سوتشي.. مدينة الفصول الثلاثة من سيدي أحمد باشا في القرن الـ17 إلى العصر الراهن

اختارتها القيادة الروسية منتجعا صيفيا بديلا لتلك التي ضاعت في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي

سوتشي.. تقافز اسمها على شفاه الملايين كموقع لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية الأخيرة وكمنتجع للرئاسة الروسية الوحيد على ضفاف البحر الأسود
سوتشي.. تقافز اسمها على شفاه الملايين كموقع لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية الأخيرة وكمنتجع للرئاسة الروسية الوحيد على ضفاف البحر الأسود
TT

سوتشي.. مدينة الفصول الثلاثة من سيدي أحمد باشا في القرن الـ17 إلى العصر الراهن

سوتشي.. تقافز اسمها على شفاه الملايين كموقع لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية الأخيرة وكمنتجع للرئاسة الروسية الوحيد على ضفاف البحر الأسود
سوتشي.. تقافز اسمها على شفاه الملايين كموقع لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية الأخيرة وكمنتجع للرئاسة الروسية الوحيد على ضفاف البحر الأسود

عادت سوتشي إلى صدارة الإعلام المحلي والعالمي، بعد أن تقافز اسمها على شفاه الملايين ممن تناقلوا أخبارها، تارة كموقع لدورة الألعاب الأوليمبية الشتوية الأخيرة في فبراير (شباط) الماضي، وتارة أخرى حين استقبل الرئيس فلاديمير بوتين نظيره المصري عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي، وثالثة في معرض التعليقات حول تحولها إلى منتجع الرئاسة الروسية الوحيد على ضفاف البحر الأسود. وذلك ما يفسر منطقية التساؤلات:
لماذا سوتشي؟ ولماذا تحظى هذه المدينة الصغيرة بعدد سكانها المتواضع الذي يزيد قليلا على ربع المليون نسمة، بكل هذا الاهتمام من جانب الرئيس الروسي؟ وماذا عن المنتجع الرئاسي الذي اختار له ستالين اسم «بوتشاروف روتشي»؟
بداية نقول، إن بوتين اختار سوتشي كي تكون منتجعا صيفيا للقيادة الروسية، بديلا للكثير من المنتجعات التي كان الكرملين فقدها تباعا في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. ولعل الكثيرين يذكرون منتجع «فوروس» في شبه جزيرة القرم على ضفاف البحر الأسود الذين كان انقلابيو أغسطس (آب) 1991 حددوا فيه إقامة الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، وهو المنتجع الذي آل مع كل القرم إلى أوكرانيا وقياداتها.
وكان الكرملين فقد أيضا منتجع «بيتسوندا» غير بعيد عن سوتشي، في أعقاب إعلان جورجيا لاستقلالها في نهاية ثمانينات القرن الماضي، ولم تكن أبخازيا التي يقع منتجع «بيتسوندا» في زمامها، أعلنت بعد استقلالها من جانب واحد عن جورجيا، بما يعني أن روسيا لم يبق لها ولقياداتها «موطئ قدم» يغسلون فيه همومهم ويستعيدون معه نشاطهم سوى سوتشي، التي سبق واختارتها القيادة الحزبية السوفياتية منتجعا صيفيا للعمال والفلاحين على مقربة من منتجعها الرئاسي في «بيتسوندا»، و«داتشا ستالين» في «زيليونايا روشا» (الدغلة الخضراء) على بعد بضعة كيلومترات شرق المدينة.
وما إن استقر خيار الرئيس الأسبق بوريس يلتسين على «بوتشاروف روتشي» في وسط هذه المدينة، حتى تحول المكان إلى «المنتجع الرسمي للرئاسة» الذي سرعان ما تزايد الاهتمام به عالميا بعد أن جاء الرئيس بوتين إلى سدة السلطة في الكرملين عام 2000. ومن اللافت أن القيادة الروسية حرصت على الاحتفاظ لهذا المنتجع الرئاسي الصيفي باسمه التاريخي «بوتشاروف روتشي».
وعلى الرغم عن أن تاريخ المكان يعود إلى قرون طويلة مضت، منها ما يقولون إنه يرتبط بظهور الإنسان الأول في العصر الحجري، فإنها لم تظهر عمليا إلى الوجود إلا مع بداية القرن الـ20. وتقول الأدبيات التاريخية، إن بداية انتشار شهرة هذا المكان تعود إلى عام 1934 يوم اختاره وزير الحربية والبحرية السوفياتي قسطنطين فوروشيلوف كمنتجع للراحة والاستجمام على ضفاف البحر الأسود. وقد استمد المكان اسمه «بوتشاروف روتشي»، الذي يعني «الجداول المائية أو الأنهار الصغيرة»، نسبة إلى اسم أحد كبار المزارعين وهو «بوتشاروف» ممن كانوا استوطنوا هذه المنطقة، وكان يحمل حتى منتصف القرن التاسع عشر اسم «ميداوبزا» (النهر الجموح).
وتقول الأدبيات الروسية أيضا إن تاريخ هذه المدينة يرتبط بدرجة كبيرة باسم الزعيم السوفياتي الأسبق يوسف ستالين الذي كان أول من تحولت معه هذه البلدة الريفية على ضفاف البحر الأسود إلى منتجع مركزي لجموع العمال والفلاحين من عموم الاتحاد السوفياتي منذ النصف الأول من القرن العشرين. قالوا إن ستالين سمح بضخ عشرات الملايين من الروبلات لتعزيز البنية التحتية وإنشاء الطرق والمصحات للاستفادة من الخصائص العلاجية للمناخ والتربة والمياه المعدنية في هذه المنطقة. وتمضي الأدبيات لتشير إلى أن خيار ستالين توقف عند هذا المكان بعد زيارتها واستحمامه في منطقة «ماتسيستا» ذات الخواص المتميزة مناخا وتربة بآبار مياهها المعدنية وتربتها التي ساهمت في خروجه منتعشا ليقرر تحول المنطقة إلى منتجع لعموم البلاد ومقرا لاستجمام القيادات الحزبية والنقابية والعمالية.
وهكذا تحول المكان الكائن على مسافة 1700 كيلومترا جنوب العاصمة موسكو، إلى قبلة وحلم «للعمال والفلاحين» من كافة ربوع الاتحاد السوفياتي، ولا سيما بعد أن توالى اهتمام القيادات بمشروعات التوسع في بناء المنتجعات والمصحات والفنادق التي تستضيف ما لا يقل عن ستة ملايين سنويا. وقد أعيد تجديد هذا المنتجع أكثر من مرة منذ ثلاثينات القرن الماضي، ليكون مقرا لاستجمام الكثير من القيادات السوفياتية ومنهم خروشوف وبريجنيف وآخرون.
وكان بوتين استعد في يونيو (حزيران) الماضي لاستقبال زملائه من رؤساء بلدان وحكومات مجموعة الثماني الكبار في هذا المنتجع الصيفي الذي صار الوحيد للقيادة الروسية على ضفاف البحر الأسود بعد انهيار الاتحاد السابق، إلا أن الأقدار جاءت بما لم يكن في الحسبان، حيث أعلن هؤلاء القادة عن تراجعهم عن التعاون مع روسيا في أعقاب اندلاع الأزمة الأوكرانية. وكان بعضهم ومنهم الرئيس الأميركي باراك أوباما سبق واعتذر عن ضيافة هذه المدينة خلال دورتها الأوليمبية للألعاب الشتوية في فبراير الماضي احتجاجا على تشدد بوتين ورفضه لحقوق المثليين على حد قول أوباما!
على أن هناك الكثيرين ممن لم تفتهم فرصة الاستمتاع بما تملكه هذه المدينة من روائع الطبيعة الخلابة، ومنهم سلفه جورج بوش الابن ونظراؤه ساركوزي وبرلسكوني وأنجيلا ميركل وغيرهم كثيرون من رؤساء الحكومات والبلدان الأوروبية والعربية، وكان آخرهم الرئيس عبد الفتاح السيسي ممن حظوا بفرصة زيارة المدينة والاطلاع على أبرز معالمها ومنها اليوم كبريات المنشآت الرياضية العالمية، التي كانت «جواز سفر» المدينة لإقناع المسؤولين عن الرياضات الأوليمبية الشتوية بقبول سوتشي وهي المنتجع الصيفي على ضفاف البحر، مركزا لإقامة دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية في مطلع هذا العام.
ونذكر أن بوتين قال في معرض سرده لأسباب اختياره لسوتشي في عام 2001 ليرشحها عاصمة لاوليمبياد الألعاب الشتوية، إنه اختارها حين كان في جولة قريبا من نهر سوتشي تفقد خلالها تضاريس منطقة «كراسنايا بوليانا» (المروج الحمراء) على مسافة 40 كيلومترا شمال البحر الأسود، وعلى ارتفاع ما يقرب من 600 متر فوق سطح البحر التي تشتهر بكونها منطقة لرياضة التزلج على الثلوج. وعزا بوتين موافقة اللجنة الأوليمبية الدولية لترشيح سوتشي كعاصمة لأوليمبياد 2014، إلى يقينها من دعم أبناء روسيا لهذا المشروع، دون اعتبار لما تردد حول أن سوتشي لا تعرف فصلا اسمه الشتاء نظرا لموقعها الفريد، حيث يحدها البحر الأسود من الجنوب، بينما تحميها من الشمال الجبال الشاهقة التي تحول دون وصول البارد من الرياح.
لكن ماذا تعني سوتشي. وما هي قصة نشأتها وماذا تحمل هذه القصة من دلالات؟
إنها.. صدق أو لا تصدق.. الاسم الأصلي لها هو مدينة «سيدي أحمد باشا» الوالي التركي للمنطقة في ذلك الزمان!!
التاريخ يعود بنا إلى عام 1641. ومع مرور الزمن يتوالى تحريف الاسم لهذه المنطقة الشركسية - الأبخازية (الأباظية) الجذور.. من «سادشا».. إلى «ساتشا».. حتى استقر أبناء المكان عند اسم «سوتشي».
وكانت سوتشي حملت لبعض الوقت اسم «الإسكندرية» نسبة إلى الإسكندر الروماني الذي وصلت جحافل جيوشه إلى هذه المنطقة، وهو نفس الاسم الذي حملته القلاع الروسية لاحقا في هذه المنطقة، ما قد يفسر امتدادها لمسافة 150 كيلومترا بطول البحر الأسود، على غرار الإسكندرية المصرية على ضفاف البحر المتوسط.
ومع تغير الاسم، يتغير الموقع، وتنتقل «المدينة» في القرن التاسع عشر من مركزها القديم في جبال القوقاز، حتى المنحدرات صوب البحر الأسود، قريبا من مرفأ «أرتلار» الذي سرعان ما اتسعت مساحته وتزايد عدد سكانه بما كان مقدمة لظهور مدينة «إدلر»، وهو الاسم الرسمي الذي يحمله مطار سوتشي.
وقد توقف عندها الرئيس بوتين في مطلع القرن الحادي والعشرين وهي المنتجع الصيفي الرسمي للقيادة الروسية، شانما كانت القيادة السوفياتية اختارتها لتكون على مقربة في «بيتسوندا» الذائعة الصيت، منذ اختيرت منتجعا صيفيا للقيادات الحزبية السوفياتية على ضفاف البحر الأسود قريبا من «داتشا ستالين» في «زيليونايا روشا «(الدغلة الخضراء) على مسافة بضعة كيلومترات شرقي مدينة سوتشي.
ومع التوسع العمراني للمدينة، حظيت سوتشي وشانما منذ ظهورها، باهتمام خاص، حيث صارت مركزا لدراسة النباتات، هو الأكبر في روسيا الاتحادية بحديقته ذات التاريخ العريق منذ نهاية القرن التاسع عشر، وصاحبة الشهرة العالمية بما تملكه من أكثر من ألفي نوع من مختلف نباتات العالم بما فيها المناطق شبه الاستوائية.
وفي سوتشي أيضا يستمتع الزائر بحديقة «الريفييرا» بكل ما تزخر به من أشجار ونباتات نادرة، فضلا عن المقاهي والملاعب ومختلف مواقع الراحة والاستجمام. ولعل ما تتمتع به سوتشي من موقع فريد على شاطئ البحر الأسود على مقربة من سفوح جبال شاهقة تغطيها الثلوج تحميها من صقيع رياح الشمال، يجعلها مدينة ذات مذاق خاص، يزيد من فرادته ما تتمتع به هواء يختلط فيه الأوزون بأملاح البحر، ومن آبار للمياه المعدنية يستخدمونها في العلاج الطبيعي من «أمراض القلب والأوعية الدموية والعظام والعضلات والجهاز العصبي والجلد والجهاز الهضمي والغدد الصماء والجهاز التنفسي والفم والأسنان وغيرها من الأمراض»، كما تقول النشرات الطبية الروسية. ومن اللافت أن هذه المنطقة تكاد تبدو فريدة في العالم التي يمكن فيها ممارسة الألعاب الصيفية والشتوية في آن واحد، حيث يستطيع المرء ممارسة التزلج على مياه البحر الأحمر، في نفس الوقت الذي يمارس فيه زميله رياضة السباحة والتزلج على الثلوج أعلى الجبال المحيطة بالمنطقة. وقد نجح المسؤولون الروس في الاستفادة من هذه الخواص المميزة للمكان لإقامة عدد هائل من المنشآت الرياضية، حيث المناخ المتنوع من الاستوائي على ضفاف البحر الأسود، وحتى الشتوي بثلوجه التي تكسو قمم الجبال التي تبدو مصدات طبيعية لرياح الشمال ما يجعل المدينة وعن حق تسمى «مدينة الفصول الثلاثة»، أي الصيف والربيع والخريف، أي من دون فصل الشتاء!!



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».