تباينات بين سامي ونديم الجميل في مؤتمر «الكتائب»

النائبان سامي ونديم الجميّل
النائبان سامي ونديم الجميّل
TT

تباينات بين سامي ونديم الجميل في مؤتمر «الكتائب»

النائبان سامي ونديم الجميّل
النائبان سامي ونديم الجميّل

كشفت مداخلة النائب نديم الجميل في المؤتمر الـ31 لحزب «الكتائب» عن وجود انقسامات كبيرة في داخل الحزب، وتباينات مع رئيس الحزب الحالي النائب سامي الجميل الذي أعيد انتخابه رئيساً بالتزكية، بالنظر إلى أن أحداً لم يترشح ضده في الانتخابات التي جرت أمس في ختام المؤتمر.
تحوّل المؤتمر الـ31 لأعرق أحزاب لبنان صباح أمس إلى هيئة ناخبة لاختيار القيادة الحزبية، حيث تنافس 29 مرشحاً إلى المكتب السياسي الذي يضم 16 عضواً ومن بينهم أربع نساء.
وهاجم النائب نديم الجميل في تصريح له مساء أول من أمس الممارسات الأخيرة للحزب، ملمحاً إلى أن الحزب يصب اهتماماته على قضايا بيئية، ويتخلى عن القضايا الأخرى الأكثر إلحاحا وهي مواجهة المد الإيراني وسلاح «حزب الله» في الداخل اللبناني، كما لمح إلى قضايا فساد، وسأل عن مصدر الأموال التي يحصل عليها «حزب الكتائب» وكيفية صرفها، داعياً إلى انتخاب رئيسٍ للكتائب مباشرة من الكتائبيين.
نديم الجميل الذي قال بأنه تحدث عن هذه القضايا سابقاً في المكتب السياسي للحزب، قال في المؤتمر الكتائبي بأن هذا المؤتمر «قابل للطعن أمام الهيئات الحزبية، وأمام القضاء إذا لزم الأمر». وأضاف: «أنا منذ اليوم أعلن الطعن بكلّ التوصيات والقرارات والانتخابات والتعيينات التي ستصدر عنه». وسأل: «من المسؤول عن الهزائم والنكسات والفشل؟ أنتم الذين تجددون لأنفسكم اليوم». وسأل: «كيف ندعو الدولة إلى الإصلاح ونحن لا نصلح في الحزب؟ كيف ندعو الدولة لتكون ديمقراطية ونحن نخنق الديمقراطية بالحزب؟».
وأثار هذا التصريح أسئلة عن الانقسامات والأجنحة في الحزب، وما إذا كانت تنم عن خلاف بين النائب سامي الجميل، نجل الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل، وابن عمه النائب نديم الجميل نجل الرئيس اللبناني الراحل بشير الجميل، علما بأن الحزب تراجع تمثيله إلى مستوى 3 نواب في البرلمان الأخير، للمرة الأولى منذ العام 2005. كما أنه غير ممثل في الحكومة.
واعتبر نائب رئيس الحزب سليم الصايغ في تصريحات إذاعية وتلفزيونية، أن هذا المؤتمر هو لتكريس قيادة النائب سامي الجميّل لحزب الكتائب، مشيراً إلى أن الأخير قدّم في الكلمة التي ألقاها في مستهلّ المؤتمر تصور الحزب للمستقبل. وتابع الصايغ «الجميّل عبّر عما يريده كل كتائبي في لبنان، وفي موضوع السلاح قال الجميّل بأنه لن يأتي رئيس أقرب من عون لحزب الله، لذلك دعا إلى تحويل وصوله إلى فرصة لتحقيق المبادئ التاريخية التي نادى بها عون».
وتمنى من الجميع القيام بمراجعة كما فعل حزب الكتائب، والمطلوب من «حزب الله» تقديم خطوات متقدّمة للمستقبل، مضيفاً «ننتظر هكذا خطوات من جميع الفرقاء لتعزيز العيش معاً على أسس صلبة لا على أسس سياسية هشة كما هو حاصل اليوم».
ولفت الصايغ إلى أن ما يحصل اليوم في حزب الكتائب عملية ديمقراطية بامتياز وعرس ديمقراطي مشيرا إلى أن أحداً لا يعلم النتائج سلفا. وقال: «ربما في لبنان لم نعتد على المؤتمرات كمؤتمر الكتائب وهناك حرية التعبير وخطابات أقوى من خطاب النائب نديم الجميّل لم تسرّب إلى الإعلام ولا سقف إلا سقف النظام الحزبي».
وأكد أن المؤتمر شهد مشروع تعديل لقانون الحزب وسلّة تعديلات فوق المائة ومنها إصلاحية ومنها مرّ ومنها سقط.
من جهته، أكد الأمين العام لحزب الكتائب نزار نجاريان أمس أن حزب الكتائب عائد إلى الساحة بقوّة وتنظيم ورؤية سياسية واضحة مستمدة من تاريخ الكتائب البعيد ومن المراجعة التي حصلت.
ووصف ما جرى في المؤتمر العام بـ«العرس الديمقراطي»، وقال «تم التداول بالنظام العام وبنوده طويلاً من قبل لجنة من الرفاق، وبعد العمل على التعديلات لأكثر من 100 ساعة في خلال اجتماعات متتالية وإقرار المكتب السياسي البنود بأكثرية الثلثين، تم عرضها أمس في المؤتمر العام الذي قرر إما التأكيد والقبول بكثير من التعديلات، كما ناقش البعض الآخر، وأسقط تعديلات أساسية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.