الانتخاب الفرعي في طرابلس وجه آخر لمعركة «محور الممانعة» ضد الحريري

TT

الانتخاب الفرعي في طرابلس وجه آخر لمعركة «محور الممانعة» ضد الحريري

بعد قبول المجلس الدستوري اللبناني الطعن بنيابة ديما جمالي عن المقعد النيابي السني الخامس عن طرابلس من دون تمكين منافسها طه ناجي (جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية - الأحباش) من الفوز بهذا المقعد خلفاً لها، لانعدام الفارق بينهما فإن الطاعن والمطعون بنيابتها طعنا بقرار المجلس، وتقرر إجراء انتخابات نيابية فرعية خلال شهرين لملء المقعد الشاغر، مع أن التصويت على القرار جاء خلافاً لما تضمّنه التقرير الذي أعده العضوان في المجلس وبتكليف منه وتضمّن بصراحة رفضاً للذي تقدّم به ناجي المرشح على «لائحة الكرامة» برئاسة النائب العضو في اللقاء التشاوري فيصل عمر كرامي.
وأجمعت ردود الفعل على قرار إبطال نيابة جمالي، المنتمية إلى كتلة «المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري الذي عاد وتبنّى ترشّحها، على وجود تدخّلات سياسية كانت وراء صدوره بهذه الطريقة، ووضع تيار «المستقبل» قرار المجلس الدستوري في خانة تشريع الأبواب للتدخّل في البيت السنّي، في إشارة إلى تدخّل «حزب الله» لمصلحة «اللقاء التشاوري» الذي يتشكّل من النواب السنة المعارضين له والذي أفضى إلى تمثيل اللقاء في الحكومة بشخص الوزير حسن عبد الرحيم مراد من حصة رئيس الجمهورية ميشال عون رغم أن الرئيس الحريري كان من أشد المعارضين لإشراكه في الحكومة.
ولم تتردد مصادر قيادية في «المستقبل» في التعامل مع الطعن في نيابة جمالي على أن من تدخّل لإبطال نيابتها أراد توجيه رسالة سياسية مباشرة إلى الحريري، وهذا ما عكسه البيان الذي صدر عن الاجتماع الاستثنائي للكتلة برئاسة النائب بهية الحريري وفيه إشارة واضحة إلى انقلاب عضو في المجلس الدستوري على تقريره الخطي الممهور بتوقيعه الشخصي الذي أريد منه استهداف الحريري شخصياً لتصفية الحسابات الشخصية معه.
وتلفت المصادر القيادية نفسها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن من تدخّل لدى المجلس الدستوري واضطره للتصويت على قرار يخالف كلياً روحية التقرير برفضه قبول الطعن بنيابة جمالي أراد تمرير رسالة لحلفائه في «اللقاء التشاوري» بأنه ليس متروكاً لوحده، وأنه سيبقى وفياً له على غرار إصراره على تمثيله في الحكومة وكان له ما أراد بربط مشاركته في الحكومة بإشراك الفريق السنّي الحليف له.
وهكذا فإن من تدخّل وضغط لإبطال نيابة جمالي أعفى نفسه من الإحراج أمام حلفائه، وذلك في سياق معركته السياسية بمنع الحريري ومن يتحالف معه من حصر التمثيل السنّي بـ«المستقبل». مع أن تدخّله أدى حكماً إلى تسليف حليفه أي «اللقاء التشاوري» نصف جائزة ترضية بمجرد انتزاع موافقة المجلس الدستوري على إبطال نيابتها على أن يبقى النصف الآخر من هذه الجائزة متروكاً للنتائج التي يُفترض أن يحملها الانتخاب الفرعي لملء المقعد النيابي الشاغر.
لذلك لم يؤدّ قرار المجلس الدستوري إلى الدخول مع الرئيس الحريري في معركة «كسر عظم» بمقدار ما أنه أتاح لخصومه في «اللقاء التشاوري» ومن خلفه بعض حلفائه في «محور الممانعة» تسجيل نصف انتصار، لأن الانتصار الكامل بإعلان فوز ناجي بالمقعد النيابي قد يؤدي إلى تهديد مباشر للتسوية السياسية التي شكّلت الإطار العام الذي اتُّبع لإخراج التشكيلة الوزارية من التأزُّم السياسي.
كما أن قبول الطعن - كما قالت المصادر المواكبة لـ«الشرق الأوسط»، سيضع معركة الانتخاب الفرعي في طرابلس أمام إعادة خلط الأوراق السياسية وصولاً إلى إنتاج خريطة جديدة للتحالفات هذه المرة لم تكن قائمة خلال إجراء الانتخابات النيابية، ومنها تلك التي اتسمت بها الدائرة الثانية في الشمال التي جمعت طرابلس بدائرة واحدة مع قضاءي الضنية - المنية.
وعليه فإن الانتخاب الفرعي في طرابلس - كما تقول المصادر - يشهد معركة سياسية بامتياز تدور بين «محور الممانعة» الذي يضم في عاصمة الشمال تحالف فيصل كرامي و«الأحباش» والحزب «العربي الديمقراطي» بغالبيته الساحقة من الطائفة العلوية الموالية للنظام في سوريا وحركة التوحيد الإسلامي ومجموعات إسلامية متشدّدة تدور في فلكها.
ويحظى هذا التحالف بتأييد مباشر من «حزب الله» وحزبي «السوري القومي الاجتماعي» و«البعث» التابع مباشرة للحزب الحاكم في سوريا ويخطط لخوض المعركة مع «المستقبل» وحلفائه من دون التقليل من القوة الانتخابية للرئيس نجيب ميقاتي الذي حل في المرتبة الأولى في حصوله على الصوت التفضيلي بفارق كبير عن جميع منافسيه ممن كانوا معه على نفس اللائحة أو ترشحوا على اللوائح الأخرى. وأيضاً من الحجم الانتخابي للنائب السابق محمد الصفدي.
وفي هذا السياق فإن الحريري وميقاتي أصبحا حلفاء اليوم مع أنهما كانا أثناء إجراء الانتخابات النيابية في مايو (أيار) 2018 على خصومة سياسية، فيما يبقى تحالف الحريري - الصفدي على حاله والأخير تمثّل في الحكومة بزوجته الوزيرة فيوليت خير الله.
وتقف المعركة في طرابلس أمام مرحلة جديدة من التحالف بين الحريري وميقاتي الذي تمثَّل في الحكومة بالوزير عادل أفيوني وبالتالي لن يعاد خلط الأوراق التحالفية بينهما في اتجاه فك هذا التحالف الذي هو على موعد لقاء يُعقد بينهما مع أنه لن يحمل أي مفاجأة ويمكن أن يشكل فرصة لتجديده، وهذا ما يستنتجه الرئيس فؤاد السنيورة الذي هو على تواصل مع ميقاتي.
وبالنسبة إلى الوزير السابق أشرف ريفي فإنه لا يزال في مرحلة التشاور مع أصدقائه لاتخاذ موقفه النهائي في الأسبوع المقبل. رغم أن أصدقاء مشتركين تجمعهم صداقة به وفي نفس الوقت بـ«المستقبل» يحاولون الإفادة من الاستحقاق النيابي لإقناع ريفي بعدم خوض الانتخابات للإبقاء على إمكانية الدخول على خط التواصل لفتح صفحة جديدة بينه وبين الرئيس الحريري.
وإلى أن يقرر ريفي موقفه من الانتخابات فإن «الجماعة الإسلامية» التي تتمتع بحضور انتخابي في طرابلس باشرت بدراسة موقفها، لكنها في مطلق الأحوال لن تخطو خطوة في اتجاه التحالف مع «الأحباش» ومن خلالهم مع «محور الممانعة» لأن الخلاف بينهما غير قابل للتسوية. فيما لن يكون للصوت المسيحي في طرابلس أي دور تقريري لأن الثقل الأساسي والمقرر يعود للناخبين السنة.
وفي انتظار جلاء الخريطة النهائية للتحالفات فإن مصادر طرابلسية تنظر إلى المعركة بأنها ستصب لمصلحة «المستقبل» شرط أن تتفادى القوى الناخبة الكبرى في طرابلس ما أصابها في الانتخابات البلدية الأخيرة التي أتاحت لريفي الفوز بأكثرية أعضاء مجلسها البلدي، لأن تحالف الكبار في هذه المعركة بقي عاجزاً عن ترجمته في حينه في صناديق الاقتراع البلدية، من دون أن نُسقط من حسابنا - كما تقول مصادر طرابلسية - احتمال حصول ترشيحات، بعضها يتوخى الحصول على رقم انتخابي يمكّنه من تقديم اعتماده كمرشح في الانتخابات النيابية المقبلة، وبعضها الآخر يريد الدخول في بازار الابتزاز السياسي.
لذلك، فإن الانتخاب الفرعي يمكن أن يكون عيّنة على ما ستكون عليه التحالفات الانتخابية في الدورة المقبلة، وهذا من شأنه أن يرفع منسوب المشاركة على خلفية احتدام المعركة بين خيارين سياسيين، وهذا ما يضع جمهور «المستقبل» أمام اختبار الذات لجهة التحضير لخوض المعركة دعماً لخيار الحريري.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».