«فاتف» تمهل إيران أربعة أشهر إضافية للامتثال إلى قوانين مكافحة تمويل الإرهاب

«فاتف» تمهل إيران أربعة أشهر إضافية للامتثال إلى قوانين مكافحة تمويل الإرهاب
TT

«فاتف» تمهل إيران أربعة أشهر إضافية للامتثال إلى قوانين مكافحة تمويل الإرهاب

«فاتف» تمهل إيران أربعة أشهر إضافية للامتثال إلى قوانين مكافحة تمويل الإرهاب

وافقت مجموعة مراقبة العمل المالي (فاتف) أمس، على تعليق الإجراءات ضد إيران للمرة الثالثة على التوالي وأمهلتها أربعة أشهر إضافية للامتثال إلى معايير المجموعة والانضمام إلى اتفاقيتي مكافحة الجريمة الدولية (بالرمو) ومكافحة تمويل الإرهاب (سي إف تي).
وقالت مجموعة «فاتف» في نهاية اجتماعها في باريس أمس، أنها أمهلت إيران أربعة أشهر أخرى لتمرير تشريعات مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال. يأتي ذلك بعد انقضاء مهلة أعطيت لطهران في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما تسبب في انتقادات من بعض الدول لإيران بالمماطلة في الامتثال للقوانين الدولية.
وتقول الشركات الأجنبية إن التزام إيران بقواعد «فاتف» ضروري إذا كانت طهران تريد اجتذاب المستثمرين، خصوصا بعد أن أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات على إيران، وذلك تحت طائلة مواجهة البنوك الإيرانية تشديدا في عمليات الفحص والتدقيق العالمية. وربطت فرنسا وبريطانيا وألمانيا التزام إيران وحذفها من القائمة السوداء لـ«فاتف» باستخدام قناة جديدة للتجارة بغير الدولار مع إيران تجنبا للوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية.
وقال مارشال بيلينغسلي مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب، الذي رأس اجتماع «فاتف»، إن إيران أمامها حتى يونيو (حزيران) المقبل، قبل سريان إجراءات مضادة بشكل تلقائي. وأضاف للصحافيين أن «ذلك مؤشر كبير من فاتف إلى أن الوقت انتهى، وأن خطة العمل انقضى موعدها ونتوقع تطبيقها بدون تأجيل».
وأشار بيلينغسلي أنه سيطلب من أعضاء «فاتف» حول العالم تكثيف إجراءات الإشراف على فروع البنوك الإيرانية في مناطقهم، بما في ذلك التفتيش في الموقع. وفي حالة عدم الامتثال، فإن «فاتف» ستدعو أعضاءها إلى إسداء النصح لبنوكهم بفحص جميع الأنشطة مع إيران، بما في ذلك الحصول على معلومات أو أسباب المعاملات المزمعة، وتعزيز القيود على التعاملات وتحديد أنماط التعاملات من أجل تعزيز التدقيق.
ورحب البنك المركزي في إيران بتمديد «فاتف» المهلة ودعا في بيان البرلمان إلى «الموافقة على مشاريع القوانين المتبقية بأسرع وقت ممكن» وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية.
وقدمت الحكومة الإيرانية في مارس (آذار) الماضي أربع لوائح لامتثال إلى معايير «فاتف»، ولكنها بعد أشهر من الخلافات الحادة بين دوائر صنع القرار، لم تنجح إلا في لائحتين بشأن تعديل قانونين محليين لمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال بتدخل من «مجلس تشخيص مصلحة النظام».
ويعود تشريع القانونين المحلية إلى حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد لكن الحكومة الإيرانية اقترحت تعديل في محاولة لتخفيف قيود محتملة من مجموعة «فاتف» الدولية. وتصنف «فاتف» إيران وكوريا الشمالية على رأس القائمة السوداء للدول التي تشكل خطرا على شبكة المال الدولية.
ويدرس «مجلس تشخيص مصلحة النظام» حاليا مشروع انضمام إيران إلى الاتفاقيتين ولكن تسريبات وسائل الإعلام الإيرانية ترجح رفض المشروع الحكومي بسبب معارضة مشددة من الأوساط المقربة من «الحرس الثوري» الإيراني.
وطالب البرلمان الإيراني الشهر الماضي بتدخل مجلس تشخيص مصلحة النظام بعدما رفض مجلس صيانة الدستور وهو الجهاز المشرف على قرارات البرلمان، تمرير قانونين تسمح للحكومة الإيرانية الانضمام إلى اتفاقيتي مكافحة الجريمة الدولية ومكافحة تمويل الإرهاب الدوليتين وهو ما يفتح الباب لانضمام إيران إلى مجموعة مراقبة العمل المالي (فاتف).
وتنفي الحكومة الإيرانية أن يكون لمعايير «فاتف» تأثير على «الحرس الثوري» وخاصة أنشطة ذراعه الخارجي «فيلق القدس» والجماعات التي تتلقى دعما إيرانيا في لبنان وفلسطين. ومع ذلك فإن «الحرس الثوري» يقود حملة المعارضين لقانون في مجلس تشخيص مصلحة النظام، ولا تواجه حكومة روحاني مهمة سهلة لكن تتطلع إلى تدخل مباشر من خامنئي لإنهاء الخلاف.
وتقول الأوساط المنتقدة للقرار إن تعريف مجموعة «فاتف» الدولية لا يتفق مع تعريف إيران للإرهاب وغسل الأموال.
وأطلقت الدول الأوروبية منذ ثلاثة أسابيع الآلية الخاصة للالتفاف على العقوبات الأميركية والتي تعرف باسم «اينستكس» ورهن بيان الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) عمل الآلية بامتثال إيران لمعايير «فاتف» لكن طهران أعلنت رفضها القاطع لربط آلية «اينستكس» والانضمام إلى «فاتف». وفي أكتوبر الماضي، أبلغ ظريف البرلمان الإيراني خلال جلسة نقاش حول «فاتف» بأن الدول المتبقية في الاتفاق النووي بما فيها روسيا والصين رهنت استمرار التعاون المالي والاقتصادي مع إيران بالانضمام إلى «فاتف». ورحب البنك المركزي الإيراني بقرار المجموعة الدولية (فاتف) وأشاد في الوقت نفسه بأجهزة صنع القرار لتمريرها تعديلات على قانونين محليين بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وشهدت أسواق المالية الإيرانية موجة جديدة من تذبذب أسعار العملة على خلفية مخاوف من قرار مجموعة «فاتف» الدولية وتراجع الريال الإيراني مقابل الدولار في الأيام الماضية. وأعلن البنك المركزي الإيراني أنه يعمل على إنشاء كيان لـ«التعاون» في إطار الآلية الأوروبية الخاصة، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الآلية الأوروبية الخاصة «أقل من تعهدات الدول الأوروبية للإبقاء على الاتفاق النووي».
على صعيد آخر، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تلتزم ببنود الاتفاق النووي المبرم مع القوى الكبرى، فيما يتواصل الجدل الدبلوماسي بشأن مستقبل الاتفاق. وأكد التقرير الأخير للوكالة أن إيران لا تزال ملتزمة بالقيود المفروضة على أنشطتها النووية بموجب الاتفاق المعروف باسم «خطة العمل المشترك الشامل» المبرم عام 2015.



إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

إلى جانب الأهداف المتعددة، بما في ذلك الإقليمية والداخلية، التي حققتها الهجمات الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية للجيش السوري، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوة كبيرة نحو التحضير لهجوم واسع على إيران. فالحلم الذي راوده منذ 13 عاماً بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني أصبح، من وجهة نظره، أمراً واقعاً. ولديه شريك مهم يشجعه على ذلك، وهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

كان نتنياهو، ومن خلفه الجيش والمخابرات، مقتنعين بأن توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني هو مشروع ضخم يفوق بكثير قدرات إسرائيل.

لذلك، حاول نتنياهو خلال الحرب جرّ أقدام الولايات المتحدة للقيام بالمهمة، لكنه فشل. فالرئيس جو بايدن ظل متمسكاً بموقفه مؤيداً للحوار الدبلوماسي مع طهران. غير أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) غيّر القناعات. فقد كانت نتائج الهجوم قاسية على القدرات الدفاعية الإيرانية، وإيران أول من يعلم بذلك لكنها تفضل الصمت. وإذا أضفنا إلى ذلك أن خطة طهران لتطويق إسرائيل بأذرع عسكرية فتاكة تلقت ضربة قوية، حيث تم تدمير 60 إلى 70 في المائة من قدرات «حماس» العسكرية في غزة والضفة الغربية، وتدمير نصف قوة «حزب الله» على الأقل، فإنها قلّمت أظافر «الحرس الثوري» الإيراني.

طائرة مقاتلة إسرائيلية في مكان غير محدد في صورة نشرها الجيش في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أتيحت لإسرائيل فرصة مفاجئة ونادرة لضرب الجيش السوري، فاستغلتها دون تردد. وفي غضون أيام قليلة، دمرت سلاح الجو السوري وقواعده، وكذلك سلاح البحرية وموانئه، إلى جانب معظم الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ. وكل ذلك دون أن تتعرض لإطلاق رصاصة واحدة، ليخرج الجيش الإسرائيلي من الهجوم بلا أي إصابة.

كما هو معروف، نفذ الجيش الإسرائيلي هذه العملية ليؤكد مكانته كأقوى جيش في المنطقة، ولإظهار أنه يرد على المساس به بمقاييس ضخمة غير مسبوقة في الحروب. كما كانت رداً على الانتقادات الداخلية في إسرائيل، خصوصاً بعد نقاط ضعفه التي ظهرت في 7 أكتوبر 2023 وخلال الحرب.

بالنسبة لنتنياهو، كانت العملية وسيلة لإثبات قوته السياسية لخصومه الذين يرونه «قائداً فاسداً ومحتالاً»، ولإظهار أنه يدير حرباً تحقق مكاسب هائلة. ومع سهولة انهيار نظام الأسد وتحطيم الجيش السوري، أصبحت هذه العملية تحقق مكسباً استراتيجياً لم تتوقعه أي مخابرات في العالم، ولم تتخيله أعتى الساحرات، حيث مهدت الطريق أمام نتنياهو للضربة التالية: إيران.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اليوم، تناقلت جميع وسائل الإعلام العبرية تصريحات صريحة لمسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليَّيْن، يؤكدون فيها أن «الهدف المقبل للجيش الإسرائيلي هو توجيه ضربة لإيران». وذكر هؤلاء المسؤولون أن العمليات العسكرية الجارية في سوريا تهدف إلى «تنظيف الطريق، جواً وبراً»؛ لتمهيد الطريق لضربة مباشرة ضد إيران. كما أشار البعض إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يدرس توجيه ضربة قاصمة للحوثيين في اليمن كجزء من هذه الاستعدادات.

بالطبع، يعتقد الخبراء أن ضرب إيران «ليس بالمهمة السهلة. فهي لا تزال دولة قوية، تخصص موارد هائلة لتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع عقيدة لا تعترف بالهزيمة أو الخسارة».

بالنسبة لإيران، حسابات الربح والخسارة ليست محورية؛ إذ تحتفل بالنصر دون هوادة مهما كان الثمن الذي تدفعه باهظاً، خصوصاً عندما يكون الآخرون هم من يتحملون التكلفة.

وفي إسرائيل، كما في دوائر سياسية عديدة في الولايات المتحدة والغرب، يزداد الاقتناع بأن القيادة الإيرانية تدرك التحديات والأخطار المتراكمة ضدها. ويُعتقد على نطاق واسع أنها قد ترى الحل الوحيد أمامها يكمن في تسريع تطوير قدراتها النووية العسكرية، وصولاً إلى إنتاج قنبلتها الذرية الأولى.

صورة جوية تظهر سفناً للبحرية السورية استهدفتها غارة إسرائيلية في ميناء اللاذقية الثلاثاء (أ.ف.ب)

هذا الواقع يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط دفاعاً عن نفسها، بل أيضاً نيابة عن دول الغرب وحماية لمصالحها المشتركة. تدعم دول الغرب هذا التوجه. وقد بدأت إسرائيل بطرح هذا الملف منذ عدة أشهر أمام حلفائها، لكنها تطرحه الآن بقوة أكبر بعد انهيار نظام الأسد وتدمير قدرات الجيش السوري.

رغم إعجاب الغرب بالقدرات الإسرائيلية وإشادته بجيشها، الذي استطاع قلب الموازين وتحقيق مكاسب عسكرية بعد إخفاقه المهين أمام هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حيث يُتوقع أن تصبح هذه المكاسب مادة دراسية في الكليات الحربية، فإن هناك تساؤلات ملؤها الشكوك: هل هذه الحسابات الإسرائيلية واقعية ودقيقة؟ أم أنها تعتمد بشكل كبير على الغرور والغطرسة أكثر من التحليل المهني والتخطيط الاستراتيجي؟

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

وماذا سيكون موقف إسرائيل إذا تبين أن القيادة الإيرانية بدأت بالفعل الاستعداد للتحول إلى دولة نووية منذ التهديدات الأولى لها، وقد تُفاجئ العالم اليوم بإعلان تجربة نووية ناجحة، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية عام 2007؟

وفي الداخل الإسرائيلي، تُطرح تساؤلات صعبة؛ أبرزها: «هل نخوض مغامرة كهذه، نخدم فيها الغرب وكل خصوم إيران في المنطقة، بينما ندفع نحن الثمن كاملاً؟».