نائب البشير: فرض «الطوارئ» لمواجهة تخريب الاقتصاد

مقتل طفل وإصابة شقيقه دهساً بسيارة أمنية... والشرطة تفرق وقفة احتجاجية

الرئيس البشير في القصر الجمهوري بالخرطوم (رويترز)
الرئيس البشير في القصر الجمهوري بالخرطوم (رويترز)
TT

نائب البشير: فرض «الطوارئ» لمواجهة تخريب الاقتصاد

الرئيس البشير في القصر الجمهوري بالخرطوم (رويترز)
الرئيس البشير في القصر الجمهوري بالخرطوم (رويترز)

أثار مقتل طفل «دهساً»، بواسطة سيارة دفع رباعي أمنية، غضباً شعبياً واسعاً في السودان، وهو ما اعتبره معارضون امتداداً لاستخدام القوات الأمنية للعنف غير المسؤول تجاه المواطنين، ودعا «تجمع المهنيين السودانيين» والقوى الحليفة المواطنين للاستعداد ليوم جديد من المواكب والمظاهرات في معظم أنحاء البلاد.
وقالت الرئاسة السودانية، أمس، إن «حالة الطوارئ»، التي أعلنها الرئيس عمر البشير، يوم الجمعة، هي من أجل مواجهة «تخريب الاقتصاد» وليست لـ«قمع الاحتجاجات»، على الرغم من تأكيد الرئيس وقتها أنها تستهدف التجمهر والتظاهر بطريقة غير مرخصة، وعد التقليل من «هيبة الدولة»، جريمة عقوبتها السجن بما لا يقل عن عشر سنوات والغرامة.
وأوضح النائب الأول للرئيس عوض بن عوف، بعد لقاء مع الرئيس البشير، أمس، أن حالة الطوارئ «فُرِضت بعد الأزمة وليس أثناءها»، وأنها فُرِضت لوقف «تخريب الاقتصاد وضياع الموارد وتسرب المال»، وأن «الطوارئ» ليس مقصوداً بها «قمع المظاهرات»، وأضاف: «فرض حالة الطوارئ جاء استجابة لدواعي فرض الأمن والأمان، وتطبيق الأحكام، وإشاعة العدالة والاستقرار البلاد».
من جهة أخرى، لقي طفل مصرعه، وأصيب شقيقه إصابة بليغة، إثر «دهسهما» بسيارة دفع رباعي من طراز «لاند كروزر بك آب» تتبع لجهة نظامية، وهروب سائقها.
وحدثت عملية الدهس في ضاحية السامراب شمال الخرطوم، منتصف ليل أول من أمس (الثلاثاء)، واصطدمت العربة التي كانت تسير بسرعة جنونية، بعمود كهرباء، قبل أن تدهس الطفلين أمام منزلهما، ثم ولى سائقها الأدبار.
ولم يقتنع كثير من النشطاء بأنه حادث سير و«قضاء وقدر»، وذلك استناداً إلى حوادث سابقة تم دهس متظاهرين خلالها، وشوهدت خلال حملات «قمع المظاهرات» سيارات «لاند كروزر بك آب» دون لوحات، وعليها رجال ملثمون بثياب رسمية ومدنية، وهم يطاردون المتظاهرين في وسط الأحياء بهدف الدهس.
وتداول النشطاء صوراً وفيديوهات لعربات من طراز «لاند كروز» رباعية «بك آب»، ويطلقون عليها اسماً محلياً «تاتشر»، وهي تطارد متظاهرين في حي بري شرق الخرطوم، كادت تزهق أرواح بعضهم، ما أدى لاصطدامها بعربة ثانية كانت تطارد المتظاهرين هي الأخرى، وتداولوا فيديو لعربة من الطراز ذاته يقودها سائقها بتهور لافت، وكادت تتسبب في مقتل عدد من المتظاهرين، لكنها سقطت في أحد المجاري وفرّ قائدها هارباً.
ونقل بيان صادر عن تجمع المهنيين السودانيين أن الطفل مؤيد ياسر جمعة البالغ 5 سنوات قُتِل دهساً بسيارة «تتبع لميليشيات النظام»، فيما نقلت صفحة «المكتب الصحافي للشرطة» أن الحادث نتج عن اصطدام عربة عسكرية من طراز «لاند كروزر بك» بعامود كهرباء، ثم انحرفت إلى المنزل ودهست الطفلين.
وذكر البيان أن الشرطة ألقت القبض على الجناة، وقامت بتسليمهم لشرطة مرور منطقة بحري، تمهيداً لمحاكمتهم وفقاً لقانون الطوارئ، وأن الحادث فردي ولا علاقة له بالاحتجاجات «هو حادث مروري فقط، ولم يكن من يستغلون العربة العسكرية في مهمة رسمية».
ونقلت لجنة الأطباء المركزية (معارضة) أن الطفل مؤيد ياسر توفي متأثراً بإصابته، فيما أصيب شقيقه محمد البالغ من العمر 6 سنوات، بإصابات خطيرة في الصدر سببت له نزفاً بالرئتين.
وذكر البيان أن الحادث فردي ولا علاقة له بالاحتجاجات، وقال: «هو حادث مروري فقط، ولم يكن من يستغلون العربة العسكرية في مهمة رسمية».
وأدان «تجمع المهنيين السودانيين» الحادث، واعتبره استمراراً لما أطلق عليه «الجرائم التي تنتهجها الحكومة»، ودعا المواطنون للتجمع في «المستشفى» حيث يرقد الطفل الجريح لإسناد ومؤازرة أسرته، وفور الدعوة هرع المئات للمكان، بيد أن الأجهزة الأمنية سارعت إلى تفريقهم.
وغير «تجمع المهنيين السودانيين» تكتيكاته في التظاهر؛ فبعد أن كان يخصص «يوم الخميس» من كل أسبوع لموكب موحد، كثف دعواته لتسيير مظاهرات ومواكب في الأحياء والمدن تمام الساعة الواحدة ظهر اليوم.
وذكر في بيان أن «مواكب التحدي» ستتحرك اليوم من 5 مناطق في مدينة الخرطوم بحري، و5 مناطق في شرق النيل، ومن 11 موقعاً في مدينة أم درمان بما في ذلك منطقة سوق البوستة، وأكثر من 15 موقعاً في الخرطوم، بالإضافة إلى عدد من المدن والولايات، ومن بينها أحياء بري والعباسية التي ظلت تشكل هاجساً أمنياً للسلطات منذ اندلاع الاحتجاجات.
وأعلن التجمع في بيان آخر أن عدداً من المؤسسات والمناطق نظمت كثيراً من الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات، أمس، في أنحاء البلاد المختلفة، رفعوا خلالها لافتات تطالب بسقوط نظام الحكم، ورددوا هتافات مناوئة لحالة الطوارئ طالبوا خلالها بتنحي الرئيس عمر البشير وحكومته.
من جهة أخرى، قال رئيس الوزراء الجديد محمد طاهر أيلا، في تصريحات عقب لقائه الرئيس البشير بالخرطوم أمس، إنهما اتفقا على عدد من الإجراءات والقرارات (لم يسمها) ستُتخذ الأيام المقبلة، تتعلق بقضايا اقتصادية تتضمن إزالة «الثغرات والجوانب التي أدت، وستؤدي، إلى الإضرار بالمسار الاقتصادي في البلاد».
وتعهد أيلا بمراجعة الرسوم والضرائب المفروضة على السلع، وضمان تفعيل إجراءات انسياب وصول «الخبز والدواء والوقود والتمويل وصناعة الأدوية».
وقال إيلا إنه وبالتشاور مع الرئيس البشير، سيعملان على تشكيل «حكومة كفاءات» قادرة على معالجة قضايا الوطن، وتلبية احتياجات المواطنين.
ودخلت «الانتفاضة» السودانية أسبوعها الثاني من الشهر الثالث، منذ اندلاعها في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي دون توقف، على الرغم من العنف المفرط الذي استخدمته السلطات الأمنية بمواجهة المتظاهرين السلميين، وأدى لمقتل 31 متظاهراً، بحسب حصيلة رسمية، وأكثر من 50 متظاهراً بحسب منظمة العفو الدولية ومعارضين، بعضهم قُتِل بسبب التعذيب، بالإضافة إلى المئات من الجرحى والمصابين، وآلاف المعتقلين.
وعلى الرغم من فرض الرئاسة السودانية لأحكام الطوارئ لمدة عام في البلاد، الجمعة الماضي، فإن التظاهرات والوقفات الاحتجاجية والمواكب لم تتوقف، وتعهد تجمع المهنيين السودانيين والقوى المتحالفة معه باسم «قوى الحرية والتغيير» بمواصلة التظاهر والاحتجاج والإضراب، حتى سقوط نظام حكم الرئيس عمر البشير.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.