درنة الليبية تنتظر الإعمار عقب تطهيرها من شبح الإرهاب

بعد إخراج آخر نساء وأطفال «داعش» من بناياتها المُهدمة

TT

درنة الليبية تنتظر الإعمار عقب تطهيرها من شبح الإرهاب

عاد الهدوء مجدداً إلى مدينة درنة الليبية، منذ أن سقطت رهينة في أيدي التنظيمات الإرهابية قبل نحو 5 أعوام، وتوقف دوي القنابل وطلقات المدافع، بعد انتهاء العملية العسكرية، التي شنّها الجيش الوطني، برئاسة المشير خليفة حفتر لاستعادتها من قبضة المتطرفين، وسط تفاؤل المواطنين بقرب إعادة النازحين عنها، وإعادة إعمار ما تهدم من مبانيها ومؤسساتها.
وفرغت الأجهزة المحلية مؤخراً من دفن جثث عشرات الإرهابيين في مقبرة الفتايح، شرق درنة، بعد التعرف على بعض منها، وذلك بحضور النيابة، و«تبين أنها تعود لشخصيات إرهابية قيادية معروفة».
وكانت قوات الكتائب المسلحة، التابعة للجيش، قد نجحت خلال الأيام الماضية في اعتقال العشرات من قيادات عناصر «القاعدة»، و«أنصار الشريعة»، والجماعة الليبية المقاتلة، البارزة في درنة، من بينهم مجدي الشاعري، المعروف بـ«الحاج عمر»، وعصام سعد المنصوري، المعروف بـ«الذيب»، كما سلّم البعض منهم نفسه بعد تضييق الحصار عليهم.
وتسببت الأوضاع الأمنية المنفلتة في درنة منذ عام 2014، في اجتذاب عناصر متطرفة من أنحاء مختلفة، ما تسبب في نزوح عائلات كثيرة عنها، خاصة مع احتدام القتال خلال العام الماضي بين المتطرفين وقوات الجيش.
ووصف الحسين المسوري، الباحث الليبي في الشؤون السياسية، إعلان العميد أحمد المسماري، الناطق باسم القيادة العامة للقوات المسلحة، انتهاء العملية العسكرية في درنة بأنه «بمثابة إعلان عن انتهاء وجود التنظيمات المتطرفة هناك، أو في مدن شرق ليبيا على أقل تقدير»، وعدّه «إنجازاً كبيراً».
واستعرض المسوري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل سقوط درنة في أيدي الجماعات المتشددة، وقال إن «المدينة ظلت المعقل الرئيسي للتنظيمات المتطرفة منذ عام 2014، وذلك عندما سيطرت جماعة (شباب الإسلام) عليها، بالمشاركة مع كتيبتي (أبو سليم) و(النور)»، مشيراً إلى أن هذه الكيانات «أطلقت العنان لعمليات الاغتيال التي استهدفت الناشطين والإعلاميين، وضباط الجيش والشرطة ورجال القضاء، إلى أن انتهت هذه الحملة بإعلان تنظيم داعش رسمياً عن وجوده وسيطرته على المدينة، كتطور طبيعي لجماعة (شباب الإسلام)».
وتحدث المسوري، الذي ينتمي إلى مدينة درنة، عن كيفية وقوعها فريسة للجماعات المتشددة، وقال إنه «مع إطلاق المشير حفتر عملية (الكرامة) منتصف 2014 تحالفت هذه الجماعات بعضها مع بعض، وشكلّت ما عرف بـ(مجلس شورى مجاهدي درنة)، واتخذت المفتي المعزول الصادق الغرياني مرجعية لها... لكن بعد نحو عام تفجرت الخلافات بينهما. فانتهز (داعش) الفرصة وصفّى قادة من كتيبتي (أبو سليم) و(النور). لكن سرعان ما تم القضاء على عناصر التنظيم، بمساعدة المواطنين».
ولفت المسوري إلى أن «بعض الوسطاء من الأعيان والمشايخ والحكماء والمثقفين، ونشطاء المجتمع المدني، طرحوا مبادرة بعنوان (أهالي درنة لحقن الدماء)، وذلك بالاتفاق مع رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، الذي رحب بها لتجنيب المدينة ويلات الحرب»، لكن «مجلس شورى درنة» رفضها لأنه لا يملك القرار، حسب تعبيره. مبرزاً أن «القرار كان في هذا التوقيت بيد الجماعة الليبية المقاتلة، والإخوان المسلمين، الذين جعلوا المدينة ورقة مساومة سياسية».
ورأى الباحث الليبي أن مواطني درنة دفعوا ثمن وقوع مدينتهم رهينة مجموعات مسلحة، لا تعترف بالبرلمان أو حكومة الوفاق الوطني في طرابلس (غرب)، أو الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء (شرق)، وبالتالي «أصبحت درنة خارج السيادة الليبية».
ومع انتهاء «القاعدة» في درنة، أرجع المسوري سبب تأخر النجاح في دحر الجماعات المتشددة، إلى أنه عقب إطلاق «ساعة الصفر»، التي أمر بها القائد العام للجيش الوطني في مايو (أيار) الماضي، تحصن مقاتلو «مجلس شورى درنة» في المدينة القديمة نظراً صعوبة الوصول إلى شوارعها وأزقتها الضيقة، وهو ما عرقل عملية الحسم قليلاً، قبل الإعلان عن تحريرها مؤخراً، وهو ما اعتبر نهاية العمل العسكري هناك.
وانتهى الباحث الليبي إلى أن هناك اختباراً آخر للمسؤولين في البلاد، يتعلق بقدرتهم على «إطلاق عملية إعادة إعمار المدينة، وتثبيت الأمن، والتصدي للأفكار المتطرفة، وحماية الشباب من الانحراف، وترسيخ دولة المؤسسات والقانون».
وعبّر عدد من مواطني درنة، تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، عن فرحتهم بعودة الأمن إلى مدينتهم، وخلوها من الجماعات المتطرفة، وقالوا إنهم يحلمون بحياة في كرامة وإنسانية، ويأملون في إعادة الأسر النازحة إلى ديارها، بعدما عانوا كثيراً خلال 5 سنوات في ظل تنظيم داعش، الذي يقطف رؤوس المواطنين في وضح النهار بالسيوف.
وفي هذا السياق، قال إمحمد بعيو: «سننتظر ماذا ستقدم لنا الحكومة في ليبيا، بعد عملية الجيش الناجحة في تطهير بلدتنا من المتطرفين... كفانا مذلة، وتشريد... نحن نريد أن نعمل بعدما ظلت درنة تعيش أجواء حرب وحصار لسنوات».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم