تحاول أم خالد، التي تجلس في الصف الرابع على الترتيب من الطابق الأرضي الأول في مدرسة الشاطئ للبنين، أن تعتاد حياتها الجديدة بعد أن دمر منزلها وأصبحت بلا مأوى سوى أنها تعيش في أحد الصفوف المدرسية التي تذكرها بماض صعب عاشه آباؤها وأجدادها حين نزحوا من بلادهم إبان نكبة عام 48 ليعيشوا في خيام داخل غزة.
اعتادت أم خالد أن تفترش سجادة متوسطة الحجم، بعد أن تؤدي صلاة الظهر ثم تجلس لتحمل بيديها مسبحتها الطويلة وتسبح وتبتهل وتدعو الله أن يهون عليها وعلى عائلتها وعوائل غزة مصابهم الذي حل بهم.. تجلس ساعات طويلة حتى المساء وهي تنظر إلى بناتها وزوجات أبنائها وهن يحاولن أن يحضرن القليل من الطعام لأطفالهن ولا يجدن ما سواه عملا بعد أن فقدن منزلهن الذي كنا دوما ينجزن فيه أعمالهن المختلفة.
تنظر أم خالد، وبعض صديقاتها اللاتي تعرفت عليهن خلال نزوحهن إلى المدرسة، للقادمين إلى المكان، وخاصة الصف الذي كانت المسنة أول القادمين إليه بعد أن دمر منزل عائلتها في بلدة جباليا شمال قطاع غزة.
استقبلتنا السيدة، التي بلغت منذ شهر واحد فقط 72 عاما، على باب الصف الذي يقطن بداخله نحو 30 فردا بعد أن كانوا 67، غادر بعضهم إلى صفوف أخرى بعد أن خرجت بعض العائلات مستغلة الهدنة بالعودة إلى منازلها المتضررة جزئيا، ولكنها فضلت ألا ندخل إلى داخل الصف الذي كانت بداخله النسوة يطعمن أطفالهن ويرتبن حاجاتهن بالداخل، فيما كان أزواجهن وأشقاؤهن في ساحة المدرسة يتجولون ويتبادلون الأحاديث مع بعض الرجال الآخرين.
تقول «أم خالد» لـ«الشرق الأوسط»: «بناتنا يعملن في ترتيب المكان، وفي بعض الأحيان ينقل أزواجهن الماء إلى الصف لغسل أرضيته وترتيبه. ونحن، الكبار في السن، نجلس ونتسامر ونحكي عن أوضاع البلد، لا يوجد شيء مهم نعمله»، لافتة إلى أن الطعام يأتي؛ إما عبر المعلبات وإما في بعض الأحيان يجري توزيع طعام جاهز، لكن بعض العائلات تقوم بطهي الطعام وحدها بعد أن وزع عليها عبر بعض المؤسسات الغاز وغيره من مستلزمات الطعام». وتشير إلى أنها وأبناءها وبناتها خلال الحرب لا ينامون الليل بتاتا بسبب أصوات القصف العنيف الذي يطال مناطق قريبة من المدرسة، مبينة أنهم يستغلون بضع ساعات قصيرة بعد الفجر للنوم قليلا وهي الساعات ذاتها التي لا يستطيع الأطفال البقاء صامدين فيها من دون نوم بعد أن كانوا يقضون لياليهم مفزوعين من شدة القصف. وتقول ابنتها «نوال» إنهن يقضين يومهن في طهي بعض الطعام لأطفالهن، ويحاولن باستمرار شغل أنفسهن بالأعمال التي اعتدنها في منازلهن، مبينة في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أنها كثيرا ما تلهي نفسها بغسل ملابس عائلتها ونشرها على نوافذ الصف الذي يوجدون فيه، وأن عملية الغسل تكون بالطريقة البدائية على اليد لعدم توافر غسالات، سواء حديثة أو قديمة، يمكن الاستعانة فيها، فيضطررن إلى اللجوء للغسل على أيديهن.
فيما يقول نجلها الأوسط فضل إنه يخرج يوميا من المدرسة في محاولة منه للحصول على أي مساعدة من أي جمعيات خيرية تساعده على نقل عائلته إلى شقة سكنية بعيدا عن «الجحيم» الذي يحيون فيه داخل المدرسة، كما قال لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أنه لم ينجح حتى اللحظة في توفير مكان سكني آمن وصحي أكثر لعائلته بعيدا عن الظروف الصعبة التي يعيشونها في المدارس.
وأضاف: «لا توجد أمامنا خيارات سوى البقاء هنا إلى أن تجد الحكومة أو (الأونروا) أو المؤسسات الدولية والخيرية حلا لقضيتنا التي يبدو أنها ستطول، خاصة إن لم يجر بدء الإعمار قريبا».
سكان مدارس «الأونروا» بغزة.. الفصول للنساء والباحات للرجال
آمالهم معلقة على إعادة الإعمار
سكان مدارس «الأونروا» بغزة.. الفصول للنساء والباحات للرجال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة