رواية منطقة الجنوب السعودية.. مجرد سير ذاتية ومذكرات؟

روائيون يتحدثون عن ملامحها المميزة وخصوصياتها

مشهد من مدينة عسير
مشهد من مدينة عسير
TT

رواية منطقة الجنوب السعودية.. مجرد سير ذاتية ومذكرات؟

مشهد من مدينة عسير
مشهد من مدينة عسير

هل يمكن الحديث عن سياق موضوعي للرواية السعودية التي أنتجها روائيون ينتمون لمنطقة الجنوب السعودية؟ وتبعا لذلك؛ هل يمكن تصنيف السمات الفنية لهذه النوعية من الروايات؟ وكيف تحضر البيئة الجنوبية في الأعمال السردية السعودية خاصة أن هناك عددا كبيرا من هذه الأعمال كتبها أبناء هذه المنطقة؟ في هذا الاستطلاع، يتحدث عدد من الكتاب عن ملامح هذه الرواية وسماتها وما يميزها عن «رواية المدينة».
في البدء، يقول الروائي أحمد الدويحي: «إنني ضد تصنيف الرواية ما بين جنوبية وغير جنوبية وضد تجنيس الرواية عربية وسعودية، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك سمات تجسدت في الرواية الجنوبية التي كان من أول كتابها عبد العزيز مشري الذي جسد القرية الجنوبية في رواياته وأعماله، واستحضر في أعماله القرية بشكل حميمي، وقدم نموذج القرية في مواجهة الحضارة وجدران الإسمنت مقارنا بين الحجر الجنوبي ومعتقدات أهل الجنوب في أن الإنسان لا يبني بيته إلا من حجارة أرضه، متناولا دور البيوت الشعبية في التأثير على العلاقات الإنسانية».
ويضيف الدويحي: «كما قدم يحيى سبعي من جازان في روايته (ساق الغراب) سردا عن المنطقة الجنوبية ودلالات ذكية نقل من خلالها التكنيك الفني في روايته إلى معنى آخر أكثر عمقا مما أراد أن يجسده عبد العزيز مشري، إذ تحدث عن الصدام الحضاري ومقارنة بين الإنساني والأفكار المتشددة. في حين قدم علي الشدوي في روايته (شرقيون في جنوب الجزيرة العربية) ذات التكنيك والسياق وفلسفة عميقة استحضر فيها المنطقة وشواهدها الحضارية، كما قدم خالد المروي في روايته (مصابيح القرى) استحضارا تاريخيا عن الاستعمار التركي للجزيرة العربية، وكذلك طاهر الزهراني في روايته (نحو الجنوب) التي تأثر فيها بالطيب الصالح في روايته (موسم الهجرة إلى الشمال) وفيها يدعو الإنسان الجنوبي للعودة إلى الجنوب. والتكنيك الروائي لدى الشدوي بتناول المجتمع الجنوبي بطريقة أكثر شمولية وعمقا ووعيا بالرواية. وكذلك ظهر الكثير من كتاب الرواية في المنطقة الجنوبية، ومنهم إبراهيم شحبي وإبراهيم مضواح وعلي شدوي وكم هائل من كتاب القصة وكاتبات مثل نورة الغامدي وعبير العلي وغيرهن، حيث كان الجميع يدور في فلك واحد هو تلمس ملامح القرية الجنوبية ومعاناة إنسانها».
وعن نتاجه الروائي، يقول: «بالنسبة لي، قدمت سبع روايات كنت أولها (ريحانه بحس الاغتراب) ثم (أوان الورد)، وثلاثية (المكتوب)، و(وحي الآخرة) و(مدن الدخان) و(غيوم امرأة استثنائية).. ملامح المكان ومعاناة الإنسان والشواهد التاريخية من أهم سمات الرواية الجنوبية».

* حين يطغى المكان
من جهتها، قالت الروائية عبير العلي إن «الجنوب جهة شاسعة من وطن الروح وعسير قلبها النابض وتعمدت أن أنكه به روايتي (الباب الطارف) وأعمدها ملامح عسير وبعضا من ناسها بلكنتهم وحياتهم وتفاوت طباعهم، وإبراز المكان كان هدفا اعتنيت به، بدءا من تفاصيل غرفة منزوية في منزل قديم حتى فضاء أبها الحالم. ولأنني ابنة هذا المكان ومن أحبته، فحتما سيكون للجنوب بمختلف اتجاهاته ورسمه نصيبا مما أكتب».
بينما يقول الروائي إبراهيم شحبي: «لا نستطيع أن نقول إن لدينا رواية بالمعني الحقيقي فالروايات الموجودة قليلة إذا استثنينا روايات عبد العزيز مشري، فلدينا شح في الروايات»، مبينا أن المكان حاضر بقوة في كل الروايات الجنوبية، بدءا بروايات مشري ونهاية بالروايات التي لم تكتب.
لكنه يستدرك بقوله: «أعتقد أن لدينا فقرا في الأرضية الثقافية بشكل عام. وأن القصور في الثقافة الروائية مؤثر في توجه كتاب الرواية للمكان، فالمكان أشبع في جل الروايات تقريبا. أما بالنسبة لي، فقد كتبت ثلاث روايات واعتبرتها فاشلة، فأنا أعتبر أن النجاح ليس بحجم الحضور وإنما بحجم الانتشار مقارنة بالروايات في البلاد العربية وحجم النقد. فنجاح رواية (الحزام) لأحمد أبو دهمان، مثلا، سببه وجود الكاتب في مكان مثل فرنسا، على الرغم من أنه كتب عن المنطقة الجنوبية».
ويضيف: «لدي إحساس أن صاحب الموهبة سيكتب، ويجب أن يتسلح بالتاريخ المعرفي الثري الذي سيعزز نجاح روايته؛ فوجود المساحات المعرفية والتاريخ الثقافي والأسطوري للأرض يفتح آفاقا جديدة. وبالطبع، الرواية الجنوبية ليست في معزل عن الرواية السعودية، لكن أغلبها يتسم بالمناطقية والسير الذاتية، ولا بد من خطوة نحو الأمام للتغيير والابتكار في العمل الروائي التقليدي».

* الرواية القروية
بينما أكد الروائي خالد المرضى أن لكل منطقة جغرافية سماتها الخاصة، ولذلك فالروايات التي كتبت في المنطقة الجنوبية لها سمات خاصة أيضا، حيث كتب عن القرية بشكل تفصيلي، وقد ظهرت بوادر هذا الأمر في روايات عبد العزيز مشري، الذي يعد رائدا في الحديث عن القرية.
وقال: «أتحفظ على تصنيف الرواية بالجنوبية فهي (الرواية القروية)، إذ إن الرواية هي بنت المدينة، لكن الروايات الجنوبية التي ظهرت غيرت النظرة نحو القرية، وأفرزت خيوطا لحبكات روائية وتجارب روائية تعد نقلة في عالم الرواية».
وتابع المرضي: «كتاب المنطقة الجنوبية اتفقوا في الحديث عن القرية والكتابة عنها، واختلفوا في الأفكار والشخصيات وطريقة الطرح. فكتاب الجنوب هم من أول كتاب المملكة في عالم الرواية، حيث الرواية عمل وليست مجرد حكاية، وهي عمل يتناول الشخصيات والعمق الفلسفي؛ سواء أكان في القرية أو المدينة، وخبرات الكتاب السعوديين في الرواية لا تتجاوز الـ50 سنة، بينما كتبت الرواية في الغرب منذ أكثر من 250 عاما، ولكن الرواية في السعودية وصلت إلى مواقع مميزة، فهي موجودة وبعمق، وهذا ما لمسناه في روايات عبده خال ورجاء عالم وغيرها من الروايات التي تصدرت في أفكارها وطريقة طرحها».
بينما يضيف الدكتور عبد الرحمن بن حسن المحسني، وهو ناقد من جامعة الملك خالد في عسير جنوب المملكة، بالقول: «لا أعتقد أن الطبيعة وحدها هي ما يميز الحكي هنا، فهناك معطيات تبدو في بعض ما يكتب، حيث الخط السياسي الآيديولوجي كان حاضرا بقوة عند عبد الله ثابت في (الإرهابي 20).. والخط الاجتماعي الحداثي في الكتابة حضر في (جبل حالية) لإبراهيم مضواح الألمعي مثلا».
ويضيف: «المكان في ظني لم يتشكل في كتابة الروائيين الجنوبيين، وعلى خلاف مدينة كالرياض التي حضرت في (بنات الرياض) لرجاء الصانع، ومكة التي حضرت تفاصيلها عن رجاء عالم وعبد الله التعزي.. وجدة التي حضرت بقوة في روايات ليلى الجهني.. على خلاف هذا الحضور المكاني لم تكتب أبها في عمل روائي يكشف عمقها المتخفي في تسميات مستفزة للبعد الكتابي مثل (حي النصب) و(حي المنسك) مثلا.. وأتمنى أن لا تبقى طويلا بعيدة عن عمل روائي حفري يفجر طاقات المكان الروائية».
ويضيف: «يحتاج الروائي السعودي بنحو عام وفي الجنوب خاصة، أن يفقه مفهوم العمل الروائي الذي يتباين عن القصة الطويلة، ويبنى على رؤية استراتيجية تحرك مسار الرواية، وهو ما تفتقده جل الروايات السعودية». مبينا أن أزمة الرواية السعودية تكمن في المضامين، التي ما زالت تئن تحت وطأة القضايا الاجتماعية التي جعلت كثيرا من الروايات السعودية نسخا مطورة عن بعضها.

* الطبيعة والأرض
ويرى الأديب والكاتب يحيى العلكمي أن ما يميز الرواية الجنوبية هو التصاقها بالأرض، وتعلق الروائي بالطبيعة الاجتماعية وآمالها وآلامها فشخوص الروائي الجنوبي حميمة ووادعة، وقلما يكتب الروائي في الجنوب رواية عنيفة أو تكثر فيها الصراعات، فهي تتماهى مع الطبيعة ومع الناس وحياتهم اليومية، ولديها حنين إلى الماضي، وتكريسه بأخطائه ونجاحاته، كما أن نظرتها إلى المستقبل نظرة ليست بعيدة؛ فلا تستشرف المستقبل وتكتفي بالواقع.
ويعتقد العلكمي أن معظم الروايات الجنوبية عبارة عن سير ذاتية ومذكرات، ولكن الاختلاف والتميز برز في روايات محمد حسن علوان في خروجه عن المألوف إلى مقاربات اجتماعية وسياسية واقتصادية خارج نطاق اليوم المعتاد.
أما الأديب أحمد التيهاني فيقول: «لم أعثر على روايات مبكرة تمثل طور نشأة هذا الفن بهذه المنطقة, وتكون موازية - زمنيا - للروايات السعودية الأولى, وذلك أمر بديهي إذا نظرنا إلى أدب هذه الجهة بوصفِه جزءا من الأدب السعودي؛ إذ كان رواد الأدب في المملكة العربية السعودية ينتمون إلى مناطق أخرى هي أكثر قدرة على تقبل هذا الفن الجديد، وذلك لما تهيأ لأدبائها من أسباب الاطلاع على تجارب نظرائهم في البلاد العربية المجاورة, ولأن أدباء الحجاز - على وجه الخصوص - كانوا أقرب إلى الانفتاح على الفنون الجديدة، ذلك أن الفن الروائي مرتبط بالتطور الاجتماعي الذي كانت الحجاز أسبق إليه لأسباب معلومة، وهو - كالفنون الأدبية الأخرى - يرتبط بالتحولات الاجتماعية السريعة، والاضطرابات غير المألوفة, وقد كانت الحجاز الأسرع نموا، وتطورا، ولذا بادر الحجازيون إلى الأنواع الأدبية الجديدة قاصدين ذلك, فقد كان هناك نوع من الرفض لهذا الفن في بدئه الأول، ولذلك أسباب تتعلق بكون الرواية تعتمد على تعقيدات العلاقة بين الجنسين التي يرفضها المجتمع السعودي ولعلاقتها - في تاريخها - بنقد الثابت الاجتماعي والعقدي, فضلا عن كونها فنا دخيلا على العربية يحتاج إلى التمكن, والوعي, قبل ممارسة الكتابة».
ويضيف: «الحق أن تأخر ظهور الرواية عند أدباء عسير كان سببا في حرق المراحل, وهي سمة إيجابية حين ينظر إلى الأعمال الروائية من ناحية النضج الفني، لا من ناحية الريادة التاريخية, ولذا لم تمر الرواية في عسير - عند النظر إليها بوصفها جزءا من الفن الروائي السعودي - بما سماه البعض (المعيار الزمني) ، ويقصد به أولية الإنتاج وريادته, ولم تشهد الرواية في عسير مراحل الإرهاصات الأولى التي لا تكون على درجة عالية من النضج, كما أنها لم تشهد ما يتبع البدايات من التراخي, والانحسار, اللذين قد يحدثان نتيجة عدم مواءمة الجنس الأدبي للواقع الاجتماعي, وإنما ظهرت ناضجة بوصفها حلقة في سلسلة مراحل نشأة الرواية السعودية».



الرياض تحتفي بمئوية كتاب «ملوك العرب» لأمين الريحاني

أمين الريحاني (الشرق الأوسط)
أمين الريحاني (الشرق الأوسط)
TT

الرياض تحتفي بمئوية كتاب «ملوك العرب» لأمين الريحاني

أمين الريحاني (الشرق الأوسط)
أمين الريحاني (الشرق الأوسط)

يعود المفكر والأديب والمؤرخ والرحالة والشاعر والرسام العربي اللبناني أمين الريحاني، إلى الواجهة مجدداً، بعد 85 عاماً على رحيله، من خلال احتفاء دارة الملك عبد العزيز، بمضيّ قرن على صدور كتابه «ملوك العرب»، الذي يعد خلاصة رحلة المؤرخ الراحل إلى الجزيرة العربية بين عامي 1922 و 1924.

ويرعى الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، ندوة علمية، تنظمها الدارة، بالتعاون مع مؤسسة أمين الريحاني، الأربعاء 15 يناير (كانون الثاني)، للاحتفاء بمئوية صدور كتابه «ملوك العرب»، وذلك في قاعة الملك عبد العزيز للمحاضرات.

الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز (الشرق الأوسط)

ووفقاً للمؤرخ الراحل الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، فإن أمين الريحاني يعد أحد مصادر التاريخ السعودي، وكان على درجة من الدقة فيما يتعلق بالمعلومات والأحداث التاريخية، مشيراً إلى أن ابن أخي الأديب المهجري اللبناني أمين الريحاني أصدر عام 2000 كتابه «الرسائل المتبادلة بين الملك عبد العزيز والريحاني»، تناول ومضات الإعلام الخارجي في تلك الرسائل، إذ أبانت الحسّ الإعلامي الفطري عند الملك، واهتمامه بالرأي العام الخارجي، وأشارت إلى تنفيذ الريحاني مبادرات وصيَغ إعلاميّة متقدّمة، إذا ما قيست بظروف عشرينات القرن الماضي ومعاييره، كالمقالات السياسيّة في الصحف اللبنانيّة والمصرية، وإلقاء المحاضرات في الجمعيّات الأميركيّة والكنديّة والأوروبيّة وإذاعتها في الإذاعات، مما قام به الريحاني ودّيّاً بوصفه صديقاً للملك، خدمةً للإعلام السياسي للدولة السعودية الناشئة.

وأضاف الشبيلي في مقالة كتبها في «الشرق الأوسط» نهاية أبريل (أيار) 2018: «وقد وقعتُ على كتابين قديمين -نادرين بالنسبة لي- يتّصلان بسيرة أمين الريحاني وتراثه: الأول؛ أصدره عام 1951 ألبرت، وهو الشقيق الأصغر للريحاني، ونشرته دار الريحاني ببيروت في 570 صفحة، متضمّناً رسائل خاصة أمكن العثور عليها حتى عام صدور الكتاب، تبادلها مع عدد من الساسة والمفكّرين، يقع تاريخ كتابتها بين عام 1896 والعام الذي توفي فيه 1940، وهي تضمّ خمائل من أدب الريحاني، وألواناً من إبداعاته في الفكر والشعر والفن والسياسة والعلوم، وتكشف عن أهوائه وهواياته، وهمومه وآلامه وتجلّياته، وتعرض جوانب من شخصيّته، وهي أولاً وأخيراً، لون متميّز معروف في التراث العربي (أدب الرسائل) وقد أضاف إليها ابن أخيه عام 2000 مخاطبات عمّه مع الملك عبد العزيز، كما سبق».

غلاف كتاب «ملوك العرب» الذي سيحتفى بمضي 100 عام على صدوره

وزاد بالقول: «أما الكتاب الثاني؛ فهو بالغ الأهميّة كذلك، صدر عام 1979 بمناسبة الذكرى السنويّة لمولد الريحاني (عام 1879) واعتنى بإصداره أخوه ألبرت أيضاً، ويتضمّن فهارس بيبلوغرافيّة في 550 صفحة، لمجمل ما نُشر عن الريحاني ومنه حتى ذلك العام، في المطبوعات العربيّة والأجنبيّة في الشرق وفي المهجر، نشرته المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر في بيروت».

وشدد على أنه «رغم قِدَم الكتابين، وأنه مضى على صدورهما حين من الزمن، فإِنهما يُشكّلان ذخيرة نفيسة لمن يسعى للاطّلاع على تراث هذا الأديب العربي الكبير، الذي توفي في حادث سقوطه من دراجة في بلدته (الفريكة) بلبنان عام 1940 عن 63 عاماً، ولا غنى لمن يعمل على سيرته والتنقيب في أعماله عن كتابيه المشار إليهما، ولا يملك من يطّلع عليهما إِلا أن يتمنّى تحديثهما، وإضافة ما جدّ عليهما خلال العقود الماضية».

ومع أن الريحاني لم يُعمّر طويلاً، وأنه أمضى زهرة شبابه في المهجر (أميركا)؛ فإنه مع بداية العشرينات زار الحجاز ونجداً وعدداً من الدول العربيّة والأوروبيّة، واتّصل بكثير من القادة والساسة، وراسلهم وكوّن صداقات معهم، ومن بينهم الملك عبد العزيز، والشريف حسين بن علي، ملك الحجاز، ويحيى حميد الدين، إمام اليمن، وأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت، وسلمان آل خليفة، أمير البحرين، وفيصل الأول، ملك العراق، ومن المفكّرين العرب جرجي زيدان، وأحمد شوقي، ومحمد كرد علي، وبشارة الخوري (الأخطل الصغير) وغيرهم.

وذكر الشبيلي أن من مؤلّفاته النثريّة والأدبيّة الثلاثين، والخمسة والعشرين بالإنجليزيّة، كتابين اثنين، هما؛ ملوك العرب (1924 - جزآن) وتاريخ نجد الحديث (1927)، والثاني يُعدّ قطعة من تاريخ السعودية، وعلى درجة من الدقّة فيما يتعلّق بالمعلومات التاريخيّة، بحكم أنه استقى كثيراً منها برواية الملك عبد العزيز نفسه، وكان الملك يطّلع على تطوّر إصداره، ومرتاحاً لما تضمّنه من مواد، وإن كانت تردّدت شبهات حول زيادات فيه من تصرّف الريحاني، قد تكون ناتجة عن غيرة، كما يحدث أحياناً بين المتنافسين.

وحسب الزركلي، فإن للريحاني كتاباً ثالثاً نشره بالإنجليزيّة بعنوان «ابن سعود ونجد»، صدر بعد عام 1927، ومما ذكرته الجريدة الرسميّة السعودية «أم القرى» عن الريحاني، حضوره عام 1926 استقبال أعيان الحجاز للملك عبد العزيز، في منزل الشيخ محمد حسين نصيف، عند مَقدمه لأول مرّة، وإلقاء كلمة فيه.

استمر التواصل واللقاءات بين الملك عبد العزيز والريحاني نحو عشرين عاماً، تدور مراسلاتهما حول النزاع بين السعوديين والأشراف في مطلع العشرينات، والأحداث الحدوديّة الجارية مع اليمن في أوائل الثلاثينات، وحرص القيادة السعودية على إطلاع الرأي العام الداخلي والخارجي بصراحة وموضوعيّة على مجريات تلك الأحداث أوّلاً بأول، كما كان يتلقّى التأكيد على إيلاء القضيّة الفلسطينيّة الاهتمام الواجب، وذلك قبل نشوء دولة الاحتلال بأعوام.

هدف كتاب «ملوك العرب» إلى التعريف بسِيَر ثَمَانيَة من قادة العرب، من خلال معرفة المؤلّف بهم، فيما تطرّق كتابه الثاني «تاريخ نجد الحديث» إلى سيرة الملك عبد العزيز، وتاريخ الدولة الجديدة التي جمع شتاتها، وأنه بصدد إعلان توحيدها سياسياً في دولة واحدة (1932) وقد استقى المؤلّف كثيراً من التفاصيل من الملك مباشرةً كما سلف، فضلاً عن نشر الوثائق والرسائل التي كانت بحوزة المؤلّف، وتَحَرّى الدقّة في ضبط أسماء الأعلام والبلدان، كما ضمّ الكتاب ثلاث نُبَذ عن نواحي نجد، والوهابيّة، والأسرة السعودية الحاكمة.

وبعد؛ لعل مما يُسجّل دليلاً على حنكة الملك عبد العزيز، ضمن جهوده في تأسيس الدولة طيلة مدّة حكمه (54 عاماً) أنه أحاط ديوانه بمستشارين رسميين من جميع الأقطار العربيّة (منهم يوسف ياسين من سوريا، ورشدي مَلحَس من فلسطين، وفؤاد حمزة من لبنان، وحافظ وهبة من مصر، وعبد الله الدملوجي ورشيد عالي الكيلاني من العراق)، وبأصدقاء مفكّرين (منهم عبد الله فيلبي من بريطانيا، ومحمد أسد من النمسا، وأمين الريحاني من لبنان)، فضلاً عن نخبة من المستشارين المثقفين السعوديين (منهم أحمد بن ثنيّان آل سعود، وعبد الله بن عبد الرحمن آل سعود، وخالد السديري، وإبراهيم المعمّر، وحمزة غوث) يلتقيهم كل يوم، ويناقش آراءهم، ويتخاطبون معه مباشرةً، ومع ذلك يكون الرأي الأخير له، والقرار إرادته، ومن هنا صارت له الغَلَبة والتوفيق، بفضل الحكمة والدهاء والمشورة والثقة بالنفس.