المعارضة تعتبر قرار الرئيس السوداني بإعلان الطوارئ مستفزاً للمتظاهرين

TT

المعارضة تعتبر قرار الرئيس السوداني بإعلان الطوارئ مستفزاً للمتظاهرين

ظل السودانيون وأيديهم على قلوبهم، طوال نهار الجمعة الماضي وجزء من ليلها، بانتظار «خطاب رئاسي مفصلي» يلقيه الرئيس عمر البشير، وهم يأملون سماع قرارات تقلل ولو مؤقتاً التوتر السياسي الذي تعيشه البلاد منذ اندلاع الاحتجاجات والمظاهرات فيها طوال الأشهر الثلاثة الماضية، والتي تطالب بتنحيه وحكومته على الفور. لكن الخطاب الذي تأخر كثيراً عن الموعد المضروب لإلقائه، جاء مثيراً للجدل، ما جعل محللين ومعارضين يصفونه بأنه «مخيب للآمال» وخال من أي رؤية لمعالجة مشكلات البلاد، فيما وصفه آخرون بأنه «محاولة لشراء الوقت»، بل اعتبره بعضهم مستفزاً للشارع بما يجعل منه «بداية لموجة جديدة من المظاهرات والاحتجاجات».
فمنذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اندلعت موجة مظاهرات شعبية تلقائية، احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية في بعض مدن البلاد، بيد أنها سرعان ما أخذت بعداً سياسياً يطالب بتنحي الرئيس البشير ورحيل نظامه وإقامة حكومة كفاءات انتقالية، وتحولت من التلقائية إلى التنظيم بعد تدخل «تجمع المهنيين السودانيين»، وتصديه لتنظيمها وقيادتها، ثم التحقت به قوى المعارضة الرئيسية لتصبح المظاهرات حالة يومية يشارك فيها المواطنون بمختلف فئاتهم الاجتماعية، وإن غلبت عليها سمة أن جمهورها الأعظم هم من فئة الفتيات والنساء والشباب.
التوقعات التي كانت تدور بخلد الكثيرين، أن يقبل البشير مطالب الجماهير ويعلن حكومة انتقالية، وأن يعلن بوضوح عدم نيته الترشح لدورة رئاسية جديدة، وأن يطلق الحريات العامة والصحافية ويفرج عن المعتقلين السياسيين، وهي وإن كانت أقل من طموح المتظاهرين، لكنها قرارات يمكن أن يدور على أساسها تفاوض. لكن البشير أعلن «حالة الطوارئ» لمدة عام، وحل الحكومة بشقيها الاتحادي والولائي، وقرر أن يكون رئيساً قومياً بعد 30 عاماً من الحكم، ووجه بتأجيل - وليس إلغاء - تعديلات دستورية مزمعة تتيح له الاستمرار في السلطة مدى الحياة «تأجيل» التداول حول التعديلات.
فور تلاوة الخطاب الرئاسي «المنتظر» خرجت معظم أنحاء الخرطوم ومدن أخرى إلى الشوارع في مظاهرات ليلية رافضة له، فيما سارع تحالف «قوى الحرية والتغيير» إلى دعوة الجماهير للتظاهر ضد مضمون الخطاب، وإلى التمسك بمطلب تنحي الرئيس وحكومته.
ولم تصمد وعود الحريات والحوار التي أطلقت في الخطاب لدقائق معدودة، إذ تحركت قوات أمنية إلى «شارع المستشفى» بالخرطوم واعتقلت عددا من الأطباء من داخل أحد البيوت المخصصة لسكناهم، ثم اعتقلت رئيس تحرير صحيفة التيار «المستقلة» عثمان ميرغني، بعد ساعات من إدلائه بتصريحات ناقدة لخطاب الرئيس على فضائية «سكاي نيوز». ميرغني قال إن خطوة الرئيس لا يمكن أن تهدئ غضب الشارع، بل يمكن أن تكون بداية لـ«موجة جديدة من الاحتجاجات»، وشرارة لما أسماه «مرحلة جديدة ختامية» للنظام، فأثار قوله غضب السلطات الأمنية فاقتادته من مقر صحيفته إلى أحد معتقلاتها.
ووصف ميرغني القرارات الرئاسية بأنها «بداية للتراجع النهائي، وليست مجرد قرارات ينتظرها الشارع»، وأضاف: «سقف الشارع واضح، فمنذ شهرين انحصرت مطالبه في تنحي الرئيس وإزاحة الحكم بأكمله»، وتابع: «عندما تبدأ خطوة التنازل الأولى ترسل إشارة قوية للشارع، أنه من الممكن أن يمارس المزيد من الضغط للحصول على النتائج النهائية التي يتوقعها». وتوقع ميرغني أن تنتقل القرارات الرئاسية بالاحتجاجات من كونها احتجاجات شبابية، إلى احتجاجات مفتوحة تشارك فيها كل قطاعات الشعب، وقال: «أتوقع أن ينزل الناس للشوارع للمطالبة بإزاحة النظام وتنحي الرئيس البشير». وأضاف: «حين تتحرك مجموعات جماهيرية كبيرة، فهذا يستدعي قوة رئيسية ومهمة جداً في الملعب السياسي السوداني، وهي قوة الجيش، لتكون فيصلاً في الحراك الجماهيري، أو فيصلاً بين الجماهير والحكومة، بحسب التجربة التاريخية في أكتوبر (تشرين الأول) 1964، وأبريل (نيسان) 1985»، وتابع: «كانت المظاهرات دائما تنتهي بتدخل الجيش، وهذه القرارات تدفع وتحفز الجيش للتدخل وحسم الصراع لصالح الشعب».
وقطع ميرغني بأن «مساحة مناورة» البشير أصبحت معدومة، وقال: «لا يمكن أن يأتي بعد ثلاثين سنة ليلعب في الوقت بدل الضائع ليسجل الهدف الذهبي»، وأضاف: «لا يستطيع تغيير الأوضاع. وقد استخدم كلمة تأجيل التغييرات الدستورية، ما يعني أنه لا يزال يطمع ولديه رغبة في الترشح لدورة رئاسية جديدة». ورأى ميرغني أن القرارات التي أصدرها الرئيس البشير ستزيد من قوة المظاهرات، وتنقلها إلى مرحلة جديدة، وأضاف: «أتوقع خلال أيام إن لم يكن ساعات أن يكون الشعب السوداني كله في الشارع».
أما نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال ياسر عرمان فقد وصف خطاب البشير بأنه «محاولة لشراء الوقت من الجميع»، وقال إن حالة «الطوارئ في مواجهة الثورة، والجيش في مواجهة الإسلاميين»، وإن القرارات أنهت وجود الحزب الحاكم بقوله: «المؤتمر الوطني في خبر».
وأوضح عرمان في مقال تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، إن حالة الطوارئ تستهدف «الثورة، والجيش، والإسلاميين، وإنها جعلت من المؤتمر الوطني حزباً يتيماً»، إضافة إلى كونها تستهدف «انتخاب البشير مجدداً على أسنة الحوار».
وتابع: «البشير لم يقدم حلولاً للأزمة السياسية أو الاقتصادية، فحتى المعتقلين لم يطلق سراحهم، ولو فعل كان بإمكانه أن يعتقلهم مرة أخرى، وقانون الطوارئ مطبق بالفعل دون إعلان ولن ينجح في قمع الثورة»، وتابع: «البشير لا يخشى الله، بينما يخشى الجيش، ويريد أن يشرك ضباط الجيش في جرائمه وحكمه». وأشار عرمان إلى صراع داخل الطاقم الحاكم بين أطراف الإسلاميين الراغبين في تحميل البشير مسؤولية الفشل، وفي إبعاده والاستمرار في الحكم، في الوقت الذي يركز فيه البشير على إبعادهم من الجيش، والحيلولة دون أي تفاهم معه.
من جهتها، وصفت الأمينة العامة لحزب الأمة القومي المعارض سارة نقد الله الخطاب بأنه «خطابٌ مخيِّبٌ للآمال»، وقالت إنه «لا يعنينا في شيء»، وتابعت: «استمعنا بخيبة أمل بالغة، كما استمع الشعب السوداني كله، لخطاب السيد رئيس الجمهورية الجمعة بالقصر الجمهوري، فقد كان خطاباً منفصماً لا يمت لواقع الأزمة الراهنة في بلادنا بأي صلة، ولعله يكرسها، ولا يلبي أدنى مطالب الشارع السوداني في حدودها الدنيا». وقالت نقد الله إن حزبها يعتبر الخطاب «تسويفاً مكشوفاً ومعزولاً، يراد كسب الوقت فقط، وانتظاراً لمجهول لن يأتي أبداً»، وتابعت: «وبالتالي فإنه لا يعنينا من قريب أو بعيد، لكونه لم يقارب حل الأزمة بحال». ورأت نقد الله أن حل الحكومة ما هو إلا «إعادة تدوير لشخوصها هو تدويرٌ للفشل ليس إلاّ»، واعتبرت فرض حالة الطوارئ هو تكريسٌ للفشل بقوة الطوارئ، قاطعة بأن الشارع تجاوز الحلول المكررة، ولم يعد يرضى بأقل من رحيل النظام.
من جهتها، اعتبرت «حركة العدل والمساواة السودانية» إعلان حالة الطوارئ «محاولة بائسة لإخماد الثورة»، وقالت بحسب المتحدث باسمها معتصم أحمد صالح أمس، إن الخطاب يخلو من أي رؤية لمعالجة مشكلات البلاد، ولا يخاطب الوضع السياسي المحتقن ولا الأزمات التي تمر بها البلاد. واعتبر صالح قرارات البشير «واحدة من أسوأ خطاباته التي ارتبطت بالخداع والتضليل»، وقال: «حاول الالتفاف على استحقاقات الثورة، بالدعوة إلى حوار وطني زائف»، وتابع: «قام بإعلان حالة الطوارئ ليطلق بموجبها العنان على ميليشياته الأمنية لقتل أبناء شعبنا والتنكيل به بهدف إخماد ثورته المجيدة».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.