وزير الاقتصاد الروسي: الروبل لن ينهار بفضل ارتفاع أسعار النفط

حمّل الولايات المتحدة مسؤولية تعطيل عمل منظمة التجارة العالمية

استبعد وزير التنمية الروسي انهيار الروبل بحال بقي النفط فوق 40 دولارا للبرميل (رويترز)
استبعد وزير التنمية الروسي انهيار الروبل بحال بقي النفط فوق 40 دولارا للبرميل (رويترز)
TT

وزير الاقتصاد الروسي: الروبل لن ينهار بفضل ارتفاع أسعار النفط

استبعد وزير التنمية الروسي انهيار الروبل بحال بقي النفط فوق 40 دولارا للبرميل (رويترز)
استبعد وزير التنمية الروسي انهيار الروبل بحال بقي النفط فوق 40 دولارا للبرميل (رويترز)

عبر وزير التنمية الاقتصادية الروسي مكسيم أوريشكين عن قناعته بأن وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي ستتسارع في النصف الثاني من العام الجاري، وقال إن هذا سيساعد روسيا على تقليص الفجوة مع ألمانيا في مؤشر القدرة الشرائية.
وأشار إلى تنظيم بنية مؤسسات الاقتصاد الكلي بما يحول دون التعرض لأزمات جدية عميقة، كما استبعد انهيار الروبل بحال حافظت أسعار النفط على مستويات فوق مؤشر 40 دولارا للبرميل، وحمل الولايات المتحدة مسؤولية تعطل عمل منظمة التجارة العالمية، التي لم يستبعد زوالها من الناحية النظرية، محذرا في الوقت ذاته من خطورة تدميرها بسرعة، وشدد على أهمية حفاظ روسيا على عضويتها، ووصف المنظمة بأنها «مصلحة مطلقة لروسيا».
وعبر أوريشكين عن قناعته بأن نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري سيسمح لروسيا بتقليص الفجوة مع ألمانيا في مؤشر القدرة الشرائية، وقال في تصريحات لوسائل إعلام روسية، إن «ألمانيا تقف حاليا في مرتبة أعلى من روسيا في مؤشر القدرة الشرائية وفق بيانات صندوق النقد الدولي»، لافتاً إلى «نمو اقتصادي في روسيا عام 2018 أعلى من معدل النمو في ألمانيا»، ما يعني على حد قوله «سنتمكن من تقليص الفجوة بيننا تدريجياً، وهذا هو الوضع الذي نتوقعه خلال العام الجاري». وتوقف بعد ذلك عند بنى الاقتصاد الروسي واحتمال أن يؤدي أي خلل فيها إلى أزمة خطيرة، وقال بهذا الصدد إن الوزارة تقوم بتنظيم بُنى مؤسسات الاقتصاد الكلي للحيلولة دون التعرض لأزمات مفاجأة جدية بسبب خلل في تلك البنى، وأكد في هذا الصدد أن «بنية الاقتصاد الكلي تقوم حالياً على عدم وجود أي مشكلات بنيوية من شأنها أن تؤدي إلى أزمات خطيرة كما جرى في 2018 و2015». وفي وقت سابق توقع أوريشكين تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي حتى 2 في المائة خلال النصف الثاني من 2019.
إلى ذلك بدا واضحا من تصريحات أوريشكين أن استقرار الروبل مرتبط بأسعار النفط في السوق العالمية، واستبعد انهياره في ظل الظروف الحالية، وقال: «مع سعر أعلى من 40 دولاراً للبرميل، سيشعر الروبل بالاستقرار»، ومع توقعه «بقاء التقلبات على المدى القصير، لأن سعر الصرف عائم بالمطلق»، ولأن «تغير الوضع في الأسواق الخارجية وغيره من عوامل ستؤدي إلى تقلبات في سعر الصرف»، عبر عن قناعته بأن «الروبل سيكون مستقراً على المدى البعيد، وفي التعبير الواقعي سيعزز استقراره تدريجياً». ويوفر الفارق بين سعر البرميل المعتمد في الميزانية الروسية (40 دولارا)، وسعره في السوق العالمية، مصدر دخل إضافيا، غير مدرج على فقرات دخل الميزانية، تستفيد منه وزارة المالية الروسية لشراء العملات الصعبة من السوق المحلية، لادخارها في صندوق الرفاه، والاستفادة لاحقا من تلك المدخرات في الأزمات.
ويوم أمس قال البنك المركزي الروسي إنه سيواصل ضخ فائض العائدات النفطية لشراء العملات الصعبة من السوق المحلية، وكشف أنه خصص 194 مليار روبل (نحو 3.3 مليار دولار) من تلك العائدات لشراء العملات الصعبة من 7 فبراير (شباط) الجاري، حتى 6 مارس (آذار) القادم، بواقع 9.7 مليار روبل (160 مليون دولار) يومياً.
ومضى الوزير أوريشكين في دعم الروبل الروسي حين أشار إلى أنه «دوما يكون من الأفضل الاحتفاظ بالمدخرات بذات العملة التي تُستخدم في النفقات»، وأضاف: «بالنسبة للروبل فإننا نرى سعر فائدة مرتفع بشكل جيد تقدمه البنوك الروسية على الودائع بالروبل، ولهذا سيكون دخل حقيقي هنا، وهذه هي الفائدة من الحفاظ على المدخرات بالعملة الوطنية».
وكانت للولايات المتحدة حصتها من تصريحات وزيرة التنمية الاقتصادية الروسي الذي انتقد السياسات الاقتصادية الأميركية، وحمل واشنطن المسؤولية عن تعطل عمل منظمة التجارة العالمية وقال إن «الولايات المتحدة تتحرك بنشاط متزايد على الساحة الدولية، وتقوض في غضون ذلك جميع مبادئ العمل التي تشكلت خلال السنوات الأخيرة»، وأشار إلى اجتماع عقده مؤخرا وزراء الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، وقال إن «المنظمة في واقع الأمر لم تعد تقوم بمهامها، وتوقفت جميع العمليات فيها».
وإذ لم يستبعد من الناحية النظرية «نهاية منظمة التجارة العالمية»، فإنه حذر في الوقت ذاته من مغبة «تدميرها بسرعة».
وشدد على ضرورة أن تحافظ روسيا على عضويتها في المنظمة، وقال في هذا الصدد: «إذا انسحبت روسيا من منظمة التجارة العالمية، يمكن أن يحدث تدهور حاد في شروط تعامل شركات التعدين الروسية مع الشركاء الأساسيين، وكذلك الأمر بالنسبة لعدد آخر من الشركات التي تقدم منتجاتها إلى الأسواق الأجنبية»، لذلك شدد على ضرورة عدم انسحاب روسيا، لافتاً إلى أن خطوة كهذه «لن تأتي بأي فائدة»، وأضاف: «لذلك تعتبر منظمة التجارة العالمية مصلحة مطلقة الآن بالنسبة لروسيا، ويجب أن نكون قادرين على العمل هناك».



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.