أغلق قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري» الإيراني، أمس، الباب بوجه المفاوضات بين طهران والدول الغربية حول دورها الإقليمي، محذراً من السعي وراء اتفاق «إقليمي» على غرار الاتفاق النووي.
وتساءل سليماني، من دون أن يتطرق إلى اسم الحكومة، عن الغاية وراء السعي إلى اتفاق إقليمي، موضحاً أن اتفاقاً من هذا النوع «يهدف إلى تجفيف روح وحركة إيران الإسلامية».
واستخدم سليماني في خطاب ألقاه أمس، في مدينة بابل شمال ايران اثناء تأبين قتلى «الحرس الثوري» الايراني، مفردة «برجام»، التسمية الإيرانية لـ«خطة العمل المشترك حول البرنامج النووي الإيراني» (الاتفاق النووي).
وقال سليماني: «إذا خضعنا لاتفاق ثانٍ فسنضطر إلى تطبيق اتفاقيات أخرى. إنهم يريدون أن تخسر البلاد هويتها في المضمون».
وهذه المرة الأولى التي يشير فيها قيادي بارز من «الحرس» إلى وجود مفاوضات بين طهران والدول الأوروبية حول الدور الإقليمي الإيراني.
وتميل الحكومة الإيرانية إلى إبقاء هذه النوع من المفاوضات طي الكتمان، لكن تصريحات سليماني تسلط مرة أخرى الأنظار إلى القضايا التي ظهرت للعلن، بعد احتدام الخلافات بين أجهزة صنع القرار، وذلك في تقليد لأسلوب المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي عادة ما يكشف خلافاته مع الرئيس الإيراني عبر تحذيرات تصدر بشكل مفاجئ في خطاباته حول قضايا داخلية وخارجية.
وكان الاتحاد الأوروبي أصدر الشهر الماضي بياناً يدين برنامج الصواريخ الإيرانية ودورها الإقليمي، ولوحت دول الاتحاد بفرض عقوبات مشددة على طهران، على الرغم من دفاع تلك الدول عن بقاء الاتفاق النووي.
وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد رفض الأسبوع الماضي في مؤتمر ميونيخ الضغوط الأوروبية على طهران لوقف البرنامج الصاروخي، وعزا تمسك بلاده بتطوير الصواريخ بسبب فرض عقوبات على إيران ومنعها من شراء الأسلحة.
وتمارس الإدارة الأميركية ضغوطاً متزايدة على إيران منذ إعلان دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018، وأعلن وزير الخارجية مايك بومبيو 12 شرطاً، على رأسها احتواء دور إيران الإقليمي، وتطوير برنامجها الصاروخي، للتوصل إلى اتفاق شامل مع طهران.
وترفض طهران الحوار حول برنامجها الصاروخي، لكنها أبدت استعدادها للتفاوض حول الملفات الإقليمية. وحذر سليماني ضمناً من الخلافات الداخلية حول مبدأ دورها الإقليمي، وحاول في هذا الصدد العزف على وتر القوميين، عندما أصرّ على الجمع بين الأمن والمصالح القومية من جهة، وسلوك النظام من جهة ثانية، وانتقد «بعض من يميز بين خطوات النظام دون وعي». وقال إن «التاريخ سيحكم على الخطوات المؤثرة للنظام» مشدداً على أولوية المصالح القومية.
كما دافع سليماني عن دعم «حزب الله» اللبناني، وحركة حماس، وقال إن «النظام الصهيوني لا يجرؤ على مهاجمتنا بسبب أساس وجود ركائز صلبة مثل (حزب الله) و(حماس) في المنطقة»، مضيفاً: «لا يتبلور أي خطوة وقرار إلا يأخذ المصالح القومية الإيرانية بعين الاعتبار». وفي جزء آخر من خطابه، علق سليماني على التفجير الانتحاري الذي استهدف حافلة من قوات «الحرس» في زاهدان، وأدى إلى مقتل 27 وجرح 13 آخرين. ورغم تأكيده على أن الهجوم «موجع» لـ«الحرس الثوري»، قال إن مقتل عناصر الحرس «لم يكن في مواجهة مع الأعداء، وإنما قوات الحرس كانوا في الحافلة وقتلوا بلا ذنب».
وأعلنت جماعة «جيش العدل» البلوشية المعارضة مسؤوليتها عن الهجوم الانتحاري على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود الباكستانية. وتقول الجماعة إنها تدافع عن القومية البلوشية ضد ما تعتبره مخططات ينفذها «الحرس الثوري» لتغيير التركيبة السكانية وممارسة التمييز القومي والطائفي ضدهم. فيما يقول «الحرس» الذي يتولى مسؤولية أمن المحافظة منذ 2011 إنه مشروعاته تستهدف اجتثاث الفقر في المحافظة.
ورفض سليماني استعداد باكستان للتعاون مع إيران، للتحقيق حول أسباب الهجوم: «لديكم قنبلة نووية، لماذا تعجزون عن مواجهة مجموعة إرهابية تضم مئات المقاتلين في المنطقة؟ كم سقط من شعبكم في الهجمات الإرهابية؟ نحن لا نريد تعازي منكم، أي تعازي تملكون لتقدموها للشعب الإيراني؟».
وقالت محكمة زاهدان إن قوات الأمن أوقفت 8 يشتبه بضلوعهم في الهجوم، وقال رئيس المحكمة أمس إن التهم ضد 6 من الموقوفين «مؤكدة». وقبل ذلك، قالت إيران إن 3 بين الخلية التي زعمت تفكيكها بمدينة خاش جنوب شرقي البلاد، قالت إن الانتحاري الذي فجر نفسه «باكستاني الجنسية».
ولم ترد باكستان على المزاعم الإيرانية حول وجود باكستانيين.
وانطلاقاً من هجوم زاهدان، جدد سليماني اتهاماته للسعودية بالوقوف وراء الهجوم، قبل أن يوجه انتقادات لاذعة إلى باكستان بسبب التقارب مع السعودية. وتباهى سليماني بالنفوذ الإيراني، المدعوم بالقوة، وذلك في إشارة إلى إرسال إيران قوات عسكرية إلى مناطق تشهد نزاعات في داخل إيران، وقال إنها «لا تملك القوة في داخل إيران فحسب، بل في كل العالم». وفي المقابل، احتج على تطورات العلاقات الباكستانية - السعودية، واتهم الرياض بتعزيز دورها الإقليمي عبر «إنفاق المال»، مشيراً إلى أن بلاده «كانت تتصور أن باكستان تعتبر إيران عمقها الاستراتيجي».
ولم تقف انتقادات سليماني للسياسة الخارجية الباكستانية عند ذلك، بل وجّه عدة أسئلة بنبرة لا تخلو من الغضب، وقال مخاطباً الحكومة الباكستانية: «إلى أين أنتم ذاهبون؟» متهماً باكستان بزعزعة أمن حدود دول الجوار، وقال: «هل لديكم جار آخر تريدون أن تهددوا استقراره؟». وحاول سليماني تجاهل الحكومة، ووجّه خطابه للجيش والشعب الباكستاني وحثّ قادة الجيش على الدخول في خط العلاقات الباكستانية - السعودية، وخاطب الحكومة الباكستانية: «ماذا أبقيت لباكستان؟».
ومع ذلك، حذّر سليماني الحكومة الباكستانية من «اختبار إيران»، وقال إنه «من اختبر إيران تلقى رداً قاسياً»، مضيفاً: «أقول ذلك من باب الصداقة لباكستان، لا تسمحوا أن تصبح حدودكم سبباً في تهديد الآخرين».
وهدّد سليماني بأخذ «الثأر» من أعضاء المجموعة المنفذة للهجوم في أي نقطة من العالم.
- مناورات للجيش الإيراني في بحر العرب تبدأ اليوم
أعلن قائد القوة البحرية الأدميرال حسين خان زادي، أن بحرية الجيش الإيراني ستطلق مناوراتها البحرية السنوية اعتباراً من الجمعة، ولثلاثة أيام، في منطقة شاسعة بين مضيق هرمز والمحيط الهندي، بما يشمل طريقاً حساساً للشحن الدولي، كما أفاد التلفزيون الإيراني الخميس.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن خانزادي، قوله إن «المناورات ستجري في مياه مضيق هرمز وبحر عمان وشمال المحيط الهندي، في منطقة تغطي مليوني كلم مربع وتستمر 3 أيام».
وأضاف أن هدف التدريبات تقييم «الأسلحة والمعدات، وتدريب الكوادر البشرية» من أجل «الجهوزية لمعركة حقيقية».
ويحظى مضيق هرمز بأهمية كبرى لإمدادات الطاقة العالمية، ويمر عبره يومياً ثلث كميات النفط التي تنقل عبر الشحن البحري، ولكن المضيق لا يعد ضمن مهام بحرية الجيش، وإنما ضمن مهام بحرية «الحرس الثوري»، الجهاز الموازي للجيش الإيراني.
وتعد بحرية «الحرس الثوري» مسؤولة عن حماية حدود إيران المائية في الخليج، بينما يتكفل الجيش الإيراني بحماية حدود إيران في بحر العرب.
ويشكل مضيق هرمز ممراً دولياً، تعبره القوات الأميركية بشكل روتيني.
والمناورات التي أطلق عليها اسم «الولاية 97» ستشمل غواصات إيران، وسفنها الحربية، ومروحيات، وطائرات مسيرة، بحسب الأدميرال. وستشمل التدريبات أيضاً إطلاق صواريخ من سفن، كما أضاف خان زادي.