نيجيريا... أمام امتحان انتخابي عسير

معركة حامية في كبرى دول أفريقيا «بطلاها» زعيمان شماليان

نيجيريا... أمام امتحان انتخابي عسير
TT

نيجيريا... أمام امتحان انتخابي عسير

نيجيريا... أمام امتحان انتخابي عسير

توصف نيجيريا بأنها «عملاق أفريقيا»، لأنها تملك أكبر اقتصاد في «القارة السمراء» وأكبر تعداد سكاني، كما تملك أكبر احتياطي نفطي في القارة، بيد أن هذا العملاق مصاب بأمراض مزمنة، أبرزها الفساد وانعدام الأمن. أمراض ترهق كاهل البلد وهو يخوض انتخابات رئاسية يتنافس فيها 73 مرشحاً، يتقدمهم الرئيس المنتهية ولايته والجنرال المتقاعد محمد (محمدو) بخاري (76 سنة)، مع منافسة قوية من زعيم المعارضة ورجل الأعمال الثري عتيق (عتيقو) أبو بكر (72 سنة).

توجّه العديد من الناخبين في نيجيريا إلى مكاتب التصويت، صباح السبت الماضي، لكنهم فوجئوا بقرار صدر قبل ساعات من طرف السلطات بتأجيل الانتخابات لمدة أسبوع. ولقد عُلِّل التأجيل بالحاجة إلى «إتاحة فرصة أكبر أمام التحضير الجيد» لانتخابات ستجري في ظروف صعبة تمر بها نيجيريا، تغلب عليها تحدّيات أمنية واقتصادية كبيرة.
يُذكَر أن ما يقرب من 84 مليون ناخب نيجيري، مسجّلون على اللوائح الانتخابية، توجهوا ويتوجهون اليوم إلى مراكز (أقلام) الاقتراع لاختيار رئيس للبلاد، بالإضافة إلى 360 عضواً في مجلس النواب، و109 أعضاء في مجلس الشيوخ. وهو ما يجعل هذه الانتخابات مهمة معقدة جداً في بلد عرف الكثير من الأزمات السياسية في تاريخه، تمحوَر معظمها على صراع الرئاسة.

- رتباك وتأجيل
هذه ليست المرة الأولى التي تؤجل فيها نيجيريا الانتخابات الرئاسية لأسبوع أو أكثر، إذ حدث ذلك في الانتخابات الماضية التي فاز بها بخاري عام 2015، وقبله في انتخابات 2011. وفي المرتين بررت السلطات التأجيل بمشاكل لوجيستية وفنية، والسعي نحو ضمان تحضير جيد للانتخابات، بينما تثار الشكوك من طرف الأحزاب السياسية حول دوافع السلطات. وخلال الأسبوع المنصرم، قال محمد يعقوب، رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات في نيجيريا، في تصريح صحافي، إن «المضي قدما في إجراء الانتخابات، كما كان مقرراً، لم يعد ممكناً»، مشيراً إلى مشاكل لوجيستية تعيق تنظيم العملية الانتخابية «ما يحتّم اتخاذ ذلك القرار الصعب والضروري من أجل ضمان نزاهة وحرية الانتخابات».
وأوضح المسؤول النيجيري أن قرار التأجيل اتخذ في أعقاب اجتماع طارئ عقدته اللجنة المستقلة للانتخابات طال لعدة ساعات، أجريت خلاله «مراجعة دقيقة، للخطة التنفيذية للانتخابات». وتابع أن أفراد اللجنة «مصممون على إجراء انتخابات حرة، ونزيهة وذات صدقية».

- أعمال عنف
في الواقع، جاء القرار بعد أعمال عنف متفرقة في نيجيريا استهدفت مكاتب اللجنة المستقلة للانتخابات. إذ تشير بعض التقارير إلى أن الأيام الماضية شهدت إحراق العديد من مقرات اللجنة وتدمير الكثير من بطاقات الناخبين والأجهزة المستخدمة في عملية التصويت، ما خلف حالة من النقص الحاد في التجهيزات اللوجيستية التي لا غنى عنها لتنظيم الاقتراع في بعض مناطق نيجيريا.
ورغم التبريرات التي قدمتها اللجنة، فإن القرار رافقه الكثير من الجدل، وأدانه أكبر حزبين سياسيين في البلاد، أي حزب مؤتمر عموم التقدميين الحاكم (يسار الوسط)، وحزب الشعب الديمقراطي (يمين الوسط). غير أن الحزبين تبادلا اتهامات بمحاولة إفساد التصويت وإثارة الشغب، ما دفع اللجنة المستقلة للانتخابات إلى اتخاذ قرار التأجيل. لكن هذه التهم المتبادلة بين الحزبين امتدادٌ لحالة الصراع المحتدم بينهما، والتي وصلت ذروتها خلال الأيام الأخيرة، وتصاعد أجواء الاستقطاب السياسي التي تعيشها البلاد.
في هذه الأثناء، ثمة أصوات تزعم أن السلطات تسعى من وراء تأجيل الانتخابات التلاعب بالنتائج لصالح الرئيس المنتهية ولايته الطامح للحصول على ولاية رئاسية ثانية، غير أن هذه مجازفة حقيقية يستبعد العديد من المراقبين أن تُقدم عليها السلطات، نظراً لهشاشة الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي في نيجيريا.
ومع أن فترة تأجيل الانتخابات لم تزد على أسبوع فقط، فإن الخسائر الاقتصادية الناتجة عنها كانت كبيرة جداً، إذ قال رئيس غرفة التجارة بمدينة لاغوس، العاصمة الاقتصادية والتجارية لنيجيريا، إن «خسائر الاقتصاد جراء إرجاء الانتخابات تقدّر بنحو 1.5 مليار دولار أميركي». بيد أنه لم يكشف عن طبيعة هذه الخسائر ولا إن كانت قد تكبدتها الدولة أم القطاع الخاص.
هذا، وتشير التقارير إلى أن عدداً كبيراً من الناخبين في نيجيريا كانوا قد سافروا لمسافات طويلة من أجل الإدلاء بأصواتهم، وجاء قرار التأجيل ليفسد جميع خططهم. ثم إن العديد من الشركات والمؤسسات كانت قد أغلقت أبوابها استعداداً للانتخابات خشية وقوع أعمل عنف أو شغب، وظلت لأسبوع وهي مغلقة، ما كبدها العديد من الخسائر، حتى أن أحد الصحافيين في نيجيريا قال إن «البلاد عاشت طيلة أسبوع حالة من الشلل التام». إلا أن الجهات الرسمية في نيجيريا تقلل من أهمية الخسائر المترتبة على تأجيل الانتخابات، معتبرة أن القرار مكّنها من تفادي «خسائر سياسية» كانت ستكون كبيرة وباهظة الثمن فيما لو شابت الانتخابات خروق أو عراقيل فنية ولوجيستية مؤثرة على النتيجة.

- شكوك حول اللجنة!
في أي حال، تأجيل الانتخابات صب الزيت على نار الشكوك التي تدور حول كفاءة اللجنة المستقلة للانتخابات ومدى نزاهتها وقدرتها على تنظيم انتخابات شفافة وحرة. وأعاد من جديد إلى الواجهة مطالب قديمة بضرورة إعادة هيكلة هذه اللجنة، التي بدأ العمل بها منذ سقوط الحكم العسكري عام 1999. حين دخلت البلاد في عهد التعددية السياسية. إذ منذ بدأت نيجيريا «المسلسل الديمقراطي» تحوم الشكوك حول صدقية الانتخابات الرئاسية في كل مرة، خاصة، أن اللجنة المشرفة على تنظيمها لجأت في ثلاث مناسبات إلى تأجيل هذه الانتخابات عن موعدها المحدد في الدستور، ما أعطى المبرر والحجة للمطالب الداعية إلى مراجعة آليات عمل اللجنة.
ويقول إيدايات حسن، وهو مدير «مركز الديمقراطية والتنمية»، الذي مقره في العاصمة النيجيرية أبوجا، إن تأجيل الانتخابات الرئاسية «غدا عادة سيئة منذ رئاسيات 2011. عندما أوقف التصويت يوم الاقتراع وعندما كان الناخبون منهمكون في العملية الانتخابية. وعام 2015 أجلت الانتخابات ساعات قليلة قبل بدء التصويت لأسباب تتعلق بانعدام الأمن، ولكن الجديد هذه المرة (2019) هو أن قرار التأجيل يأتي بعدما كانت اللجنة قد أكدت للجميع أنها جاهزة وأن كل شيء على ما يرام».ويضيف الباحث النيجيري أن اللجنة «كانت على علم بالمشاكل اللوجيستية قبل عدة أيام من موعد الاقتراع، لكنها انتظرت حتى ساعات قبل التصويت لتعلن قرار التأجيل، والواضح أنها تجاهلت الانعكاسات الخطيرة لهذا القرار». ثم ذكر أن كثيرين طالبوا باستقالة رئيس اللجنة المشرفة على تنظيم الانتخابات، غير أن هذه المطالب «غير واقعية ولا تحل المشكلة... لأن الحل يتمثل في إصلاحات جوهرية تمس صميم عمل اللجنة».

- مواجهة بين رجلين
من ناحية ثانية، رغم الجدل الدائر حول اللجنة المشرفة على الانتخابات، فإن الأخيرة أكدت أنها جاهزة لتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، محاولة التخفيف من التوتر السياسي الذي تعيشه نيجيريا إثر قرار التأجيل، وبخاصة أن الحرب الكلامية بين أبرز المرشحين وصلت إلى ذروتها، مكرّسة حالة الاستقطاب السياسي في البلاد. وحقاً أدى الاستقطاب الحاد إلى أعمال عنف راح ضحيتها العديد من القتلى، فأعلنت الشرطة قبل أيام مقتل خمسة أشخاص في إطلاق نار، جنوب شرقي البلاد، خلال مواجهات بين أنصار الحزبين الكبيرين المتنافسين، وأفاد المتحدث باسم الشرطة أن الضحايا ينتمون لحزب «مؤتمر عموم التقدميين» الحاكم، مرجحاً أن يكون الهجوم انتقامياً، وتقف خلفه قوى سياسية مناوئة في المنطقة.
وسط هذه الأجواء تبدو الانتخابات وكأنها استفتاء شعبي على حصيلة حكم الرئيس بخاري، الذي يحكم البلاد منذ 2015، كأول شخصية معارضة تتمكن من تحقيق الفوز في الرئاسيات منذ بداية التعددية السياسية في نيجيريا، حين قلب الطاولة على الرئيس السابق غودلاك جوناثان، من خلال خطاب يتبنى محاربة الفساد والإرهاب.
بخاري، الجنرال السابق، كان قد قاد انقلابا عسكرياً في ثمانينات القرن الماضي حكم بعده نيجيريا لسنتين. لكنه لم ينجح خلال السنوات الأربع الماضية في تحقيق وعوده الكبيرة بتوفير الأمن ومحاربة الفساد. إذ أن «بوكو حرام» الذي وعد بالقضاء عليه عاد لشن هجمات دامية في شمال نيجيريا وشرقها، بل واستطاع التنظيم المتطرف استعادة قوته رغم الضربات القوية التي تلقاها خلال السنوات الأخيرة والانقسامات الحادة التي عانى منها. وللعلم، قتل التنظيم الذي يوصف بأنه الأكثر دموية في أفريقيا، أكثر من 27 ألف شخص في شمال شرقي البلاد منذ 2009.
«بوكو حرام»، خاصة إبان الانتخابات الرئاسية، يشكّل مصدر قلق حقيقيا، كونه كثيراً ما يستهدف التجمعات الشعبية الكبيرة بهجمات إرهابية تتعمّد إسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا، ولا يُستبعد أن يشن هجمات جديدة ضد مراكز التصويت يوم الاقتراع.

- أسوأ أزمة اقتصادية
من جهة أخرى تعيش نيجيريا في ظل حكم بخاري أسوأ أزمة اقتصادية عرفتها في تاريخها، إذ عجز الرجل عن تنويع مصادر الدخل في البلاد التي تعتمد بنسبة 90 في المائة على مداخيل النفط، كما أن نسبة النمو العام الماضي لم تتجاوز 1.9 في المائة فقط. وفي حين يواصل الفساد ينخر الدولة ويكلفها خسائر تقدر بمليارات الدولارات، يرى النيجيريون أن وعود بخاري بخلق الوظائف والتركيز على تحسين مستوى البنية التحتية تبخّرت خلال السنوات الأربع الماضية. إذ تشير الأرقام إلى أن 23 في المائة من سكان البلاد يعانون من البطالة، بينما 44 في المائة يعيشون تحت خط الفقر، في بلاد تضم أكبر عدد من المليونيرات في أفريقيا.
أيضاً، كان الملف الصحي لبخاري حاضراً بقوة خلال الفترة الأخيرة، ذلك أن الرئيس البالغ من العمر 76 سنة، يعاني من مشاكل صحية كبيرة، أرغمته على الاختفاء عن الأنظار لعدة أشهر العام الماضي. وقيل إنه كان يتلقى فيها العلاج خارج البلاد، وبلغت الأمور حد اتهامه بالعجز عن أداء مهامه الرئاسية.ولكن، رغم كل هذه المآخذ على بخاري، فإن النيجيريين كانوا مقتنعين بأنه لا يوجد أي منافس له في المعارضة، قبل أن يظهر رجل الأعمال الثري عتيق أبو بكر، وهو سياسي معروف سبق أن شغل منصب نائب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس السابق أولوسيغون أوباسانجو، وكان قبل ذلك رئيساً للجمارك. فلقد استطاع أبو بكر خلال الأشهر الأخيرة طرح نفسه كمنافس شرس لبخاري، مع الإشارة إلى أن كلا المرشحين المتنافسين ينتميان إلى شعب الفولاني النافذ بشمال نيجيريا. الخطاب الذي يتبناه عتيق أبو بكر يقوم على ركائز عديدة، من أهمها الأمن والفساد. وهو يشدد على أن الخطط الأمنية التي انتهجها بخاري في مواجهة «بوكو حرام» كانت فاشلة فلم تؤت أكلها. ويتهمه أيضاً بالفشل في محاربة الفساد، واعدا بأنه إذا ما انتخب سيعفو عن المتهمين في قضايا الفساد شريطة أن يعيدوا إلى خزينة الدولة المبالغ التي تطالبهم بها، وهو ما يرى أنه سيمكّنه من توفير مبالغ ستساهم في تحسين أوضاع المواطنين. إلا أن عتيق أبو بكر يحمل بدوره إرثاً سيئاً خلفه، يتمثل بسجلّ حزبه «حزب الشعب الديمقراطي»، الذي حكم البلاد في الفترة بين 1999 و2015، وارتبط في أذهان النيجيريين بالفساد وانعدام الكفاءة وقلة الخبرة، وهي الأسباب التي تسببت في خسارته للانتخابات أمام بخاري قبل أربع سنوات.
لقد حاول أبو بكر إبان الحملة الانتخابية تغيير هذه الصورة السلبية العالقة بحزبه، من خلال خطاب جديد يتعهد بمحاربة الفساد وتحسين الأوضاع الاقتصادية. لكن وعوده، وكذلك وعود منافسه الرئيس بخاري، تبقى غير مقنعة لملايين النيجيريين الذين يرون أنها مجرد كلام انتخابي لن ينعكس على حياتهم بعد انتخاب أصحابها، وهذا، بناءً على تجاربهم السيئة مع الحكومات السابقة المتعاقبة. وهذا ما يوحي بأن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات قد تكون منخفضة جداً بالمقارنة مع الانتخابات السابقة.

- المرشحان المتنافسان ... بُخاري وأبو بكر
* محمد بخاري، من مواليد 1942. يتحدر من أسرة مسلمة تنتمي إلى شعب الفولاني في شمال نيجيريا.
بخاري جنرال سابق في الجيش سبق أن قاد انقلابا عسكرياً ناجحاً عام 1983.
أطاح بالرئيس المدني المنتخب شيخو شاغاري، ليحكم البلاد خلال سنتين، قبل الإطاحة به في انقلاب عسكري آخر.
وحالياً يحكم بخاري نيجيريا – للمرة الثانية – منذ عام 2015.
* عتيق أبو بكر، من مواليد 1946. يتحدر من الشمال ويُوصف من طرف المسلمين في نيجيريا بـ«الحاج»، وله بالفعل ميول دينية وصوفية. أبو بكر، الذي ينتمي أيضاً إلى شعب الفولاني، رجل أعمال ثري ذو خبرة سياسية مهمة، إذ سبق أن شغل منصب نائب رئيس الجمهورية خلال حكم الرئيس الأسبق أولوسيغون أوباسانجو (1999 - 2007)، وكان من معارضي التعديلات الدستورية التي حاول أوباسانجو تمريرها عام 2006 للبقاء في الحكم، لكنها فشلت.

- شعوب نيجيريا... وقبائلها
تُعد نيجيريا سابع أكبر بلد في العالم من حيث تعداد السكان، بنحو 200 مليون نسمة، مُشكَّلة من أكثر من 500 جماعة عرقية، تتوزّع على آلاف الشعوب والقبائل، التي تعتز كل واحدة منها بهويتها الخاصة، ولغتها ودينها. وتريد حصة من الدولة المركزية على شكل نفوذ وعائدات مادية، وعندما لا تتحقق مطالبها تهدّد بالانفصال عن الدولة الفيدرالية.
من أبرز شعوب نيجيريا وقبائلها: الهَوسا (أكثر من 55.6 مليون نسمة) واليوروبا (أكثر بقليل من 41.6 مليون نسمة) والإيغبو – أو الإيبو – (نحو 32 مليون نسمة) والفولاني (في نيجيريا وحدها أكثر من 15.3 مليون، ولكن مجموعهم في دول جنوب الصحراء يقارب الـ40 مليون نسمة). هذه الشعوب (القبائل) الأربعة تشكل وحدها أكثر من 70 في المائة من إجمالي تعداد السكان، ولقد أثرت العلاقات بينها في تفاصيل المشهد السياسي والأمني والاقتصادي في نيجيريا.
- قبائل شعب الهَوسا (أكثر من 90 في المائة منها تدين بالإسلام) تنتشر في شمال نيجيريا مع امتدادات في النيجر وتشاد، ولديها ارتباط تاريخي بشعوب جنوب الصحراء الكبرى، وخاصة قبائل الفولاني والصُّنغاي والزبرما (الجيرما). من أبرز شخصيات الهَوسا في نيجيريا الرئيس السابق الجنرال مرتضى الله محمد.
- قبائل شعب الفولاني – أو الفلاتة – التي تشكّل رابع أكبر مكوّنات نيجيريا القبلية، وتعيش في شمالها، فهي مسلمة تتمتع بإرث تاريخي عظيم، يتمثل في بنائها عدة إمبراطوريات إسلامية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، ومنها يتحدر الرئيس المنتهية ولايته محمد بخاري وسلفه الرئيس شيخو شاغاري. أبرز شخصيات الفولاني القائد الإسلامي التاريخي عثمان دان فوديو، الذي أخضع الهَوسا وأسس حلفاً معهم ساهم في نشر الإسلام جنوباً، إذ حوّل نحو نصف شعب اليوروبا إلى مسلمين. ولقد حظي نسل دان فوديو، ولا سيما من سلاطين سوكوتو (شمال غربي نيجيريا) بنفوذ سياسي وديني ضخم، وكان آخرهم «السرداونا» أحمدو بيلو رئيس وزراء شمال نيجيريا وأكبر ساستها سلطة في عهد الاستقلال.
- قبائل شعب اليُوروبا، تقطن جنوب غربي نيجيريا، مع امتداد عرقي في بنين وتوغو المجاورتين. اليوروبا ثاني أكبر المكوّنات القبلية في نيجيريا، وهم منقسمون بالتساوي تقريباً بين الإسلام والمسيحية، ويقطن أغلب أفراد قبائلهم المدن الكبيرة مثل لاغوس وإيبادان وأوغبوموشو وأويو وأبيوكوتا، ويمارسون التجارة ويتمتعون بنفوذ كبير. منهم الرئيس الأسبق الجنرال أولوسيغون أوباسانجو.
- قبائل شعب الإيغبو (أو الإيبو)، هي ثالث أكبر مكوّنات نيجيريا من حيث التعداد السكاني، وكلها تدين بالمسيحية، ويتركز انتشارها في جنوب شرقي البلاد (مناطق النفط).
كانت هذه القبائل سبّاقة للتواصل مع البريطانيين ما أتاح لأبنائها الاستفادة من مزايا التعليم والتوظيف بشكل مبكّر. وبسبب الثروتين النفطية والعلمية سعت قيادات عسكرية وسياسية من الإيغبو إلى الانفصال، معلنة تحت قيادة الجنرال أودوميغوو أوجوكوو تأسيس دولة «بيافرا». غير أن مشروعها فشل وكبّدها وكبّد نيجيريا تكلفة باهظة بشرياً وسياسيا. من الإيغبو يتحدّر الدكتور نامدي أزيكيوي أول رئيس جمهورية لنيجيريا المستقلة، والجنرال جونسون إيرونسي القائد الذي استغل الانقلاب الدامي (قُتل فيه أحمدو بيلو ورئيس الحكومة الاتحادية أبو بكر تفاوا باليوا) في مطلع 1966 ليتولى الحكم.
جدير بالإشارة، أنه رغم هيمنة الشعوب الأربعة المذكورة على المشهد في نيجيريا، فهناك العديد من الشعوب والقبائل التي ساهمت من موقعها في رسم ملامح المشهد في نيجيريا خلال العقود الماضية، منها الكانوري (أبناء عمومة شعب الفور في دارفور بغرب السودان، ومنهم الرئيس الأسبق الجنرال ساني آباتشا) والتيف (الذين ينتمي إليهم الرئيس الأسبق الجنرال ياكوبو غوون الذي أنهى انفصال «بيافرا»).


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)

من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.

أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».

أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.

حذر في المكسيك

في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.

الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.

من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

المشهد البرازيلي

في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.

أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.

بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».

اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.

مَيلي متحمّس ومرتاح

الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.

يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.

فنزويلا وكوبا

في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».

أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».

من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.

تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض

معها «سحباً سوداء» فوق كوبا

التي تتوقع تشديد العقوبات

الرئيس المكسيكية الاشتراكية كلاوديا شاينباوم (رويترز)

كولومبيا تثير موضوع غزة

كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».

باقي اليمين يرحب

في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».

وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».

 

حقائق

واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.