«أسبوع لندن» لخريف وشتاء 2019... بين الموضة الإيجابية والثورات الشبابية

المصممون أبدعوا بتبنيهم القضايا الإنسانية وتنوع مقاسات ومفاهيم الجمال

من عرض آشلي ويليامز
من عرض آشلي ويليامز
TT

«أسبوع لندن» لخريف وشتاء 2019... بين الموضة الإيجابية والثورات الشبابية

من عرض آشلي ويليامز
من عرض آشلي ويليامز

يبدو أن صناع الموضة تعبوا من الحديث عن «بريكست»... على الأقل أدركوا أن الأمر قد خرج من أيديهم في هذه المرحلة. ولأن الابتكار والتجديد هو شُغلهم الأول، كان أيضاً شاغلهم هذا الموسم، حيث تركوا السياسة للساسة ووجهوا أنظارهم إلى قضايا جديدة، مثل حماية الأرض من التلوث، والمناداة بالاحتفال بالتنوع بكل أشكاله، والمناداة بحرية أكبر للتعبير عن الذات.
يوم الأحد الماضي مثلا؛ تعطلت حركة السير في بعض المناطق بسبب مظاهرة قد لا تكون لها علاقة بالموضة، لكن المنظمين استغلوا المناسبة لجذب مزيد من الاهتمام إلى قضيتهم. احتلوا 5 جسور على نهر التيمس، وهم يلبسون أفضل ما عندهم من ملابس «وكأنهم يحضرون جنازة أنيقة» حسب قولهم. قضيتهم هي الاحتجاج على سياسة الحكومة تجاه التغير المناخي والأزمة البيئية. ورغم أنه لا أحد من المتظاهرين يلوم منظمة الموضة على هذه الأزمة، فإنهم يرون أنها لها يداً في بعض تأثيراتها السلبية، كما بيدها أن تقدم حلولاً لها.
من جهتها، تؤكد «المنظمة البريطانية للموضة»، ومنذ بضع سنوات، أنها جادة في محاولاتها لأن تكون سباقة في تطوير الموضة وجعلها «خضراء» ومستدامة. من هذا المنظور، رفعت هذا الموسم شعار «الموضة الإيجابية» الذي تداولته كل وسائل التواصل الاجتماعي. هذه الموضة لم تقتصر على عروض الأزياء الرسمية والفعاليات الهامشية، بل أيضا على ما كان يجري في الشوارع خارج العروض. غابت صورة «الطواويس» التي كنا نراها في المواسم الماضية، مثلا، كذلك الغرابة التي كانت تستهدف لفت الأنظار وإحداث الصدمة أولا وأخيرا. غابت أيضا المظاهرات التي كان يقوم بها المناهضون لاستعمال الفرو الطبيعي لأن المنظمة سدت عليهم هذا الطريق، بعد أن أعلنت في الموسم الماضي، ولأول مرة منذ تأسيسها، منع استعمال الفرو الطبيعي في عروضها الرسمية. محل هذه الغيابات ظهرت حركة تمرد جديدة، يمكن تشبيهها بتلك التي عشناها في السبعينات من القرن الماضي، وكانت هي الأخرى تمردا على التابوهات والمتعارف عليه، وظهرت بالوتيرة نفسها محدثة تغييرات اجتماعية لا تزال ملموسة حتى الآن، حيث أثمرت موضة «البانكس» وموضة «الشارع».
لهذا لم يكن غريباً أن نتابع عروضاً ارتجالية في الشارع، ظهرت فيها عارضات عاديات جدا، إذا أخذنا بعين الاعتبار أحجامهن الكبيرة أو نحافتهن الزائدة وأطوالهن المتباينة، من بينهن مؤثرات معروفات، رفعن لافتات كتبن عليها شعارات مثل: «يجب على الموضة تمكيننا وليس العكس» أو «جمالنا يتعدى المقاييس» وما شابه.
لكن وبما أننا في لندن، العاصمة التي تُفرخ المواهب والأفكار المبتكرة، فكان لا بد من أن يكون شعار «الموضة الإيجابية»، الذي رفعته وتبنته المنظمة ملموسا وليس مجرد تنظير. قد يتساءل البعض؛ ما علاقة ما يقدمه المصممون بالمنظمة، أَفَلَيْست لهم حرية الإبداع؟ والجواب أنها لا تتدخل في عملية الإبداع بقدر ما تُشرف على زيادة الوعي لدى المصممين الصاعدين تحديدا، بأهمية بعض القضايا الاجتماعية، على رأسها الموضة المستدامة، من خلال برامج تهدف إلى دعمهم لوجيستياً ومادياً. وبالفعل أثمرت هذه المبادرات فعاليات عدة مهمة، مثل الحملة التي تعاونت فيها المصممة أيمي باوني، مؤسسة علامة «ماذر أوف بيرل» مع قناة «بي بي سي أورث» لزيادة التوعية بأهمية الحفاظ على البيئة، من خلال نقاشات ومداولات حول دور صناعة الموضة في إيقاف التلوث البلاستيكي والعمل على تغيير إيجابي وسُبل تحقيقه. الرسالة التي تؤمن بها كل من المصممة والقناة هي أن «الموضة لها تأثير قوي على العالم، وبالتالي بإمكانها نشر مزيد من التوعية لإيجاد حلول». المصممة باوني أطلقت أيضا خطأ مستداماً، انطلاقاً من إيمانها بأنه «بإمكاننا أن نتعلم دروساً قيمة مما يحدث، وليس هناك أي داعٍ لكي نبقى جامدين؛ نفكر ونتحدث عما حدث في الماضي فقط... علينا في المقابل أن نتحرك ونتعاون الآن باستعمال كل التقنيات الجديدة لإحداث هذا التغيير وتحسين الظروف».
لكن حتى بالنسبة لمن لم يرفعوا شعارات واضحة، فإن هذا الاتجاه كان ملحوظاً في كثير من العروض؛ الأمر الذي يؤكد أن لندن لا تزال العاصمة التي تنطلق منها الحركات الاجتماعية وتولد فيها الأفكار الرائدة، وهو ما يظهر جليا في الأزياء بكل تفاصيلها، من الخطوط والقصات، إلى نوعية الأقمشة وتقنياتها والطبعات الديجيتال التي برع فيها كثير من مصمميها وسوقوها إلى العالم. كانت هناك واقعية ملموسة هذا الموسم. فإلى عهد قريب، كنا قبل حضور أي عرض نُهيئ أنفسنا للمسة جنون. كنا نعرف مسبقا أننا سنحلق إلى عوالم من الخيال والفانتازيا. لكن شتان بين الأمس والحاضر.
فقد تغيرت الأمور في السنوات الأخيرة بسبب العولمة والمنافسة الشديدة في الاستحواذ على اهتمام الأسواق النامية. ولا يختلف اثنان على أن منظمة الموضة البريطانية لعبت دورا كبيرا في هذا التغيير. فرغم أنها لا تزال تشجع على الإبداع وتحرص عليه، كما لا تمانع في بعض الجنون ما دامت فيه فنون، فإنها تقوم بدورات تدريبية عدة تقدم فيها دروساً قيمة في فنون التسويق. فقد انتبهت إلى أن مصمميها، حين كانوا يتخرجون في معاهدها الشهيرة، مثل «سنترال سانت مارتن» و«لندن كوليدج أوف فاشون» وغيرهما في الماضي، كان حافزهم الأول والأخير هو التميز بأي شكل وبغض النظر عما إذا كانت التصاميم ستباع أم لا. هذا ما عملت على تصحيحه بترويضها بعض جنوحهم من دون أن تقص أجنحتهم تماما. لحسن الحظ أن المصممين استوعبوا الدرس، وهو ما لمسناه في كثير من العروض التي لا تزال تذكرنا بشخصية لندن الجانحة لبعض الغرابة، وبالتالي تجعلنا نعيش اللحظة بكل جمالياتها وفنونها، إلا إنها تتبنى أيضا الأناقة، بالشكل الذي تحلم به المرأة. وليس أدل على هذا مما قدمه كل من المصمم الشاب أساي وماركة «16أرلينغتون» في أول يوم من الأسبوع... الأول يخاطب الشباب بحداثته وعصريته، والثاني يخاطب النجوم والمشاهير بألوانه وتطريزاته الغنية. مساء اليوم نفسه قدمت المصممة آشلي ويليام، تشكيلة عكست نظرتها الشابة لبنات جيلها، من مثيلات أليكسا تشانغ ودايزي لو، ونيكولا روبرتس. ورغم أنه من الصعب القول إن الأزياء التي قدمتها ستُحدث ثورة في موضة الموسم المقبل، فإنها أنيقة ومفعمة بالحيوية. كانت بها لمسة «غرانج»، كما تلونت بدرجات النيون التي ظهرت في كثير من العروض الأخرى طوال الأسبوع، مثل الأصفر والبرتقالي والأخضر والأزرق... وغيرها من الدرجات الفاقعة. كانت هناك أيضا لمسة «إنجليزية» تجسدت في بعض الكنزات المفتوحة والقطع المطرزة بالترتر على شكل مربعات.
من جهته، استبق المصمم البريطاني المخضرم جاسبر كونران، الأحداث الإيجابية التي نادى بها المتظاهرون، فيما يتعلق بمطالبتهم بمراعاة التنوع والاحتفال بالمرأة بمقاساتها المختلفة، وبدل أن يقدم تشكيلة محددة على الجسم، تُبرز تضاريسه، فإنه أخفاها تحت خطوط واسعة لا تخلو من أناقة ولمسة بوهيمية محسوبة. والنتيجة أن ما كان في الماضي يعد عاديا، بدا في قمة الأنوثة من خلال فساتين منسدلة على الجسم، تؤكد أن الراحة من أهم التفاصيل التي أهملها المصممون في الماضي. والطريف أن المرأة لم تنتبه إلى أنها تفتقدها إلا مؤخرا وبعد أن اقترحوها عليها. الفضل طبعا يعود إلى الجيل الجديد، الذي لا يريد أن يتنازل عن أي شيء يخدمه؛ من الأناقة والراحة، إلى التميز. فساتين كثيرة ومتنوعة قدمها المصمم البريطاني المخضرم، كان القاسم المشترك بينها انسدالها على الجسم، وأيضا ألوانها الخريفية الهادئة، التي تباينت بين درجات الشوكولاته والبرتقال.
في المقابل، تبنى المصمم بورا أكسو خطوطا أكثر تحديدا على الجسم من دون أن ينسى عنصر الراحة، بدليل أن كل ما قدمه كان عبارة عن فساتين؛ كثير منها بكشاكش، قال إنه استلهمها من فالنتينا تيريشكوفا، أول امرأة تقوم برحلة إلى الفضاء في عام 1963. وجد المصمم أن قصتها مثيرة وملهمة في الوقت ذاته، لأنها تعكس قوة المرأة وقدرتها على مواجهة كل الصعوبات. فهي من أصول جد متواضعة؛ حيث كان أبوها مجرد عامل بسيط في مصنع نسيج، لهذا اضطرت إلى أن تترك المدرسة وهي في عمر 17 عاما لتعمل معه في المصنع، لكنها كانت تحلم بأكثر من هذا بكثير، لهذا صممت على أن تُكمل دراستها بالمراسلة. في عيد ميلادها الـ18 التحقت بناد نسائي للقفز بالمظلات، وكتبت طلبا إلى مركز الفضاء تعرض فيه خدماتها للعمل مع رواد الفضاء. تم قبولها رغم عدم إكمالها دراستها مقارنة بغيرها. نظرا لكفاءتها وصلابتها؛ اختيرت في يونيو (حزيران) من عام 1963 لقضاء 3 أيام في الفضاء. وبالفعل حامت مركبتها 48 مرة حول الأرض. بعدها درست الهندسة وتخرجت في عام 1969 لتصبح ناشطة نسوية من الوزن الثقيل. وهذا ما التقطه المصمم في تشكيلة تعكس رحلتها المكوكية من دون أن ينسى أصولها القروية. كان هناك مزج بين القديم والحديث، واستكشاف لخامات جديدة ومزج بين الألوان. فالدرجات الهادئة خلقت إطلالات تتسم بالغموض، بينما الدرجات المتوهجة القوة والإرادة. وجاءت الخلطة في النهاية مزيجا بين الأنوثة الناعمة من خلال التطريزات واستعماله الأورغانزا والتول، والثقة والقوة من خلال الخطوط المحددة والجريئة.
لكن لا بد من القول إن عرض ماري كاترانتزو كان أكبر مفاجأة، ولو أن كلمة مفاجأة ليست في محلها بالنظر إلى أن المصممة تُتحف عالم الموضة منذ أكثر من 10 سنوات بالفنية والاحترافية. تشكيلتها لخريف وشتاء 2019 لم تكن «لندنية» بقدر ما كانت «باريسية»، لسبب بسيط؛ هو أن كل قطعة فيها كانت تحاكي الـ«هوت كوتير»... كشاكش كثيرة وسخاء في استعمال الريش جعل العارضات يبدون كأنهن طيور الجنة.
رغم الأحجام الكبيرة والطبقات والكشاكش المتعددة وسخاء التطريزات، فإنه كانت هناك خفة تكاد تلمسها من مجرد النظر إليها. تفسير المصممة أنها تشكيلة مستوحاة «من الأرض... من الريح ومن النار» وبالفعل كل هذه العناصر كانت موجودة بأسلوب كاترانتزو الشاعري. فقد ترجمتها من خلال الخطوط والتقنيات والحركة، وليس أدل على ذلك من الفستان الأصفر الفاقع الذي افتتحت به العارضة نتاليا فوديانوفا العرض وتكوّن من كشاكش من العنق إلى الأرض... كان بخفة الريش، وظهرت فيه كأنها عصفور كناري، خصوصاً أنه أخفى نصف وجهها. كانت هناك قطع أخرى تم تطريزها بسخاء وذكاء بحيث لم تُخلف أي انطباع بالمبالغة بقدر ما أثارت الإعجاب لأنها أخذت أشكال ورود طبيعية. ما يُحسب لماري كاترانتزو أنها ليست مطالبة بتبرير أي شيء تقدمه... فهي امرأة، وتفهم ما تريده المرأة أيا كانت مقاييسها.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.