«بيت السحيمي» في القاهرة... تحفة العمارة السكنية من العصر العثماني

روعة الأعمال الخشبية والديكورات في قاعات بيت السحيمي (وزارة الآثار المصرية)
روعة الأعمال الخشبية والديكورات في قاعات بيت السحيمي (وزارة الآثار المصرية)
TT

«بيت السحيمي» في القاهرة... تحفة العمارة السكنية من العصر العثماني

روعة الأعمال الخشبية والديكورات في قاعات بيت السحيمي (وزارة الآثار المصرية)
روعة الأعمال الخشبية والديكورات في قاعات بيت السحيمي (وزارة الآثار المصرية)

ليس ببعيد وأنت تتابع أياً من الأفلام المصرية القديمة، أن تتملك الرغبة في أن يعود بك الزمان لتعيش في أحد البيوت التي صورّت فيها مشاهد هذه الأفلام، نظراً لجمال عمارتها وديكوراتها. واحد من هذه البيوت لا يزال شامخاً. إنه «بيت السحيمي»، الواقع بحارة الدرب الأصفر، المتفرعة من شارع المعز لدين الله الفاطمي، أكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية في العالم، في قلب القاهرة. بزيارته يمكنك أن تحقق رغبتك وتأكد أنه لن يخيب أملك. فهو واحد من أشهر المعالم الإسلامية والتحف المعمارية، مما جعله يصنّف على أنه من أجمل آثار القاهرة التاريخية.
يعد «السحيمي» البيت الوحيد المتكامل الذي يمثل عمارة القاهرة في العصر العثماني بمصر. يتكون من قسمين، الجنوبي أنشأه الشيخ عبد الوهاب الطبلاوي عام 1058هـ - 1648م، والشمالي أنشأه الحاج إسماعيل شلبي عام 1211هـ - 1796م، وجعل من القسمين بيتاً واحداً. سمي بيت السحيمي نسبة إلى الشيخ أمين السحيمي شيخ رواق الأتراك بالأزهر، وهو آخر من سكن فيه. وظل البيت على حالته ملكاً لأسرة السحيمي، إلى أن غادرته عام 1931م، حين تواصلت فيه الحكومة، ممثلة في لجنة حفظ الآثار العربية، مع العائلة لتسجيل المنزل بكل ما يحويه كأثر إسلامي مقابل تعويض مادي كبير، بلغ وقتها 6 آلاف جنيه مصري.
وبحسب وزارة الآثار المصرية؛ يمثل البيت أسلوب العمارة السكنية خلال العصور الوسطى؛ فالشبابيك السفلية بالواجهة الخارجية صممت بحيث تكون مرتفعة والمشربيات العلوية المغشاة بالخشب الخرط، ومدخل المنزل المؤدي إلى ممر منكسر جميعها نفذت على هذا النحو، مراعاة لخصوصية أهل المنزل، وينتهي الممر المنكسر بالفناء الأوسط الذي تتوسطه حديقة صغيرة يجاورها بئر ماء البيت.
ويعد الفناء متنفس البيت والوحدة الرئيسية بالمنزل، ويتصدر الضلع الشمالي له وحدة انتظار واستقبال الضيوف أو «التختبوش» (كلمة فارسية تعني صاحب المقعد أو الكرسي) وهي عبارة عن مساحة مفتوحة على الصحن مباشرة. كما نجد المندرة بضلع الفناء الجنوبي، وبالضلع الشرقي والغربي مداخل تؤدي إلى قاعات سفلية وسلالم صاعدة إلى القاعات العلوية.
وتتكون القاعات من مساحة وسطى تمثل الدرقاعة، ويتعامد عليها إيوانان، ويفتح بأعلاها شبابيك للإضاءة والتهوية، وتزين أرضية الدرقاعات الفسيفساء الرخامية ذات التشكيلات الهندسية، فيما تظهر روعة الأعمال الخشبية في الأسقف والكتبيات الحائطية. وقد تم تجليد الجزء السفلي من الجدران بالخشب، كما نجد الأشرطة التي تحمل أشعار بردة البوصيري التي تميز منشآت العصر العثماني بشكل عام. ومن العناصر الهامة بالبيت المقعد الذي يقع أعلى المدخل بالضلع الجنوبي ليستقبل الرياح الشمالية في فصل الصيف. ومن أهم القاعات بالبيت القاعة الخزفية التي تعلو التختبوش، حيث كسيت جدرانها ببلاطات القاشاني العثماني، كما نجد بها عدد من الأطباق الخزفية، ومن أهم عناصر البيت كرسي الولادة والحمام المجاور للقاعة الخزفية الذي يعتبر تصغيراً للحمامات العامة، أما الفناء الخلفي فيوجد به حديقة وطاحونة للحبوب وساقية مياه للشرب.
ومع سوء حالة البيت في بداية التسعينيات، خضع «السحيمي» إلى عملية تجديد شاملة، حيث تم رصد ‏14‏ ألف شرخ فيه عند تسجيل حالته سنة ‏1993. وتم ترميمه بمنحة من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي بتكلفة عشرة ملايين جنيه، فيما استمرت أعمال مشروع توثيق وترميم وتنمية منطقة بيت السحيمي لمدة خمس سنوات منذ عام 1996 وحتى عام 2000.
ومع انتهاء الترميم صدر قرار بتحويل البيت إلى مركز للإبداع الفني تابع لصندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة المصرية، ليكون مع بداية الألفية مركز إشعاع ثقافي وفني في منطقة الجمالية، حيث يفتح أبوابه لاستضافة فرق التراث الشعبي والمعارض الفنية التي تنظم داخل قاعاته.
وباعتباره متحفاً مفتوحاً لفنون العمارة الإسلامية، يفتح بيت السحيمي أبوابه لاستقبال المصريين والسائحين للتمتع بجولة بين حجراته وأقسامه بشكل يومي من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً، وسعر تذكرة الدخول للأجانب 50 جنيهاً مصرياً (3 دولارات).


مقالات ذات صلة

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)
سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».