نيجيريا... أمام امتحان انتخابي عسير

معركة حامية في كبرى دول أفريقيا «بطلاها» زعيمان شماليان

نيجيريا... أمام امتحان انتخابي عسير
TT

نيجيريا... أمام امتحان انتخابي عسير

نيجيريا... أمام امتحان انتخابي عسير

توصف نيجيريا بأنها «عملاق أفريقيا»، لأنها تملك أكبر اقتصاد في «القارة السمراء» وأكبر تعداد سكاني، كما تملك أكبر احتياطي نفطي في القارة، بيد أن هذا العملاق مصاب بأمراض مزمنة، أبرزها الفساد وانعدام الأمن. أمراض ترهق كاهل البلد وهو يخوض انتخابات رئاسية يتنافس فيها 73 مرشحاً، يتقدمهم الرئيس المنتهية ولايته والجنرال المتقاعد محمد (محمدو) بخاري (76 سنة)، مع منافسة قوية من زعيم المعارضة ورجل الأعمال الثري عتيق (عتيقو) أبو بكر (72 سنة).

توجّه العديد من الناخبين في نيجيريا إلى مكاتب التصويت، صباح السبت الماضي، لكنهم فوجئوا بقرار صدر قبل ساعات من طرف السلطات بتأجيل الانتخابات لمدة أسبوع. ولقد عُلِّل التأجيل بالحاجة إلى «إتاحة فرصة أكبر أمام التحضير الجيد» لانتخابات ستجري في ظروف صعبة تمر بها نيجيريا، تغلب عليها تحدّيات أمنية واقتصادية كبيرة.
يُذكَر أن ما يقرب من 84 مليون ناخب نيجيري، مسجّلون على اللوائح الانتخابية، توجهوا ويتوجهون اليوم إلى مراكز (أقلام) الاقتراع لاختيار رئيس للبلاد، بالإضافة إلى 360 عضواً في مجلس النواب، و109 أعضاء في مجلس الشيوخ. وهو ما يجعل هذه الانتخابات مهمة معقدة جداً في بلد عرف الكثير من الأزمات السياسية في تاريخه، تمحوَر معظمها على صراع الرئاسة.

- رتباك وتأجيل
هذه ليست المرة الأولى التي تؤجل فيها نيجيريا الانتخابات الرئاسية لأسبوع أو أكثر، إذ حدث ذلك في الانتخابات الماضية التي فاز بها بخاري عام 2015، وقبله في انتخابات 2011. وفي المرتين بررت السلطات التأجيل بمشاكل لوجيستية وفنية، والسعي نحو ضمان تحضير جيد للانتخابات، بينما تثار الشكوك من طرف الأحزاب السياسية حول دوافع السلطات. وخلال الأسبوع المنصرم، قال محمد يعقوب، رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات في نيجيريا، في تصريح صحافي، إن «المضي قدما في إجراء الانتخابات، كما كان مقرراً، لم يعد ممكناً»، مشيراً إلى مشاكل لوجيستية تعيق تنظيم العملية الانتخابية «ما يحتّم اتخاذ ذلك القرار الصعب والضروري من أجل ضمان نزاهة وحرية الانتخابات».
وأوضح المسؤول النيجيري أن قرار التأجيل اتخذ في أعقاب اجتماع طارئ عقدته اللجنة المستقلة للانتخابات طال لعدة ساعات، أجريت خلاله «مراجعة دقيقة، للخطة التنفيذية للانتخابات». وتابع أن أفراد اللجنة «مصممون على إجراء انتخابات حرة، ونزيهة وذات صدقية».

- أعمال عنف
في الواقع، جاء القرار بعد أعمال عنف متفرقة في نيجيريا استهدفت مكاتب اللجنة المستقلة للانتخابات. إذ تشير بعض التقارير إلى أن الأيام الماضية شهدت إحراق العديد من مقرات اللجنة وتدمير الكثير من بطاقات الناخبين والأجهزة المستخدمة في عملية التصويت، ما خلف حالة من النقص الحاد في التجهيزات اللوجيستية التي لا غنى عنها لتنظيم الاقتراع في بعض مناطق نيجيريا.
ورغم التبريرات التي قدمتها اللجنة، فإن القرار رافقه الكثير من الجدل، وأدانه أكبر حزبين سياسيين في البلاد، أي حزب مؤتمر عموم التقدميين الحاكم (يسار الوسط)، وحزب الشعب الديمقراطي (يمين الوسط). غير أن الحزبين تبادلا اتهامات بمحاولة إفساد التصويت وإثارة الشغب، ما دفع اللجنة المستقلة للانتخابات إلى اتخاذ قرار التأجيل. لكن هذه التهم المتبادلة بين الحزبين امتدادٌ لحالة الصراع المحتدم بينهما، والتي وصلت ذروتها خلال الأيام الأخيرة، وتصاعد أجواء الاستقطاب السياسي التي تعيشها البلاد.
في هذه الأثناء، ثمة أصوات تزعم أن السلطات تسعى من وراء تأجيل الانتخابات التلاعب بالنتائج لصالح الرئيس المنتهية ولايته الطامح للحصول على ولاية رئاسية ثانية، غير أن هذه مجازفة حقيقية يستبعد العديد من المراقبين أن تُقدم عليها السلطات، نظراً لهشاشة الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي في نيجيريا.
ومع أن فترة تأجيل الانتخابات لم تزد على أسبوع فقط، فإن الخسائر الاقتصادية الناتجة عنها كانت كبيرة جداً، إذ قال رئيس غرفة التجارة بمدينة لاغوس، العاصمة الاقتصادية والتجارية لنيجيريا، إن «خسائر الاقتصاد جراء إرجاء الانتخابات تقدّر بنحو 1.5 مليار دولار أميركي». بيد أنه لم يكشف عن طبيعة هذه الخسائر ولا إن كانت قد تكبدتها الدولة أم القطاع الخاص.
هذا، وتشير التقارير إلى أن عدداً كبيراً من الناخبين في نيجيريا كانوا قد سافروا لمسافات طويلة من أجل الإدلاء بأصواتهم، وجاء قرار التأجيل ليفسد جميع خططهم. ثم إن العديد من الشركات والمؤسسات كانت قد أغلقت أبوابها استعداداً للانتخابات خشية وقوع أعمل عنف أو شغب، وظلت لأسبوع وهي مغلقة، ما كبدها العديد من الخسائر، حتى أن أحد الصحافيين في نيجيريا قال إن «البلاد عاشت طيلة أسبوع حالة من الشلل التام». إلا أن الجهات الرسمية في نيجيريا تقلل من أهمية الخسائر المترتبة على تأجيل الانتخابات، معتبرة أن القرار مكّنها من تفادي «خسائر سياسية» كانت ستكون كبيرة وباهظة الثمن فيما لو شابت الانتخابات خروق أو عراقيل فنية ولوجيستية مؤثرة على النتيجة.

- شكوك حول اللجنة!
في أي حال، تأجيل الانتخابات صب الزيت على نار الشكوك التي تدور حول كفاءة اللجنة المستقلة للانتخابات ومدى نزاهتها وقدرتها على تنظيم انتخابات شفافة وحرة. وأعاد من جديد إلى الواجهة مطالب قديمة بضرورة إعادة هيكلة هذه اللجنة، التي بدأ العمل بها منذ سقوط الحكم العسكري عام 1999. حين دخلت البلاد في عهد التعددية السياسية. إذ منذ بدأت نيجيريا «المسلسل الديمقراطي» تحوم الشكوك حول صدقية الانتخابات الرئاسية في كل مرة، خاصة، أن اللجنة المشرفة على تنظيمها لجأت في ثلاث مناسبات إلى تأجيل هذه الانتخابات عن موعدها المحدد في الدستور، ما أعطى المبرر والحجة للمطالب الداعية إلى مراجعة آليات عمل اللجنة.
ويقول إيدايات حسن، وهو مدير «مركز الديمقراطية والتنمية»، الذي مقره في العاصمة النيجيرية أبوجا، إن تأجيل الانتخابات الرئاسية «غدا عادة سيئة منذ رئاسيات 2011. عندما أوقف التصويت يوم الاقتراع وعندما كان الناخبون منهمكون في العملية الانتخابية. وعام 2015 أجلت الانتخابات ساعات قليلة قبل بدء التصويت لأسباب تتعلق بانعدام الأمن، ولكن الجديد هذه المرة (2019) هو أن قرار التأجيل يأتي بعدما كانت اللجنة قد أكدت للجميع أنها جاهزة وأن كل شيء على ما يرام».ويضيف الباحث النيجيري أن اللجنة «كانت على علم بالمشاكل اللوجيستية قبل عدة أيام من موعد الاقتراع، لكنها انتظرت حتى ساعات قبل التصويت لتعلن قرار التأجيل، والواضح أنها تجاهلت الانعكاسات الخطيرة لهذا القرار». ثم ذكر أن كثيرين طالبوا باستقالة رئيس اللجنة المشرفة على تنظيم الانتخابات، غير أن هذه المطالب «غير واقعية ولا تحل المشكلة... لأن الحل يتمثل في إصلاحات جوهرية تمس صميم عمل اللجنة».

- مواجهة بين رجلين
من ناحية ثانية، رغم الجدل الدائر حول اللجنة المشرفة على الانتخابات، فإن الأخيرة أكدت أنها جاهزة لتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، محاولة التخفيف من التوتر السياسي الذي تعيشه نيجيريا إثر قرار التأجيل، وبخاصة أن الحرب الكلامية بين أبرز المرشحين وصلت إلى ذروتها، مكرّسة حالة الاستقطاب السياسي في البلاد. وحقاً أدى الاستقطاب الحاد إلى أعمال عنف راح ضحيتها العديد من القتلى، فأعلنت الشرطة قبل أيام مقتل خمسة أشخاص في إطلاق نار، جنوب شرقي البلاد، خلال مواجهات بين أنصار الحزبين الكبيرين المتنافسين، وأفاد المتحدث باسم الشرطة أن الضحايا ينتمون لحزب «مؤتمر عموم التقدميين» الحاكم، مرجحاً أن يكون الهجوم انتقامياً، وتقف خلفه قوى سياسية مناوئة في المنطقة.
وسط هذه الأجواء تبدو الانتخابات وكأنها استفتاء شعبي على حصيلة حكم الرئيس بخاري، الذي يحكم البلاد منذ 2015، كأول شخصية معارضة تتمكن من تحقيق الفوز في الرئاسيات منذ بداية التعددية السياسية في نيجيريا، حين قلب الطاولة على الرئيس السابق غودلاك جوناثان، من خلال خطاب يتبنى محاربة الفساد والإرهاب.
بخاري، الجنرال السابق، كان قد قاد انقلابا عسكرياً في ثمانينات القرن الماضي حكم بعده نيجيريا لسنتين. لكنه لم ينجح خلال السنوات الأربع الماضية في تحقيق وعوده الكبيرة بتوفير الأمن ومحاربة الفساد. إذ أن «بوكو حرام» الذي وعد بالقضاء عليه عاد لشن هجمات دامية في شمال نيجيريا وشرقها، بل واستطاع التنظيم المتطرف استعادة قوته رغم الضربات القوية التي تلقاها خلال السنوات الأخيرة والانقسامات الحادة التي عانى منها. وللعلم، قتل التنظيم الذي يوصف بأنه الأكثر دموية في أفريقيا، أكثر من 27 ألف شخص في شمال شرقي البلاد منذ 2009.
«بوكو حرام»، خاصة إبان الانتخابات الرئاسية، يشكّل مصدر قلق حقيقيا، كونه كثيراً ما يستهدف التجمعات الشعبية الكبيرة بهجمات إرهابية تتعمّد إسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا، ولا يُستبعد أن يشن هجمات جديدة ضد مراكز التصويت يوم الاقتراع.

- أسوأ أزمة اقتصادية
من جهة أخرى تعيش نيجيريا في ظل حكم بخاري أسوأ أزمة اقتصادية عرفتها في تاريخها، إذ عجز الرجل عن تنويع مصادر الدخل في البلاد التي تعتمد بنسبة 90 في المائة على مداخيل النفط، كما أن نسبة النمو العام الماضي لم تتجاوز 1.9 في المائة فقط. وفي حين يواصل الفساد ينخر الدولة ويكلفها خسائر تقدر بمليارات الدولارات، يرى النيجيريون أن وعود بخاري بخلق الوظائف والتركيز على تحسين مستوى البنية التحتية تبخّرت خلال السنوات الأربع الماضية. إذ تشير الأرقام إلى أن 23 في المائة من سكان البلاد يعانون من البطالة، بينما 44 في المائة يعيشون تحت خط الفقر، في بلاد تضم أكبر عدد من المليونيرات في أفريقيا.
أيضاً، كان الملف الصحي لبخاري حاضراً بقوة خلال الفترة الأخيرة، ذلك أن الرئيس البالغ من العمر 76 سنة، يعاني من مشاكل صحية كبيرة، أرغمته على الاختفاء عن الأنظار لعدة أشهر العام الماضي. وقيل إنه كان يتلقى فيها العلاج خارج البلاد، وبلغت الأمور حد اتهامه بالعجز عن أداء مهامه الرئاسية.ولكن، رغم كل هذه المآخذ على بخاري، فإن النيجيريين كانوا مقتنعين بأنه لا يوجد أي منافس له في المعارضة، قبل أن يظهر رجل الأعمال الثري عتيق أبو بكر، وهو سياسي معروف سبق أن شغل منصب نائب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس السابق أولوسيغون أوباسانجو، وكان قبل ذلك رئيساً للجمارك. فلقد استطاع أبو بكر خلال الأشهر الأخيرة طرح نفسه كمنافس شرس لبخاري، مع الإشارة إلى أن كلا المرشحين المتنافسين ينتميان إلى شعب الفولاني النافذ بشمال نيجيريا. الخطاب الذي يتبناه عتيق أبو بكر يقوم على ركائز عديدة، من أهمها الأمن والفساد. وهو يشدد على أن الخطط الأمنية التي انتهجها بخاري في مواجهة «بوكو حرام» كانت فاشلة فلم تؤت أكلها. ويتهمه أيضاً بالفشل في محاربة الفساد، واعدا بأنه إذا ما انتخب سيعفو عن المتهمين في قضايا الفساد شريطة أن يعيدوا إلى خزينة الدولة المبالغ التي تطالبهم بها، وهو ما يرى أنه سيمكّنه من توفير مبالغ ستساهم في تحسين أوضاع المواطنين. إلا أن عتيق أبو بكر يحمل بدوره إرثاً سيئاً خلفه، يتمثل بسجلّ حزبه «حزب الشعب الديمقراطي»، الذي حكم البلاد في الفترة بين 1999 و2015، وارتبط في أذهان النيجيريين بالفساد وانعدام الكفاءة وقلة الخبرة، وهي الأسباب التي تسببت في خسارته للانتخابات أمام بخاري قبل أربع سنوات.
لقد حاول أبو بكر إبان الحملة الانتخابية تغيير هذه الصورة السلبية العالقة بحزبه، من خلال خطاب جديد يتعهد بمحاربة الفساد وتحسين الأوضاع الاقتصادية. لكن وعوده، وكذلك وعود منافسه الرئيس بخاري، تبقى غير مقنعة لملايين النيجيريين الذين يرون أنها مجرد كلام انتخابي لن ينعكس على حياتهم بعد انتخاب أصحابها، وهذا، بناءً على تجاربهم السيئة مع الحكومات السابقة المتعاقبة. وهذا ما يوحي بأن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات قد تكون منخفضة جداً بالمقارنة مع الانتخابات السابقة.

- المرشحان المتنافسان ... بُخاري وأبو بكر
* محمد بخاري، من مواليد 1942. يتحدر من أسرة مسلمة تنتمي إلى شعب الفولاني في شمال نيجيريا.
بخاري جنرال سابق في الجيش سبق أن قاد انقلابا عسكرياً ناجحاً عام 1983.
أطاح بالرئيس المدني المنتخب شيخو شاغاري، ليحكم البلاد خلال سنتين، قبل الإطاحة به في انقلاب عسكري آخر.
وحالياً يحكم بخاري نيجيريا – للمرة الثانية – منذ عام 2015.
* عتيق أبو بكر، من مواليد 1946. يتحدر من الشمال ويُوصف من طرف المسلمين في نيجيريا بـ«الحاج»، وله بالفعل ميول دينية وصوفية. أبو بكر، الذي ينتمي أيضاً إلى شعب الفولاني، رجل أعمال ثري ذو خبرة سياسية مهمة، إذ سبق أن شغل منصب نائب رئيس الجمهورية خلال حكم الرئيس الأسبق أولوسيغون أوباسانجو (1999 - 2007)، وكان من معارضي التعديلات الدستورية التي حاول أوباسانجو تمريرها عام 2006 للبقاء في الحكم، لكنها فشلت.

- شعوب نيجيريا... وقبائلها
تُعد نيجيريا سابع أكبر بلد في العالم من حيث تعداد السكان، بنحو 200 مليون نسمة، مُشكَّلة من أكثر من 500 جماعة عرقية، تتوزّع على آلاف الشعوب والقبائل، التي تعتز كل واحدة منها بهويتها الخاصة، ولغتها ودينها. وتريد حصة من الدولة المركزية على شكل نفوذ وعائدات مادية، وعندما لا تتحقق مطالبها تهدّد بالانفصال عن الدولة الفيدرالية.
من أبرز شعوب نيجيريا وقبائلها: الهَوسا (أكثر من 55.6 مليون نسمة) واليوروبا (أكثر بقليل من 41.6 مليون نسمة) والإيغبو – أو الإيبو – (نحو 32 مليون نسمة) والفولاني (في نيجيريا وحدها أكثر من 15.3 مليون، ولكن مجموعهم في دول جنوب الصحراء يقارب الـ40 مليون نسمة). هذه الشعوب (القبائل) الأربعة تشكل وحدها أكثر من 70 في المائة من إجمالي تعداد السكان، ولقد أثرت العلاقات بينها في تفاصيل المشهد السياسي والأمني والاقتصادي في نيجيريا.
- قبائل شعب الهَوسا (أكثر من 90 في المائة منها تدين بالإسلام) تنتشر في شمال نيجيريا مع امتدادات في النيجر وتشاد، ولديها ارتباط تاريخي بشعوب جنوب الصحراء الكبرى، وخاصة قبائل الفولاني والصُّنغاي والزبرما (الجيرما). من أبرز شخصيات الهَوسا في نيجيريا الرئيس السابق الجنرال مرتضى الله محمد.
- قبائل شعب الفولاني – أو الفلاتة – التي تشكّل رابع أكبر مكوّنات نيجيريا القبلية، وتعيش في شمالها، فهي مسلمة تتمتع بإرث تاريخي عظيم، يتمثل في بنائها عدة إمبراطوريات إسلامية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، ومنها يتحدر الرئيس المنتهية ولايته محمد بخاري وسلفه الرئيس شيخو شاغاري. أبرز شخصيات الفولاني القائد الإسلامي التاريخي عثمان دان فوديو، الذي أخضع الهَوسا وأسس حلفاً معهم ساهم في نشر الإسلام جنوباً، إذ حوّل نحو نصف شعب اليوروبا إلى مسلمين. ولقد حظي نسل دان فوديو، ولا سيما من سلاطين سوكوتو (شمال غربي نيجيريا) بنفوذ سياسي وديني ضخم، وكان آخرهم «السرداونا» أحمدو بيلو رئيس وزراء شمال نيجيريا وأكبر ساستها سلطة في عهد الاستقلال.
- قبائل شعب اليُوروبا، تقطن جنوب غربي نيجيريا، مع امتداد عرقي في بنين وتوغو المجاورتين. اليوروبا ثاني أكبر المكوّنات القبلية في نيجيريا، وهم منقسمون بالتساوي تقريباً بين الإسلام والمسيحية، ويقطن أغلب أفراد قبائلهم المدن الكبيرة مثل لاغوس وإيبادان وأوغبوموشو وأويو وأبيوكوتا، ويمارسون التجارة ويتمتعون بنفوذ كبير. منهم الرئيس الأسبق الجنرال أولوسيغون أوباسانجو.
- قبائل شعب الإيغبو (أو الإيبو)، هي ثالث أكبر مكوّنات نيجيريا من حيث التعداد السكاني، وكلها تدين بالمسيحية، ويتركز انتشارها في جنوب شرقي البلاد (مناطق النفط).
كانت هذه القبائل سبّاقة للتواصل مع البريطانيين ما أتاح لأبنائها الاستفادة من مزايا التعليم والتوظيف بشكل مبكّر. وبسبب الثروتين النفطية والعلمية سعت قيادات عسكرية وسياسية من الإيغبو إلى الانفصال، معلنة تحت قيادة الجنرال أودوميغوو أوجوكوو تأسيس دولة «بيافرا». غير أن مشروعها فشل وكبّدها وكبّد نيجيريا تكلفة باهظة بشرياً وسياسيا. من الإيغبو يتحدّر الدكتور نامدي أزيكيوي أول رئيس جمهورية لنيجيريا المستقلة، والجنرال جونسون إيرونسي القائد الذي استغل الانقلاب الدامي (قُتل فيه أحمدو بيلو ورئيس الحكومة الاتحادية أبو بكر تفاوا باليوا) في مطلع 1966 ليتولى الحكم.
جدير بالإشارة، أنه رغم هيمنة الشعوب الأربعة المذكورة على المشهد في نيجيريا، فهناك العديد من الشعوب والقبائل التي ساهمت من موقعها في رسم ملامح المشهد في نيجيريا خلال العقود الماضية، منها الكانوري (أبناء عمومة شعب الفور في دارفور بغرب السودان، ومنهم الرئيس الأسبق الجنرال ساني آباتشا) والتيف (الذين ينتمي إليهم الرئيس الأسبق الجنرال ياكوبو غوون الذي أنهى انفصال «بيافرا»).


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.