مؤتمر مصري حول مستقبل الكتاب يؤكد قوة النشر الورقي

افتتاح أول مدينة لصناعة النشر الأسبوع المقبل

جانب من المؤتمر
جانب من المؤتمر
TT

مؤتمر مصري حول مستقبل الكتاب يؤكد قوة النشر الورقي

جانب من المؤتمر
جانب من المؤتمر

حول مستقبل الكتاب الورقي والمطبوع في مقابل غزو الكتاب الرقمي والتفاعلي، عقدت لجنة الكتاب والنشر بالمجلس الأعلى للثقافة بمصر مؤتمراً بعنوان: «مستقبل الكتاب... المطبوع - الرقمي- التفاعلي» في إطار مؤتمر اليوم الواحد، بمشاركة مجموعة من الناشرين المصريين وأساتذة علم المكتبات. وناقش المؤتمر تطبيقات الكتاب المسموع، واستخدام الواقع المعزز في الكتب التعليمية، واقتصاديات النشر الجديد، وتسويق المحتوى الرقمي وانعكاساته على الاقتصاد.
وأشار أمين عام المجلس الأعلى للثقافة د. سعيد المصري، إلى أن «المؤتمر يأتي في إطار دعم الصناعات الثقافية في مصر وتطوير السياسات الثقافية العامة وخصوصاً في ما يتعلق بصناعة النشر التي تستقطب مهناً كثيرة ورؤوس أموال كبيرة، وتحديد استراتيجية واضحة لدعم هذه الصناعة ومواكبة تطور صناعة الكتاب»، لافتاً إلى أن «الكتاب الورقي لن يختفي وإنما سيتطور».
وكشف رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «سيتم تدشين أول مدينة متكاملة لصناعة النشر في مصر في مدينة الشيخ زايد الأسبوع المقبل بداية شهر مارس (آذار)»، مؤكداً أن الكتاب الورقي سيظل موجوداً. مستنداً إلى مؤشرات مبيعات معرض القاهرة الدولي للكتاب 2019 ومؤشرات مبيعات دول أخرى منها الهند والصين التي لا تزال الكتب والصحف فيها تحقق مبيعات بالمليارات رغم التطور التكنولوجي بها. ولفت صاحب دار المعارف العريقة إلى أن «العمل الأدبي هو المنتج الرئيسي الذي نعمل عليه، لذا لن تضار أي وسيلة نشر، المهم كيفية حماية هذا الإبداع، بحزمة قوانين لرعاية المؤلف والناشر».
وأشار عبده أيضاً إلى أن سوق الكتاب بصدد تدشين ابتكار فرنسي في معرض باريس للكتاب مارس المقبل، وهو عبارة عن ماكينة اسبريسو للكتب والجرائد بالعملة وسيتم طرحها في مراكز التسوق، وبمجرد كتابة اسم المؤلف أو الكتاب أو الناشر واختيار طباعة الكتاب يخرج للعميل على الفور.
أما رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «يجب أن تدعم الحكومات العربية صناعة الكتب والناشرين في ظل المشكلات الكثيرة التي تواجههم، وفي صدارتها قلة العوائد الربحية ومشكلات القرصنة الإلكترونية والتزوير، ودعم حقوق المؤلفين والناشرين، وأن تدرك الحكومات أن الناشر ليس تاجراً؛ وإنما هو صناعة قومية ورسالة يجب ألا يُعامل كتاجر بضائع»، وأكد أن «الناشرين العرب» يدعم تطوير صناعة النشر بورش عمل ولقاءات فكرية لتبادل الخبرات لمواكبة التطور العالمي.
فيما أكد د. شوقي سالم، عضو الاتحاد الدولي للمكتبات (إفلا) أن العالم اليوم يهتم باقتصاديات النشر الإلكتروني الذي استطاع بالفعل إزاحة النشر الورقي بدليل تحول أهم الناشرين في العالم إلى النشر الرقمي والتفاعلي، وقال: «هنالك 37 وعاءً معرفياً لا ينبغي أن نتوقف عند الوعاء المطبوع فقط، وفي عصر اقتصاديات المعرفة الذي تهيمن أميركا على 90% منه يجب علينا على الأقل تطوير أدوات تداول المعرفة في العالم العربي».
وأكد د. عماد الدين الأكحل، مدير عام شركة «إيبيدي بوك داتا» ببريطانيا: «إن الكتب التفاعلية قادمة بقوة في المستقبل، تدمج الكتاب الورقي والفيديو والصوت والصورة، بما يخدم المحتوى المعرفي وسيتطلب التعاون مع مهندسي الصوت ومخرجين سينمائيين ومهندسين لو تطلب الأمر تصميماً ثلاثي الأبعاد، فيمكن للقارئ معايشة أمكنة مختلفة مثل الغابات»، لافتاً إلى أن تكلفتها منخفضة جداً ونجحت جداً في الكتب ذات المحتوى الخيالي فيمكنها أن تنقل القارئ عبر الزمان والمكان مثل كتاب «مودرن بولاكسز» المكون من 50 صفحة. وعن تجربته في نشر الكتب التفاعلية، قال صاحب «دار العربي للنشر» شريف بكر، لـ«الشرق الأوسط»: «استعنّا بتقنية (QR code) في دعم كتب عن كرة القدم وقصة صعود محمد صلاح، نجحت التجربة جداً وكان الهدف دعم المادة المكتوبة، بالتأكيد الواقع المعزز سيتم تطويره بشكل متسارع لكن الجدل بين الورقي والمطبوع أمر مبالغ فيه، لا بد من التفاعل والمواكبة، قمنا برقمنة كتبنا خلال الألفية الحالية، ونسعى لرقمنة الكتب من فترة التسعينات والثمانينات، لا بد أن نستعد للمستقبل فنحن لا نعلم ما هو القادم».
شهد المؤتمر نقاشات جادة وطالب الحضور بتأسيس قاعدة بيانات للمؤلفين، والكتب المصرية تُباع للجامعات. وخلص في توصياته التي أعلنها الدكتور أسامة السيد، مقرر لجنة الكتاب والنشر بالمجلس الأعلى للثقافة، إلى تأسيس لجنة متخصصة في مجال النشر الرقمي والتفاعلي تتخصص في متابعة التطورات في هذا الشأن، ولجنة لتتبع مستهلكي المعرفة لتلبية رغباتهم ودفع النشر الإلكتروني والرقمي، كما يحث المؤتمر قطاع النشر المصري على متابعة التطور في قطاع التعليم الإلكتروني، وأوصي قطاع المكتبات في إعادة النظر في سياسات التزويد والاختيار والمصادر التي يمكن النفاذ إليها بإضافة المزيد من قواعد البيانات للكتب الرقمية.


مقالات ذات صلة

«فلسفة هيوم»... زيارة جديدة لأحد أهم مفكري القرن الثامن عشر

ثقافة وفنون «فلسفة هيوم»... زيارة جديدة لأحد أهم مفكري القرن الثامن عشر

«فلسفة هيوم»... زيارة جديدة لأحد أهم مفكري القرن الثامن عشر

عن دار «أقلام عربية» بالقاهرة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «فلسفة هيوم: بين الشك والاعتقاد» الذي ألفه الباحث والأكاديمي المصري د. محمد فتحي الشنيطي عام 1956

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

فرويد
فرويد
TT

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

فرويد
فرويد

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية: الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء. واسم العالم الإيطالي غاليليو؟ سرعة سقوط الأجسام واكتشاف أقمار كوكب المشترى وذلك باستخدام تلسكوب بدائي. واسم العالم الإنجليزي إسحق نيوتن؟ قانون الحركة. واسم عالم التاريخ الطبيعي الإنجليزي تشارلز دارون؟ نظرية التطور وأصل الأنواع عن طريق الانتخاب الطبيعي. واسم عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد؟ نظرية التحليل النفسي ودراسة اللاشعور. نحن إذن نعرف هؤلاء الرجال من خلال اكتشافاتهم أو اختراعاتهم العلمية. ولكن كيف كانوا في حياتهم الشخصية؟ ما الجوانب البشرية، بكل قوتها وضعفها، في شخصياتهم؟ أسئلة يجيب عنها كتاب صادر في 2024 عن دار نشر «بلومز برى كونتنام» في لندن عنوانه الكامل: «رسائل من أجل العصور: علماء عظماء. رسائل شخصية من أعظم العقول في العلم».

Letters for the Ages: Great Scientists. Personal Letters from the Greatest Minds in Science.

غلاف الكتاب

أشرف على تحرير الكتاب جيمز دريك James Drake، ويقع في 275 صفحة ويمتد من «الثورة الكوبرنطيقية» إلى نظرية «الانفجار الكبير» التي تحاول تفسير أصل الكون. أي من عالم الفلك البولندي نيقولا كوبرنيكوس في القرن السادس عشر، وقد أحدث ثورة علمية بإثباته أن الشمس تقع في مركز النظام الشمسي وأن الأرض وسائر الكواكب تدور حولها، وصولاً إلى عالم الطبيعة الإنجليزي ستيفن هوكنغ في القرن العشرين ونظرياته عن الدقائق الأولى من عمر الكون والانفجار الكبير والثقوب السوداء.

الكتاب مقسم إلى عشرة فصول تحمل هذه العناوين: الإلهام، النظرية، التجريب، المنافسة، الاختراق، الابتكار، خارج المعمل، العلم والدولة، العلم والمجتمع، على مائدة التشريح.

تسجل هذه الرسائل الصداقات والمنافسات التي حفلت بها حياة هؤلاء العلماء، دراما النجاح والإخفاق، ومضات الإلهام والشك، وكيف حققوا منجزاتهم العلمية: اللقاحات الطبية ضد الأوبئة والأمراض، اختراع التليفون، محركات السيارات والقطارات والطائرات، الأشعة السينية التي تخترق البدن، إلخ... وتكشف الرسائل عن سعي هؤلاء العلماء إلى فهم ظواهر الكون ورغبتهم المحرقة في المعرفة والاكتشاف والابتكار وما لاقوه في غمرة عملهم من صعوبات وإخفاقات وإحباطات، ولحظة الانتصار التي تعوض كل معاناة، ومعنى البحث عن الحقيقة.

مدام كيوري

إنهم رجال غيروا العالم أو بالأحرى غيروا فكرتنا عنه، إذ أحلوا الحقائق محل الأوهام وشقوا الطريق إلى مزيد من الاقتحامات الفكرية والوجدانية.

هذه رسالة من غاليليو إلى كبلر الفلكي الألماني (مؤرخة في 19 أغسطس 1610) وفيها يشكو غاليليو من تجاهل الناس – بمن فيهم العلماء - لنظرياته على الرغم من الأدلة التي قدمها على صحتها: «في بيزا وفلورنسا وبولونيا والبندقية وبادوا رأى كثيرون الكواكب ولكن الجميع يلزم الصمت حول المسألة ولا يستطيع أن يحزم أمره لأن العدد الأكبر لا يعترف بأن المشترى أو المريخ أو القمر كواكب. وأظن يا عزيزي كبلر أننا سنضحك من الغباء غير العادي للجموع. حقاً كما أن الثعابين تغمض أعينها فإن هؤلاء الرجال يغمضون أعينهم عن نور الحقيقة».

آينشتاين

وفي مطلع القرن العشرين أجرت ميري كوري – بالاشتراك مع زوجها جوليو كوري - أبحاثاً مهمة عن عنصر الراديوم. وقد كتب لها آينشتاين في 1911 يشد من عزمها ويعلن وقوفه بجانبها في وجه حملات ظالمة كانت قد تعرضت لها: «السيدة كوري التي أكن لها تقديراً عالياً... إنني مدفوع إلى أن أخبرك بمدى إعجابي بعقلك ونشاطك وأمانتك، وأعد نفسي محظوظاً إذ تعرفت على شخصك في بروكسل».

وفي أثناء الحرب العالمية الثانية كتب عالم الطبيعة الدنماركي نيلز بور إلى رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل (22 مايو 1944) عن التقدم الذي أحرزه بور وزملاؤه في صنع السلاح النووي: «الحق إن ما كان يمكن أن يعد منذ سنوات قليلة ماضية حلماً مغرقاً في الخيال قد غدا الآن يتحقق في معامل كبرى ومصانع إنتاج ضخمة بنيت سراً في أكثر بقاع الولايات المتحدة عزلة».

يونغ

وتبين الرسائل أن هؤلاء العلماء – على كل عظمتهم في ميادين تخصصهم - كانوا بشراً يخضعون لما يخضع له سائر البشر من عواطف الحب والكراهية والغيرة. فعالم الرياضيات الإنجليزي إسحق نيوتن، مثلاً، دخل في خصومة مريرة مع معاصره الفيلسوف الألماني لايبنتز حول: أيهما الأسبق إلى وضع قواعد حساب التفاضل والتكامل؟ وظل كل منهما حتى نهاية حياته يأبى أن يعترف للآخر بالسبق في هذا المجال.

وسيغموند فرويد دخل في مساجلة مع كارل غوستاف يونغ تلميذه السابق الذي اختلف معه فيما بعد وانشق على تعاليمه. وآذنت الرسائل المتبادلة بين هذين العالمين بقطع كل صلة شخصية بينهما. كتب يونغ إلى فرويد في 18 ديسمبر (كانوا الأول) 1912: «عزيزي البروفيسور فرويد: أود أن أوضح أن أسلوبك في معاملة تلاميذك كما لو كانوا مرضى خطأ. فأنت على هذا النحو تنتج إما أبناء أرقاء أو جراء (كلاباً صغيرة) وقحة. ليتك تتخلص من عقدك وتكف عن لعب دور الأب لأبنائك. وبدلاً من أن تبحث باستمرار عن نقاط ضعفهم، ليتك على سبيل التغيير تمعن النظر في نقاط ضعفك أنت».

تبين الرسائل أن هؤلاء العلماء ـــ على كل عظمتهم في ميادين تخصصهم ــ كانوا بشراً يخضعون لما يخضع له سائر البشر من عواطف الحب والكراهية والغيرة

وقد رد عليه فرويد من فيينا بخطاب مؤرخ في 3 يناير (كانوا الثاني) 1913 قال فيه: «عزيزي الدكتور: إن زعمك أنني أعامل أتباعي كما لو كانوا مرضى زعم غير صادق على نحو جليّ. وأنا أقترح أن ننهي أي صلات شخصية بيننا كلية. ولن أخسر شيئاً بذلك».

ما الذي تقوله لنا هذه الرسائل بصرف النظر عن الخصومات الشخصية العارضة؟ إنها تقول إن العلم جهد جماعي وبناء يرتفع حجراً فوق حجر فآينشتاين لم يهدم نيوتن وإنما مضى باكتشافاته شوطاً أبعد في مجالات المكان والزمان والجاذبية.

إن العلم ثقافة كونية عابرة للحدود والقوميات والأديان، والعلماء بحاجة دائمة إلى صحبة فكرية والحوار مع الأقران وإلى زمالة عقلية وتبادل للآراء والنظريات والاحتمالات. والعالم الحق يعترف بفضل من سبقوه. فنيوتن الذي رأيناه يخاصم لايبنتز يقر في سياق آخر بدينه لأسلافه إذ يقول في رسالة إلى روبرت هوك – عالم إنجليزي آخر – نحو عام 1675: «إذا كنت قد أبصرت أبعد مما أبصره غيري فذلك لأنني كنت أقف على أكتاف عمالقة» (يعني العلماء الذين سبقوه). وفى موضع آخر يقول – وهو العبقري الذي وضع قوانين الحركة والجاذبية - ما معناه: «لست أكثر من طفل جالس أمام محيط المعرفة الواسع يلهو ببضع حصى ملونة رماها الموج على الشاطئ».