موسكو تشكك في تنفيذ واشنطن قرار الانسحاب من سوريا

TT

موسكو تشكك في تنفيذ واشنطن قرار الانسحاب من سوريا

انتقلت موسكو من إعلان ترقب الخطوات الأميركية في سوريا بعد قرار الانسحاب، إلى التشكيك في نيات واشنطن، بسبب «تضارب المعطيات القادمة من وراء المحيط»، وفقاً لتصريح الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الذي أعلن أن بلاده «لا تفهم عن أي انسحاب تتحدث واشنطن». وبرز تصعيد اللهجة في دعوة الخارجية الروسية، أمس، إلى «عدم الثقة بأي تصريحات تصدر في واشنطن» حول موضوع الانسحاب من سوريا.
وبدا أمس أن موسكو التي حافظت على موقف متحفظ خلال الفترة الماضية، بانتظار «خطوات ملموسة على الأرض» وفق تصريح نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، بدأت تشكك رسمياً في نيات واشنطن، ما عكس بحسب تعليق خبير مقرب من الكرملين «فقدان الثقة بأن الرئيس دونالد ترمب سيكون قادراً على تنفيذ قرار الانسحاب».
وجاء إعلان بيسكوف حول أن الكرملين «يراقب ويتابع باهتمام تطور موقف الولايات المتحدة من سحب قواتها من سوريا، ويجري تحليلاً للوضع» ليؤكد أن موسكو بدأت تتعامل مع القرار الأميركي بصفته «مناورة وليس إطلاقاً لمرحلة جديدة» كما قال الخبير.
وقال بيسكوف للصحافيين: «نحن لم نفهم حتى الآن عما يجري الحديث. أنتم تعلمون أن تصريحات أطلقت في البداية، والآن هناك تعديلات جديدة». مضيفاً أن موسكو تريد أن تتعامل مع وقائع على الأرض. وزاد: «أحياناً نسمع تصريحات مختلفة من هيئات مختلفة، لذلك نحن نراقب باهتمام كبير ودقيق، كيف يتطور موقف الولايات المتحدة حيال هذه المسألة، ونحن نحلل حالياً التصريحات».
تزامن ذلك مع دعوة شديدة اللهجة أطلقتها الخارجية الروسية، أمس، إلى «عدم الثقة بتصريحات مسؤولي الولايات المتحدة، حول سحب القوات الأميركية من سوريا».
وقالت الناطقة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا، إنه «لا جدوى من الثقة بهذه التصريحات أياً كان مصدرها؛ لأنها تصريحات سيتم تفنيدها في اليوم التالي من قبل قوى سياسية أخرى». وأوضحت زاخاروفا أن السلطات الأميركية «ما زالت تفتقر إلى تصور حقيقي لاستراتيجيتها في المنطقة، ولم تقدّم حتى الآن رؤية واضحة (لهذه الاستراتيجية) ذات معايير زمنية ونوعية دقيقة وأهداف ومهمات».
وأضافت الدبلوماسية الروسية: «نحن نعرف تمام المعرفة أنه حتى القضايا البسيطة جداً تُناقش في الولايات المتحدة على مدار أشهر، وماذا عن المواطنين الأميركيين، والعسكريين الذين لا تكمن مهمتهم على الإطلاق في ضمان أمن الولايات المتحدة؛ بل ينفذون مهمات مختلفة تماماً تطرح أمامهم، وإذا كانوا يُسحبون بعد نشرهم، فذلك يعني أن هذه القضايا تتطلب هي الأخرى مناقشة على المستوى الوطني».
في سياق متصل، أكدت المتحدثة باسم الوزارة إجراء اتصالات منتظمة بين روسيا والولايات المتحدة والأردن، بشأن مخيم الركبان للنازحين السوريين على الحدود بين سوريا والأردن. وأوضحت زاخاروفا أن الحديث يدور فقط عن اتصالات بين خبراء، بينهم خبراء عسكريون، دون أن ترقى إلى مستوى وزراء الدفاع أو الخارجية في الدول الثلاث.
وكان رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، الجنرال سيرغي سولوماتين، قد أعلن أن المسلحين الذين ينشطون في منطقة الركبان، يمنعون النازحين من مغادرة المخيم، مستخدمين «أساليب الترهيب»، وزاد أنهم قاموا «ببناء ساتر ترابي حول المخيم».
وأفاد، أمس، ينس ليركي، المتحدث باسم مفوض الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، في موجز صحافي نقلت تفاصيله وسائل إعلام روسية، بأن الوضع في الركبان لا يزال صعباً، وأن النازحين ما زالوا غير قادرين على المغادرة، على الرغم من فتح معابر لخروج الراغبين منه.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.