الطب في لبنان بين غياب الدولة وجشع المؤسسات

وزير الصحة يحذر المستشفيات من عدم استقبال مرضى لأسباب مالية

مدخل المستشفى الحكومي في بيروت
مدخل المستشفى الحكومي في بيروت
TT

الطب في لبنان بين غياب الدولة وجشع المؤسسات

مدخل المستشفى الحكومي في بيروت
مدخل المستشفى الحكومي في بيروت

يجمع القطاع الطبي اللبناني تناقضات تتراوح بين احتلاله المرتبة الأولى بين الدول العربية في جودة الخدمات الصحية والتغني بكونه «مستشفى الشرق الأوسط»، والتنديد بتحوله مرفقاً تجارياً لا يراعي قَسم «أبوقراط» الذي يحول الطب رسالة أكثر منه مهنة.
هذا الواقع يسعى وزير الصحة العامة جميل جبق إلى مواجهته بالإعلان عن «إلغاء أي سقوف مالية تحول دون قبول المستشفيات للمرضى، وعدم السماح لأي مستشفى برفض أي مريض، أو رد أي محروم لا يحمل الأموال التي تخوّله الدخول إلى المستشفى على نفقة الوزارة»، محذراً بـ«إقالة أي مسؤول في حال حصلت أي حادثة وفيات على أبواب المستشفى لأسباب مالية».
لكن الطبابة في لبنان تحتاج إلى معالجة جذرية، كما يقول النائب السابق الدكتور إسماعيل سكرية لـ«الشرق الأوسط»، ويوضح أن «لدينا أطباء مميزين عالمياً ويتمتعون بأعلى القدرات، مقابل مستوى متراجع لعدد من الأطباء وتدنٍ في المتابعة العلمية. كما أن القطاع الطبي في لبنان لم يعد بعيداً عن الانهيارات والتداعيات التي أحاطت بالدولة اللبنانية لناحية الالتزام الأخلاقي في العمل».
وفي لبنان أكثر من 150 مستشفى خاصاً، مقابل 29 مستشفى حكومياً، أكثر من نصفها لا يعمل، والنصف الآخر ينخره الفساد المالي والإداري والمحسوبيات السياسية والتوظيفات العشوائية ومجالس إدارة منتهية الصلاحية، مع خدمات طبية متواضعة جداً ونقص في التجهيزات الأساسية.
كما أن تكلفة الفاتورة الصحية في لبنان تقدر بنحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب إحصاءات عام 2010، وهي من أعلى الفواتير الصحية في العالم، بعد الولايات المتحدة الأميركية، وتفوق تكلفة الاتحاد الأوروبي التي تصل إلى 8 في المائة، ومع ذلك، فإن الخدمات الصحية تعاني سوءاً في التوزيع ونقصاً في العدالة، لناحية الحصول على الخدمات الصحية الأساسية.
وتشير أرقام وزارة الصحة ولجنة الصحة البرلمانية إلى أن فاتورة الدواء في لبنان تصل إلى ما يزيد على مليار دولار سنوياً كمعدل وسطي، وتبلغ تكلفة الاستشفاء نحو ملياري دولار. هذا من دون احتساب الأدوية المهرّبة، وأيضاً أدوية الأمراض المزمنة والسرطانية باهظة الثمن، حيث غالباً ما تفتقد وزارة الصحة إلى الاعتمادات اللازمة لتأمينها في ظل الأزمة الاقتصادية في الموازنة المتعثرة.
ويوضح سكرية أن «الطبابة ثقيلة على المواطن. وقلة من المستشفيات تتمتع بمستوى جيد جداً، في حين أن نسبة غير قليلة تقدم خدمات مهترئة. ولأن لا دولة، يصبح السؤال عن الرقابة غير ذي جدوى. ولا أحد يردع المعادلة الاستهلاكية للقطاع الطبي. أما عن المؤسسات الضامنة من تعاونية موظفي الدولة والضمان الاجتماعي وتأمينات السلك العسكري وشركات التأمين، فوضعها جزء من أزمة النظام الصحي».
وتوقع سكرية أن «يتعرض النظام الطبي إلى الانهيار مع تكاثر الأزمات وتراكمها. والمستشفيات الخاصة تتحايل على المريض لتسلبه مبالغ إضافية تتجاوز ما توفره المؤسسات الضامنة. ونحن في نظام طبي مأزوم، لعدم وجود سياسة صحية وطنية، ولا شيء تغير على امتداد الحكومات في هذا القطاع».
وتتذرع نسبة كبيرة من المستشفيات بالضغوط المالية التي تهدد استمراريتها، والحاجة إلى مواكبة التطور العلمي مع ما يتطلب هذا الأمر من تحديث المعدات بشكل دوري، والمحافظة على الموارد البشرية الكفؤة وتلبية متطلبات أنظمة مراقبة الجودة المطلوبة. كما أن التغطية التي تؤمّنها الجهات الضامنة ليست كافية والمريض يتحمّل جزءاً، أحياناً مهماً، من التكاليف ليس في مقدوره دائماً تأمينه، ما يتسبّب في إشكالات بين المريض وإدارة المستشفى.
وتتكرر مآسي الموت على أبواب المستشفيات في لبنان. كذلك تتكرر الفضائح المتعلقة بالأخطاء الطبية والصفقات على حساب صحة المواطن. وقبل نحو عامين، كُشِف عن فضيحة بيع رئيسة قسم الصيدلة في مستشفى بيروت الحكومي أدوية السرطان بأسعار باهظة، بعد سرقتها من صيدلية المستشفى واستبدال أدوية مزوّرة ومنتهية الصلاحية بها كانت تعطيها لمرضى السرطان الذين يتعالجون في المستشفى. وطوي الملف ولم تتم متابعته.
قبل ذلك، انفجرت فضيحة للأدوية المزوّرة في لبنان، بطلها شقيق نائب ووزير في حزب يصنف فوق القانون، تسيطر شركته على سوق الدواء بقوة الأمر الواقع، وتدخل أدوية «جنريك» إلى لبنان من دون تمريرها كما تقتضي القوانين المرعية على مختبرات وزارة الصحة، وذلك من خلال تزوير أوراق وأختام وفحوص مختبر جامعة بيروت العربية وختم وزارة الصحة وحتى تزوير توقيع الوزير المختص علي حسن خليل. كذلك تعمد شراء أكبر نسبة من الصيدليات على امتداد المناطق اللبنانية. ومع أن المدعى عليه سلم نفسه في حينه إلى العدالة، فإن توقيفه كان صورياً، وأيضاً طوي الملف.
إلى ذلك يشهد لبنان تخمة في عدد الأطباء مع وجود 13 ألف طبيب. ويوضح الطبيب جوزيف عطية لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه التخمة تؤدي إلى حالة من البطالة المقنعة. 30 في المائة من الأطباء لا يصل مدخولهم الشهري إلى ألف دولار شهرياً. في حين يتقاضى عدد قليل من الأطباء المشهورين مبالغ خيالية، فتصل تكلفة المعاينة لديهم إلى 200 و150 دولاراً. ونسبة لا بأس بها منهم تتقاضى مائة دولار للمعاينة. وهذا التفاوت في المردود المالي يدفع إلى ممارسات لا أخلاقية، منها إجراء عمليات جراحية لمرضى لا يحتاجون ذلك لمجرد كسب المال. كما أن بعض الأطباء يسجلون فاتورة معاينة في المستشفى لمريض لا يزورونه».
ويلفت عطية إلى أن «في فرنسا لكل طبيب 4 آلاف مريض، في حين أن في منطقتي في البقاع اللبناني هناك 300 مريض لكل طبيب. ومع هذا يسعى المرضى للأطباء المشهورين في بيروت ومستشفياتها. كما أن تلكؤ الدولة عن دفع مستحقات المستشفيات التي بلغت مليار دولار يسهم في تعالي الكبيرة والمشهورة منها عن قبول مرضى على حساب وزارة الصحة، عكس المستشفيات الصغيرة في المناطق التي تنتظر سنتين و3 لتحصيل ما لها في ذمة الدولة من مستحقات».
ويضيف عطية: «عدد من الصيادلة يصادر دور الطبيب ويتولى معاينة من يقصده ويصف له أدوية غالية الثمن كأنه يروج بضاعته. وكل ذلك في غياب شبه تام لمراقبة الدولة. كذلك يعمد البعض الآخر إلى التلاعب بالدواء، فيعطي المريض دواء غير الذي يقرره الطبيب ويقنعه أن الاسم يختلف في حين أن التركيبة ذاتها، وذلك للترويج لشركات الدواء التي تقدم إغراءات خيالية، بحيث تعطي الصيدلي مقابل كل 100 علبة دواء يشتريها كمية مجانية، ومع الحسومات تتراكم الأرباح. التجارة تغلب على الهدف الطبي».



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.