من القوات شبه العسكرية الهندية، في كشمير التي تسيطر عليها الهند. ويعد هذا الهجوم الأكثر دموية على قوات الأمن، منذ بداية أزمة الصراع في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وذلك وفقاً لما ذكرته شبكة «سي إن إن» الأميركية.
وتصاعدت الأحداث مرة أخرى هذا الأسبوع، عندما صرحت باكستان بأنها أسقطت طائرتين هنديتين فوق كشمير التي تسيطر عليها باكستان، بعد يوم واحد فقط من تصريحات الهند بأن قواتها الجوية شنت غارات جوية ضد معسكر مزعوم للمتشددين في الأراضي الباكستانية.
ونفت باكستان بشدة أن يكون لها دور في الحادث، الذي تقول نيودلهي إن جماعة «جيش محمد» التي تتخذ من باكستان مقراً لها قد نفذته.
ويرجع تاريخ النزاع الكشميري بين الهند وباكستان إلى أغسطس (آب) عام 1947. فبعد إعلان استقلال الهند عن الحكم الإنجليزي، قرر البرلمان حينها تقسيم الولايات تبعاً للمذهب الديني، على أن تنضم الولايات ذات الغالبية الهندوسية إلى الهند، والغالبية المسلمة إلى باكستان، وذلك وفقاً لرغبة السكان الأصليين للولايات، إلا أن هذا الانضمام لم يمر بسلام على «إقليم كشمير» مثلما مر على ولايات شبه القارة الهندية.
حيث لم يتقرر وضع كشمير في مرحلة التقسيم، سواء بالانضمام إلى الهند أو إلى باكستان، وخاصة أن غالبية السكان كانوا مسلمين، في الوقت الذي كانت فيه الهيئة الحاكمة من الهندوس وقت التقسيم. وطالب مهراجا كشمير بإبقائها على حالها الراهنة، دون أن تنضم إلى أي من الدولتين. ولكن نشبت بعد ذلك اضطـرابات كبيرة بين المسلمين والحكام الهنود.
وشهدت كشمير مصادمات مسلحة، تدفق على أثرها رجال القبائل الباكستانية لمساندة المسلمين، وطلبت حكومة كشمير آنذاك مساعدة الهند، وأعقب ذلك دخول القوات الهندية لمساندة المهراجا، ولكن ترتب على ذلك دخول القوات الباكستانية إلى المنطقة، وبدأ القتال بينها وبين القوات الهندية، واستمر لفترة تزيد على عام كامل. إلا أنه في يناير (كانون الثاني) عام 1949، تدخلت الأمم المتحدة وتوقف القتال، وأنشئ خط وقف إطلاق النار، جاعلاً ثلثي مساحة كشمير وأربعة أخماس السكان تحت السيطرة الهندية، والباقي تحت السيطرة الباكستانية.
وتقول الهند إن ولاية جامو وكشمير كلها ملك لها، وتحكم الهند ما يقارب 43 في المائة من المنطقة، إذ تسيطر على جامو، ووادي كشمير، ولاداخ، ونهر سياتشين الجليدي.
وتنازع باكستان التي تحكم نحو 37 في المائة من جامو وكشمير، أو ما يُعرَف بـآزاد كشمير (كشمير الحُرّة) وجلجت بالتستان.
أمّا الصين فتحكم حالياً منطقة ديمشوك، ووادي شاكسغام، ومنطقة أكساي شن، وتنازعها الهند على هذه الأقاليم التي تصرح الصين بامتلاكها، منذ استيلائها على أكساي شن، خلال الحرب الهندية الصينية عام 1962.
ويحتل إقليم جامو وكشمير موقعاً استراتيجياً مهماً في جنوب القارة الآسيوية، وتبلغ مساحته نحو 84471 ميلاً مربعاً، ويشكل المسلمون فيه أكثر من 90 في المائة من السكان، ويتشارك في حدوده الصين والهند وباكستان.
وتعد أهمية الإقليم للهند استراتيجية؛ حيث ترتبط قضية كشمير بتوازن القوى في جنوب آسيا، وتوازن القوى بين الهند والصين، أما أهميته لباكستان فجغرافية وسكانية؛ حيث تنبع أنهار باكستان الثلاثة (السند وجليم وجناب) منه، وتنفتح الحدود بين باكستان والإقليم، وهو ما يشكل تهديداً للأمن القومي الباكستاني في حالة سيطرة الهند عليه، يضاف إلى ذلك أن مصالح الإقليم الاقتصادية وارتباطاته السكانية قوية بباكستان، فالإقليم ليس له ميناء إلا كراتشي الباكستاني، فضلاً عن تقارب السكان الديني والعائلي.
ولم تهدأ التوترات بين البلدين، والتي أثرت تبعتها على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ومر بهما كثير من الأزمات. وشكلت التوترات المتفاقمة بين الدولتين مصدر قلق كبيراً للمجتمع الدولي، كونها واحدة من أطول النزاعات، ولامتلاك الهند وباكستان برنامجاً للسلاح النووي.
ولم تمنع معاهدة الأمم المتحدة خوض الدولتين ثلاث حروب منذ عام 1947، واقتربوا من حرب أخرى عام 1999.
واندلعت الحروب في 1947 و1965 مباشرة في كشمير، وأسفر العنف المستمر عن مقتل أكثر من 47000 شخص منذ عام 1989. ولا تشمل هذه الحصيلة الأشخاص الذين اختفوا بسبب النزاع. وقدرت بعض جماعات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية عدد القتلى بضعف هذا العدد.
وقد حافظ البلدان على وقف هش لإطلاق النار منذ عام 2003، وفقاً لمجلس العلاقات الخارجية، على الرغم من أن المتنافسين يتبادلان النار بانتظام عبر الحدود.
وفي عام 2006 اتخذ البلدان خطوات نحو تنفيذ معادلة الحوار وتقوية العلاقات الثنائية، ولكنها لم تكلل بالنجاح، لاستمرار رغبة البلدين في الاستحواذ علي الإقليم، تبعاً لعوامل عرقية واقتصادية وسياسية وتاريخية. وبقيت المشكلة عقبة في طريق الصداقة الباكستانية الهندية.
ويعتقد الدكتور عدنان نسيم الله، المحاضر في العلاقات الدولية بكلية «كينغز» في لندن، أن الوضع ازداد سوءاً خلال فترة رئاسة رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي، من عام 2014 إلى الوقت الحاضر.
وقالت سيمونا فيتوريني، وهي متخصصة في شؤون السياسة بجنوب آسيا بجامعة «سواس»، إن السلطات الهندية أرادت أن تثبت أنها يمكن أن تضمن حقوق المسلمين في دولة علمانية؛ لكن كشمير هي أيضاً مفتاح الهوية الباكستانية، كموطن للمسلمين بعد التقسيم عام 1947.
وقالت فيتوريني لشبكة «سي إن إن»، إن «كشمير أصبحت قضية رمزية لكلا البلدين» مضيفة أن الوضع يزداد تعقيداً بسبب تنامي حركة استقلال كشمير، التي تعمل ضد مصالح البلدين.
إقليم كشمير... عقود من النزاع بين الهند وباكستان
إقليم كشمير... عقود من النزاع بين الهند وباكستان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة