قال مستشار الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إن زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لبلاده، تكتسب أهمية كبيرة لترسيخ الثقة الاستراتيجية المتبادلة وتعزيز التعاون العملي بين البلدين في المجالات كافة، وصيانة السلام والاستقرار في المنطقة في ظل الأوضاع الدولية والإقليمية المعقدة.
وقال وزير الخارجية الصيني، في حوار خاص مع «الشرق الأوسط»، إن الجانب الصيني يولي اهتماماً بالغاً بهذه الزيارة، فأعدّ لها ترتيبات عالية المستوى، حيث سيلتقي الرئيس شي جينبينغ ولي العهد، وسيترأس نائب رئيس مجلس الدولة هان تشينغ معه الدورة الثالثة للجنة الصينية السعودية المشتركة الرفيعة المستوى، وسيوقع الجانبان على سلسلة من وثائق التعاون العملي في مجالات الطاقة الإنتاجية والتجارة والطاقة والنقل البحري وغيرها.
وأضاف الوزير الصيني: «نثق بأن هذه الزيارة ستحقق سلسلة من النتائج المثمرة، بما يثري مقومات علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين ويعود بمزيد من الفوائد الملموسة على البلدين والشعبين»، مشيراً إلى أن التعاون العملي بين البلدين، حقق نتائج مثمرة خلال المواءمة المستمرة والمتعمقة بين مبادرة «الحزام والطريق»، و«رؤية 2030» السعودية.
وأكد مستشار الدولة الصيني، أن التعاون بين البلدين، حقق نتائج ملحوظة في مجالات التكنولوجيا الحديثة والمتقدمة، حيث أطلقت وحدات التصوير السعودية على متن القمر الصناعي الصيني في العام الماضي، ما شكل المحاولة الأولى والناجحة للدول العربية في استكشاف القمر، كما تم إطلاق قمرين صناعيين سعوديي التصميم من قبل صاروخ «لونغ مارش» الصيني.
ولفت إلى أنه بلغ حجم التبادل التجاري 63.33 مليار دولار في عام 2018، وأصبحت المملكة أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وأفريقيا لـ18 سنة متتالية، حيث وضع الجانبان بشكل مشترك الدفعة الأولى من المشروعات ذات الأولوية للتعاون في الطاقة الإنتاجية والاستثمار بقيمة إجمالية تبلغ 55 مليار دولار، وتقدمت بخطوات متزنة أعمال البناء للتجمع الصناعي الصيني السعودي بمدينة جازان.
وأضاف الوزير وانغ يي، أنه تم تدشين المشروع الاستثماري الأول في التجمع قبل فترة، وهو مشروع «بان آسيا للبتروكيماويات» الذي يتجاوز الاستثمار فيه 3.2 مليار دولار، في حين يجري التعاون في مصفاة ينبع بالسعودية ومصفاة «بانجين» بمقاطعة «لياونينغ» ومحطة رابغ للكهرباء، ومشروع الجسر البري للسكة الحديدية وغيرها من مشروعات الطاقة والبنية التحتية الكبيرة بخطوات حثيثة، وفيما يلي تفاصيل الحوار:
> ما تقييمكم لمستوى العلاقات بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية على المستوى الثنائي، وخاصة التقدم في التعاون في البناء المشترك لـ«الحزام والطريق؟
- الصداقة الصينية - السعودية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ. منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1990، شهدت العلاقات الثنائية تطوراً سريعاً، حيث تعززت الثقة السياسية المتبادلة باستمرار، وتبادل الجانبان الدعم الثابت في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والهموم الكبرى للجانب الآخر. في السنوات الأخيرة، تكثفت التبادلات الرفيعة المستوى بين الصين والمملكة، إذ حقق الرئيس شي جينبينغ والملك سلمان بن عبد العزيز الزيارة المتبادلة، وأقام البلدان علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وتم تشكيل اللجنة المشتركة الرفيعة المستوى، الأمر الذي يرشد بقوة التعاون بين البلدين في كل المجالات على نحو معمق، ويدفع العلاقات الثنائية لأن تتطور بزخم أقوى.
وحقق التعاون العملي بين البلدين نتائج مثمرة خلال المواءمة المستمرة والمتعمقة بين مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، و«رؤية 2030» السعودية. في هذا السياق، بلغ حجم التبادل التجاري 63.33 مليار دولار في عام 2018، وأصبحت المملكة أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وأفريقيا لـ18 سنة متتالية. كما وضع الجانبان بشكل مشترك الدفعة الأولى من المشروعات ذات الأولوية للتعاون في الطاقة الإنتاجية والاستثمار بقيمة إجمالية تبلغ 55 مليار دولار، وتقدمت بخطوات متزنة أعمال البناء للتجمع الصناعي الصيني السعودي بمدينة جازان، وتم تدشين المشروع الاستثماري الأول في التجمع قبل فترة، وهو مشروع «بان آسيا للتبروكيماويات» الذي يتجاوز الاستثمار فيه 3.2 مليار دولار. كما يجري التعاون في مصفاة ينبع بالسعودية ومصفاة بانجين بمقاطعة لياونينغ ومحطة رابغ للكهرباء ومشروع الجسر البري للسكة الحديدية وغيرها من مشروعات الطاقة والبنية التحتية الكبيرة بخطوات حثيثة. لقد حقق التعاون في التكنولوجيا الحديثة والمتقدمة نتائج ملحوظة، حيث أطلقت وحدات التصوير السعودية على متن القمر الصناعي الصيني في العام الماضي، ما شكل المحاولة الأولى والناجحة للدول العربية في استكشاف القمر، كما تم إطلاق قمرين صناعيين سعوديي التصميم من قبل صاروخ لونغ مارش الصيني. وتتكثف التبادلات الشعبية بين الصين والمملكة، في مقدمتها معرض «طريق الجزيرة العربية... روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» بحضور زعيمي البلدين، و«معرض كنوز الصين» المقام في السعودية، والتنقيب المشترك في موقع السرين الأثري الذي اكتشف آثاراً لطريق الحرير البحري، وأداء الفرقة السيمفونية الصينية والموسيقيين الصينيين في مدينة العلا التي تعتبر التراث الثقافي العالمي بالمملكة.. كل ذلك يعد نموذجاً حياً للتواصل والاستفادة المتبادلة بين مختلف الحضارات.
> ما دلالات زيارة ولي العهد السعودي لجمهورية الصين الشعبية في هذا الزمن بالتحديد؟
- في ظل الأوضاع الدولية والإقليمية المعقدة، تكتسب زيارة الأمير محمد بن سلمان أهمية كبيرة في ترسيخ الثقة الاستراتيجية المتبادلة وتعزيز التعاون العملي بين البلدين في كل المجالات وصيانة السلام والاستقرار في المنطقة. ويولي الجانب الصيني اهتماماً بالغاً بهذه الزيارة، فيعدّ لها ترتيبات عالية المستوى، حيث سيلتقي الرئيس شي جينبينغ، خصيصاً، ولي العهد، وسيترأس نائب رئيس مجلس الدولة هان تشينغ مع الأمير محمد بن سلمان الدورة الثالثة للجنة الصينية - السعودية المشتركة الرفيعة المستوى، وسيوقع الجانبان على سلسلة من وثائق التعاون العملي في مجالات الطاقة الإنتاجية والتجارة والطاقة والنقل البحري وغيرها. نثق بأن هذه الزيارة ستحقق سلسلة من النتائج المثمرة، بما يثري مقومات علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين ويعود بمزيد من الفوائد الملموسة على البلدين والشعبين.
> ما تقييمكم للدور السعودي في استقرار المنطقة سياسياً وأمنياً؟
- إن المملكة العربية السعودية، بصفتها دولة كبيرة في العالم العربي والإسلامي ومصدراً مهماً للطاقة في العالم والعضو العربي الوحيد في مجموعة العشرين، تقوم بدور فريد في شؤون الشرق الأوسط، وتساهم مساهمة إيجابية في صيانة الأمن والاستقرار وتعزيز التنمية المشتركة في المنطقة.
سياسياً، تنتهج المملكة السياسة الخارجية المستقلة وتدعو إلى الاحترام المتبادل والتعايش السلمي بين الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتعامل مع الآخرين بالود والمساهمة في تسوية القضايا الإقليمية الساخنة، خاصة في قضية فلسطين، التي ما زالت «مبادرة السلام العربية»، التي طرحتها السعودية قبل الآخرين، حجر الأساس لتصحيح الظلم التاريخي وحل هذه القضية الجذرية في الشرق الأوسط بشكل شامل ودائم.
اقتصادياً، تعمل المملكة، بصفتها منتجاً رئيسياً للنفط في العالم وأكبر اقتصاد في العالم العربي، على تنويع اقتصادها، حيث طرحت «رؤية 2030» و«برنامج التحول الوطني 2020»، سعياً لتحقيق التنمية المستدامة للمملكة وتحريك النهضة الاقتصادية الخليجية. أمنياً، تدعو المملكة إلى التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب والقوى المتطرفة، وأنشأت أول مركز للمناصحة والرعاية في العالم لنزع التطرف. ثقافياً، تدعو المملكة، بوصفها مهد الإسلام، إلى الحوار بين الحضارات والتواصل بين الثقافات، وطرحت العودة إلى «الإسلام المعتدل»، وتقوم بإقامة ملتقيات للحوار بين أتباع الأديان والحضارات، مما عزز الفهم المتبادل والتعاون بين مختلف الحضارات.
وظلت الصين تهتم بدور المملكة في الشؤون الإقليمية والدولية وتنظر إليها بالنظرة الاستراتيجية والشاملة، وتدعم بثبات جهود المملكة في صيانة سيادة الوطن وأمنه واستقراره، وتدعم بثبات دورها الإيجابي والبناء في التغيرات التي تشهدها المنطقة، كما تدعم قيامها بتطوير علاقات الصداقة والتعاون مع دول المنطقة، ومساهمتها الكبرى في صيانة السلام والاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط والخليج.
> كيف تنظرون إلى جهد السعودية في مكافحة الإرهاب ونبذ التطرف؟ وكيف ترون سبل التعاون بين الصين والسعودية في هذا المجال؟
- في السنين الماضية، نجحت المملكة في استكشاف الإجراءات المميزة لمكافحة الإرهاب ونزع التطرف وفقاً لظروفها الوطنية وواقع المنطقة، الأمر الذي لعب دوراً مهماً في صيانة الأمن القومي واستقرار المنطقة. في مجال مكافحة الإرهاب، عززت المملكة جهودها لضرب التنظيمات الإرهابية واتخذت إجراءات كثيرة لتجفيف المنابع المالية للإرهاب، كما شاركت بنشاط في التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، وعملت على تمويل مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.
في مجال نزع التطرف، تندد المملكة بالمتطرفين الذين يفسرون دين الإسلام بشكل خاطئ وتشجّع على تكريس التسامح الديني وتنشئ مراكز المناصحة للأفراد المتأثرين بالأفكار المتطرفة في أماكن عدة لتوعيتهم وإرشادهم.
إن كلاً من الصين والمملكة من ضحايا الإرهاب وهما جزء مهم للتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، فيربطهما توافق كبير في مكافحة الإرهاب ونزع التطرف، على سبيل المثال، كلنا ندعو إلى تعزيز الحوار بين الحضارات ونرفض ربط الإرهاب بعرق أو دين بعينه؛ كلنا نلتزم بإجراءات متكاملة لمكافحة الإرهاب من ظواهره وبواطنه في آن واحد، ونرفض اتخاذ المعايير المزدوجة؛ كلنا نرى ضرورة الإصغاء أكثر إلى صوت الدول المتضررة بالإرهاب مع التمسك بدور الأمم المتحدة بوصفها قناة رئيسية في التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب. في الوقت الراهن، ما زال الوضع خطيرا في مكافحة الإرهاب ونزع التطرف على المستويين الدولي والإقليمي. كما يحرص الجانب الصيني على تعزيز التعاون مع المملكة في تكثيف الحوار السياسي وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون التقني وتدريب الأفراد وتجفيف المنابع المالية للإرهاب ومكافحة الجرائم المنظمة العابرة للحدود وتبادل الخبرات حول نزع التطرف، بما يصون الأمن المشترك.
كما ظلت الصين تواجه تحديات خطيرة في قضية مكافحة الإرهاب ونزع التطرف.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي، قامت الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية وغيرها من القوى الإرهابية بتدبير وتنفيذ آلاف من الأحداث الإرهابية في شينجيانغ، بما فيه التفجير والاغتيال والتسميم وإضرام النار والهجمات، الأمر الذي أوقع خسائر بشرية ومادية فادحة لأبناء شعب شينجيانغ من كافة القوميات ومس بالاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية في شينجيانغ بشكل خطير.
إن الصين، بالتوازي مع تشديد الجهود لضرب المنظمات الإرهابية، قامت بالاستفادة الكاملة للتجارب الدولية في مكافحة الإرهاب ونزع التطرف، بما فيها التجارب السعودية، وأنشأنا مراكز التعليم والتدريب المهني في بعض المناطق مثل شينغيانغ وفقاً للقانون، وذلك بهدف إزالة تأثير الأفكار المتطرفة. إنها خطوة مبتكرة ووقائية لمكافحة الإرهاب ونزع التطرف وتجربة مفيدة في إطار القضية الدولية لمكافحة الإرهاب، وهي في طبيعتها تتفق مع جهود المملكة في مكافحة الإرهاب ونزع التطرف. إن الإجراءات المعنية لا تستهدف أي عرق أو دين بعينه، وتلتزم بالإجراءات القانونية بشكل صارم، وتضمن حقوق المواطنين بشكل كامل. وبفضل الإجراءات المتكاملة المذكورة، يتحسن وضع الأمن الاجتماعي بشكل ملحوظ، ويزداد الشعور بالأمان لدى أبناء الشعب بشكل ملحوظ. وحظيت هذه الإجراءات بالترحيب والتأييد من أبناء الشعب من القوميات كافة، بمن فيهم المسلمون المحليون.
> كيف تعزز الصين والمملكة التنسيق والتعاون في الشؤون الدولية، من أجل السلام والتنمية في العالم؟
- تربط الصين والسعودية، علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة، ويبقي البلدان على التنسيق والتعاون المتميز في الشؤون الدولية والإقليمية المهمة منذ وقت طويل.
كما أننا شريكان حميمان في الدفع بإقامة نوع جديد من العلاقات الدولية. يرى الجانبان ضرورة المساواة بين الدول كافة، واحترام سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها، واحترام المصالح الجوهرية والهموم الكبرى للجانب الآخر، وحق شعوب الدول في اختيار النظم الاجتماعية والطرق التنموية بإرادتها المستقلة. كما قام الجانبان بالتنسيق والتعاون الوثيقين في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل المتعددة الأطراف، ويدعوان إلى زيادة التمثيل والصوت للدول النامية خلال إصلاح مجلس الأمن الدولي، ويرفضان تسييس قضية حقوق الإنسان والمعايير المزدوجة، حفاظاً على المصلحة المشتركة للدول النامية.
وأيضاً نحن شريكان في الدفع ببناء الاقتصاد العالمي المنفتح. إذ يدعم الجانبان الحفاظ على المنظومة التجارية المتعددة الأطراف القائمة على الانفتاح والشفافية والاستيعاب وعدم التمييز، ويرفضان الأحادية والحمائية التجارية.
أيضاً يعمل الجانبان على دفع المفاوضات بشأن منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، بما يحمي التجارة الحرة ويعود بالخير على شعوب الجانبين.
ويدعم الجانب الصيني تولي المملكة رئاسة مجموعة العشرين في عام 2020، وستعقد قمة مجموعة العشرين للمرة الأولى في الدول العربية. نثق بأن المملكة ستجعل هذه القمة حدثاً عظيماً يلتزم بالتعددية ويدعو إلى روح الشراكة ويقود التطور المبتكر ويدفع التنمية الشاملة، بما يحدد الاتجاه للحوكمة الاقتصادية العالمية، إضافة إلى كوننا شريكين حميمين في تعزيز السلام والتنمية في المنطقة.
ويرى الجانبان أن تحقيق الاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط يخدم مصلحة شعوب المنطقة وحتى العالم كله. فيجب التمسك من دون زعزعة بالحل السياسي للقضايا الساخنة في المنطقة كالاتجاه العام، وإيجاد حل شامل وعادل ودائم عن الطرق السياسية ومن خلال الحوار والتشاور، مع مراعاة الخصوصيات التاريخية والثقافية والدينية للمنطقة. وفي الوقت نفسه، فإن التنمية مفتاح لحل كثير من مشكلات الحوكمة في الشرق الأوسط.
كما يحرص الجانب الصيني على مواصلة تعزيز المواءمة بين الاستراتيجيات التنموية مع السعودية ودول المنطقة الأخرى والدفع بإنجاز التعاون في إطار «الحزام والطريق» بجودة عالية وتحقيق التلاحم والتنافع بين مختلف الدول، بما يعود بالخير على الشعبين وشعوب الدول المطلة على الخط.
وفي الوقت الراهن، وفي ظل التغير العميق للوضع السياسي والاقتصادي في العالم، يحرص الجانب الصيني على العمل مع الجانب السعودي على تقديم مساهمات أكبر في تعزيز السلام والاستقرار والتنمية والازدهار في المنطقة والعالم وبذل جهود مشتركة في تحقيق الهدف المشترك المتمثل في بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية.
> ما دور الصين الشعبية في بسط الأمن والسلام ودفع المفاوضات حول أزمات المنطقة كاليمن وليبيا؟
- إن السلام والأمن في الشرق الأوسط أمر لا يتعلق بالمصالح الجذرية لدول المنطقة فحسب، بل بالاستقرار والتنمية في العالم كله. من الصعب بسط أمن في العالم من دون الاستقرار في الشرق الأوسط. ظلت الصين، بصفتها عضوا دائما لمجلس الأمن الدولي، تتابع باهتمام كبير وضع السلم والأمن في الشرق الأوسط، وظلت تتمسك بالمواقف العادلة والموضوعية، وتدعو إلى تكريس مفهوم الأمن المشترك والمتكامل والتعاوني والمستدام في الشرق الأوسط، وتتعاون مع دول المنطقة بشكل وثيق، مما قدم المساهمة المطلوبة لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
وتعمل الصين على الخوض في تجربة ذات خصائص لحل القضايا الساخنة، وتبذل جهوداً سلمية لدى مختلف الأطراف وتلعب دورا إيجابيا وبنّاء في دفع الحل السياسي للقضايا الساخنة في الشرق الأوسط.
في القضية الفلسطينية، ظلت الصين تدعم بكل ثبات قضية الشعب الفلسطيني الوطنية. في هذا السياق، لقي ما طرحه الرئيس شي جينبينغ من «رؤية ذات أربع نقاط» لتسوية القضية الفلسطينية تجاوبا حارا في المنطقة، وفي الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي المنعقدة في العام الماضي، أكد الرئيس شي جينبينغ مجددا، وبكل وضوح، على الدعم للقضية الفلسطينية العادلة والدعم الثابت لإخراج مفاوضات السلام بين فلسطين وإسرائيل من الجمود في أسرع وقت ممكن على أساس «حل الدولتين» و«مبادرة السلام العربية». وفي ملف جنوب السودان، تدعم الصين كالمعتاد عملية السلام في البلد وإعطاء الأولوية لمساعدة البلد لتحقيق الاستقرار والتنمية.
حول ليبيا واليمن وغيرهما من الملفات الساخنة، ظلت الصين تعمل مع المجتمع الدولي على المساهمة بالطاقة الإيجابية لحل هذه الملفات في يوم مبكر.
كذلك تضطلع الصين بمهام حفظ السلام في لبنان وجنوب السودان ودارفور والصحراء الغربية، وبعثت 27023 فردا لحفظ السلام وأسهمت إسهاما جليلا في استعادة السلم والاستقرار في الدول والمناطق المعنية وحماية سلامة أبناء الشعوب المحلية وممتلكاتهم، وضحى 13 جنديا صينيا بحياتهم من أجل قضية السلام في الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك، ساعدت الصين الكويت والعراق ولبنان واليمن والصومال وغيرها من الدول على إزالة الألغام، الأمر الذي يصبح نموذجا ناجحا للتعاون الأمني بين الصين ودول المنطقة.
في حين يؤدي أسطول السلاح البحري الصيني مهام حراسة الملاحة في خليج عدن، حيث قام بحراسة أكثر من 6600 سفينة في خليج عدن ومياهه قبالة الصومال، كما قام بإنقاذ وتسليم وإغاثة أكثر من 70 سفينة متعرضة للأخطار، مما حظي بتقدير عال من المجتمع الدولي.
كما تقدم الصين كمية كبيرة من المساعدات الإنسانية للاجئين من الدول المعنية للحفاظ على أملهم في السلام وإعادة إعمار ديارهم على الرغم من النزاعات والاضطرابات.
كذلك أعلن الرئيس شي جينبينغ في الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي عن تقديم مساعدات جديدة بقيمة 700 مليون يوان الصيني إلى فلسطين وسوريا واليمن والأردن ولبنان؛ كما بحثنا مع الجانب العربي تنفيذ مشروع التعاون في حفظ الاستقرار بقيمة مليار يوان صيني؛ وإنشاء «البرنامج الخاص لتحريك إعادة الإعمار الاقتصادي من خلال التنمية الصناعية»، وتقديم 20 مليار دولار في إطاره من القروض لتعزيز التعاون مع الدول التي تحتاج إلى إعادة الإعمار، وحظيت كل هذه الإجراءات الملموسة بترحيب حار لدى شعوب دول المنطقة.
ويمكن القول: تقف الصين دائما إلى جانب الحق في حفظ السلم والأمن في المنطقة، وهي أيضا قوة داعمة للسلام. في الوقت الحالي، لا يزال الوضع في الشرق الأوسط يمر بتغيرات معقدة، ويواجه تحديات أمنية مختلفة. فستعمل الصين على تعزيز التواصل والتنسيق مع دول المنطقة وتبذل جهودا دؤوبة لتحقيق الأمن والأمان الدائمين والازدهار والتنمية في الشرق الأوسط.
> ما رؤيتكم وتقييمكم للوضع السوري وأسباب تعقيده وإمكانية الحل السياسي واقتراحاتكم لإنهاء الصراع في سوريا؟
- في الآونة الأخيرة، شهدت الأوضاع في سوريا تطورات مهمة. أحرزت عملية مكافحة الإرهاب نتائج مهمة، وتحسنت الأوضاع الأمنية بشكل ملحوظ، وتحسنت الأوضاع الإنسانية. ويتصاعد زخم الحل السياسي للمسألة السورية، بفضل جهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا. حققت جهود تشكيل اللجنة الدستورية السورية تقدما كبيرا، حيث توصلت الأطراف المختلفة إلى بعض التوافق حول قائمة التشكيلة، الأمر الذي أرسى أساسا لدفع العملية السياسية في المرحلة القادمة.
إن الدفع بالتسوية السليمة للمسألة السورية في يوم مبكر أمر لا يتعلق بالاستقرار والتنمية لسوريا ورفاهية شعبها فحسب، بل يرتبط بالسلام والاستقرار والأمن والأمان الدائمة في المنطقة.
ظل الجانب الصيني يرى أن الحل السياسي يمثل المخرج الواقعي الوحيد للمسألة السورية، ويجب صيانة واحترام سيادة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها، ويجب أن يقرر الشعب السوري مستقبل سوريا بإرادته المستقلة.
لاحظنا أنه كلما نُفذت هذه المبادئ بشكل جيد، تقدمت عملية التسوية بشكل سلس، وإذا لم تُنفذ، شهدت العملية التعثر وحتى التراجع. يدعم الجانب الصيني توظيف دور الأمم المتحدة بصفتها القناة الرئيسية للوساطة، ويقوم بطرح «الرؤية الصينية» عدة مرات وإرسال المبعوث الخاص للقيام بالزيارات المكوكية من أجل النصح بالتصالح والحث على التفاوض، ويدعو جميع الأطراف السورية المعنية إلى الدفع بالعملية السياسية في أسرع وقت ممكن من خلال الحوار السياسي الشامل، وإيجاد حل يتناسب مع الواقع في سوريا ويراعي هموم الأطراف كافة، كما يجب على المجتمع الدولي انتهاز الفرصة وبذل جهود مشتركة لتهيئة بيئة خارجية مواتية لحل المسألة السورية.
إن الجانب الصيني على استعداد للعمل سويا مع المجتمع الدولي على مواصلة الدور الإيجابي والبنّاء للدفع بحل المسألة السورية بشكل سليم في يوم مبكر.
> لقد حققت الصين الجديدة إنجازات بالغة منذ تأسيسها قبل 70 عاما... إلى أي مدى يمكن أن تستفيد الدول النامية من خبرات الصين الناجحة؟ وما دلالاتها على المستوى العالمي؟
- تكمن أبرز خبرات الصين الجديدة منذ تأسيسها قبل 70 عاما في إيجاد طريق تنموية تتماشى تماما مع ظروفها الوطنية وتحظى بدعم جميع أبناء الشعب، وهي طريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. وجدنا تلك الطريق خلال النضال الشاق لأكثر من 90 عاما الذي خاض فيه الشعب الصيني في الثورة الاجتماعية العظيمة بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، وخلال الاستكشافات المستمرة منذ تأسيس الصين الجديدة قبل 70 عاما وخلال التجارب العظيمة منذ تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح قبل 40 عاما.
أثبتت حقائق التنمية في الصين أن هناك أكثر من طريق يؤدي إلى التحديث، كما يقول المثل «كل الطرق تؤدي إلى روما»، كما لا يوجد في العالم نمط تنموي واحد يتناسب مع الدول كافة. لا يمكن إيجاد الطريق التنموي الصحيح إلا بالعقول الحرة والموضوعية والانطلاق من الظروف الواقعية وتجسيد إرادة أبناء الشعب وتلبية متطلبات البلد وتطورات العصر. إن نجاح الصين في التنمية ساهم في توسيع السبل المتاحة للدول النامية لتحقيق التحديث، ووفر خياراً جديداً للدول التي تعمل على استكشاف طريق تنموية تتناسب مع ظروفها.
إن الصين دولة كبيرة يقارب عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، فتنميتها ونهضتها خاصة مساهمة كبيرة لقضية التنمية البشرية.
لن تقوم الصين، بصفتها دولة كبيرة ومسؤولة بتصدير نظامها الاجتماعي، بل تدعم بثبات المملكة وغيرها من دول العالم لاختيار الطرق التنموية بإرادتها المستقلة، ومستعدة لتبادل الخبرات معها في الحكم والإدارة والمساهمة بالحكمة الصينية والحلول الصينية لحل القضايا البشرية.